اتجاه مشروط: إلى أين تتجه العلاقات الاقتصادية المصرية القطرية بعد المصالحة الخليجية؟
بعد تدرج مصر وقطر من المصالحة إلى توثيق العلاقات، وحدوث فصلاً جديداً في العلاقات الاقتصادية بين البلدين بعد إتمام المصالحة الخليجية في قمة العلا بالسعودية في الخامس من يناير 2021.
فقد عقد وفدان رسميان من مصر وقطر بدولة الكويت في الثالث والعشرين من فبراير 2021، اجتماعهما الأول لوضع آليات وإجراءات المرحلة المستقبلية بعد بيان قمة العلا، وهو الاجتماع الذي تم خلاله بحث السبل الكفيلة والإجراءات اللازم اتخاذها بما يعزز مسيرة العمل المشترك والعلاقات الثنائية بين البلدين.
كما رحب الجانبان بالإجراءات التي اتخذها كلا البلدين لإعادة بناء الثقة منذ التوقيع على بيان “العلا”، والتي كان من بينها إعلان وزارة الطيران المصرية إعادة فتح المجال الجوى أمام الطيران القطري بعد خمسة عشر يومًا من إتمام المصالحة، بحيث يمكن للطائرات القطرية عبور الأجواء المصرية أو الهبوط بمطاراتها، منذ هذا التاريخ.
وسمحت هذه المصالحة بإعادة العلاقات الدبلوماسية وحركة النقل بين قطر والدول الأربعة، بعد مقاطعة استمرت نحو ثلاث سنوات وستة أشهر، عُرفت باسم “الأزمة الخليجية”، وأثرت تأثير بالغ على الاقتصاد القطري والعلاقات الاقتصادية الثنائية بين الدوحة والدول الأربعة، بسبب الدعم القطري للتنظيمات الإرهابية وتهديد الأمن القومي منذ أحداث عام 2011.
تأسيسا على ما سبق، نستعرض واقع العلاقات الاقتصادية بين مصر وقطر قبل وأثناء الأزمة الخليجية، وفرص وآفاق هذه العلاقات بعد توقيع بيان “العلا”، وفى ضوء الاجتماعات الهادفة لدعم العلاقات الثنائية بين البلدين في الفترة القادمة.
تردى واضح أثناء الأزمة الخليجية:
كان تأثير الأزمة الخليجية واضحًا وقويًا على العلاقات الاقتصادية بين مصر وقطر، فمن ناحية تراجع التبادل التجاري بين البلدين بشكل غير مسبوق، حتى انخفض في العام الأول فقط من المقاطعة الخليجية بنسبة 72.7% عن عام 2016، ووصل حجم التبادل التجاري إلى 501.4 مليون دولار للعام 2018، مقارنة بـ 1.7 مليار دولار عام 2016، واستمر التراجع في التبادل التجارى بين البلدين حتى بلغ 23.9 مليون دولار عام 2019، وذلك بإجمالي انخفاض قدره 98.8% عن عام 2016.
وهو ما كان له آثره على الميزان التجاري الذى تسجله مصر معها، والذى يأتي في غير صالح مصر بشكل دائم، حيث انخفض العجز التجارى من 1.3 مليار دولار عام 2016 إلى 23.5 مليون دولار عام 2019.
المصدر: إعداد الباحثة، بالاعتماد على احصائيات مركز التجارة العالمي.
ومن ناحية أخري فقد تأثر أيضًا تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر الداخلة إلى مصر من قطر بقطع العلاقات بين البلدين، والتي بلغت 165 مليون للعام 2017/2018 مقارنة بـ 169.4 مليون للعام 2016/2017 و194.8 مليون للعام 2015/2016، قبل أن ترتفع مرة أخرى وتبلغ 382.2 و679.4 مليون دولار عامي 2018/2019 و2019/2020.
كما تراجع الترتيب القطرى من بين أعلى الدول العربية المستثمرة في مصر في العام 2018/2019، وجاءت في الترتيب الرابع بعد كل من الامارات والسعودية والكويت، مقارنة بالترتيب الثالث في أعوام 2015/2016 و2016/2017 و2017/2018، ثم أصبحت في الترتيب الثانى بعد الإمارات في العام 2019/2020.
المصدر: إعداد الباحثة، بالاعتماد على إحصائيات البنك المركزي المصري.
فرص العودة إلى ما قبل الأزمة الخليجية:
يعتبر توقيع مصر ممثلة في وزير خارجيتها “سامح شكرى” على البيان الختامى لقمة “العلا” الخاص بالمصالحة الخليجية، وعقد وفدان رسميان من مصر وقطر في 23 فبراير 2021، اجتماعهما الأول لوضع آليات وإجراءات المرحلة المستقبلية بعد بيان قمة العلا، إلى جانب إعلان وزارة الطيران المصرية إعادة فتح المجال الجوى أمام الطيران القطرى في 12 يناير 2021- بمثابة فرصة لوقف تردى العلاقات الاقتصادية بين البلدين، ودفعة للتبادل التجاري والاستثمارات بينهما، وربما يفتح أفاقا جديدا بتوقيع اتفاقيات تعاون تعزز من العلاقات الاقتصادية ، بما يزيد من المنافع المصرية من هذه العلاقات، ويساعد في تحقيق هذا وجود عددا من الفرص المتمثلة فيما يلى:
إدراك الدول الأربعة الموقعة على بيان “العلا” مع قطر أهمية استمرار العلاقات الدبلوماسية، وبالتالي الاقتصادية مع الدوحة وجعل الخلافات السياسية قضايا محل تفاوض ثنائي:
فقد أثبت توقيع الدول الأربعة السعودية والإمارات والبحرين ومصر) على بيان “العلا” والذى لم يتضمن شروط القائمة التي طالبت بها هذه الدول الدوحة عندما لعبت الكويت دور الوسيط فى 22 يونيو 2017 لفك المقاطعة الخليجية- مدى إدراك الدول الأربعة وقطر أهمية استمرار العلاقات الدبلوماسية، وبالتالي الاقتصادية وجعل الخلافات السياسية قضايا محل تفاوض ثنائي.
فقد أكد وزير الخارجية القطرى ” محمد بن عبد الرحمن آل ثاني” عبر وسائل الإعلام في 7 يناير 2021، أن “ما تم توقيعه في قمة العلا هو وثيقة مبدئية تنص على مبادئ ويتم بحث مسائل العلاقات بشكل ثنائي، وأن ” التفاصيل سيتم بحثها مع كل دولة بشكل منفصل، لأن كل دولة تختلف عن أخرى، وستكون هناك مناقشات ثنائية لكل دولة من الدول الأطراف”.
وذلك بعد أن كانت الدول الأربعة تشترط على الدوحة قائمة مطالب تتكون من 13 بندا لإنهاء المقاطعة الخليجية، ومن ضمن هذه البنود؛ إغلاق قناة الجزيرة وقطع العلاقات الدبلوماسية مع إيران وطرد أي عنصر من الحرس الثوري الإيراني موجود على أراضيها وإغلاق القاعدة العسكرية التركية فى قطر وقطع علاقات قطر بالإخوان المسلمين ومجموعات أخرى منها حزب الله وتنظيم القاعدة وتنظيم داعش والامتناع عن تجنيس مواطنين من السعودية والإمارات والبحرين ومص وتسليم كل الاشخاص المطلوبين للدول الأربعة بتهم إرهابية، وكان الرد القطري على هذه البنود بالرفض واعتبارها تمس سيادتها.
وجود أطر ومؤسسات تعاون تجمع بين البلدين، وتسهل عودة العلاقات الاقتصادية وتعزيزها مستقبلا:
يعتبر كل من مصر وقطر أعضاء في جامعة الدول العربية، ويجمع بينهم اتفاقية منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى، وهى اتفاقية أقرها المجلس الاقتصادي والاجتماعي بجامعة الدول العربية فى 19 فبراير 1997، ودخلت حيز التنفيذ فى الأول من يناير 1998، وتضم 17 دولة عربية من بينهم مصر وقطر، وتنص على تحرير كافة السلع العربية المتبادلة بين الدول الأطراف وفقا لمبدأ التحرير التدريجي بنسبة 10% سنويا بداية من عام 1998على ان تصل فى عام 2005 الى نسبة 100%، وتم تعديل تلك النسبة أثناء انعقاد قمة عمان عام 2002 لتصبح 20%، على أن يتم التعامل من خلال قواعد المنشأ الحالية والتى تقضي بأن لا تقل نسبة القيمة المضافة المحلية عن 40%، ويمكن للدول الأطراف وضع أى سلعة تحت التحرير الفورى.
استمرار تدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة من قطر إلى مصر طوال فترة المقاطعة:
لم تؤدى الازمة الخليجية إلى وقف تدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة من قطر إلى مصر أو تراجعها بشكل ملحوظ طوال السنوات الثلاث والستة الأشهر للمقاطعة الخليجية، فعلى الرغم من تراجع حجم الاستثمارات عامي 2016/2017 و2017/2018، إلا أنها ارتفعت عامى 2018/2019 و2019/2020، لتسجل أعلى قيمة لها عام 2019/2020.
وليس هذا فحسب، بل أصبحت قطر تحتل الترتيب الثاني بين الدول العربية في تدفقات الاستثمارات الأجنبي المباشر الداخلة إلى مصر خلال العام 2019/2020، والترتيب الخامس بين جميع دول العالم.
المصدر: إعداد الباحثة بالاعتماد على احصائيات البنك المركزي المصرى.
السيناريوهات المحتملة:
في ضوء نجاح المصالحة الخليجية، وإعادة فتح الحكومة المصرية للمجال الجوى أمام الطائرات القطرية بعد توقف دام لمدة ثلاث سنوات وستة أشهر، وترحيب وزارة الخارجية المصرية بهذه المصالحة من خلال بيان نشرته على صفحتها الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي “الفيس بوك” بأن مشاركة مصر وتوقيعها على بيان “العلا”، الذي جاء في إطار “حرصها الدائم على التضامن بين دول الرباعي العربي، وتوجههم نحو تكاتف الصف، وإزالة أية شوائب بين الدول العربية الشقيقة”، إلى جانب بدء المحادثات بين البلدين لبحث سبل تعزيز العلاقات الثنائية بينهما، أصبح هناك ثلاث سيناريوهات محتملة للأفاق المستقبلية للعلاقات الاقتصادية بين مصر وقطر، وهم كالتالي:
السيناريو الأول- عودة العلاقات الاقتصادية بين البلدين لما كانت عليه قبل الأزمة: وهو سيناريو الأكثر ترجيحاً، لاسيما في ظل التوجه القوى للمستثمرين القطريين إلى السوق المصرى وتعزيز التواجد به خلال العام 2019/2020، والذى لم يواجه أية معوقات من خلال الحكومة المصرية في هذه الفترة، وإعادة فتح القاهرة للمجال الجوى مع الدوحة بعد المصالحة الخليجية.
السيناريو الثاني- مواصلة العلاقات الاقتصادية بين مصر وقطر على نفس الوتيرة التي كانت عليها أثناء المقاطعة الخليجية: وهو سيناريو أقل ترجيحاً من السابق، ويعنى استمرار ضعف التبادل التجارى بين البلدين، لاسيما وأن كلا البلدين منهما بحثت عن أسواق بديلة عن سوق الدولة الأخرى خلال فترة المقاطعة سواء من خلال الاستيراد أو التصدير، وبالتالي عدم عودة حجم التبادل التجارى بينهما لما كان عليه قبل الأزمة الخليجية، ولكن يستمر تدفق الاستثمارات القطرية إلى داخل مصر، ومن الممكن وضع قيود أمامها لمنع تدفق هذه الاستثمارات إلى القطاعات الحيوية بالدولة.
السيناريو الثالث- عودة قطع العلاقات الدبلوماسية مع قطر مرة أخرى وبالتالي تأثر العلاقات الاقتصادية سلبا: ويعتبر هذا السيناريو مرهونا بنجاح المحادثات الثنائية بين مصر وقطر وحل جزء كبير من القضايا الخلافية بينهما، وعدم تدخل الجانب القطرى في الشأن الداخلى المصرى، والتوقف عن دعم الجماعات الإرهابية التي تهدد الأمن القومى المصرى.
وهو السيناريو المستبعد قد يكون مستبعداً، لاسيما وأن الحكومة القطرية أدركت أن التحدي الأكبر الذى يواجه اقتصادها هو الأزمة الخليجية، والتى تسببت في عدد من الخسائر للاقتصاد القطرى، من ضمنها على سبيل المثال لا الحصر، تغيير خريطة السائحين الوافدين للدوحة حسب المنطقة، لتصبح دول مجلس التعاون الخليجى فى الترتيب الثالث من حيث اعلى المناطق فى تصدير السياحة إلى قطر بعد ان كانت فى الترتيب الأول حتى عام 2017.
المصدر: إعداد الباحثة، بالاعتماد على احصاءات المجلس الوطنى للسياحة بقطر
كما خسرت قطر 4 أسواق تصديرية مثلت نحو 8.4% من صادراتها للخارج عام 2015، حتى أصبحت نسبة صادرات الدوحة لكل من السعودية والامارات والبحرين ومصر من إجمالي صادراتها للعالم هى 2.4% عام 2018، وبلغت نسبة ما استوردته من هذه الدول 0.3% من إجمالى وارداتها من العالم، مقارنة بـما نسبته 15.1% عام 2015.
المصدر: إعداد الباحثة، بالاعتماد على بيانات مركز التجارة العالمى
هذا فضلا عن ما تسببت فيه الأزمة الخليجية من زيادة تباطؤ نمو الاقتصاد القطري المتباطئ بالأساس منذ العام 2011، حتى وصل إلى مرحلة الانكماش بداية من عام 2019، بتحقيق معدل نمو اقتصادي سالبا بلغ -0.3% حسب تقديرات البنك الدولي، مقارنة بـنمو موجب بلغ 1.5% عام 2018، و19.6% عام 2010.
في النهاية، يمكن القول إن العلاقات الاقتصادية والاجتماعية بين مصر وقطر باتت مرهونة بقدرة الدولتين على الحد من الخلافات السياسية بينهما، وتوقف الجانب القطرى عن دعم الجماعات الإرهابية لاسيما “جماعة الإخوان المسلمين”، والأساليب الاستفزازية بالتدخل في الشأن الداخلى المصرى وتهديد أمن مصر القومى. لكن تمثل المصالحة الخليجية سطرًا جديدا في تاريخ هذه العلاقات، بما قد يمهد تجنب اللجوء إلى وقفها مرة أخرى، لاسيما مع إدراك الدول الأطراف بالمصالحة الخليجية إلى ضرورة استمرار العلاقات الاقتصادية بينهما، مع عدم توقف التفاوض بشأن القضايا الخلافية وإيجاد حلولا ترضى جميع الأطراف وتحد من شدة الخلاف بينهما قدر المستطاع.