ماذا تشهد منطقة القرن الإفريقي منذ محاولات تمدد إثيوبيا؟

آية رجب- باحث مشارك

تعد منطقة القرن الإفريقي نقطة تجاذب للصراعات المختلفة، فمنذ مطلع العام الجاري اشتعلت المنطقة بتوتر متصاعد بين مقديشو وأديس أبابا حول إقليم أرض الصومال الانفصالي، وتعدي إثيوبيا على وحدة الأراضي الصومالية، مما دفع الأخيرة للاستعانة بمصر كحليف عسكري واستراتيجي للجانب الصومالي.

وتأسيسًا على ما سبق؛ يتناول التحليل التالي آفاق التصعيد في منطقة القرن الإفريقي ومحفزات التصعيد الإقليمي في ضوء طموحات التمدد الإثيوبي، ومسارات تطور الأزمة.

تطورات الصراع بين إثيوبيا والصومال

قامت الصومال بتوجيه اتهامات رسمية حيال الجارة الإثيوبية في 20 سبتمبر 2024 حول قيام الأخيرة بتمرير شحنات أسلحة غير قانونية إلى إقليم أرض الصومال، و تم إدانتها -في بيان رسمي صادر عن وزارة الشؤون الخارجية والتعاون الدولي- بخلق حالة من التوتر بين البلدين، ونوايا أديس أبابا من تعميق انتهاكاتها لسيادة الجمهورية الصومالية وتهديد أمنها الإقليمي بحسب البيان الصادر، وبدورها مقديشيو  دعت لوقف الإعتداءات الإثيوبية، كما دعت شركائها الدوليين لدعم جهود السلام في المنطقة.

وبدأت سلسلة الصراع في منطقة القرن الأفريفي بخطى إثيوبية خالصة، حيث أعلنت أديس أبابا عن إتفاقيتها مع إقليم ” أرض الصومال ” الإنفصالي وذلك في مطلع عام 2024[1]، ويعد هذا الإقليم جزءًا من الصومال ولكن أعلن إنفصاله من جانب واحد في تسعينيات القرن المنصرم، ولم يتم الإعتراف به من أي منظمة رسمية حال الأمم المتحدة أو الإتحاد الأفريقي [2] ومن ثم بدأت حدة التوترات في المنطقة تتصاعد بشكل سريع وخطير يوحي بخطورة الأزمة وضرورة الحل السريع لكي لا تنجر المنطقة لصراع بين إثيوبيا والجمهورية الصومالية.

وتكمن خطورة الاتفاقية في منح الدولة الإثيوبية حق الوصول إلى سواحل البحر الأحمر وذلك تمهيدًأ لإنشاء قواعد بحرية تجارية وعسكرية بالقرب من ميناء بربرة ولمدة 50 عامًأ، ذلك في مقابل الإعتراف الرسمي من جانب إثيوبيا باستقلالية أرض الصومال، وحصول هيرجيسا على بعض الأسهم في شركة الخطوط الجوية في إثيوبيا[3].

وعلى صعيد آخر اشتعلت المناورات الإعلامية بين الصومال وإثيوبيا، حيث هددت الصومال بشكل صريح بطرد القوات الإثيوبية من الصومال والتي يبلغ عددها من 5000 إلى 7000 جندي. [4]

وتأتي كل تلك المستويات من التصعيد إلى أسباب خلفها الطموح الإثيوبي في المنطقة، والمعبر عن المشروع الاستراتيجي للدولة الإثيوبية وتمددها في المنطقة، وتبنيها لدبلوماسية الموانئ، حيث ترفض إثيوبيا فكرة أنها دولة حبيسة جغرافيًا فتحاول على جميع الأصعدة أن تخلق مسار متصل مباشرة بالبحر الأحمر، ولا سيما بعد إستقلال إريتريا في 1993 وفقدان أهم طرقها للبحر، على الرغم من محاولاتها المستمرة لخلق بدائل متعددة مع الدول الأخرى مثل جيبوتي.

ملامح الدور المصري في الأزمة

شهدت منطقة القرن الإفريقي توترات حادة بين الجانبين الصومالي والإثيوبي جراء مذكرة التفاهم بين إثيوبيا وإقليم أرض الصومال، إضافة لدخول القاهرة طرفًا على خط الأزمة بجانب مقديشو، وعقب هذه الاتفاقية التي أثارت المخاوف على استقرار المنطقة، توجهت مقديشو إلى القاهرة لمواجهة تمدد أديس أبابا.

(*) تقارب سياسي: حيث زار الرئيس الصومالي القاهرة مطلع 2024[5] أي بعد عقد الإتفاقية المذكورة  مباشرة، في إشارة واضحة على التعاون بين البلدين لمواجهة الخطر المشترك المتمثل في طموح إثيوبيا التوسعي، ودعم مصر لسيادة ووحدة الأراضي الصومالية، وتكررت الزيارة الصومالية إلى القاهرة في منتصف أغسطس من العام الجاري، ونتج عن تلك الزيارة تغيرات عدة في شكل الصراع، وتعزيز تموضع مصر في القرن الإفريقي.

(*) توقيع الاتفاقية العسكرية بين مصر والصومال: حيث أفرزت تلك الزيارة الأخيرة توقيع برتوكول تعاون عسكري بين القاهرة ومقديشو سبقها تصديق البرلمان الصومالي على بنوده في يوليو الماضي، وفي إطار تعزيز التعاون بين البلدين تم الإعلان عن إطلاق خط طيران مباشر بين القاهرة ومقديشو، وافتتاح السفارة المصرية في مقرها الجديد بالعاصمة الصومالية مقديشو.[6]

(*) المشاركة المصرية في قوات حفظ السلام: بالتزامن مع التعاون العسكري، قدمت مصر وجيبوتي طلبًأ مشتركَا للمشاركة في قوات حفظ السلام الإفريقية في الصومال، والتي من المقرر أن تبدأ مطلع العام المقبل، ولاقى هذا الطرح ترحيبًا قويًا من الصومال التي تبحث عن شريك لها لمواجهة التغول الإثيوبي وتمدده في المنطقة وأيضًا ترحيبًا من مجلس الأمن والسلم الإفريقي.

اشتد الصراع القائم بين الأطراف ودخلت الاتفاق المذكور بين مصر والصومال حيز التنفيذ سريعًا، حيث لم تتوانِ مصر عن إرسال طائرات عسكرية إلى مطار مقديشيو محملة بمعدات عسكرية في الثلاثاء 28 أعسطس 2024، كما زعم معهد دراسات الحرب أن مصر أرسلت 1000 جندي إلى مقديشيو في الفترة بين 27 إلى 29 أغسطس، في خطوة لم يسبق أن شهدتها المنطقة قبل ذلك. وبدأت التوترات الإعلامية بين الطرفين المصري والصومالي من جهة والإثيوبي من جهة أخرى[7]. وعلى إثر الإتفاقية المذكورة أيضًا، أرسلت مصر سفينة حربية تحمل شحنة أسلحة جديدة على الآراضي الصومالية وشملت شحنة الأسلحة مدافع مضادة للطائرات وأسلحة مدفعية في خطوة من المحتمل أن تفاقم التوترات في المنطقة[8].

ثالثًأ دوافع الحضور المصري في منطقة الصراع

تعددت الدوافع المصرية للحضور في قلب الصراع بجانب حليفتها الصومال على النحو التالي:

(&) تعزيز الأمن القومي المصري ودعم الصومال: عبر ضمان استقرار منطقة القرن الأفريقي، وحماية المصالح المصرية في البحر الأحمر وباب المندب، ومحاولة تعزيز الدور المصري الإقليمي والدولي كقوة فاعلة في حفظ السلم والأمن الدوليين، ودعم قدرات الجيش الصومالي في المنطقة، وفرض الاستقرار والأمن في منطقة البحر الأحمر، وتقوية وتعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين من خلال دعمها عسكريًا، ومساندتها في حربها على الإرهاب بأراضيها وخاصة في إطار قرار الأمم المتحدة 2628 لسنة 2022 الذي يدعو الدول الأعضاء لدعم الصومال في مواجهة التحديات الأمنية.

(&) فشل مفاوضات سد النهضة: يعد التواجد المصري الفعال في تلك البقعة الإفريقية رد فعل حول ما تشهده أزمة سد النهضة وتدهور العلاقات بين أطرافها، حيث شهدت العلاقات بين مصر وإثيوبيا توترات متزايدة في السنوات الأخيرة بسبب فشل المسار التفاوضي حول سد النهضة الإثيوبي. وتصاعدت التوترات عقب فشل جولات المفاوضات المتكررة حول ملء وتشغيل السد، حيث أعلنت القاهرة فشل آخر جولة في المفاوضات بين مصر والسودان وإثيوبيا يوم الثلاثاء 19 ديسمبر 2023 واتهام إثيوبيا بالتعنت الشديد واستغلال المفاواضات في ملء السد بعيدًا عن الضجيج الدولي، وقيام إثيوبيا بالإعلان عن الملء الخامس والأخير للسد من يوليو حتى سبتمبر 2024، مما أدى إلى تصعيد الأزمة وتبادل الاتهامات بين البلدين.[9]

(&) تطويق التهديد الإثيوبي: وفي ظل الخلافات القائمة بين مصر وإثيوبيا وفشل المفاوضات، تحاول مصر من خلال تقدمها في هذا الصراع أن تعزز بالتقارب مع مقديشيو لتطويق التهديد الإثيوبي ومحاولات الردع الاستراتيجي، فتعد الخطوة المصرية في إرسال طائرات عسكرية محملة بالمعدات العسكرية وتمركزها على الحدود الصومالية ـ الإثيوبية رسالة ردع تحملها القاهرة في مواجهة أديس أبابا، فمصر تأكدت من ألا سبيل من الدبلوماسية التفاوضية مع إثيوبيا لحل الأزمات القائمة.

وتعتبر محاولات مصر في الحضور العسكري المباشر في الأراضي الصومالية ـ من خلال طلبها بجانب جيبوتي للمشاركة بقوات حفظ السلام في الصومال والتي تبدأ مطلع 2025 ـ خطوة مهمة وخاصة مع ترحيب الأطراف المعنية بالأمر، في نفس التوقيت الذي تطالب فيه الصومال بطرد القوات الإثيوبية من أراضيها وعدم إشراكها في البعثة القادمة، وتعد كل تلك المعطيات مؤشرات لصراع مسلح قادمة في منطقة القرن الإفريقي مدفوعًا بطموح إثيوبيا في تغيير خريطة المنطقة.

(&) تعميق الدور المصري في القرن الإفريقي: مع بروز ملامح الاستراتجية المصرية تجاه منطقة القرن الإفريقي منذ 2014، ولكونها منطقة نفوذ حيوي لمصر، حاولت مصر بكل أدواتها لإعادة النفوذ المصري التاريخي في القارة، ودعم كافة الجهود الرامية إلى تعزيز الاستقرار في القرن الإفريقي بما يعزز من السلم والأمن الإقليمي والقاري وما تمثله من أهمية استراتيجية وارتباطها بشكل حيوي بالمصالح المصرية، وفي هذا الإطار تأتي أهمية تعزيز العلاقات مع الصومال، ومع تمدد النفوذ الإثيوبي متجاوزة سيادة الصومال على أرضها، ومحاولات أديس أبابا لعب دور استراتيجي يخدم مصالحها الجيوبولتيكية في المنطقة من خلال نشر قواتها وتغلغلها في الداخل الصومالي للوصول للساحل، قابلت مصر كل هذا برفض شديد وتصريحات حادة اللهجة وتقارب مع الصومال وجيرانها لوقف التمدد الإثيوبي في منطقة القرن الإفريقي.

مسارات محتملة

في قراءة مستجدات الأزمة الراهنة، وتصاعد التواترات الدولية، وتزايد الاتهامات الإثيوبية الضمنية للدور المصري في المنطقة وتصريحات مسئوليها بأن مصر تدفع المنطقة نحو المجهول يمكننا تأطير مستقبل التوتر في المسارات الآتية:

(&) الصدام العسكري: قد تتجه الأوضاع نحو صدام عسكري وشيك بين الصومال وإثيوبيا، حيث تتزايد التوترات بشكل دراماتيكي. فمن جهة، تواصل مصر دعمها القوي للجيش الصومالي، مستندةً إلى اتفاق التعاون العسكري، وتحضر لمشاركة فعالة في قوات حفظ السلام القادمة. ومن جهة أخرى، ترفض إثيوبيا بشكل قاطع الاستجابة للمطالب الصومالية المتعلقة إلغاء مذكرة التفاهم مع أرض الصومال، مما يزيد من تعقيد الأزمة ويعزز من حدة التوترات وشكل التصعيد.

كما تسعى إثيوبيا لدعم الحركات الانفصالية في الصومال، في الوقت الذي تحاول فيه التوغل داخل الأراضي الصومالية تحت ذريعة مشاركتها في بعثة حفظ السلام كما حدث في يوليو الماضي، وقد أدت هذه التحركات الإثيوبية إلى تصعيد التوتر، خاصة بعد أن كشفت وزارة الخارجية الصومالية عن إرسال إثيوبيا شحنات أسلحة غير مرخصة في 20 سبتمبر 2024، مما دفع وزير الخارجية الصومالي، أحمد معلم فقي، إلى التهديد بدعم الجبهات الانفصالية في إثيوبيا إذا لم تنسحب أديس أبابا فورًا من الاتفاقية مع “أرض الصومال”، في ظل هذا الوضع المتفجر، مما يجعل من الصدام العسكري أمرًا حتميًا إذا لم تُبذل جهود جادة لحل القضايا العالقة بين الطرفين واعتراف سيادة الصومال ووحدة أراضيه.

(&) تخفيف التوتر واللجوء للتهدئة: من المرجح أن نشاهد في الفترات القادمة نوع من التهدئة بين أطراف الصراع، وتدخلات دولية لتخفيف التداعيات، ومحاولة للوساطة الدولية ولا سيما من دول الجوار مثل جيبوتي وإريتريا، وتدخل الاتحاد الإفريقي لتهدئة الوضع والولايات المتحدة التي لديها مصالح تجارية في منطقة القرن الإفريقي بالقرب من باب المندب، ويعد هذا السناريو مستبعد قليلاً في ظل التوترات المتصاعدة بين الأطراف، وتعنت أديس أبابا في التخلي عن الإتفاقية مع أرض الصومال، ورفضها للتواجد المصري بالقرب من حدودها.

وختامًا، إن ما تشهده منطقة القرن الإفريقي من أحداث وتوترات ومستويات حادة من التصعيد بين الصومال وإثيوبيا توحي باحتمالية جر المنطقة إلى صراع ممتد، إذ لا يقتصر الصراع على الطرفين الصومالي والإثيوبي، بل يمتد ليشمل فاعلين رئيسيين بالمنطقة وفي مقدمتهم مصر كحليف استراتيجي في غاية الأهمية للجانب الصومالي، من أجل وقف التمدد الإثيوبي وتهديداته المتعاقبة من ملف سد النهضة من جهة وتمدده في محاور القارة من جهة أخرى، ودعم استقرار ووحدة  الصومال.


المصادر

  1. أحمد عسكر ، قراءة أولية في اتفاق إثيوبيا و” أرض الصومال ” ، مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستيراتجية ، تاريخ النشر 5 يناير 2024 ، تاريخ الدخول 12 سبتمبر 2024 ، متاح : https://acpss.ahram.org.eg/News/21088.aspx
  1. Egypt, Ethiopia, and Somalia Conflict Looms ,institute for the study of war , 5 Sep 20224  https://www.understandingwar.org/backgrounder/africa-file-september-5-2024-egypt-ethiopia-and-somalia-conflict-looms-gains-niger
  2. The Stakes in the Ethiopia-Somaliland Deal , Crisis Group , https://www.crisisgroup.org/africa/horn-africa/ethiopia-somaliland/stakes-ethiopia-somaliland-deal
  3.  Egyptian warship offloads more arms to Somalia, officials say , Reuters , 23 Sep 2024 , https://www.reuters.com/world/africa/egyptian-warship-delivers-arms-somalia-officials-say-2024-09-23/
  4. إبتسام الكتبي ، المشهد الأمني الجديد في القرن الإقريقي التداعيات الجيوسياسية لتغير دينميات النزاع والتعاون ، مركز الإمارات للسياسات ، تاريخ النشر 26 مارس 2024 ، تاريخ الدخول 12 سبتمبر 2024 ، متاح : https://epc.ae/ar/details/featured/almashhad-alamni-aljadid-fi-alqarn-alafriqi-altadaeiat-aljiusiasia-ltghyur-dinamiaat-alnizae-waltaawun
  5. الهيئة العامة للإستعلامات ، تاريخ النشر 21 يناير 2024 ، تاريخ الدخول 12 سبتمبر 2024 ، متاح :  https://sis.gov.eg/Story/270249/
  6. الصومال تهدد بطرد القوات الإثيوبية ما لم يتم إلغاء اتفاق ميناء أرض الصومال ، قراءات أفريقية ، نشر 4 يونيو 2024 ، تاريخ الدخول 12 سبتمبر 2024 ، متاح : https://qiraatafrican.com/20758/
  7. بدر حسن شافعي ، سد النهضة وخيارات مصر بعد إعلان فشل المفاوضات الأخيرة مع إثيوبيا ، الجزيرة .نت ، تاريخ النشر 31 ديسمبر 2024 ، تاريخ الدخول 12 سبتمبر 2024 ، متاح : https://www.ajnet.me/opinions
  8. هشام المياني ، أسلحة مصرية في الصومال، هل اقتربت المواجهة مع إثيوبيا ، BBC عربية ، تاريخ النشر 30 أغسطس 2024 ، تاريخ الدخول 11 سبتمبر 2024 ، متاح : https://www.bbc.com/arabic/articles/c990j84zz00o
  9. مصر وافريقيا ، الهيئة العامة للإستعلامات ، تاريخ النشر 26 يونيو 2022 ، تاريخ الدخول 12 سبتمبر 2024 ، متاح : https://www.sis.gov.eg/
  10.  The Stakes in the Ethiopia-Somaliland Deal , Crisis Group ,  https://www.crisisgroup.org/africa/horn-africa/ethiopia-somaliland/stakes-ethiopia-somaliland-deal

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى