حدود التغيير : مستقبل أزمة الصحراء الغربية في ضوء توجهات الإدارة الأمريكية الجديدة
رضوى صقر- باحثة في العلاقات الدولية.
كغيرها من الملفات الاقليمية التي تنتظر تغيرا في التوجهات الأمريكية مع قدوم إدرة بايدن، يقف ملف الصحراء الغربية عالقا بين احتمالات التغيير والثبات، فإدرة ترامب التي اعطت المغرب في اواخر ايامها في البيت الابيض موقفا يعد الاكثر تقدما من بين الإدارت الأمريكية المتعاقبة، باعترافها بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية، قد رحلت، والادارة الجديدة للرئيس بايدن عازمة على التخلص التدريجي من بعض سياساتوقرارات ترامب، خاصة تلك التي جاءت في سياقات فجائية ، دون اتساق مع الخط العام للسياسة الامريكية ازاء بعض الملفات، ذات الابعاد التاريخية ، ومنها ملف الصحراء الغربية، الذي يتوقع ان يصعد لواجهة الاحداث في منطقة شمال أفريقيا والساحل خلال الأشهر القليلة القادمة عقب الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء، و اعتراف بعض الدول بالسيادة المغربية على الصحراء، بل وقيام بعضها بفتح سفارات وقنصليات في الجزء الواقع تحت السيطرة المغربية، في مقابل موقف رافض من جانب جبهة البوليساريو وداعميها الاقليميين وعلى راسهم الجزائر. كل تلك التغيرات تشير إلى ثمة تغيرا قادم في مسار هذه القضية خلال الفترة المقبلة.
الخلفية التاريخية للنزاع:
تبلغ مساحة الصحراء الغربية الواقعة شمال غربي إفريقيا على الحدود بين المملكة المغربية والجمهورية الموريتانية حوالي 252 ألف كيلومتر مربع وهي ذات كثافة سكانية منخفضة تبلغ حوالي نصف مليون نسمة، وهي المنطقة التي تعتبرها المغرب جزءًا لا يتجزأ من أراضيها مع عدم الممانعة في حصولها على الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية، علمًا بأن المغرب يسيطر فعليًا على حوالي 80% من مساحة أراضي الصحراء الغربية.صعدت تلك القضية إلى الساحة الدولية منذ عام 1975 مع قيام إسبانيا بتوقيع اتفاقية مع كل من المغرب وموريتانيا قبل جلاءها عن الصحراء الغربية؛ حيث أدى ذلك الاتفاق إلى تقاسم كل من المغرب وموريتانيا لتلك المنطقة، في مقابل إصرار سكان المنطقة على الاستقلال؛ حيث تم تشكيل جبهة البوليساريو التي صَعَدَّت من هجماتها، مقابل قيام المغرب وموريتانيا باللجوء إلى محكمة العدل الدولية.في عام 1975، أَقَرَّت محكمة العدل الدولية وجود روابط بين الصحراء الغربية مع كل من المغرب وموريتانيا إبان خضوعها للاحتلال الإسباني إلا أن المحكمة اعتبرت أن هذه الروابط غير وثيقة ولا تصل إلى فرض السيادة.قامت جبهة البوليساريو في يناير/كانون الثاني 1976 بالإعلان عن قيام الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية، بينما عملت المغرب خلال عقد الثمانينيات على بناء جدار رملي حول مدن السمارة والعيون وبوجدور حول المناطق الصحراوية الغنية بالفوسفات لحماية أهم الأراضي الصحراوية من هجمات البوليساريو.نتج عن تلك الأزمة نزوح عدد من اللاجئين إلا أن هناك خلافًا حول عددهم الفعلي؛ حيث تشير المفوضية العليا لشئون اللاجئين إلى وجود 165 ألف لاجئ صحراوي في مخيمات خمس بالقرب من تندوف الجزائرية، بينما تشير بعض وكالات الأمم المتحدة إلى أن عددهم حوالي 90 إلى 125 ألف لاجئ.
في عام 1991 تمكنت الأمم المتحدة من فرض وقف إطلاق نار بين الجانبين، كما تمت إقامة منطقة عازلة بين الأراضي التي يسيطر عليها كل من الطرفين، حيث تقوم قوات حفظ السلام الأممية بتأمين تلك المنطقة.
الموقف السياسي وحسابات الداعمين لكل طرف
تشهد منطقة الصحراء المغربية حالة من التصعيد والتهدئة بين المغرب وجبهة البوليساريو، وهما الطرفان اللذان تنازعان على وضع الصحراء لعدة عقود ويقترح المغرب أن الصحراء الغربية يمكن أن تكون منطقة حكم ذاتي داخل المغرب ، في حين أن موقف جبهة البوليساريو هو أن الوضع النهائي للإقليم لا يمكن تحديده إلا في استفتاء يتضمن الاستقلال. هناك زخما جديدا برز لوضع النزاع فى الصحراء المغربية، منذ القرار الامريكي الصادر في ديسمبر 2020 بخصوص الاعتراف بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية، وهناك توجه امريكي جديد لدعم حل الحكم الذاتى فى الصحراء المغربية”، جاء ذلك خلال مؤتمر وزارى نظمته الولايات المتحدة والمغرب في 15 يناير الماضي بمشاركة 40 دولة، من بینھا 27 ممثلة على المستوى الوزاري عبر تقنية الفيديو بشأن دعم حل الحكم الذاتي بالصحراء المغربية. كما اكد مساعد وزير الخارجية الأمريكي ديفيد شينكر، إن الحكم الذاتي هو الإطار الوحيد للحل في الصحراء المغربية، مؤكدا خلال هذا الاجتماع على خطة الحكم الذاتي بالصحراء المغربية،وإعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ديسمبر الماضى، توقيع مرسوم للاعتراف بسيادة المملكة المغربية على الصحراء الغربية.
تحظى الجمهورية الصحراوية وجبهة البوليساريو بدعم من الجزائر منذ نشأتها وحتى الآن، في المقابل تبدي الولايات المتحدة مواقف مساندة بدرجة ما لموقف المغرب ويظهر ذلك من خلال عدة مواقف منها على سبيل المثال لا الحصر تأكيد البيت الأبيض قبل لقاء جمع بين الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما والعاهل المغربي محمد السادس بن الحسن في نوفمبر 2013 أن خطة المغرب للحكم الذاتي في الصحراء الغربية واقعية وذات مصداقية، وإعلان الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في 10 ديسمبر/كانون الأول 2020 توقيعه على إعلان تعترف بموجبه الولايات المتحدة بسيادة المغرب على الصحراء الغربية، وذلك عقب توصل المغرب وإسرائيل إلى اتفاق لإقامة علاقات ديبلوماسية كاملة بينهما.
في المقابلتدعم كل من الصين وروسيا فكرة عقد استفتاء حول تقرير المصير لسكان الصحراء الغربية، وهناك خمس دول غير الدائمة العضوية بمجلس الأمنداعمة لفكرة حصول سكان المنطقة على حق تقرير المصير وهي كينيا، والمكسيك، والهند، والنرويج وأيرلندا، الأمر الذي يتبدى من خلاله حالة الاستقطاب المحتملة في مجلس الأمن الدولي بشأن قضية الصحراء الغربية سواء بين القوى الكبرى ذات العضوية الدائمة المتمتعة بحق النقض، أو بين الدول ذات العضوية غير الدائمة.اما بخصوص موقف الاتحاد الافريقي فقد سبق أن دعا الاتحاد الأفريقي إلى تنشيط آلية الترويكا حول الصحراء الغربية، وتكليف مجلس السلم والأمن الأفريقي بـ”إشراك البلدين: الجمهورية الصحراوية والمملكة المغربية، في معالجة الوضع الراهن في الصحراء الغربية، وتهيئة الظروف المناسبة لتمكين الشعب الصحراوي من ممارسة حقه في تقرير المصير”، حيث دعت القمة الاخيرة للاتحاد الأمين العام الأممي إلى “تعيين مبعوث جديد إلى الصحراء الغربية، في إطار قرار مبادرة “إسكات البنادق”.
الموقف الأمني
الموقف الامني لا يزال في مستوى توتر منخفض، لكنه قابل للتصعيد على المدى المنظور، ففي تاريخ 24 يناير الماضي 2021 تم الإعلان عن قيام المقاتلين الصحراويين بقصف معبر الكركرات وفقًا لما أعلنت عنه وكالة الأنباء الصحراوية، مع الإشارة إلى وقوع هجمات على طول الجدار الأمني الفاصل بين القوات المغربية والقوات الصحراوية.ردًا على الهجمات المغربية على منطقة الكركرات، عندما شن الجيش المغربي حملة عسكرية على منطقة الكركرات الحدودية مع موريتانيا المعروفة بمرور شاحنات البضائع والتجارة بهدف إعادة انسياب حركة التجارة مرة أخرى، الخطوة التي اعتبرتها جبهة البوليساريو خرقًا لوقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه عام 1991.
رؤية مستقبلية
يُتَوَقّع استمرار المناوشات والهجمات المتبادلة بين الجانبين خاصة في ضوء حرص المغرب على الاستفادة من الدعم الأمريكي لفكرة الحكم الذاتي بعد القرار الأخير لإدارة الرئيس جوزيف بايدن ورؤية جبهة لبوليساريو باعتبار أن النزاع هو مسألة وجود، مع الوضع في الاعتبار أن تصريحات المتحدث الرسمي باسم الخارجية الأمريكية تشير إلى إصرار الإدارة الأمريكية الجديدة على تعزيز وتفعيل دور الولايات المتحدة داخل المنظمات وأطر العمل الدولية، وبالتالي العمل على التوفيق بين قرار مغربية الصحراء الذي أقره الرئيس السابق ترامب، وسعي الأمم المتحدة لعقد استفتاء لتقرير المصير، خاصة أن الأمر يتعلق بالمواجهة الإقليمية مع الصين وروسيا.
يتضح بصفة عامة، أن تسوية تلك الأزمة لن تتأتى إلا بالدعم الإقليمي والدولي سواء من جانب منظمة الأمم المتحدة والدول الإقليمية المجاورة، والدول الفاعلة في تلك القضية ليس فقط تجنبًا للنزاع وإنما أيضًا تجنبًا لفتح بؤرة جديدة لانتشار الجماعات الإرهابية.