حدود التغيير: مستقبل أزمة الحوثيين في ضوء توجهات الإدارة الأمريكية الجديدة
أعلنت الإدارة الأمريكية توقيع عقوبات اقتصادية على اثنين من قادة الحوثيين، وهم “منصور السعدي” رئيس أركان القوات البحرية الحوثية، و”أحمد على الحمزى” قائد القوات الجوية، وإدراج أسمائهم على القائمة السوداء، وجاءت العقوبات الأمريكية التي أقرتها الخزانة الأمريكية بموجب قانون “ماغينتكسي”-الذى سبق أن اعده الكونجرس، لفرض عقوبات على دول أو كيانات أو أشخاص لانتهاكهم حقوق الإنسان-، على أثر تصاعد أعمال العنف التى استهدفت المدنيين والمنشأت المدنية فى المملكة العربية السعودية، وتأتى هذه العقوبات الأمريكية بعد أيام قليلة من إعلان الإدارة الأمريكية رفع جماعة الحوثيين من قائمة الإرهاب، ليكشف عن تعارض ظاهرى فى قرارات الإدارة الأمريكية بعد وصول “بايدن” للسلطة.
تأسيساً على ما سبق، يبقى السؤال: هل ما هي حدود التغيير في الموقف الأمريكي من الحوثيين في ضوء توجهات الإدارة الأمريكية الجديدة؟، وما هي ملامح تحركات الحوثيين المحتملة خلال الفترة المقبلة؟، وموقف القانون الدولي من جرائمهم على أرض الواقع؟.
مواقف رمادية:
بررت الإدارة الأمريكية خطوات رفع جماعة الحوثيين من على قوائم الإرهاب، من منطلق تسهيل عمل منظمات الإغاثة الإنسانية، والتمكن من إيصال المساعدات الإنسانية إلى المدنيين، دون أي محاولات عرقلة من قبل الميلشيات الحوثية، وذلك لرفع المعاناة عن المدنيين المتضررين من الصراع، الدائر فى اليمن منذ سنوات. وعلى الرغم من تلك المبررات سابقة الذكر من الإدارة الأمريكية الجديدة لهذا القرار، فإن الواقع قد يعكس اتجاه أخر، هو أن اعتبار تلك الجماعة ووصفها بالإرهابية-كما اتخذت إدارة ترامب السابقة- ، قد يساهم في قيام المنظمات الإغاثة بالإفصاح عن مصير المساعدات، بل والإعلان عن حجمها على وجه التفصيل، خاصة في ظل وجود اتهامات لموظفى الإغاثة باستخدام العمل الإنسانى، من أجل إيصال تمويل لجماعة الحوثى، وتسهيل الدعم اللوجستى للمليشيات، وهو ما قد يؤدى وفقاً للمراقبين إلى تأجيج الأزمة.
من جانب آخر، يمكن القول إنه يستتبع تصنيف جماعة الحوثيين كجماعة إرهابية، التعامل الشرعي من خلال البنوك، لايصال المساعدات النقدية، بدلا من اللجوء الى السوق السوداء للحوثيين في ظل وضع اللادولة، ويضع حد لنهب المساعدات، وعرقلة عمل منظمات الإغاثة من قبل التنظيم. إذن إدراج الجماعة على قوائم الإرهاب، من شأنه تسهيل عمل منظمات الإغاثة، تحت رعاية المؤسسات الشرعية فى البلاد وبرعاية أممية.
كما تبرر الإدارة الأمريكية اتخاذها خطوات رفع الحوثيين من على قوائم الإرهاب، باعتبارها طريق جديد لوضع مساعي ودية لوقف الأعمال العدائية، والتفاوض السياسي مع الحوثيين لإنهاء حالة الحرب. رغم أن الحقيقة، تشير إلى أن هذا التصنيف قد لا يمنع من الوساطة أو المفاوضات مع الحوثيين، إذا وجدت الإرادة الحقيقية لحل النزاع، فضلا على أن الإدرة الأمريكية لم تضع شروط أو التزامات للحوثيين مقابل إلغاء التصنيف، وهو قد يضعف من وضع الحكومة اليمنية، ويعطى شرعية للميلشيات الحوثية. كل ما تم الإشارة له سابقاً يبين أن الإدارة الأمريكية الجديدة تتخذ مواقف رمادية بشأن الحوثيين، فقي الوقت الذي تظهر محاربتها للإرهاب، بفرض عقوبات على قادة حوثيين، سبق وأن فُرضت ولم تغير من الواقع، فإنها في الوقت ذاته تعطى شرعية لتلك المليشيات الحوثية، بإلغاء قرار تصنيفهم منظمة إرهابية.
وما قد يؤكد التحركات غير المحسوبة من قبل الإدارة الأمريكية الجديدة بشأن الحوثيين، هو ما نشرته وكالة “رويترز”، حيث قالت –الوكالة- إن مسئولين أمريكيين، وعلى رأسهم المبعوث الأمريكي في اليمن، اجتمعوا بقيادات حوثية وعلى رأسهم ” محمد عبدالسلام الحوثي ” في أحد العواصم العربية في الـ 26 فبراير الماضي، ولم يعلن عن ما أسفرت عنه تلك المفاوضات إلى هذا الوقت، وهو ما قد يثير التخوفات من أداء وسياسات الإدرة الأمريكية الجديدة في التعامل مع تلك التي توصف من قبل كثيرين بالإرهابية.
ضوء أخضر للتصعيد:
تزامن التصعيد الحوثى لعمليات العنف، تجاه مأرب معقل الحكومة الشرعية لليمن، مع إعلان أمريكا وقف صفقات السلاح للسعودية، ورفع جماعة الحوثى من قوائم الإرهاب، قد يعطى إشارات للحوثيين وللمجتمع الدولي، بالاعتراف بشرعية سلطة الحوثيين على المناطق الخاضعة لسيطرتهم.
وبالتالي، قد تساعد قرارات الإدارة الأمريكية الأخيرة في تأجيج الصراع داخل اليمن، بل وقد تبارك الدعم الإيراني للحوثيين، ضمن السياسة الجديدة التي قد تتبعها إدارة “بايدن” تجاه إيران، والتي لم تتحدد ملامحها الحقيقة حتى تاريخه. وعليه، قد يتسبب الموقف الرمادي من قبل الإدارة الأمريكية تجاه الحوثيين في خلق وضع أكثر تأزماً داخل اليمن يدفع ثمنه ألاف الضحايا، وتستفيد منه إيران والحوثيين معاً، خاصة وأن هناك محاولات تدور في الأفق من قبل الحوثيين للضغط على إدارة ” بايدن” كما ضغطت وفشلت من قبل على إدارة “ترامب”. فقد قامت وفشلت تلك الميلشيات الحوثية-مستخدمة تكثيف العنف على الأرض- بالضغط إدارة ترامب لرفع العقوبات الاقتصادية على إيران، وفي هذا التوقيت تحاول تكرار نفس محاولاتها السابقة باعتبار فترة “بايدن ” بعد قرار إدارته برفعها من القائمة الإرهابية، بمثابة فترة ذهبية لهم، وحليفتهم إيران لتحقيق أكبر قدر من المكاسب.
حسابات مستقبلية:
يسعى الجانب الحوثي لبسط سيطرته على المرتفعات الشمالية، ويرجع ذلك لأسباب تاريخية وإيديولوجية لدى الحوثيين، لإعادة الحكم الإمامى الضائع الذى يرسخ له المذهب الشيعى، فضلا على السعى لإقرار حكم ذاتي في إقليم آزال، وإخلاء الإقليم من الوجود السنى السلفى، الذى عبرت عنه الجماعة فى وقت سابق، بإحراق بعض دور التحفيظ التابعة للحركة السلفية. كما يصر الحوثيين على عدم ترك السلاح للقضاء على أي مقاومة ضدهم فى المناطق الواقعة تحت سيطرتهم. وتعمل تلك الجماعة أيضاً على إعادة نشر الفكر الزيدى، القائم على الحق الإلهى فى الحكم.
الواضع أن جماعة الحوثيين تسعى إلى فالجماعة تكرار التجربة الإيرانية في اليمن، وإسقاط السلطة الشرعية لتحل محلها بشكل واضح دوليا، ويظهر ذلك من خلال تحدث الجماعة بإسم الشعب اليمنى فى الفترة الآخيرة، على الرغم من الرفض الشعبي لها، الذي تمثل في إنطلاق حملة تطالب الولايات المتحدة، بالإبقاء على تصنيف ميليشيا الحوثى منظمة إرهابية، داعية الدول الآخرى لتصنيفها.
التكييف القانوني لجرائم الحوثيين:
وفقا لتقرير أعده فريق من الخبراء الدوليين، التابع للآمم المتحدة، فإن ميلشيا الحوثيين الإرهابية، شنت هجمات إستهدفت المدنيين في أعمال ترقى إلى جرائم حرب. فقد أشار التقرير إلى أن الميلشيا استخدمت أسلحة واسعة النطاق لصواريخ، ومدفعية، ومدافع الهاون، حيث وجهت هذه الأسلحة إلى مناطق مأهولة بالسكان، مما أسفر عن قتلى وإصابات بين المدنيين، وتدمير المنشآت المدنية، بما يخالف كل المواثيق والأعراف الدولية.
هذا بالإضافة إلى استخدام تلك الجماعة-حسب التقرير سابق الذكر- الألغام الأرضية ضد الأفراد والمركبات، فى إنتهاك صارخ لإتفاقية حظر الألغام، التى أقرتها سلطة الأمر الواقع. فضلا عن استهداف مدن حدودية سعودية، ومطار أبها بصواريخ مسيرة أصابت المدنيين والمنشأت المدنية، مما يشكل جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية لا تسقط بالتقادم، وتستوجب محاكمتهم أمام الجنائية الدولية، إذا توافرت الإرادة الجادة لمحاسبة الإرهاب عن جرائمة، وحفظ السلم والآمن الدوليين، من قبل المعنيين بمحاربة الإرهاب من الأطراف الفاعلة.
في النهاية يمكن القول، كل المؤشرات سابقة الذكر، وغيرها تشير بصعوبة إلى إنهاء الحرب باليمن فى المستقبل القريب، خاصة وأن كل الأطراف المتحالفة والمتصارعة تدفع باتجاه تأجيج الأوضاع على الأرض. كما أن الجماعات المسلحة فى الداخل لن ترضخ إلى مساعي الحوار وإنهاء العنف، الذي يعد جزء من أيديولوجيتها، ويقودها متشددون لا يؤمنون بقيم الحوارـ وحرية العبادة والوطنية، ويسعون إلى أن تظل اليمن مقسمة طائفياً وعشائرياً ومناطقياً. هذا بالإضافة إلى أن القوى الوطنية داخل اليمن، لا يعول علها فى حل الصراع، لذا من المتوقع أن يستمر الصراع وامتداد آثاره إلى مناطق أخرى، ومع احتمالات تفاقم الأزمات مع دول الجوار.