تحولات مؤثرة: ما هو مستقبل حركة النهضة في تونس؟
تحولات إقليمية في مستوى العلاقات البينية بين الدول الرافض لجماعة الإخوان والدول الراعية لها منذ ثورة يونيو في 2013. ووفقا لبعض المراقبين، فإن ملامح التغير في العلاقات القَطرية التركية مع جمهورية مصر العربية ودول الخليج بدأت تتشكل، بل قد تنعكس على واقع تيار الإسلام السياسي المشارك بالسلطة في بعض الدول العربية، وعلى رأسهم تونس.
وبالتالي، يطرح دخول تيار الإسلام السياسي في تونس وفقا لبعض المقربين، منطقة الزوابع لأسباب محلية وإقليمية وربما تكون دولية في طور لاحق- عدة تساؤلات، لعل أهمها: ما هي الأسباب التي أدت تراجع هذا التيار في تونس، وما هو مستقبله في ظل المتغيرات سابقة الذكر؟.
النهضة التونسية وأزمة الداخل:
تُواجه حركة النهضة المحسوبة على تيار الإسلام السياسي الإخواني أصعب مرحلة في تاريخها منذ نصف قرن بعد أربعين سنة من المعارضة وعَشْر سنوات من الحكم نتج عنها خمسة أشياء:
(*) العجز عن التحول من منظومة الجماعة الدينية إلى حزب مدني، وهذا بشهادة قيادات كبار في حركة النهضة.
(*) فشل تجربة الحكم التي مارستها من 2011 إلى اليوم سواء بشكل رئيسي أو بشراكة مع تيارات أخرى.
(*) غياب أي برنامج اقتصادي واجتماعي ناجح طيلة عشرية كاملة لحزب يَعتبر نفسه الأول في البلاد، وهو يرى كيف أن هذا البلد يقترب اليوم من حافة الإفلاس في وضعية لم يشهدها منذ استقلال تونس سنة 1956.
(*) أن حركة النهضة التي جاءت للحكم بشعار الإصلاح ومكافحة الفساد لم تنجز إصلاحا اقتصاديا بل فَاقَمَتْ الأزمة عندما أرهقت الوظيفة العمومية بتوظيف عشرات الآلاف من أنصارها بعد إعلان العفو التشريعي العام بشهادة وزير المالية في أول حكومة لحركة النهضة، كما أن الفساد انتشر بشكل ملفت للنظر وهي في الحكم.
(*)تطوُّرُ الظاهرة الإرهابية في عهدها بشكل رهيب بعد 2011 نتيجة غَضّ الطرف عن نشاط التيارات الدينية المتشددة وهي في الحكم مما جعل العمليات الإرهابية تتجاوز 70 عملية من 2011 إلى 2020 (انظر كتاب عبد اللطيف الحناشي، السلفية التكفيرية العنيفة في تونس، ص ص 285-294 الصادر عن الدار التونسية للكتاب في 2021)، وعدم مراقبتها لفضاء الجمعيات مما نتج عنه بروز مدارس دينية متشددة مثلما ظهر في مدينة الرقاب بولاية (محافظة) سيدي بوزيد، أو ظهور جمعيات مشبوهة في برامجها وتمويلها على غرار فرع الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين بتونس الذي يترأسه قيادي في حركة النهضة وسُجّلتْ خروق عديدة في نشاطه تسببت في حدوث أزمة سياسية في الفترة الأخيرة بين الحركة وخصومها وخاصة من طرف الحزب الدستوري الحر، تَبعَتْها مُشادّات وعنف.
تخريب مستمر للحكومات:
لقد وقعت حركة النهضة في فخ الحكم وسقطت في منظومة الغنيمة والمحاصصة وتدجين مؤسسات حساسة في الدولة، وظنت أنها اقتربت من مرحلة التمكين بمفهوم أدبيات هذا التيار- أي السيطرة الكاملة على مفاصل الحكم ولم تَعْتبر بتجربة السودان في الحكم الذي استمر الإسلاميون فيه لحوالي ثلاثة عقود وخرجوا منه بحراك يُدينُهم. بالإضافة لذلك اندلعت داخل حركة النهضة حرب الخلافة منذ المؤتمر الأخير لحركة النهضة سنة 2016 فانشق البعض عنها وتَمَتْرَس قياديون آخرون معارضون للغنوشي للضغط عليه من الداخل.
تأسيساً على ما سبق، يمكن القول إن حركة النهضة فقدت ديناميكيتها التي اكتسبتها طيلة عدة عقود وظهر الترهل على ملامحها، خاصة بعد أن فَقَدتْ ثلثي قاعدتها الانتخابية بين 2011 و 2019 ويُنتظر أن تفقد أكثر من ذلك في الانتخابات المقبلة في غياب أيّ نقد ذاتي لمواقف الحركة وفي غياب رؤية ديمقراطية للتداول على المسؤولية الأولى في داخل التنظيم، وفي ظل حرص شديد من الغنوشي على التحكم في سلطة القرار داخل الدولة التونسية، لدرجة أن الصحفي التونسي محمد كريشان كتب منذ أسبوع أن الغنوشي ارتكب خطأ بترشحه لرئاسة البرلمان، وربما يرتكب خطأ أكبر بالتفكير في رئاسة البلاد، يقول كريشان: ” رئيس البرلمان راشد الغنوشي لم يفهم بعْدُ أن موقعه على رأس المؤسسة التشريعية لم يكن قرارا حكيما، وأن تَطَلُّعَهُ الواضح أحيانا والخفي أحيانا أخرى لمنصب رئاسة الجمهورية سيكون الطامة الكبرى له ولحركته وللبلاد جميعا.” (انظر مقال محمد كريشان بصحيفة القدس العربي 2 مارس 2021)، ويعتبر بعض المحللين أن هذا المقال ربما يكون بمثابة رسالة مُشَفّرة للحركة لها دلالاتها الظاهرة والخفية. كل هذه العوامل المحلية أثّرت سلبا ولا تزال على موقع تيار الإسلام السياسي في تونس فما هو تأثير المعطى الإقليمي في نشاط هذا التيار تونسيا وعربيا؟.