مهام إنسانية: كيف تتعامل اللجنة الدولية للصليب الأحمر مع ضحايا الحروب والنزاعات؟
د. محمد بدرت بدير
أدى تزايد ضحايا الحروب والنزاعات التي شهدتها مناطق عديدة من العالم خلال الفترة الأخيرة إلى قيام اللجنة الدولية للصليب الأحمر بتطوير مهامها التي تعد بمثابة مهام إنسانية بحتة، تتمثل في حماية أرواح وكرامة ضحايا الحرب، والعنف المسلح، وتقديم المساعدات الإنسانية لهم.
من خلال المسح الشامل لما قامت به المنظمة الدولية خلال الثلاثة سنوات الأخيرة، يمكن الإشارة إلى أن اللجنة عن طريق جمعياتها المنتشرة في أنحاء العالم، تقوم بأدوار مختلفة وعلى مستويات متعددة، منها أنها تسعى إلى تخفيف معاناة الرجال والنساء الذين يصابون في سلامتهم البدنية والمعنوية من جراء العنف والاضطرابات سواء كانوا من العسكريين أو المقاتلين الجرحى والمرضى والغرقى أو أسرى الحرب والمدنيين المحتجزين أو الأشخاص الذين يُكرهون على الفرار إلى مناطق أخرى في بلدهم (المشردون) أو إلى بلدان أخري (اللاجئون).
وفي ظل احتمالات تزايد الدور الملقي على اللجنة الدولية للصليب الأحمر، يمكن رصد أهم ما تقوم به لبعض وسائل الحماية والمساعدة، وذلك على النحو التالي”*1″.:
(*) حماية المدنيين والنساء والأطفال:
تسعى اللجنة الدولية من خلال مندوبيها -بعد توثيق حالات سوء المعاملة التي يأخذون علماً بها في الميدان – بإخطار السلطات بمشكلات تتعلق بالحماية ويلتمسون منها اتخاذ تدابير لوضع حد لسوء المعاملة أو مساعدة هؤلاء الضحايا، ولا تقتصر الحلول التي تقدمها اللجنة الدولية على التقارير السرية المرفوعة إلى السلطات، وإنما قد تتخذ أشكالاً مختلفة منها التعريف بقواعد الاشتباك وإجراءات العمليات لدى القوات المسلحة والشرطة تبعاً للمعايير الدولية، وإجلاء الأشخاص الذين ظلوا عالقين في مناطق القتال، وتشجيع أطراف النزاع على إبرام اتفاقات من أجل ضمان حقوق السكان المدنيين “*2”.
كما تولي اللجنة الدولية اهتماما خاصاً للنساء من ضحايا النزاعات المسلحة، حيث تتكفل بتلبية احتياجاتهن على النحو الملائم وتقدم لهن الرعاية الصحية وكافة المساعدات الإنسانية، كما تقوم بنشر الوعي في أوساط جميع حاملي السلاح بأن العنف الجنسي بكافة أشكاله محظور بموجب القانون الإنساني ويجب العمل بقوة على منع وقوعه.
ويتجلى دور اللجنة الدولية في حماية الأطفال وذلك بتوفير مواد الإغاثة الغذائية وغيرها من أشكال المساعدة، كما تتولي البحث عن أقارب الأطفال الذين فصلوا عن عائلاتهم، حيث تقوم بنشر صورهم على نطاق واسع أملاً في تعرف أقاربهم عليهم.
(*) حماية المحتجزين أو المعتقلين:
وهنا تجدر الإشارة إلى أن اللجنة الدولية تسعى من خلال زياراتها إلى السجون التأكد من أن المحتجزين يعاملون بكرامة وإنسانية وفقاً للقواعد والمعايير الدولية وذلك مهما كانت الأسباب التي أدت إلى احتجازهم، ويعمل مندوبو اللجنة الدولية مع السلطات في جميع أنحاء العالم للحد من خطر سوء المعاملة وتحسين معاملة المحتجزين وظروف احتجازهم “*3”.
وتضطلع اللجنة الدولية من خلال الزيارات المنتظمة إلى مراكز الاحتجاز إلى الآتي:
- منع وقوع التعذيب وغيره من أشكال سوء المعاملة والاختفاء القسري، أو الإعدام دون محاكمة وتجاهل الضمانات القضائية الأساسية.
- تحسين ظروف الاحتجاز عند الضرورة ووفقاً للقانون المعمول به.
- تتبع حالات بعض المحتجزين فردياً (لتوفير حماية معينة أو لأغراض طبية أو غيرها).
- ضمان إقامة الاتصال بين المحتجزين وعائلاتهم والحفاظ عليه من خلال تسهيل الزيارات العائلية أو نقل رسائل الصليب الأحمر حيثما دعت الحاجة إلى ذلك.
- توفير المواد وإمدادات الإغاثة الطبية للمحتجزين أو العمل بالتعاون مع سلطات الاحتجاز في إطار مشاريع محددة.
(*) البحث عن المفقودين:
بالإضافة إلى ما سبق، يمكن التأكيد على أن “الوكالة المركزية للبحث عن المفقودين” التابعة للجنة الدولية تضطلع بمهمة البحث عن المفقودين، وذلك من خلال تعاونها مع الجمعيات الوطنية للصليب الأحمر والهلال الأحمر المنتشرة في 180 بلداً “*4”، حيث تبذل كل ما بوسعها لمساعدة أفراد العائلات المنفصلة عن بعضها البعض وإعادة الاتصال فيما بينهم.
ويقوم مندوبو اللجنة الدولية بإتاحة اتصال الأشخاص ببعضهم البعض بواسطة الهاتف والإنترنت والرسائل المكتوبة، وغالبا ما تستلزم هذه الأنشطة الكشف عن مصير الأشخاص الذين باتوا في عداد المفقودين وتسجيل من هم في حالة استضعاف شديد مثل الأطفال المنفصلين عن عائلاتهم والمحتجزين، ويتطلب العمل في الكثير من الحالات جمع المعلومات عن الأشخاص الذين فقدوا وربما ماتوا، وعندما تسير كل الأمور على ما يرام؛ يؤدي العمل إلى لمّ شمل العائلات.
(*) ضمان توفير مياه الشرب والمأوى:
كما تقوم اللجنة الدولية في هذا الصدد بنطاق واسع من الأنشطة لضمان الحصول على المياه والمحافظة على ما تبقى من مرافق محلية، وذلك من خلال اضطلاعها بالمهام التالية:
- تطهير مياه الشرب وتوزيعها.
- دعم وحماية مصادر المياه ونظم الصرف الصحي وبناء مخازن المياه.
- بناء المراحيض ونظم الصرف الصحي أو إعادة تأهيلها.
- إعادة تأهيل محطات معالجة المياه وشبكات توزيعها ومحطات الضخ التي تعتمد على الجاذبية.
وبالنسبة للمأوي فقد تلجأ اللجنة الدولية إلى توفير ما يسمي بـ (الأغطية البلاستيكية أو الخيم) في كثير من حالات الطوارئ، وقد تتخذ من المدارس أو المساجد أو الكنائس أو المنازل الخاصة وغيرها من تلك الأماكن مأوى مؤقتة، فلكل حالة طارئة احتياجات خاصة بها ينبغي تقييمها بسرعة كي يكون الدعم فعالاً.
(*) توفير الغذاء:
وتسعى اللجنة الدولية للصليب الأحمر والهلال الأحمر إلى إغاثة الناس حين يواجهون خطراً مباشراً بسبب نقص الغذاء أثناء النزاعات المسلحة وعقب انتهاؤها؛ وخاصة المسنين والأطفال من دون سن الخامسة فهم الأكثر عرضه لسوء التغذية وبعض الأمراض الخطيرة التي قد تؤدي إلى الوفاة جراء نقص الغذاء، وذلك بتزويدهم بالسلع الغذائية الأساسية كالمأكولات والأطعمة المكيَّسة المحسنة (مثل زبدة الفول السوداني) أو بالمكملات الغذائية (وهي عبارة عن مستحضرات هدفها تكملة النظام الغذائي بمواد غذائية مثل الفيتامين والمعادن والألياف والأحماض الدهنية والأحماض الأمينية)، وكذلك بعض المستلزمات المنزلية والبذور والأدوات لتأمين بقائهم على قيد الحياة ، ويعمل مندوبو اللجنة الدولية في الوقت ذاته على إقامة حوار مع جميع الأطراف لتحسين حماية الأشخاص المعرضين للخطر. “*5“
(*) برامج دعم كسب الرزق:
كما تعمل اللجنة الدولية للصليب الأحمر على تعزيز الأمن الاقتصادي من أجل مساعدة ضحايا النزاعات المسلحة واستعادة اكتفائهم الذاتي، وذلك بتدريب الأفراد على بعض الأعمال المهنية والحرفية لتسهيل اندماجهم في المجتمع ومساهمتهم في تحقيق المكتسبات الأساسية للمواطنين، وبالتالي الرفع من الناتج الداخلي الخام والدخل الفردي وتحسن المستوى المعيشي.
وقد أطلقت اللجنة الدولية مبادرة “الاقتصاد الجزئي” التي تهدف إلى إقامة المشاريع الاقتصادية الصغيرة من أجل تعزيز فرص تحسين دخل الأسرة والمجتمع المحلي بطريقة مستدامة وفي إطار زمني معين، ويجرى تصميم تلك المشاريع حسب الاحتياجات الفردية ورغبة المستفيدين منها، مع العلم أن المنح المخصصة للإنتاج والتدريب المهني والقروض الصغيرة هي أكثر الوسائل التي يتم اللجوء إليها في الاقتصاد الجزئي.
(*) الخدمات الصحية:
وتهدف برامج اللجنة الدولية الصحية إلى كفالة حصول ضحايا النزاعات المسلحة على الرعاية الصحية الأساسية الوقائية والعلاجية التي تفي بالمعايير المعترف بها دولياً، كما تُسهم وحدة الصحة التابعة للجنة الدولية في الحد من معدل الوفيات والاعتلال والمعاناة والإعاقات التي تنجم عن الرعاية غير الملائمة، وذلك من خلال اضطلاعها بالمهام التالية:
- فحص المصاب وحمايته من التعرض للعوامل الطبيعية (درجات حرارة قصوى، شمس، مطر، رياح، … إلخ).
- مساعدة المصاب على الاستراحة في أفضل وضعية ممكنة؛ تقديم المعالجة بالإمهاء الفموي“* 6”؛ تقديم الدعم النفسي.
- متابعة المصاب بصفة مستمرة إلى أن يتلقى العناية المتقدمة أو المختصة.
(*) خدمات الصرف الصحي والنظافة:
سرعان ما يؤدي الاكتظاظ في مخيمات اللاجئين أو السجون إلى تفشي الأمراض، ومن أولويات اللجنة الدولية توفير صرف صحي مناسب؛ وهو أمر أساسي لمكافحة تفشي الأمراض.
كما تقدم اللجنة الدولية حلولاً قابلة للتنفيذ ومستدامة انطلاقا من بناء المراحيض ونظم الصرف الصحي أو إعادة تأهيلها؛ وصولاً إلى برامج جمع النفايات وتفريغها ومعالجتها والتخلص منها؛ ومنها نفايات المستشفيات.
الهوامش:
“1”عرفت محكمة العدل الدولية المساعدات الإنسانية بأنها تتمثل في توفير المواد الغذائية والملابس والأدوية وأي معونة إنسانية أخري، واستثنت من المساعدات توريد الأسلحة ونظم الأسلحة أو غيرها من العتاد الحربي أو المركبات أو المعدات التي يمكن استخدامها لإلحاق جروح خطيرة أو التسبب في الموت.
“2” مفيد شهاب، دراسات في القانون الدولي الإنساني، دار المستقبل العربي، 2000، ديفيد ديلابرا، اللجنة الدولية للصليب الأحمر والقانون الإنساني، ص98.
“3” المجلة الدولية للصليب الأحمر، حماية ضحايا العنف، السنة السادسة، العدد 31، 1993، ص 228.
“4” الجمعيات الوطنية: هي منظمات مستقلة تعمل مع أفراد محترفين ومتطوعين مدربين، وتقوم بأنشطتها الإنسانية وفقاً للاحتياجات المحلية بما يتفق مع نظامها الأساسي الخاص بها، وتخضع للقانون الوطني.
“5” الجمعيات الوطنية: هي منظمات مستقلة تعمل مع أفراد محترفين ومتطوعين مدربين، وتقوم بأنشطتها الإنسانية وفقاً للاحتياجات المحلية بما يتفق مع نظامها الأساسي الخاص بها، وتخضع للقانون الوطني.
“6” بوجلال صلاح الدين، الحق في المساعدة الإنسانية، دراسة مقارنة في ضوء أحكام القانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان، دار الفكر الجامعي، 2011، ص124.