الجديد في العلاقات المصرية التركية
د. علي الدين هلال
شهدت العلاقات المصرية التركية في القرن الحادي والعشرين العديد من التقلبات والتغيُّرات المتلاحقة.
فاتَّسمت في حقبته الأولى بالصداقة والتعاون مع نظام الرئيس مبارك. يدل على ذلك أنه في يوليو 2010، قام الرئيس التركي عبدالله جول بزيارة إلى مصر ورافق الرئيس المصري في حفل تخريج طلبة الكلية الحربية، وشاركه في توزيع الأوسمة والأنواط. وفي العام التالي، انقلب رئيس الوزراء أردوغان على الرئيس المصري وطالبه بالتخلي عن الحكم، وتحالف مع نظام حُكم الإخوان خلال الفترة (2012-2013)، وعندما سقط هذا النظام بعد ثورة يونيو 2013، عاد لمعاداة الدولة المصرية.
ولم يترك أردوغان مناسبة دولية إلا وكرر فيها هذه الاتهامات، كخطابه في حفل تأبين الرئيس نيلسون مانديلا، وخطابه السنوي في الجمعية العامة للأمم المتحدة. وفي نفس الوقت، قام أردوغان بفتح أبواب بلاده للهاربين من قيادات الإخوان والذين صدرت ضد بعضهم أحكام قضائية، ووفَّر لهم منصات إعلامية للهجوم على الدولة المصرية، وتوجيه أشد التُّهم ضدها. واستمرت نبرة العداء التركي لمصر لسنوات، ثم بدأت في التغيُّر في الشهور القليلة الماضية.
ففي سبتمبر 2020، غازل أردوغان مصر مشيراً إلى أن الحوار مع القاهرة ممكن، وأنه في حالة وجود مساحة مشتركة للتفاهم بينهما بخصوص ليبيا وشرق المتوسط، فإن تركيا لا بد أن تنظر إلى هذا الأمر على نحوٍ إيجابي، مُضيفاً أنه توجد اتصالات غير علنية بين البلدين. وفي لفتة إيجابية، أكد وزير الدفاع التركي أن “مصر لم تتجاوز قواعد القانون الدولي في اتفاقيات ترسيم حدودها البحرية مع اليونان وقبرص”. وفي 27 ديسمبر، صرَّح وزير الخارجية التركي بأن “هناك اتصالات بين البلدين على مستوى أجهزة المخابرات لتحسين العلاقات الثنائية”.
شهد الأسبوع الثاني من شهر مارس الجاري موجةً ثانيةً من التصريحات التركية التصالحية مع مصر. فأكد المتحدث باسم حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا “على الروابط القوية بين القاهرة وأنقرة”. وأشار وزير الدفاع إلى القيم التاريخية والثقافية المشترَكة بين البلدين.
وأكد وزير الخارجية على أنه توجد اتصالات استخباراتية ودبلوماسية مع مصر، وأن الأيام القادمة سوف تشهد جولة جديدة من المباحثات، وأشاد باحترام مصر لقواعد القانون الدولي واحترام الحقوق التركية عند ترسيمها لحدودها البحرية، مُضيفاً أنه من الممكن التفاوض مع مصر لتوقيع معاهدة لترسيم الحدود البحرية بينهما.
وعلى مستوى رئاسي، صرَّح المتحدث باسم الرئاسة التركية بأنه “يُمكن فتح صفحة جديدة في علاقتنا مع مصر وكذلك دول الخليج لإرساء السلام والاستقرار الإقليميين”. وجاءت تصريحات الرئيس أردوغان مؤكدة لهذه التوجهات، فذكر أنه يوجد تعاون بين البلدين في مجالات المخابرات والدبلوماسية والاقتصاد. وأشار بدهاءٍ إلى أن العلاقات بين الشعبين المصري والتركي أقوى من مثيلاتها بين الشعبين المصري واليوناني.
من جانبها، جاءت التصريحات الرسمية المصرية مُقتضبة وحذرة. فذكر بيان لوزارة الخارجية في سبتمبر 2020 أن “نهج تركيا يفتقد إلى المصداقية”. وأشار وزير الخارجية المصري في كلمة له في مجلس النواب في 14 مارس 2021 بأنه “لا توجد علاقات بتركيا خارج القنوات الطبيعية”، وأن “المواقف السياسية السلبية من الساسة الأتراك لا تعكس العلاقة بين الشعبين المصري والتركي”، وأن مصر حريصة على علاقات المودة التي تجمع بين الشعبين، وأنه “إذا ما وجدنا هناك تغييراً في السياسة التركية، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، وانتهاج سياسات إقليمية تتوافق مع السياسة المصرية، فقد تكون هذه أرضية ومُنطلقا للعلاقات الطبيعية”. ومؤدَّى هذا التصريح، أن مصر تنتظر من تركيا أفعالا لا أقوالا، وأن تتغير الممارسات التركية في العلاقات الثنائية والإقليمية التي أدت إلى حالة القطيعة بين البلدين.
تختلف الاجتهادات حول الأسباب التي دفعت أردوغان إلى تبنِّيه سياسة تصالحية مع مصر. فيرى البعض أن ذلك يرجع إلى دخول سياسات المواجهة والعداء التي اتبعها إلى طريقٍ مسدود، مما أدى إلى توقيع عقوبات من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة على تركيا. ويرجع آخرون هذا التغيُّر إلى المشاكل الداخلية الاقتصادية والسياسية التي تتعرض لها تركيا. ويتجه بعضٌ ثالث إلى أن السبب المباشر لهذا التغيُّر هو تخوُّف أردوغان من سياسات الإدارة الأمريكية الجديدة تجاه تركيا. فقد وصف بايدن خلال حملته الانتخابية الرئيس التركي “بالحاكم المُستبد”، واعتبر وزير الخارجية أن تركيا طرف “غير موثوق به”، وأدانت وزارة الخارجية انتهاكات حُكم القانون وحقوق الإنسان في تركيا.
وأياً كانت الدوافع، فإن تركيا تبعث بإشارات واضحة ومتكررة إلى مصر ودول الخليج برغبة تركيا في فتح صفحة جديدة من العلاقات بين الطرفين. والسؤال هو هل تُمثِّل هذه الإشارات تغيُّراً في رؤية أردوغان لدور تركيا الإقليمي وتخليه عن طموحات مد النفوذ والسيطرة على الدول الأخرى أم أنها مُناورة تكتيكية تتغيَّر فيها الأدوات وأساليب الحركة للتكيف مع الظروف الدولية الجديدة وحسب.
القول الفصل في الإجابة عن هذا السؤال هو ما سوف تقوم به تركيا في الواقع والسلوك العملي.
وسبحان مُغيِّر الأحوال!
نقلا عن العين الإخبارية