تلاقي الإرادات: بعد زيارة “السيسي” كيف تتحرك العلاقات الاقتصادية بين مصر والسودان؟

تتسم العلاقات بين مصر والسودان بتاريخية، حيث يربط البلدين الجوار الجغرافي، واللغة المشتركة، والمعابر البرية، ولم يترك الرئيس عبد الفتاح السيسى مناسبة إلا ويؤكد على الموقف الاستراتيجي الثابت لمصر تجاه دعم استقرار وأمن السودان وشعبه الشقيق، وأن مصر تدعم اختيارات الشعب السوداني للحفاظ على الدولة السودانية ومساندة إرادة وخيارات الشعب السوداني الشقيق فى صياغة مستقبل بلاده، والحفاظ على مؤسسات الدولة. وقد زار الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الخرطوم في 6 مارس 2021 في إطار ترسيخ جهود مصر بقيادة السيسي لدعم السودان خلال المرحلة التاريخية الحالية الهامة الذي يمر بها. وتم من خلالها مناقشة العديد من الملفات المشتركة والقضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك.
وبالتركيز على العلاقات الاقتصادية بين مصر والسودان، فقد شهدت تطورًا كبيرًا في ظل عضوية البلدين بمنطقة التجارة الحرة العربية الكبرى، وتكتل الجماعة الاقتصادية لدول الشرق والجنوب الأفريقي “الكوميسا”، وتسعى كل من مصر والسودان لتوطيد العلاقات الاقتصادية فيما بينهما، من خلال إنشاء مشروعات حيوية اقتصادية مشتركة في كافة القطاعات، لتنمية التعاون المشترك مع مختلف دول القارة الإفريقية والهادف لتحقيق التكامل الاقتصادي الإقليمي من خلال زيادة معدلات التبادل التجاري وتعزيز التعاون الاستثماري وتبادل الخبرات الصناعية. وهنا تجدر الإشارة إلى أن التحليل اعتمد في قراءة واقع ومستقبل العلاقات الاقتصادية بين البلدين بناءا على البيانات الاقتصادية والتجارية بين الدولتين خلال عامي 2019 و2020.
العلاقات التجارية بين مصر والسودان :
شهد حجم التبادل التجاري بين مصر والسودان ارتفاعًا ليصل إلى 674.5 مليون دولار عام 2019 مقارنة بنحو 610.9 ملايين دولار عام 2018 ، بنسبة ارتفاع بلغت 10.4 ٪، الأمر الذي يمثل تطورًا إيجابيًّا وملموسًا على صعيد المبادلات التجارية بين البلدين. وتشير الإحصاءات إلى أن الميزان التجاري بين البلدين قد حقق فائضًا لصالح مصر بلغ 260.7 مليون دولار خلال عام 2019، حيث بلغ حجم الصادرات المصرية إلى السودان نحو 467.6 مليون دولار خلال عام 2019 مقابل 206.9 ملايين دولار حجم الواردات المصرية من السودان خلال عام 2019.
وتمثِّل الصادرات المصـــرية إلى الســــــــودان نحو 5.1 ٪ من إجمالي الصادرات المصرية على مستوى العالم عام 2019، فيما تمثِّل الواردات المصرية من السودان نحو 1.5٪ من إجمالي الصادرات السودانية على مستوى العالم.
وتُعد المنتجات البلاستيكية من أهم بنود الصادرات المصرية للسودان خلال عام 2019؛ حيث بلغت قرابة 81.4 مليون دولار، مقارنة بنحو 76.7 مليون دولار خلال عام 2018 بنسبة زيادة بلغت 6.1 ٪، وتمثل صادرات مصر إلى السودان نحو 4 ٪ من إجمالي صادرات مصر من هذا البند على مستوى العالم. واستحوذ الحديد والفولاذ على الترتيب الثاني في قائمة مصر والسودان بقيمة بلغت 50.8 مليون دولار خلال عام 2019، ولكنها منخفضة بنسبة 30.1 ٪ مقارنة بعام 2018، ويأتي بند الأسمدة في الترتيب الثالث ضمن أهم بنود صادرات مصر للسوق السودانية بقيمة بلغت 41.8 مليون دولار خلال عام 2019، مرتفعًا بنسبة كبيرة بلغت نحو 568.8 ٪ مقارنة بعام 2018، وجاء الزجاج والأواني الزجاجية في الترتيب الرابع في قائمة الصادرات المصرية للسودان بقيمة 29.4 مليون دولار، تليهما المنتجات الصيدلانية في الترتيب الخامس بقيمة 26.1 مليون دولار، والأصناف الأخرى من المواد النسيجية في الترتيب السادس بقيمة 24.3 مليون دولار، ثم منتجات الورق والورق المقوى بقيمة 17.2 مليون دولار في الترتيب السابع.
وتجري حركة التجارة بين مصر والسودان عبر ميناء قسطل – أشكيت وهو أحدث المشروعات المشتركة التي تم تدشينها بين البلدين في 30 أبريل 2015، بجانب معبر أرقين الذي تمر من خلاله حوالي 60 حافلة ركاب و15 شاحنة بضائع يومياً، بالإضافة إلى معبر أشكيت “10 حافلات ركاب و75 شاحنة تعبر يومياً”، فضلاً عن طريق ساحلي بطول 280 كيلومترا. كما يربط مصر والسودان جسر جوي نشط في تسهيل حركة المسافرين للتجارة والأغراض الأخرى، حيث يتم تسيير 8 رحلات جوية يومياً بين البلدين.
هذا وقد تركزت الواردات المصرية من السودان في أربع مجموعات رئيسة، هي: مجموعة البذور والفواكة الزيتية، ومجموعة الحيوانات الحية، ومجموعة القطن، ومجموعة اللحوم والأحشاء والأطراف الصالحة للأكل خلال عام 2019، والتي تشكل حوالي 97.7 ٪ من إجمالي قيمة واردات مصر من السودان من البنود كافة. ويأتي بند البذور والفواكة الزيتية في الترتيب الأول كأهم مجموعة سلع تستوردها مصر من السودان، وذلك بقيمة 83.9 مليون دولار عام 2019، بما يمثل 40.6 ٪ من إجمالي واردات مصر من السودان. يليه بند الحيوانات الحية في الترتيب الثاني كأهم سلعة تستوردها مصر من السودان، وذلك بقيمة 45.9 مليون دولار خلال عام 2019، والذي يشكل نسبة 22.2 ٪ من إجمالي الواردات المصرية من السودان خلال العام نفسه. وقد جاء القطن في الترتيب الثالث في قائمة أهم بنود الواردات المصرية من السودان بقيمة بلغت 45.5 مليون دولار خلال عام 2019، ما يمثل 22 ٪ من إجمالي الواردات المصرية من السودان، يليه بند اللحوم والأحشاء والأطراف الصالحة للأكل بقيمة 26.8 مليون دولار، أي ما يعادل 12.9 ٪ من إجمالي الواردات المصرية من السودان خلال عام 2019.
كما تتمثل أبرز الاتفاقات التجارية بين البلدين في الآتي:
(*) اتفاقية «الكوميسا»، والتي تتم حاليًّا في إطارها المعاملات التجارية بين البلدين، فقد وقعت مصر على الانضمام إلى اتفاقية السوق المشتركة للشرق والجنوب الإفريقي (الكوميسا) في 29 يونيو عام 1998، وتم البَدء في تطبيق الإعفاءات الجمركية على الواردات من باقي الدول الأعضاء اعتبارًا من 17 فبراير عام 1999 على أساس مبدأ المعاملة بالمثل للسلع التي يصاحبها شهادة المنشأ معتمدة من الجهات المعنية بكل دولة، وقد وقعت 9 دول من الدول الأعضاء في «الكوميسا» بتاريخ 31 أكتوبر عام 2000 على اتفاقية إنشاء منطقة التجارة الحرة بينها، وهي: مصر، وكينيا، والسودان، وموريشيوس، وزامبيا، وزيمبابوي، وجيبوتي، وملاوي، ومدغشقر، وانضمت إليها رواندا وبوروندي فى 1 يناير عام 2004، حيث تقوم تلك الدول بمنح إعفاء تام من الرسوم الجمركية المقررة على الواردات المتبادلة بينها شريطة أن تكون تلك المنتجات مصحوبة بشهادة منشأ «الكوميسا».
وفيما يتعلق بالموقف الحالي للتخفيضات الجمركية المطبقة في «الكوميسا»، تقوم كل من: مصر، وكينيا، والسودان، وموريشيوس، وزامبيا، وزيمبابوي، وجيبوتي، وملاوي، ومدغشقر، ورواندا، وبوروندي فيما بينها، بمنح السلع والمنتجات ذات منشأ «الكوميسا» إعفاء تامًّا من الرسوم الجمركية والرسوم والضرائب الأخرى ذات الأثر المماثل.
(*) اتفاقية منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى: أقر المجلس الاقتصادي والاجتماعي في 19فبراير 1997 البرنامج التنفيذي وجدوله الزمني لإقامة منطقة تجارة حرة عربية وفقًا لأحكام اتفاقية تيسير وتنمية التبادل التجاري بين الدول العربية، وتتماشى هذه المنطقة مع أحكام منظمة التجارة العالمية وقواعدها العامة المنظمة للتجارة العالمية. وقد بلغ عدد الدول العربية التي انضمت إلى الاتفاقية حتى الآن 17 دولة عربية، وهي: الأردن، والإمارات العربية المتحدة، والبحرين، وتونس، والمملكة العربية السعودية، وسوريا، والعراق، وسلطة عمان، وقطر، والكويت، ولبنان، وليبيا، ومصر، والمغرب، والسودان، وفلسطين، واليمن.
الاستثمارات بين مصر والسودان:
وفقًا لإحصاءات البنك المركزي المصري، شهد حجم الاستثمارات السودانية في مصر ارتفاعًا يصل إلى 1.9 مليون دولار عام 2018/2019، مقارنة بنحو 300 ألف دولار عام 2017/2018، بنسبة ارتفاع بلغت 53.3 ٪، ولكنه شهد انخفاضًا مقارنة بالعام المالي 2014 / 2015 بنسبة 13.6 ٪ .
وخلال العام المالي 2019/2020 بلغ حجم الاستثمارات السودانية ذروته خلال الربع الثاني ليسجل نحو 9.1 ملايين دولار، إلا أنه شهد انخفاضًا كبيرًا خلال الربع الثالث ليسجل 300 ألف دولار بنسبة انخفاض بلغت 96.7 ٪ مقارنة بالربع الثاني من العام نفسه، ويمكن تفسير ذلك بتداعيات جائحة فيروس كورونا المستجد، والتي أثرت سلبًا على الأداء الاقتصادي بشكل عام، وعلى إجمالي حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة المتدفقة داخل مصر على وجه الخصوص خلال الربع الثالث من عام 2019/2020، والتي بلغت 3.6 مليارات دولار مقابل 4.9 مليارات دولار خلال الربع الثاني من العام نفسه.
ويصل إجمالي رصيد حجم الاستثمارات السودانية في مصر 97 مليون دولار لعام 2020 ، إلى جانب 315 شركة سودانية تستثمر بمصر تتركز في القطاعات الصناعية والتمويلية والخدمية والزراعية والإنشائية والسياحة والاتصالات.
وتشير بيانات البنك المركزي المصري إلى أن الاستثمارات السودانية في مصر تستحوذ على نسبة ضئيلة من إجمالي تدفقات الاستثمارات العربية داخل مصر، فقد بلغ نصيب الاستثمارات السودانية في مصر نحو 0.06 ٪ فقط من إجمالي الاستثمارات العربية المتدفقة داخل مصر خلال عام 2018/2019، مقارنة بنحو 33.9 ٪ نصيب الإمارات العربية المتحدة من إجمالي الاستثمارات العربية خلال العام نفسه.
كما أن مصر لها الكثير من الاستثمارات الكبرى فى السودان، حيث وصلت قيمة الاستثمارات إلى نحو 2.3 مليار دولار، بعدد مشروعات يقدر بنحو 273 مشروعاً، ومن بين ذلك العدد الكبير من المشروعات هناك 122 مشروعاً صناعياً فى مجالات الأسمنت والبلاستيك والرخام والأدوية ومستحضرات التجميل والأثاث والحديد والصناعات الغذائية. هذا بالإضافة إلى 90 مشروعا خدمياً بقطاعات المقاولات والبنوك والمخازن المبردة والري والحفريات وخدمات الكهرباء ومختبرات التحليل والمراكز الطبية وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، و17 مشروعاً زراعياً بقطاعات المحاصيل الزراعية والإنتاج الحيواني والدواجن ونشاط صيد الأسماك.
وتجدر الإشارة إلى أن أرقام الاستثمارات المصرية مرشحة للتضاعف في حال المضي في تنفيذ مشروع إنشاء المنطقة الصناعية المصرية بشمال السودان، حيث وافقت الحكومة السودانية من قبل على طلب مصر تخصيص أراضى لإنشاء المنطقة على مساحة مليوني متر مربع.
مشروعات واعدة:
تتمثل أهم المشروعات الاستثمارية المشتركة بين البلدين، والواعدة في بناء الطريق الساحلي بين مصر والسودان بطول 280 كيلو مترًا، ومشروع طريق “قسطل” و”وادي حلفا” بطول 34 كم داخل الأراضي المصرية و27 كم داخل الأراضي السودانية، وطريق أسوان- وادي حلفا- دنقلة، وتطوير وإعادة هيكلة خطوط السكك الحديدية، لتسهيل حركة نقل البضائع والأفراد، ومشروع الربط الكهربائي بين مصر والسودان، حيث تقوم مصر بإمداد السودان بنحو 300 ميجاوات في مرحلته الأولى، بالإضافة إلى 600 ميجاوات في مرحلة لاحقة، لتصل بعد ذلك إلى 3 آلاف ميجاوات.
كما تشكل المشروعات الاستراتيجية لاستصلاح الأراضي من بينها 100 ألف فدان في ولاية النيل الأزرق، ومشروع مصري لإنتاج اللحوم بالسودان على مساحة 40 ألف فدان في ولاية النيل الأبيض، ومشروع شركة للملاحة المصرية السودانية بين ميناءي أسوان وحلفا، وذلك لنقل البضائع والأفراد والسياحة.
في النهاية، يمكن القول إن العلاقات بين السودان ومصر يمكن أن تتضاعف بشكل كبير في ظل حالة الاستقرار السياسة في السودان ، وإصرار مصر على دعم العلاقات مع السودان الشقيقة ، مما سينعكس بشكل إيجابي على تحقيق التنمية الاقتصادية فى البلدين خاصة فى ظل امتلاكهما مقومات اقتصادية تسمح بدعم حجم التجارة البنية والاستثمارات المشتركة ، فضلا عن أن العلاقة الاقتصادية بين البلدين تكاملية وليست تنافسية.