تفكير مبرر: ما هي مسارات الحكومة المصرية في تنفيذ مخطط التنمية المستدامة؟
تعتبر مصر من أوائل الدول التى أنشأت لجنة وطنية لمتابعة تنفيذ أهداف التنمية المستدامة، كذلك قامت بإعداد “استراتيجية التنمية المستدامة ” أو ما يسمى برؤية مصر 2030. وهنا تجدر الإشارة إلى أن جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة اعتمدت في عام 2015 أهداف التنمية المستدامة، باعتبارها دعوة عالمية للعمل على إنهاء الفقر، وحماية الكوكب وضمان تمتع جميع الناس بالسلام والازدهار بحلول عام 2030.
وتعتبر “ما يسمى برؤية مصر 2030” بمثابة أول استراتيجية يتم صياغتها وفقاً لمنهجية التخطيط الاستراتيجي بعيد المدى والتخطيط بالمشاركة، حيث تم إعدادها بمشاركة مجتمعية واسعة راعت مشاركات المجتمع المدني والقطاع الخاص والوزارات والهيئات الحكومية. كما لاقت دعماً ومشاركة فعالة من شركاء التنمية الدوليين، الأمر الذي جعلها تتضمن أهدافاً شاملةً لكافة مرتكزات وقطاعات الدولة المصرية.
معالم واضحة وأهداف محددة:
وتتمثل رؤية الاستراتيجية فى: أن تكون مصر بحلول عام 2030 ذات اقتصاد تنافسي ومتوازن ومتنوع يعتمد على الابتكار والمعرفة، قائمةً على العدالة والاندماج الاجتماعي والمشاركة، ذات نظام ايكولوجي متزن ومتنوع، تستثمر عبقرية المكان والإنسان لتحقق التنمية المستدامة وترتقي بجودة حياة المصريين. كما تهدف الحكومة من خلال هذه الاستراتيجية أن تكون مصر ضمن أفضل 30 دولة على مستوى العالم من حيث مؤشرات التنمية الاقتصادية، ومكافحة الفساد، والحوكمة، والتنمية البشرية، وتنافسية الأسواق، وجودة الحياة.
قراءة وتحليل البيانات المنشورة عن حال التنمية في مصر، يشير إلى أن مصر احتلت المرتبة 83 من بين 166 دولة في مؤشرات التنمية المستدامة لعام 2020 ، مقارنة بعام 2019، حيث كانت تحتل المرتبة 92 من بين 162 دولة مصنفة. وقد تقدمت مصر 13 مركزاً في مؤشر جودة البنية التحتية، وتصاعد مؤشر كفاءة الحوكمة منذ عام 2015 حتى عام 2020 بنحو 9 درجات.
كما ارتفع مؤشر كفاءة المؤسسات 12 مركزاً، وفي الوقت نفسه ارتفع مؤشر الملكية الفكرية 5 مراكز، وفي ما يتعلق بمؤشر الصناعة والابتكار لعام 2020، حدث تحسن ملحوظ بمؤشرات التجارة السلعية والخدمية، ومؤشر نسبة الصادرات ذات المكون التكنولوجي، كما زادت مساهمة القطاع الخاص في الناتج المحلي الإجمالي.
هذا فضلا عن اهتمام الدولة بقطاع الصحة وتنفيذ الكثير من المبادرات الرئاسية، التي من بينها “100 مليون صحة”، و”صحة المرأة” كان له أكبر الأثر في نجاح مصر في تحقيق عدة إنجازات في المؤشرات المعنية بالصحة، لا سيما في ما يتعلق بتحسين مؤشر متوسط العمر، وهو ما يشير إلى تحسن الرعاية الصحية المقدمة لكبار السن، إلى جانب تحسين معدل الهزال، الأمر الذي يعني تحسن الرعاية الصحية المدرسية، كذلك تخقيق تحسن فيما يخص مؤشر وفيات الأطفال تحت 5 سنوات، ومعدل الإصابات بأمراض الكبد الوبائي.
أطراف متعاونة:
أطلقت وزارة التعاون الدولي التقرير السنوي لعام 2020، «الشراكات الدولية لتحقيق التنمية المستدامة»، والذي يستعرض جهود الوزارة بالتنسيق مع شركاء التنمية متعددي الأطراف والثنائيين، من الجهات الحكومية المختلفة، وكذلك القطاع الخاص لدعم مسيرة مصر نحو تنفيذ أهداف التنمية المستدامة، وتشاركت كل من وزارة التعاون الدولي، وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي وكاتليست بارتنرز للاستثمار المباشر في دفع «الاستثمار المؤثر» من خلال مبادرة جديدة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة لمؤسسات القطاع الخاص والاستثمارات الخاصة، وتعزيز مراعاة المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة، ويأتي ذلك في إطار الدور الحيوي الذي يقوم به القطاع الخاص في دعم أجندة التنمية الوطنية في مصر. وهنا تجدر الإشارة إلى أن مصر التزمت بمبادئ وثيقة النظام الاقتصادي والاجتماعي جامع الأطراف ذات الصلة لإعادة تشكيل اقتصادها، ومراعاة المعايير البيئية والاجتماعية، والحوكمة مما يسمح بالخروج من أزمة جائحة كورونا بشكل أقوى وأكثر توحيداً وأكثر مرونة من ذي قبل.
إن خلق قيمة مستدامة من خلال الاستثمار المؤثر يلعب دورًا أساسيًا في تحقيق نتائج ايجابية للمجتمع قابلة للقياس بالإضافة إلى عوائد مالية كافية، ولبدء الممارسات في مصر، سيقوم برنامج الأمم المتحدة الإنمائي وشركة كاتليست بارتنرز بتطبيق مبادئ ومعايير وأدوات قياس الأثر المعترف بها عالميًا على مجموعة من الشركات الصغيرة والمتوسطة الجاهزة للاستثمار بها، والتي من شأنها مساعدة الشركات على قياس وإدارة تأثيرها من خلال دليل إرشادي ومنصة رقمية سهلة الاستخدام لقياس الأثر.
كما أنه في عام 2020، نفذت وزارة التعاون الدولي أول عملية من نوعها لمطابقة محفظة التمويل التنموي للوزارة وكافة المشروعات مع الأهداف الأممية للتنمية المستدامة، بما في ذلك التمويل الذي يقوده القطاع الخاص. ومن أجل مواصلة دفع أهداف التنمية المستدامة، فإن هذه الشراكة تجلب مزيدًا من الاستثمار المؤثر في الاتجاه السائد للاستثمار، مما يوفر قوة جديدة كافية للمساعدة في تلبية احتياجات التنمية وبناء اقتصاد شامل .
محصلة التمويلات التنموية:
ووفقًا للتقرير السنوي لعام 2020 الصادر عن وزارة التعاون الدولي تحت عنوان «الشراكات الدولية لتحقيق التنمية المستدامة.. صياغة المستقبل في ظل عالم متغير»، حصلت مصر على تمويل تنموي بقيمة 9.89 مليار دولار لتحقيق أهداف التنمية المستدامة لعام 2030، بما في ذلك 6.7 مليار دولار لقطاعات الدولة التنموية و3.191 مليار دولار لمشروعات القطاع الخاص.
وتسهم هذه التمويلات التنموية بصورة مباشرة في تحقيق 14 هدفا من أهداف التنمية المستدامة، على رأسها الهدف التاسع الخاص بالبنية التحتية والصناعة والابتكار، والهدف الحادي عشر الخاص بالمدن والمجتمعات المحلية المستدامة، والهدف السادس الخاص بالمياه النظيفة والنظافة الصحية، والهدف السابع الخاص بتوفير الطاقة النظيفة بأسعار يسيرة، والهدف الثاني عشر وهو تشجيع الاستهلاك والإنتاج المسؤوليين، والهدف الثالث عشر الخاص بالعمل المناخي كما دعمت التمويلات التنموية التي تم توفيرها خلال 2020 للقطاع الخاص، تحقيق الهدف الثامن من أهداف التنمية المستدامة الخاص بالعمل اللائق ونمو الاقتصاد، والهدف التاسع الخاص بالبنية التحتية والصناعة والابتكار.
وجاء قطاع النقل والمواصلات في المرتبة الأولى من حيث التمويلات التنموية، حيث أبرمت وزارة التعاون الدولي اتفاقيات لدعم استراتيجية النقل المستدام وتعزيز البنية التحتية للقطاع بقيمة 1.7 مليار دولار، مما يساهم بشكل مباشر على تحقيق الهدف التاسع الخاص بالبنية التحتية والصناعة والابتكار والهدف الحادي عشر الخاص بالمدن والمجتمعات المحلية المستدامة؛ وتعنى هذه الأهداف بتوفير بنية أساسية جيدة وتوفير وسائل نقل لائقة لجميع المواطنين.
كما جاء في المرتبة الثانية قطاع الإسكان الاجتماعي وشبكات المياه والصرف الصحي بإجمالي 1.4 مليار دولار، مما يساهم في تحقيق الهدف السادس الخاص بالمياه النظيفة والنظافة الصحية، والذي يهدف إلى زيادة الاستثمارات في البنية التحتية وتوفير مرافق الصرف الصحي، بالإضافة إلى الهدف التاسع: الصناعة والابتكار والهياكل الأساسية، والهدف الحادي عشر: المدن والمجتمعات المحلية المستدامة، اللذين يركزان على تعزيز الصناعات المستدامة والتخطيط الحضاري من أجل استيعاب أعداد السكان المتزايدة في المدن عبر توفير سكن لائق للأسر محدودة الدخل .وفي المرتبة الثالثة جاء قطاع الكهرباء والطاقة الجديدة والمتجددة والبترول بالمرتبة وبلغت قيمة التمويلات الموجهة له حوالي 677 مليون دولار، للعمل على تحقيق الهدف السابع الخاص بتوفير الطاقة النظيفة بأسعار يسيرة، والهدف الثاني عشر وهو تشجيع الاستهلاك والإنتاج، والهدف الثالث عشر الخاص تمثل في العمل المناخي.