ثقافة الانحطاط ولعنة الأنثوي
د. حسن حماد
أشرت فى مقالى السابق إلى أن ثقافة الانحطاط هى مزيج من ثقافة التفاهة التى تتجسد بأبشع صورة فى أغانى المهرجانات، وثقافة التشدد والتكفير التى تتجسد فى مبادئ ونصوص وتعاليم جماعات الإسلام السياسى بكل أطيافها الدعوية والجهادية.
ومما يؤكد رؤيتنا السابقة ويدعمها موقف كل من مسوخ المهرجانات وشيوخ الجماعات من المرأة، فكلاهما يتعامل مع المرأة كموضوع للرغبة: فى أغانى المهرجانات تعامل المرأة كفريسة، ولدى الجماعات المتطرفة تعامل المرأة كغنيمة وكملكية خاصة لا تختلف عن امتلاك الدواب والأشياء، باختصار كلاهما يُشيء المرأة ويستأصل منها كافة أبعادها الإنسانية ككائن مستقل يمتلك الحرية والكرامة والتفرد!.
ومن عجيب الأمر أن معظم من يُدمن ويدافع عن أغانى المهرجانات من النساء ليس لديهن أية دراية بما تحويه هذه الأغانى من كلمات ساقطة تنظر إلى المرأة نظرة ازدراء واحتقار وعبودية، وأكاد أجزم بأن هذه الأغانى تُعبر عن نزعة ذكورية تحتفى بالذكورة وتروج لقيم الفحولة والبدائية والوحشية والسادية. وأرجو من قرائى الأعزاء أن يلتمسوا لى العذر إذ أجدنى مضطرًا للاستشهاد ببعض هذه البذاءات التى تحملها سفالات تلك الكلمات حتى يستفيق هؤلاء ممن يدافعون عن هذه السخافات:
فى أغنية «أنا راجل كلمتى واحدة» تقول كلمات الأغنية:
«أنا راجل كلمتى واحدة وما تفرقش معايا ولا واحدة
ده أنا يوم ما أغمز بعنيا يوقف حواليا مليون واحدة»
وفى مهرجان آخر لحمو بيكا باسم «رب الكون» يقول:
«رب الكون ميزنا بميزة… الرجولة والنفس عزيزة
علشان مشرف أرض الجيزة لينا وضع يا صاحبى وهيبة
دى رجولتك هى كيانك»، وللسيد حمو بيكا أغنية أخرى مطلعها: «فى الحرب أنا بضرب… والأنثى قدامى حشرة» وهناك مهرجانات أخرى كثيرة يصعب أن نذكرها هنا فى هذه النافذة الثقافية والسياسية المحترمة مثل مهرجان «البنت فاتحة الملعب»، ومهرجان «كل البنات ببلاش»، ومهرجان «البنت الفرسة»، ومهرجان «البنت مديحة»، ومهرجان «… البمبي»… وغيرها من هذه البذاءات.
إن المهرجانات وأفلام البلطجية والدعارة والمخدرات كلها تدعو لممارسة العنف بكل صوره النفسية والجسدية والجنسية ضد المرأة، وتنظر إليها نظرة دونية تحقر من كينونتها كأنثى وإنسانة.
وإذا اتجهنا إلى الجانب الآخر من ثقافة الانحطاط، وهو نظرة الجماعات الإرهابية والتكفيرية للأنثى سنجد مشهدًا مماثلاُ.
يحاول هؤلاء المتطرفون وصم الإسلام بطابع ذكورى مُعادٍ للمرأة رغم أن الله فى كتابه الكريم قد كرم المرأة وجعل لها سورة وسماها سورة «النساء» كما حرم الله وأد النساء {وَإِذَا الْمَوْءودَةُ سُئِلَتْ بِأَى ذَنبٍ قُتِلَتْ}… وغيرها من السور والآيات التى تمنح المرأة قيمتها وحقها، ومع ذلك فإن كتب التراث تزخر بالروايات والأحاديث التى تدعو إلى كراهية المرأة وتحط من قدرها ومن شأنها مثل الحديث الذى يُشير إلى أن أكثر أهل جهنم من النساء، أو ذلك الذى يُفيد بأن السجود لو كان لغير الله لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها. وفى كتابه «إحياء علوم الدين» نجد أن الإمام أبو حامد الغزالى يتفنن فى حبس المرأة وضبط سلوكها بما يُلائم تلك الرؤية القمعية فهي:
(1) قاعدة فى قعر بيتها.
(2) تطلب مسرة بعلها فى جميع أمورها.
(3) لا تخونه فى نفسها ومالها ولا تخرج من بيتها إلا بإذنه.
(4) تخرج متخفية فى هيئة رثة… الخ!
ومن الروايات التى يذكرها «الطبرى» عن المرأة قوله:
«إذا أقبلت المرأة جلس الشيطان على رأسها فزينها لمن ينظر فإذا أدبرت جلس على عجزها فزينها لمن ينظر».
صورة إبليس دائمًا حاضرة دائمًا فى ذهن المفسرين عندما يتذكرون المرأة، فالمرأة وإبليس صنوان لا يفترقان، فهى وسيلته ضد آدم، ولذلك نعتها المفسرون بسهم من سهام إبليس».
إن الرغبة فى إخضاع المرأة واستعبادها تبرر على أنها الرغبة فى السيطرة على الطابع الخطر الذى يُنسب إلى دنسها الجوهرى وإلى قوتها الغامضة. إن المرأة التى اتهمت دومًا بأنها قد أدخلت الخطيئة والشقاء والموت إلى هذا العالم سواء كانت «باندورا» الإغريقية أو «حواء» اليهودية ستبقى دومًا مسئولة عن اقتراف الخطيئة الأصلية سواء بفتحها الإناء الذى يحتوى على كل الآفات أو بأكلها من الشجرة المحرمة. وهكذا لقد بحث الرجل عن مسئول العذاب وعن الفشل وضياع الفردوس الأرضى، فوجد ضالته فى المرأة بوصفها كبش الفداء أو الأضحية التى يشعر من خلالها بأنه قد تخلص وللأبد من إحساسه المخزى بالذنب والعار، ومن شعوره المرعب بالعجز والخواء. وليس احتقار الرجل للمرأة سوى وسيلة دفاعية حاول من خلالها أن يُسقط كافة نواقصه وعيوبه على ذلك الكائن الغامض المجهول الذى يُسمى بالأنثى.
أهنئ المرأة المصرية بعيدها، وأهنئ كل نساء الأرض بالعيد القومى للمرأة، ستظل الأنثى مصباح هذا الكون، وسأظل مدينًا بوجودى وكيانى وحريتى لأمى التى أنجبتنى واحتضنتنى وعلمتنى كيف أكون إنسانًا، هويتى هى إنسانيتى وليس رجولتى أو ذكوريتى.
_نقلا عن الوفد