ركائز مؤثرة: هل تتأثر العلاقات الاقتصادية الخليجية الأمريكية في ظل إدارة “بايدن”؟
” دراسة متخصصة”
بعد فوز “بايدن” برئاسة الولايات المتحدة الأمريكية، بدأت تساؤلات كثيرة تطرح حول طبيعة العلاقات الأمريكية تجاه دول الشرق الأوسط والخليج، خاصة بعد أن شهدت علاقات دول الخليج تطوراً وتحسناً كبيرين في عهد الرئيس السابق “ترامب”.
ففي ظل توقعات تشير إلى شكل السياسة الخارجية الأمريكية للرئيس “بايدن” في المرحلة القادمة تجاه إيران، واستعداد الرئيس المنتخب جو بايدن للانضمام ثانية إلى الاتفاق النووي الإيراني، الذي يُعرف أيضاً باسم (خطة العمل الشاملة المشتركة بين إيران ومجموعة (5+1)، التي تضم الولايات المتحدة، وروسيا، والصين، وبريطانيا، وفرنسا، وألمانيا، والتى وقعت في يونيو 2015– يبقى السؤال: إلى أين تتجه العلاقات الاقتصادية بين دول الخليج والولايات المتحدة الأمريكية؟، وما هي أهم ملامحها المستقبلية والتوقعات المحتملة في ظل أجواء سياسية تحمل فى طياتها الكثير من الضبابية؟.
واقع العلاقات الاقتصادية بين الطرفين:
هنا يمكن قياس واقع العلاقات الاقتصادية بين الولايات المتحدة الأمريكية ودول الخليخ من خلال عدة نقاط، وذلك على النحو التالي:
(*) العلاقات الاستثمارية: يُعتبر الخليج العربي في الوقت الحاضر، وسيبقى في المستقبل نقطة تركيز أساسية للسياسات الامريكية في إدارة العلاقات الاقتصادي ، حيث اعتمدت الولايات المتحدة بشكلٍ نموذجيٍّ مقاربة ثنائية الأطراف. وقد كان هذا الميل واضحاً منذ عهد الرئيس جورج بوش، حيث سمحت الولايات المتحدة لعددٍ من صناديق الثروة السيادية في الخليج شراء حصص في شركات تصنيع ومؤسسات مالية ومشروعات عقارية أمريكية على أساس ثنائى الاطراف[i]
وقد بلغت استثمارات دول مجلس التعاون الخليجى فى الأوراق المالية الحكومية الأمريكية نحو 77.274 مليار دولار فى يوليو 2020 مقارنة ب 994.269 مليار دولار فى فبراير 2020 وذلك وفقا لبيانات وزارة الخزانة الأمريكية. حيث ارتفعت استثمارات المملكة العربية السعودية – أكبر الدول الخليجية المستثمرة في الأذون والسندات الأمريكية – بنسبة 2.7% لـ 167 مليار دولار في يوليو 2020 ؛ مقابل 162.6 مليار دولار في نفس الفترة من عام 2019، كما رفعت استثمارات دولة الكويت بتلك القائمة إلى 42.3 مليار دولار. ورفعت سلطنة عُمان استثماراتها بتلك السندات إلى نحو 8.851 مليار دولار وذلك في نهاية فبراير 2020 مقابل 8.643 مليار دولار بشهر يناير2019 . وارتفعت استثمارات دولة قطر بتلك السندات عند مستويات 1.238 مليار دولار مقارنة بـ 1.203 مليار دولار في شهر يناير2019. أما دولة البحرين فقد جاءت فى المركز الأخير من حيث القيمة فقد رفعت استثماراتها بتلك السندات إلى نحو 884 مليون دولار مقارنة بـ 796 مليون دولار قيمتها في شهر يناير 2019 [2]. ومن هنا يظهر بشكل واضح استثمارات دول الخليج في أدوات الدين الأمريكية خلال عام 2020، مع الضغوطات المالية التي تعرضت لها نتيجة التبعات السلبية لتفشي فيروس كورونا، وهبوط أسعار النفط الا أن تلك الاستثمارات توجهت معظمها نحو الزيادة [3].
يضاف إلى ذلك حجم ضخم من الاستثمارات فى المجالات الأخرى بين الخليج والولايات المتحدة، فعلى سبيل المثال تعتبر دولة الإمارات العربية المتحدة أكبر مستثمر عربي في السوق الأمريكية بإجمالي استثمارات تقدر بنحو 4.8 مليار دولار، وتتركز باستثمارات مهمة في القطاعات التجارية والمالية، كما تتواجد العديد من الاستثمارات الأمريكية فى الامارات بعدة قطاعات منها تكنولوجيا المعلومات والاتصالات والأمن السيبرانى والصناعات المتقدمة [4].
كذلك الحال قاد صندوق الاستثمارات العامة السعودي عمليات الاستثمار في الولايات المتحدة خلال السنوات الأخيرة، واستحوذ على عدد كبير من الأسهم الممتازة في الولايات المتحدة وأوروبا، وحقق أرباحاً في وقت لاحق. من ناحية أخرى، خصص كل من جهاز أبوظبي للاستثمار والهيئة العامة للاستثمار في الكويت، مبالغ كبيرة من رأس المال واختاروا الاستثمار المباشر في العقارات والبنية التحتية وفرص التملك في الشركات الخاصة[5].
(*) العلاقات التجارية: بلغ إجمالى حجم التبادل التجارى السلعى بين دول الخليج والولايات المتحدة الأمريكية نحو 90 مليار دولار لعام 2018 مقارنة ب 8 .84 مليار دولار عام 2017. وقد بلغت إجمالى الصادرات السلعية من الخليج الى الولايات المتحدة نحو 38 مليار دولار، بينما بلغت اجمالى الواردات السلعية لدول مجلس التعاون الخليجى من الولايات المتحدة نحو 52 مليار دولار وهو ما يمثل 7.11% من اجمالى واردات دول الخليج من الأسواق العالمية.
أما بالنسبة للنفط ومنتجاته، فقد تصدر قائمة أكثر السلع المصدرة الى الولايات المتحدة لتستأثر على ما نسبته 9.71% من اجمالى الصادرات السلعية لدول الخليج فى عام 2018، ويليها الألومنيوم ومصنوعاته. ويوضح الشكل رقم (1) حجم واردات الولايات المتحدة الأمريكية من النفط ومنتجاته من دول الخليج العربى، ويظهر من خلاله توجه تلك الواردات نحو الانخفاض خاصة منذ عام 2018.
وعلى الرغم من كون الولايات المتحدة الأمريكية خامس أكبر مشترٍ لنفط الشرق الأوسط، إلا أن وارداتها من المنطقة تراجعت مع إرتفاع معدلات إنتاج النفط محلياً، إثر طفرة استخراج النفط الصخري بالولايات المتحدة ، إلا أن نصيب دول الخليج من النفط الذي استوردته الولايات المتحدة في عام 2019 بلغ نحو 20 ألف برميل يومياً، واستمر فى النقصان ليصل الى ما يقل عن 15 ألف برميل بنهاية عام 2020.
شكل رقم (1) واردات الولايات المتحدة الأمريكية من النفط ومنتجاته من دول الخليج العربى خلال الفترة (1994-2020)
Source : U.S Energy Information Administration , U.S. Imports from Persian Gulf Countries of Crude Oil and Petroleum Products, Available at :-https://cutt.us/IpmCl
وعلى مستوى الميزان التجارى السلعى بين دول مجلس التعاون الخليجى والولايات المتحدة الأمريكية، ففى عام 2018 تحسن هذا العجز فى الميزان حيث بلغ 1.14 مليار دولار مقارنة بعجز بلغ 9.19 مليار دولار عام 2017 كما هو موضح بالشكل رقم (2)[6].
شكل رقم (2) حجم التبادل التجارى ، والميزان التجارى بين دول مجلس التعاون الخليجى والولايات المتحدة الأمريكية خلال عامى 2017-2018
المصدر : المركز الاحصائى لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية ، ملخص احصائى حول التبادل التجارى السلعى بين دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية والولايات المتحدة الأمريكية ،( أبو ظبى : المركز الاحصائى لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، ديسمبر2019 )، ص. 6.
بايدن ومستقبل العلاقات الاقتصادية بين الطرفين:
إن مصالح دول الخليج مع الولايات المتحدة لا تقل أهمية عن مصالح أمريكا مع تلك الدول، فهناك مصالح حيوية استراتيجية أساسية؛ نظرا لتميزها بموقع هام من الناحية الاستراتيجية والأمنية، فهى تشكل طريقا ملاحياً وملتقى الطرق للقارات والاقتصادية لدول العالم الكبرى. كما تتمتع بثروات نفطية ضخمة، وهذا يشكل لصانع القرار الأمريكى أحد المرتكزات الأساسية فى الاستراتيجية الأمريكية تجاه الخليج وذلك لعدة أسباب منها :-
- حماية الاقتصاد الأمريكى من أى أزمات ناتجة عن ارتفاع أسعار النفط أو انقطاع وصول النفط اليها.
- التحكم بأسعار النفط من خلال السيطرة على العرض والطلب العالمى؛ وبالتالى التحكم فى اقتصادات الدول الصاعدة مثل الصين واحباط أى تهديد يمكن أن تشكله روسيا من خلال تشكيل حلقة احتواء لمنطقة شرق اسيا والعراق[7].
وبصرف النظر عما إذا كانت حكومة الولايات المتحدة ديموقراطية أو جمهورية، فإنها تنظر فى أفضل السبل لخدمة مصالحها الاقتصادية والتجارية وتعزيز علاقاتها بشركائها. وهو ما يظهر فى الجوانب التالية :-
(*) المصالح الاقتصادية النفطية وأمن الطاقة: إن من أبرز سمات الخليج العربى الاستراتيجية، هو مخزونه الهائل من النفط، حيث يحتوى على نحو نصف الاحتياطات النفطية العالمية المؤكدة. وتعتمد الاقتصادات الصناعية على النفط ومنتجاته بشكل كبير ومنها الاقتصاد الأمريكى الذى يتصدر قائمة الدول الأكثر استهلاكاً لخام النفط، حيث تجاوز استهلاكه 20 ألف برميل يومياً[8]، وهو ما يشكل 19.7% من حجم الاستهلاك العالمي، يليها الصين بـ14.05 مليون برميل يومياً بما يمثل 14.3% من الاستهلاك العالمي[9]. ويبقى الحديث عن استغناء الولايات المتحدة فى عهد بايدن عن نفط الخليج أمر أبعد ما يكون لعدة اعتبارات تتمثل فيما يلى :-
- يتزايد الطلب الأمريكى على النفط بشكل مستمر، وذلك بسبب عدة عوامل أهمها: إزدياد عدد السكان، والاستخدامات الجديدة للموارد، وزيادة مستويات المعيشة، وبهذا فإن إجمالي استهلاك النفط في الولايات المتحدة يزداد بمعدل 2% سنوي تقريبا ً[10]. ويوضح الشكل رقم (3) تطور إنتاج الولايات المتحدة من النفط . فعلى الرغم من اتجاهه نحو التزايد ليصل الى 950.10 الف برميل يومياً حتى نهاية عام 2020 ، إلا أن هذا الانتاج مازال أقل من نصف حجم الاستهلاك النفطى للولايات المتحدة؛ وبالتالى فإن القول بأن الولايات المتحدة قد أصبحت ذات اكتفاء ذاتي في مجال النفط ومشتقاته بعد ثورة الزيت الصخري غير صحيح، حيث أن الولايات المتحدة ما زالت تستورد حوالي 40 % من احتياجاتها النفطية، وأن حوالي 50 % من العجز التجاري الأمريكي سببه هو إستيراد النفط ومشتقاته لتغطية ذلك العجز بين الإنتاج والإستهلاك، ومعظم هذا الاستيراد يتم من دول الخليج العربى[11] .
شكل رقم (3) متوسط الانتاج الشهرى للولايات المتحدة من النفط الخام خلال الفترة (1965- 2020)
https://cutt.us/h3Blp:Source : U.S Energy Information Administration, 4-Week Avg U.S Field Production of Crude Oil , at:-
- كان الرئيس السابق دونالد ترامب قد عبّر عن أراءه الواضحة لثورة النفط الصخري في الولايات المتحدة الأمريكية، فكان يفضل زيادة التنقيب والحفر واستخراج المزيد من النفط والغاز الطبيعي. ومن ناحية أخرى، عبّر جو بايدن مرشح الحزب الديمقراطي عن شكوكه في طفرة النفط والغاز الأمريكية، وأعلن أن التكنولوجيا التي تقف وراءها والمعروفة باسم ” التكسير” fracking ذات أضرار كبيرة على البيئة، ودعا إلى تخفيض الإعتماد على حرق المركبات الهيدروكربونية لصالح تطوير مصادر الطاقات المتجددة. إذ ركز في خطابه الانتخابي على قضايا المناخ والبيئة وتعزيز الاستثمارات الخضراء، والتحول نحو الطاقة المتجددة، ومن ثم رفع الدعم والتسهيلات عن صناعة النفط الصخري، وإطلاق برنامج يحقق صافي انبعاثات صفرية من الكربون بحلول عام 2050، واستثمار 1.7 تريليون دولار خلال رئاسته في توفير البدائل البيئية من الطاقة المتجددة.
كما، يرى بايدن في تغير المناخ تهديداً وجودياً للكوكب، وأن التحول عن الوقود الأحفوري يمكن أن ينطوي على فرصة اقتصادية إذا تحركت الولايات المتحدة سريعاً لتحقيق الريادة في تكنولوجيا الطاقة النظيفة. علماً بأنه لن يكون من السهل التحول مباشرة للطاقة النظيفة خاصة فى المدى القريب، بل سيكون لها ثمنها الذي ستتحمله الدول النفطية ومنها الولايات المتحدة في وقت تتزايد فيه تحديات الطاقة التقليدية في العالم، لا سيما مع موجات أزمة وباء كورونا، وضعف الطلب العالمي على النفط ؛ وبالتالى سوف يعمل على تحجيم هذه الصناعة في إطار السعي لتنفيذ المبادرات التي تهدف نحو تخفيض الانبعاثات الكربونية[12] .
كما أن بايدن يعلم أن الطاقة البديلة ليست الحل لنهضة الولايات المتحدة، لأن دولاً كثيرة سبقتهم مثل دول أوروبا واليابان وغيرها في الطاقة الجديدة، وفي الوقت الحالي تتفوق فيه الولايات المتحدة على غيرها في البنية التحتية والقطاعات العسكرية والصناعية التي تعتمد على النفط والغاز، فمن الصعب جداً أن يتخلى عن هذه الصناعة على المدى القريب. كما يتوقع أن بايدن لن يتنازل عن ريادة الولايات المتحدة الاقتصادية، خصوصاً إذا عرفنا أن هذا القطاع يوظف أكثر من 12 مليون أميركي بالإضافة إلى الضرائب التي تستفيد منها الحكومة.
كما أنه في الوقت الذي ستكون هناك قرارات من “بايدن” متعلقة بفرض بعض القيود على النفط الصخري في الأراضي الفيدرالية، أو وقف إمتيازات الحفر في التنقيب في محمية ألاسكا الوطنية للنفط في ظل احتجاجات أنصار البيئية، سيحافظ الرئيس الأميركي الجديد على بقاء الولايات المتحدة كأكبر دولة منتجة للنفط في العالم بنحو يزيد على 12 مليون برميل يومياً، حسب أحدث الأرقام والإحصاءات التي وصلتها منذ 2019 لأول مرة منذ 45 عاماً . ومن هنا سيبحث عن مصلحة الولايات المتحدة الأميركية، ولكن بطريقة تختلف عن ترمب، حيث سيتبع أسلوب الدبلوماسية الهادئة مع كبار منتجي النفط حول العالم ومنظمة أوبك وتوقع أنه في ضوء ذلك سنرى معدلات الاقتصاد الأميركي ترتفع، وربما العلاقات مع الصين وإيران ستنفرج قليلاً، وعليها سنرى معاودة دخول المنتجات الصينية إلى أميركا بسهولة مجدداً، ما يعطي بوادر على تحسن الطلب العالمي على النفط مع الانفتاح الاقتصادي المتوقع بين الاقتصادات الكبرى وهو ما قد يصب لصالح النفط الخليجى [13].
3) يضاف الى ذلك أن بايدن قد يسعي إلى الدخول في الاتفاق النووي مع إيران من جديد؛ وبالتالي قد تعود العلاقات كما كانت عليه في عهد أوباما. لكن رغم الصعوبات المتوقعة، إلا أن السياسة ذات الوجهين في تعامل الادارة الأميركية مع الملف الإيراني قد تكون صعبة وموضع جدل، فالعقوبات المفروضة على طهران ليست سهلة؛ وبالتالي فإن عودة تدفق النفط الإيراني مجدداً إلى الأسواق، قد لا تكون قريبة المدى، وإن حدث العكس سنجد أمامنا زيادة في المعروض وسط شكوك نمو الطلب فى ظل جائحة كورونا؛ كما من المستبعد ذلك إلا بعد أن تخفض إيران مستوى إمداداتها من اليورانيوم المخصب، والتي تنامت في عهد إدارة ترامب. وهناك أيضا الوقت الإضافي الذي سيستغرقه ترتيب مفاوضات متعددة الأطراف بشأن اتفاق إيراني جديد والمضي فيها[14].
كما تظهر البيانات التي أصدرتها وكالة بلومبرغ أن إيران لديها القدرة على ضخ حوالي 3.8 مليون برميل يومياً، كما إن وصول النفط الإيراني إلى السوق سيولد مشكلة حقيقية لـ”أوبك” وتدمير اتفاقية تخفيضات “أوبك” وتتسبب في تراجع الأسعار. ومع ذلك، فإن عودة إيران السريعة إلى السوق فى ظل عهد بايدن ليس بالأمر المؤكد والسريع خاصة فى ظل توجه معظم صادراتها النفطية الى الصين[15].
أما السيناريو الآخر، فهو أن تزيد السياسة الداخلية للولايات المتحدة من تعقيد الأمور. من المؤكد أن أي نهج جديد تجاه إيران سيواجه معارضة في الكونجرس ومن الجمهور الأميركي. ومع ذلك، فإن الرئيس الأميركي لديه سلطة تخفيف العقوبات من خلال أوامر تنفيذية أو من طريق إصدار إعفاءات تسمح بشراء النفط الإيراني. قد تكون الإعفاءات من العقوبات بمثابة تحية لإيران للعودة إلى المحادثات وقد قدمت الولايات المتحدة إعفاءات في الماضي. إذ وجد استطلاع لـ “رويترز– إبسوس”، أجري بين الفترة من الثالث إلى السادس من (يناير 2020 )، أن 41 % من الأميركيين يعتبرون إيران تهديداً وشيكاً لبلادهم. وتتشارك غالبية دول الخليج وعلى رأسها السعودية مع شعب الولايات المتحدة القلق ذاته بشأن طهران[16].
ومن العرض السابق يمكن القول، بأن حتى إذا استطاعت الولايات المتحدة بطريقة ما أن تخفض اعتمادها على النفط الخليجى وهو إحتمال غير مرجح خاصة فى المدى القصير– فإن الترابط الثنائى بين سلامة الاقتصاد الأمريكي وسلامة الاقتصاد العالمي الكلي يعني أنها لا تستطيع تجاهل أمن النفط في الخليج العرب ، مادامت الاقتصادات الكبرى تعتمد على هذا النفط.
أخيراً لا ترجع أهمية الخليج العربي فقط إلى أنه يملك معظم أكبر إحتياطيات العالم من النفط؛ ولكن لأنه يملك القدرة المتطورة لإنتاج النفط وأخذه بفاعلية إلى السوق. وتكلفة إنتاج النفط بالإضافة إلى التوسع فى الانتاج أقل كثيراً في الخليج منها في أي منطقة أخرى فى العالم؛ وبالتالى فإن الحديث عن عهد من العلاقات الأمريكية الخليجية بعيد عن النفط فى ظل عهد الرئيس ( بايدن ) أمر مستحيل، حيث أن الإسهام المهم لصادرات الطاقة في الخليج العربي في الاقتصاد العالمي كفي في ذاته لوضع أمن المنطقة على رأس قائمة الأولويات الاستراتيجية للولايات المتحدة الأمريكية، لأنه حتى في حالات الانقطاع المؤقت فإمدادات النفط المتدفق من الخليج العربي، أو ارتفاع أسعار النفط فإن ذلك يمكن أن يتسبب في ضرر دائم للاقتصاد الأمريكي والعالمي بتعزيز التضخم وخفض النمو والاستثمار والتوظيف[17].
(*) المصالح الاقتصادية غير النفطية: إن العلاقات والمصالح الاقتصادية بين الخليج والولايات المتحدة لا تقتصر فقط على النفط، فعلى سبيل المثال تستورد الإمارات العربية من الولايات المتحدة ما قيمته 20 مليار دولار سنوياً من البضائع. حيث حققت الولايات المتحدة فائضها التجاري مع الإمارات العربية المتحدة بما يقدر بنحو 14.5 مليار دولارعام 2019، وهذا يعني بكلمة أخرى أن مصالح الولايات المتحدة في منطقة الخليج تطورت أكثر من مصالحها المتعلقة بالنفط فقط.
كما تحافظ الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية أيضًا على شراكة كبيرة في مجال التجارة ،حيث أن تمركز الطرق التجارية المحيطة بالمملكة العربية السعودية في الخليج العربي والبحر الأحمر، يضع المملكة العربية السعودية على مفترق طرق أهم الممرات للتدفق الحر للبضائع الأمريكية على مستوى العالم. فضلاً عن توقيع الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية أيضًا اتفاقية إطار للاستثمار التجاري لتوسيع العلاقات بين الشركات وزيادة تدفق الاستثمارات بين البلدين. ويضع برنامج رؤية المملكة العربية السعودية 2030 خططًا لتنويع الاقتصاد السعودي، بما في ذلك زيادة التجارة والاستثمار مع الولايات المتحدة.
من الواضح أن التجارة بين البلدين هي عنصر أساسي في العلاقة، حيث قدر تدفق البضائع بين البلدين في عام 2019 بنحو 38.7 مليار دولار[18]. كما يتوقع أيضا أن يستمر حجم التبادل التجارى والعلاقات الاستثمارية بين الولايات المتحدة الأمريكية ودول الخليج العربى، فى النمو والزيادة حيث يتوقع مراقبون استمرار استثمارات ومشاركة الشركات الخليجية في الأسواق، ورجال الأعمال الأمريكيين كما كانت من قبل بغض النظر عن السياسة التي تتبعها الولايات المتحدة.
وفي النهاية، يمكن القول أنه لا شك أن قدوم الرئيس (بايدن) سيلقي بظلاله على الحالة السياسية والاقتصادية في المنطقة، ومن ضمن ذلك العلاقة مع دول الخليج، وهو ما سينعكس على كثير من الملفات الملحة التي لم يتم البت فيها خلال حكم ترامب، ولكن يشير كثير من الخبراء إلى أن كثرة التحديات الداخلية ستشغل بايدن بشكل قد لا يؤثر كثيراً في التغيرات السياسية والأمنية التي فرضتها إدارة ترامب في وقت سابق، كما أن عودة المفاوضات مع إيران ليس بالضرورة أن تنطلق من اتفاقية العمل المشترك السابقة، بل قد يستفيد بايدن من حالة الضعف الإيراني لتعديل كثير من الشروط في الاتفاقية السابقة.
كما أن التحالف والشراكة يبدو أنها ستكون أحد ركائز العلاقات الأمريكية الخليجية التى ازدادت قوةً في السنوات الماضية، وفرضت نفسها على كثير من طاولات النقاش السياسي والاقتصادي في العالم، بوصفها ركناً لا يمكن الاستغناء عنه في دعم الاستقرار الدولي بكافة أشكاله. وقد أثبتت دول الخليج أنها قادرة على التعامل مع أي رئيس مهما كانت توجهاته، حيث تحرص على أن تظل الأبواب مفتوحة على جميع الاحتمالات، من أجل ديمومة هذه العلاقة التاريخية بين دول مجلس التعاون الخليجي والولايات المتحدة الأمريكية .
قائمة المراجع:
[i] ) جيفري مارتيني ، واخرون : افاق تعاون بلدان الخليج العربى ، مؤسسة راند ، 2016 ، ص ص 66-67. متاح على الرابط التالى :- https://cutt.us/pRAFXAnd :-
– CHRISTOPHER KING ,Policy Paper on U.S. interests in the Persian Gulf , 2012 , Available at :-
https://www.grin.com/document/262775
[2]) مركز أضواء للبحوث والدراسات ، انعكاس فوز بايدن على الحالة الخليجية ، 6 ديسمبر 2020 ، متاح على الرابط التالى :- https://cutt.us/y7H6z
- محمد نور ، ” 65% من استثمارات الخليج بسندات أمريكا “، جريدة الوطن، 17 مارس 2020 ، متاح على الرابط التالى :- https://cutt.us/eqm8I
[4] ) وكالة أنباء الامارات ، ” الامارات أكبر مستثمر عربى فى أمريكا ب 8.4 مليار دولار” ، 12\6\2019 ، متاح على الرابط التالى :- https://cutt.us/geu7B
[5] ) أحمد البشير ،” 7.14 مليار دولار استثمارات صناديق الشرق الأوسط فى أمريكا” ، صحيفة الخليج ، 20 يناير 2021 ، متاح على الرابط التالى :- https://cutt.us/MGk5E
[6] ) المركز الاحصائى لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية ، ملخص احصائى حول التبادل التجارى السلعى بين دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية والولايات المتحدة الأمريكية، ( أبو ظبى : المركز الاحصائى لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية ، ديسمبر 2019) ، ص ص 2-6 .
[7] ) د. حسين حافظ : العراق فى الاستراتيجية الامريكية الشرق اوسطية ، ( بغذاد : مكتبة الغفران ، 2013) ص .51
- انور اسماعيل خليل ، توجه الولايات المتحدة الامريكية نحو منطقة الخليج العربى ، حوليات اداب عين شمس ، المجلد 46 ، عدد اكتوبر – ديسمبر 2018 ، جامعة عين شمس ، ص ص.170-172 .
[8] ) ” تعرف على أكثر الدول استهلاكا للنفط فى العالم …وامريكا فى المقدمة” ، 19 يونيو 2019 ، متاح على الرابط التالى :- https://cutt.us/6u1o2
– Anand Toprani , OIL AND THE FUTURE OF U.S. STRATEGY IN THE PERSIAN GULF , May.15, 2019 , Available at :- https://cutt.us/diHA6
[9] ) المجموعة المالية هيرمس ، ايكوومى بلس ، ” تعرف على أكثر الدول استهلاكا للنفط …وماذا عن الدول العربية” ، 19 يونيو 2020 ، متاح على الرابط التالى :-
https://economyplusme.com/39462/
[10] ) U.S Energy Information Administration How much oil is consumed in the United States?, Washington, DC, 2020 , Available at :
https://www.eia.gov/tools/faqs/faq.php?id=33&t=6
– د. وليد خدورى ، البترول الصخرى .. الافاق والتحديات، مركز الامارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية ،30 ديسمبر 2013 ، متاح على الرابط التالى :- https://cutt.us/YYzzN
[11] ) د. عبد الحى زلوم ، ” مازالت امريكا تستورد 40% من استهلاكها من البترول ومشتقاته ” ، صحيفة أخبار اليوم ، لندن ، سبتمبر 2015 ، متاح على الرابط التالى :- https://cutt.us/PJ1Q1
- مؤسسة أرقام ، ” كم تمتلك أمريكا من نفط العالم ” ، نوفمبر 2019 ، متاح على الرابط التالى :-
https://www.argaam.com/ar/article/articledetail/id/1327172
[12]) Zeidon Alkinani , What does Biden’s presidency mean for the future of the Gulf?, 3 December 2020 , Available at : https://cutt.us/sasS9
[13] ) غالب درويش ، ” ما الذى سيتغير فى أسواق النفط العالمية فى عهد بايدن ؟ “، 20 يناير 2021 ، متاح على الرابط التالى :- https://cutt.us/RiR5p
[14] ) معن البرازى ، ” هل تعيد ادارة بايدن ايران الى أسواق النفط بحوالى 8.3 ملايين برميل يوميا ؟ ” ، صحيفة النهار العربى ، 9 نوفمبر 2020 ، متاح على الرابط التالى :- https://cutt.us/rLTSK
[15] ) GOLNAR MOTEVALLI , & ARSALAN SHAHLA , Iran views Biden presidency as opportunity to pump more oil, 12/7/2020, Available at : https://cutt.us/L3gn1
[16] ) Amanda Macias , Biden says Iran must return to negotiating table before U.S. lifts sanctions , FEB 7 .2021, Available at: https://cutt.us/my5N5
[17] ) لورانس كورب ، الخليج العربى واستراتيجية الأمن القومى الامريكى ، (أبو ظبى : مركز الامارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية ، 2006 )، ص ص 5-6.
– ANAND TOPRANI , OIL AND THE FUTURE OF U.S. STRATEGY IN THE PERSIAN GULF , MAY 15, 2019, Available at:-
https://warontherocks.com/2019/05/oil-and-the-future-of-u-s-strategy-in-the-persian-gulf/