مرحلة حرجة: اتجاهات أزمة تشكيل الحكومة اللبنانية

رغم مرور خمسة أشهر على تكليف سعد الحريري بتشكيل حكومة جديدة في لبنان، للتعاطي مع التحديات المختلفة التي تواجه الدولة اللبنانية داخلياً وخارجياً، إلا أن هذه الحكومة لم تر النور بعد، في ظل عثرات وعراقيل كثيرة، وُضعت في طريق تشكيلها، حالت حتى الآن دون أن يستقر الوضع السياسي في لبنان على النحو المرجو والمأمول. مما أدخل الوضع السياسي في لبنان في حلقة مفرغة، تدور فيها كل الأطراف السياسية حول نفسها. المتغير الجديد في حلقة الفراغ تمثل في التهديدات الأخيرة من رئيس الجمهورية العماد ميشيل عون لرئيس الحكومة المُكلف سعد الحريري بضرورة البدء فوراً في تشكيل الحكومة أو التنحي عن المهمة، مما حرك المياة مرة أخرى، وجعل الجميع ينتبه لما سيحدث في مقبل الأيام، بينما تراقب الأطراف الدولية عن كثب ما يحدث، وحديث عن نهج دولي مختلف ستقوده فرنسا بالتعاون مع الولايات المتحدة وأوروبا إزاء التعامل مع الوضع الراهن في لبنان.
كل ما سبق يؤكد أن الملف اللبناني يواجه مرحلة حرجة بالفعل، قد تقود لتغيرات كثيرة في المسار السياسي بمستوياته الكلية والجزئية، وهذا ما سنركز عليه في هذا المقال التحليلي.
التأزم الداخلي بعد دعوات عون الأخيرة:
منذ أن تم تكليف سعد الحريري عقب حادثة المرفأ بتشكيل حكومة جديدة في لبنان، إلا أن المسار لا يزال متعثر، ويبرهن على ذلك مرور خمسة أشهر على بداية التكليف، كذلك عدد اللقاءات التي أجراها سعد الحريري مع رئيس الجمهورية خلال تلك الفترة ، والتي وصلت لسبعة عشر لقاءً، وسيكون اللقاء الثامن عشر يوم الأثنين المقبل ( 22 مارس 2021) . الموقف متأزم بالفعل وكل المحاولات السابقة باءت بالفشل، في ظل رغبة بعض الأطراف ( خاصة تيار حزب الله والتيار الوطني الحر) في فرض رؤيتها، وعدم الالتزام ببعض المعايير التي تم التوافق حولها من قبل مثل تشكيل حكومة مستقلين، أو اختصاصيين، وفي ظل تفاقم الوضع الاقتصادي في لبنان بصورة غير مسبوقة، حيث فقدت الليرة اللبنانية 90% من قيمتها أمام الدولار، مع ارتفاع غير طبيعي في مستويات التضخم، وتفاقم تداعيات أزمة كورونا على كل المستويات، وحالة الشلل الحكومي في التعامل مع كل هذه التحديات، التي تهدد بالفعل بانهيار حقيقي للدولة اللبنانية، إذا لم تعالج هذه القضايا بخطط إنقاذية سريعة، لذلك حاول الرئيس عون أن يلقي الكرة في ملعب سعد الحريري، وطالبه الاسبوع الماضي بالاختيار بين تشكيل الحكومة فوراً أو ترك المهمة ، وهو ما أدخل الوضع اللبناني في مسار تصادمي أعلى حدة مما قبل.
تباينت ردود الفعل اللبنانية إزاء تصريحات عون الأخيرة، البعض اعتبرها لغة غير لائقة للتعامل مع رئيس الحكومة وقصدت إحراجه أمام تياره وأمام الشعب اللبناني، بينما اعتبرها أخرون فرصة لسعد الحريري لقلب الطاولة على الجميع ، سواء بطرح الحكومة فعلا وترك مسئولية فشلها للجهات الرافضة، أو بالتنحي عن المهمة فعلا. لكن يبدو أن الحريري لا يزال متمسك بفرصة تشكيل الحكومة، لذلك اتجه للقاء الرئيس عون في قصر بعبدا في محاولة للتهدئة بين الطرفين، والاتفاق على نقاط جديدة لكسر حلقة الفراغ، فموقف الحريري لم يتغير على ما يبدو ( حكومة اختصاصيين مـن ١٨ وزيــراً) ، وهـو ينتظر عليها إجـابـات مـن ميشيل عــون والتيارات الرافضة لهذه التشكيلة.
مقاربات دولية مختلفة:
على ما يبدو أن سعد الحريري يقوم ضغوط الداخل، لكن عينه على الخارج، وينتظر من الدول الداعمه له ممارسة ضغوط حقيقية لتمرير حكومته، خاصة بعد التصريحات الأخيرة للـرئـيـس الـفـرنـسـي إيـمـانـويـل مــاكــرون عن ضــرورة تغيير الـنـهـج الفرنسي إزاء لبنان ، علاوة على مراقبة التحركات التي تقوم بــها الـسـفـيـرة الأمـيـركـيـة في بيروت دوروثـي شيا التي تجري لقاءات بعيداً عن الأضواء لمتابعة التطورات الداخلية، ويعول الحريري على موقف فرنسي أمريكي مشترك خلال الفترة القادمة، قد تدعمه دول الاتحاد الأوروبي، ودول عربية أخرى، يساعد على تعويم حكومته، وإخراجها للنور، وفق شروطه، بالمقابل يعول على ضرورة تحجيم نفوذ بعض الأطراف السياسية المعرقلة للوضع السياسي، والمتهمة في الوقت نفسه ببعض القضايا الجنائية ، وعلى رأسها تحقيقيات حادثة المرفأ. وعلى ما يبدو أن الأزمة اللبنانية ستشهد تصعيداً خلال الفترة القادمة في ظل التهديدات الفرنسية بتغير مقاربتها للوضع اللبناني، فيما عرف بالمبادرة الفرنسية، في ظل عدم استجابة المسئولين اللبنانيين لها بالقدر الكافي، واستمرار المراوغة من بعض الأطراف، خاصة المحسوبة على التيار الشيعي، حيث تهدد فرنسا باعتماد مقاربة تشتمل على عقوبات على بعض المسئولين اللبنانيين المتهمين بالتسبب في تعطيل أزمة تشكيل الحكومة، وممارسة ضغوط أكبر على الحكومة اللبنانية عبر آليات جماعية تقودها فرنسا ومتوقع أن تدعمها الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي.
السيناريوهات المحتملة:
هناك أربعة سيناريوهات للوضع الراهن في لبنان، فيما يتعلق بأزمة تشكيل الحكومة، وهي كما يلي:
السيناريو الأول: نجاح مسار تشكيل حكومة سعد الحريري. وفق توافقات داخلية ، واستجابة لضغوط الشارع اللبناني، وكذلك استجابة للضغوط الخارجية المتوقعة.
السيناريو الثاني: تنحي سعد الحريري واستمرار حكومة تصريف الأعمال، وفق هذا السيناريو يمكن أن يختار سعد الحريري إلقاء الكرة في ملعب رئيس الجمهورية والتيارات الرافضة للحكومة، حيث يمكنه التنحي عن المهمة، ليدخل لبنان مع هذا السيناريو في مسار مضطرب جديد، بانتظار الاتفاق على شخصية جديدة تتولى المسئولية.السيناريو الثالث: سيناريو استمرار تعثر التشكيل، وحدوث فوضى وأزمة اقتصادية وماليه تهدد باضطراب الوضع السياسي والاقتصادي الداخلي في لبنان، واستمرار حلقة الفراغ لأشهر قادمة.
السيناريو الرابع: الاستقطاب الداخلي والمسارات العنيفة، وفق هذا السيناريو قد نشهد سيناريوهات كثيرة منها حدوث فوضي سياسية في لبنان، نتيجة خروج اللبنانيين للتظاهرات مرة أخرى، وربما بوتيرة أعنف هذه المرة، خاصة في ظل ما وصلت إليه الأمور من تدهور معيشي واقتصادي وصحي وغيره، وربما تتكتل أحزاب التيار الشيعي وتعزز من تحالفاها مع التيار الوطني الحر وتشكل حكومة، عكس التوافقات الدولية وبما يخالف مواقف بأقي الأطراف( بمعنى فرض حكومة من التيار الشيعي والتيار الوطني الحر على لبنان) وهو سيناريو محفوف بالمخاطر أيضاً لا يمكنه تحقيق الاستقرار، ويبقا سيناريو أخير وهو أن تتعامل القوى الخارجية مع الوضع اللبناني بمفاهيم مختلفة، تنتقص من سيادة لبنان، وتفقده مكتسباته الوطنية التي حققها خلال العقود السابقة، منذ استقلاله وحتى الآن.