تساقط القلاع: هل تكون الاحتجاجات الطلابية في تركيا بداية النهاية لعصر أردوغان؟
دوما ما تغنى حزب العدالة والتنمية بانجازاته الداخلية والخارجية، محاولاً إقناع الأتراك بأن هذه الإنجازات يقف ورائها رجل واحد وحزب واحد ، كمبرر للبقاء في السلطة أطول فترة ممكنة، وفي سبيل ذلك ناور أردوغان ورفاقه أكثر من مرة، كان أخرها تعديل الدستور التركي وتغيير النظام من برلماني إلى رئاسي، لينتقل رجب طيب أردوغان من موقع رئيس الوزراء إلى موقع رئيس الجمهورية ، لمدد زمنية متتالية، لكن على ما يبدو أن طموح العدالة والتنمية لم يتوقف عند هذا الحد، فهم يخشون حالياً من احتمال سقوط أردوغان في انتخابات 2023 ، والمؤشرات الدالة على ذلك كثيرة، ربما أهمها مؤشر نتائج الانتخابات البلدية الأخيرة، وتزايد حركة التكتلات في صفوف المعارضة، ومن بينهم شخصيات لها ثقل سابق في حزب العدالة والتنمية، لكنها رفضت سلوك أردوغان التسلطي، وفضلت القفز مبكراً من السفينة، التي قد تغرق في أي لحظة. من هنا يتضح خط النهاية لعملية تهاوي القلاع التي بناها حزب العدالة والتنمية على مدار ما يقرب من عشرين عاماً، فالاقتصاد متدهوى، وعلاقة الحزب برفاقه القدامى في أسوء حالاتها، ولم يتبقى للحزب إلا القاعدة الشعبية التي بناها في صفوف الطبقة الوسطى، التي يشكل الشباب أغلبية فيها، وللتذكير فقط فإنه في عام 2011 تمكن حزب العدالة والتنمية الحاكم من انتزاع 42 حتى 43 في المائة من الأصوات من المجموعة العمرية بين 18 و 24 سنة”، كما استطلاعات الرأي التركية، إلا أن العلاقة بين حزب العدالة والتنمية وهذه الفئة العمرية تدهورت بعد احتجاجات منتزه غيزي في 2013، والتي على إثرها تراجع التأييد لحزب العدالة والتنمية في هذه المجموعة العمرية إلى 30 في المائة.
استهداف المؤسسات التعليمية:
تأسيساً على ما سبق ، يبدو أن قلاع اردوغان تتهاوى ، الواحدة تلك الأخرى، وأخرها القاعدة الطلابية والطبقة الوسطى في المجتمع التركي، ففي مطلع عام 2021 وبالأحرى منذ شهر قررأردوغان تعيين أحد الموالين لحزبه رئيسا لجامعة البوسفور (بوغازيتشي) المرموقة في إسطنبول . وعين “مليح بولو” الحاصل على درجة الدكتوراه في إدارة الأعمال وهو عضو في حزب العدالة والتنمية ، رئيسا لجامعة بوغازيجي في إسطنبول، بموجب مرسوم نشرفي أول يناير 2021، وهو القرار الذي أجج الغضب في صفوف الطلاب، حيث شهدت تركيا حدوث أزمة من خلال احتجاجات وتظاهرات بدأت جامعية شارك فيها الطلاب وأعضاء هيئة التدريس وتحولت إلى مجتمعية، واستندت هذه الاحتجاجات على عدة مبررات منطقية أهمها ما يلي:
أن جامعة البوسفور من أهم وأعرق الجامعات في تركيا لدرجة يطلق عليها هارفارد التركية، حيث تخرج منها الكثير من النخب التركية، كونها أسست في عام 1863 كأول مؤسسة تعليمية وبحثية أميركية في الخارج، وقد تحولت منذ عام 1971 إلى جامعة تركية خالصة.
الاعتراض على تعيين شخص موالى للسلطة،لا يملك المكانة العلمية والأكاديمية التي تؤهله لتولي هذا المنصب، ولا يملك أية خلفية علمية أو أكاديمية، فهو ليس عضوا في الهيئات الإدارية والتدريسية، ليس فقط في الجامعة التي عين رئيسا لها، بل في أية جامعة أخرى، وهو ما يعني أن تعيينه جاء على أساس حزبي ودون أي تشاور مع الهيئات الجامعية.
انتهاك الحرية الأكاديمية والاستقلالية العلمية وكذلك القيم الديمقراطية ، حيث إن “بولو” هو أول رئيس جامعة يتم اختياره من خارج الجامعة منذ الانقلاب العسكري في تركيا عام 1980.
سلاسل الغضب تتوسع:
تقول المصادر الطلابية والجامعية الرافضة لقرار أردوغان، أن هناك سعي من إردوغان إلى إفساد الحياة الأكاديمية من خلال وضع أشخاص على رئاستها مواليين له ولحزبه ، مما يقضى على الجامعات بتفريغ الجامعة من أي مضمون تعليمي وتوعوي بما يسهل السيطرة عليها.وفى السياق ذاته ؛ نشبت الأزمة وتوسعت ساحة التظاهرات وانتقلت إلى الميادين الرئيسية في تركيا بناء على دعوة بعض مؤسسات المجتمع المدني الرافضة لتغول الرئيس إردوغان على المؤسسات الأكاديمية، حيث اشتبكت الشرطة التركية مع الطلاب المنظمين للاحتجاجات على قرار الرئيس أردوغان ، وتصاعدت الأوضاع وتأزمت الظروف بجانب التدخلات غير القانونية من جانب الشرطة التركية ضد هؤلاء المتظاهرين الذين شارك معهم بعض نواب المعارضة في البرلمان التركى.واعتقلت القوات الأمنية، نحو 160 شخصا بينهم طلاب من المحتجين في مدينة إسطنبول. كما أصدر رؤساء 35 نقابة للمحامين في جميع أنحاء تركيا بيانا مشتركا يدين عنف الشرطة ضد الطلاب، مؤكدة على أن ما يجري مخالف للدستور وقوانين المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان. وطالب البيان الصادر عن نقابات المحامين الفرعية بإنهاء جميع أنواع الضغط على المواطنين الذين يستخدمون حقوقهم الديمقراطية التي لا تشكل جريمة. كما وضح وجود تعاطف وتأييد لموقف الطلاب المعتقلين، حيث رفضت جميع الأطراف والجهات الداخلية والخارجية السياسات الحكومية وطريقة تعاملها مع التظاهرات الطلابية. فعلى مستوى الداخل التركي، أعلنت مؤسسات مدنية وأكاديمية كثيرة رفضها لهذا القرار، واعتبرت أن اندلاع احتجاجات وتظاهرات جامعية هو نتيجة طبيعة لمحاولات أردوغان السيطرة على المؤسسة التعليمية عبر سياسات غير رشيدة ، تنطوي على أطماع دفينة في تطبيق الديكتاتورية بالسيطرة على المؤسسة التعليمية والفئة المثقفة والعلمانين، وهي خطوة ينبغي أن توضع في سياق خطوات أخرى جاري اتخاذها ، خاصة الخطوة المتعلقة باعتزام حزب العدالة والتنمية وحلفاءه القوميين بدأ العمل على صياغة دستور جديد ؛وذلك بعد أقل من أربع سنوات من تعديل الدستور السابق لمنحه سلطات كاسحة، وذلك عبر السيطرة على السلطة التشريعية و تقويض المعارضة وتكبيل حرية التعبيرعن الرأي، وقد ذكر تقرير المفوضية الأوروبية لعام 2020 حول تركيا أعلن أن تركيا في المرتبة الرابعة من حيث عدد الملفات الخاصة بالانتهاكات، كما أدانت ألمانيا سياسات الرئيس التركي إردوغان، وحكومته، ضد رموز المعارضة التركية.خاصة عقب محاولة الانقلاب المزعومة في 2016، حيث استمرت ممارسات التكبيل مثل الحجز والاعتقال والتحقيق والدعوى والحكم بالسجن وحظر الوصول وتعتيم شاشات التلفزيون، إضافة إلى أنه تم استهداف الإعلاميين والصحفيين غير المقربين من السلطة، وقد قام 97 صحفيا بتقديم استقالتهم خلال عام 2020، بسبب الرقابة المفروضة على الصحف، في حين لم يجد صحفيون آخرون وسيلة صحفية أو إعلامية يعملون بها. وسعى إلى تأميم المؤسسات الإعلامية والإمساك بمفاصل المشهد الإعلامي من خلال تأميم المؤسسات الإعلامية الخاصة. لذا وضعت منظمة “فريدوم هاوس” تركيا على قائمة الدول “غير الحرة”، ووفقًا لمشروع العدالة العالمية، تحتل تركيا المرتبة 107 من أصل 128 دولة في سيادة القانون، حتى وزير العدل عبدالحميد غول اعترف في عام 2020 أن 20% فقط من الأتراك يثقون في المحاكم التركية، ووفقًا لتصنيف حرية الصحافة لمنظمة مراسلون بلا حدود، تحتل تركيا المرتبة 154 من بين 180 دولة.
تركيا إلى أين؟:
على الرغم من مرور ثلاث سنوات فقط على التغيير الدستوري، أعلن أردوغان صراحة أن الوقت قد حان كي تبحث تركيا مرة أخرى وضع دستور جديد، وهي الخطوة المتوقع أن تفجر مزيد من الغضب الداخلي، فكل الأطياف السياسية في تركيا ترى أنه لا ضرورة لعمل دستور جديد للبلاد خاصة وأن الدستور الحالي لم يستقر بعد، ولم يمر عليه أكثر من 4 سنوات فقط، وتدرك القوى المعارضة أن أردوغان مُستعد لإلغاء الدستور، لتأمين بقاءه في السلطة، من هنا ستندلع أزمة جديدة بالبلاد، حيث أن إردوغان له حسابات أخرى وسياسات مغايرة تتعارض مع رغبة الشعب.وعلى صعيد آخر؛ يتهم إردوغان المعارضة بعرقلة وضع دستور جديد، حيث كانت تستعد لتشكيل لجنة دستورية مشتركة للانتقال بالبلاد إلى نظام برلماني، فيُفاجئ الجميع برد فعل سريع وغير متوقع من إردوغان لصياغة دستور جديد يتفق مع رغباته وتطلعاته في السلطة. فقد أكد حزب الشعب الجمهوري المعارض وحزب الشعوب الديمقراطي المؤيد للأكراد رفضهم لصياغة دستور جديد ، لأن إردوغان لم يلتزم بالدستور الحالي، فكيف يضع جديدًا للبلاد.
إذن الفترة الحالية و المقبلة في تركيا ستكون مليئة بالتغيرات الكثيرة، على الصعيد الداخلي، ويرجح أن الأوضاع تتجه لحالة عدم استقرار، ستنعكس بلا شك على ثقة المستثمرين في الاقتصاد التركي، وعلى قطاعات الدولة الأخرى المرتبطة بحالة الاستقرار مثل السياحة وغيرها، كما يتوقع أن تترك حالة عدم الاستقرار انعكاساتها على السياسة الخارجية التركية، التي ستكون مضطرة للجم طموحاتها التوسعية، فالداخل ضعيف، وغير متجانس، ومعظمه غير مؤيد للحكومة وتوجهاتها، ويحملها مسئولية التدهور الحالي، وهكذا نقول أن القلاع التركية الأردوغانية تتهاوى، تحت وقع الشباب الغاضب، انتظاراً لتغيير منشود، يعيد الدولة التركية لرشدها ولمنطق حدودها الوطنية، دون توسع أو أحلام عثمانية قديمة.