تأجيج الصراع: ماذا تفعل الشركات الأمنية الخاصة في مناطق العنف؟
انتشرت خلال الفترة الأخيرة ظاهرة الشركات الأمنية والعسكرية الخاصة، وما تبعها من المرتزقة في مناطق الصراع المختلفة حول العالم. ويرجع السبب في تمدد هذه الظاهرة لعدة عوامل من أبرزها استخدام الدول وأجهزة الاستخبارات العالمية للجيوش الخاصة في إدارة صراعها مع بعضها سواء كان الصراع إقليمي أو دولي. وتأسيساً على ما سبق، يمكن طرح عدة تساؤلات حول ماهية الشركات الأمنية، ومجالات عملها، وتأثير تواجدها على استقرار وأمن المجتمعات والدول، هذا بالإضافة إلى التطرق لبعض النماذج الحديثة لتلك الحالات أبرزها الصراع في ليبيا.
عوامل عديدة:
بشكل عام تتعدد التعريفات المختلفة للشركات الأمنية، وبحسب تعرف الأمم المتحدة فهي” منظمة تنشأ استناداً إلى تشريع دولة طرف لتقدم على أساس مأجور خدمات عسكرية أو أمنية من خلال أشخاص طبيعيين أو كيانات قانونية تعمل وفق ترخيص خاص”- أي أنها شركات لها سجلها التجاري وتتخصص في تقديم نوع معين من الخدمات وهي العسكرية والأمنية. ويرجع انتشار هذه الشركات لعدة عوامل، قد يكون منها ما أدى إليه انتصار النموذج الليبرالي الغربي على الاشتراكي الشرقي، وتفكك الاتحاد السوفيتي إلي سعي الولايات المتحدة للهيمنة و تحقيق النفوذ العالمي حتى صارت القطب الأوحد الذي يسعى لتعميم النموذج الغربي بما يشمل جوانبه الاجتماعية والسياسية والاقتصادية.
ويمكن القول، إن اتجاه الدول لتقليص مهامها الاقتصادية والاجتماعية والعسكرية –أي اتجاه الدولة الحديثة للخصخصة – قد ساهم بشكل كبير في انتشار ظاهرة “خصخصة الأمن” وزيادة عدد الشركات التي تقدم خدمات الحماية والدفاع. أضف إلى ذلك انتشار ظاهرة الدول الفاشلة بسبب إخفاق الحكومات في تحقيق الأمن والاستقرار، وما ترتب عليهما من انتشار المجموعات الإرهابية والمنظمات الإجرامية أو بسبب انتشار السلاح، وزيادة عدد الدول والشركات التي تنتجه، فضلا عن قيام الفاعلين من غير الدول بالإنفاق على الجيوش الوطنية مثلما حدث مع شركة “شل العالمية” التي قدمت الدعم المالي للجيش والشرطة النيجيريين لتوفير الحماية لهم.
كما أن تسريح الجيوش أو حلها قد يكون وفر فرصة كبيرة للعسكريين السابقين والمدربين لعرض خدماتهم للانضمام للشركات الأمنية أو الانضمام إلي التنظيمات الإجرامية، وهذا ساعد في زيادة وانتشار الميليشيات المسلحة والمرتزقة.
أنواع كثيرة ومهام مشبوهة:
ساعدت موجه عدم الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط بخاصة في بعض الدول العربية بعد موجة الاحتجاجات العربية بعد عام 2011 وانتشار الجماعات المسلحة في أكبر موجة إرهابية شهدتها المنطقة بل والعالم- شركات الأمن في ممارسة مهام أخرى مدعومة بعنصريين رئيسيين الأول “: هو زيادة الطلب الحكومي على خدماتها الأمنية، في محاولة منها للاستفادة من القدرات البشرية والفنية العالية التي تتمتع بها هذه الشركات”، والثاني: “إقبال عدد من القوى الدولية على التعاقد مع شركات خاصة لتأمين مصالحها بالشرق الأوسط، خاصة بدول الصراعات المسلحة ” في خطوة تحاول بها القوى الدولية تجنب الصدام أو التدخل العسكري المباشر مع حكومات تلك الدول، وهو النمط الذي تفضله الصين مؤخراً خاصة في مناطق تربطها بها مصالح اقتصادية في القارة الأفريقية بشكل خاص.
وعلى جانب أخر، فقد استحدثت عدة مهام لتلك الشركات مثل عمليات التدريب للجيوش وحماية عمليات إعادة الإعمار من أي مخاطر محتملة من التنظيمات الإرهابية، ومهام تأمين مخيمات اللاجئين حيث اعتمدت كثير من الحكومات الأوروبية على شركات الأمن الخاص في القيام بالعديد من المهام التي كانت تضطلع بها الشرطة. فقد تعاقدت الحكومة النمساوية في عام 2015 مع شركة “أو آر إس” الأمنية الخاصة السويسرية بهدف إدارة مخيمات اللاجئين على أراضيها، وهي الشركة نفسها التي تدير مراكز اللاجئين في سويسرا.
الشركات في قلب مناطق الصراع:
منذ تعقد الوضع في ليبيا وزيادة الانقسام ما بين الشرق والغرب، اعتمد كل طرف على علاقاته بالقوى الإقليمية والدولية في تعزيز نفوذه ومناطق سيطرته مما أضر بأمن واستقرار الليبيين، وبالتالي أصبحت ليبيا مرتعاً لجميع أنواع الإرهاب المحلي والدولي. فقد تحدثت تقارير صحفية عن تواجد مقاتلين روس تابعين لشركتي أمن روسيتين خاصتين تشاركان في العمليات الحربية في سورية، هما “موران”، و”شيت”، بالإضافة إلى مقاتلين سوريين متعاونين مع القوات الروسية في سورية، لينضموا إلى مقاتلين روس آخرين تابعين لشركة “فاغنر”.كما رصدت تقارير دولية نشاط واضح لشركة “سادات ” العسكرية التركية، والتي قامت بتقديم استشارات عسكرية ودعم عسكري ولوجيستي، وفي تأجيج الصراع خلال الفترة الماضية.
كما لم يقتصر استخدام تلك الشركات على تأجيج الصراعات في مناطق النزاعات العربية والأفريقية، بل وضح لها دور تخريبي أخر. فعلى الرغم من تجميل دورها- في بداية تواجدها- وترديد أهميتها واحتمالية قيامها بتقديم دور معاون للدولة في مهامها الأمنية والعسكرية، فإن الواقع أثبت غير ذلك، وأكد استخدامها للقيام بعمليات قذرة، وإنها جزء من القوى الكبرى التي تستغلها القوى الدولية لتحقيق مصالحها، وهو ما يصب في المحصلة النهائية لصالح تلك الشركات، التي لن تقبل بأي شكل من أشكال المساس بمصالحها في تلك المناطق.
ومما سبق، يمكن أن نخلص إلى أن نشاط تلك الشركات والعاملين بها ما هو إلا أسلوب جديد لهدم الدول الحديثة ووسائل لإطالة أمد الصراعات لتحقيق غايات دولية خبيثة. وأخيرا فإنه في ظل تنامي ظاهرة خصخصة الأمن وتنامي ادوار الشركات الأمنية واستمرار ظروف عدم الاستقرار التي تضرب عدة مناطق حيوية وأبرزها الشرق الأوسط فقد يكون من المرجح تنامي سوق الأمن الخاص في المنطقة بمعدلات قوية في الفترة المقبلة، خاصة في ظل تصاعد حدة الضغوط السياسية والأمنية بالإقليم.