متغيرات جديدة.. دور التحالفات العسكرية في تعزيز أمن دول الخليجي
الملخص التنفيذي
يواجه العالم العربي تحديات أمنيه غير مسبوقة، حيث تعاني بعض الدول العربية من حالة عدم استقرار أمني وسياسي، وانهيار مفهوم الدولة الوطنية، واشتد تنافس الدول العظمى في المنطقة، وبرز التدخل العسكري من القوى الخارجية بشكل مباشر أو غير مباشر عن طريق دعم المليشيات والجماعات المتطرفة. ومن المرجح أن يستمر هذا الوضع في تحديد البيئة الأمنية الاستراتيجية المستقبلية للدول العربية مع استمرار الصراعات التي لم يتم حلها حتى الآن، إضافة إلى المتغيرات الدولية التي تنعكس على المستوى الإقليمي. وزيادة المساحة الرمادية في تحديد شكل النظام الأمني العالمي الجديد، وقدرة الولايات المتحدة الأمريكية على تشكيله وقيادته. وعليه، يطرح السؤال، وهو: ما شكل الدور الروسي المحتمل؟ وما هو الدور الصيني المؤثر؟ وهل الصين مؤهلة للعب دورا امنياً في الإقليم؟
لذلك أدركت بعض الدول العربية هذا المناخ الأمني المليء بالتحديات واستنتجت بدرجات متفاوتة بأن إقامة التحالفات أمر حيوي لتعزيز أمنها في مواجهة التهديدات الخارجية وبعض التهديدات الداخلية، وردع الدول التي تعمل على تهديد أمنها بشكل مباشر، وهو ما أدى إلى إقامة تحالفات واتفاقات أمنية بين بعضها البعض أو مع بعض الدول العربية الشقيقة أو الدول الصديقة. وبرز ذلك من خلال إقامة التحالفات العسكرية مثل التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن، وكذلك التحالف العسكري الإسلامي لمحاربة الإرهاب، ناهيك عن اتفاقات التعاون العسكري والأمني الثنائية مع الدول الصديقة، إضافة إلى التعاون العسكري داخل مجلس التعاون والذي شهد بداياته إنشاء قوات درع الجزيرة وتطورها في عام 1982، والمصادقة على الاتفاقية الأمنية في عام 1994 ثم إنشاء مركز العمليات البحري الموحد بشكل رسمي في 2016. وفي عام 2000 تم التوقيع على اتفاقية الدفاع المشترك وإنشاء لجنة عسكرية عليا للتنسيق الأمني. ثم افتتاح مقر القيادة العسكرية الخليجية الموحدة بالرياض لتحل محل قيادة قوات درع الجزيرة في عام 2021.
أولاً- مفهوم الأحلاف والتحالفات العسكرية:
يعد مصطلح “حلف“[1] من المصطلحات المستخدمة في القانون الدولي للدلالة على علاقة تعاقدية بين دولتين أو أكثر لتحقيق مصلحة مشتركة، حيث يدعم الحلفاء بعضهم بعضاً في المجال الذي قامت من أجله هذه العلاقة، والتي يمكن أن تكون سياسية أو عسكرية أو أمنية أو اقتصادية، وإن كان المجال العسكري والأمني هو الأكثر شيوعاً، وتبرز أهمية التحالفات العسكرية للدولة كونها تزيد من قدرتها الدفاعية والأمنية. كما أنها تشكل عامل ردع مما يسهم في إرساء الأمن والاستقرار. وفي جوهره، ليس سوى التزام مشروط ذو طابع سياسي عسكري يتعهد أعضائه باتخاذ تدابير تعاونية، كما أن التحالفات العسكرية ليست مبدأ من مبادئ العلاقات الدولية، بقدر ما هي وسيلة من وسائل الملائمة. فالعالم يعيش الآن تجاذبات متعددة لبناء تحالفات وبمسميات جديدة تختلف تماما بالغايات والأهداف عن الأحلاف التي نشأت بعد الحرب العالمية الثانية، وخلال فترة الحرب الباردة وأن التحالفات الحالية تتسم بأنها انتقائية وغير ممتدة أو ما يسمى بتحالفات الضرورة وتحالفات الطاقة والاقتصاد.
إن التجارب التاريخية والتجارب المعاصرة للتحالفات العسكرية الحالية في عالمنا العربي، تفيد بعدم قدرتها على درء المخاطر عن منطقة الخليج العربي وعلى أمن دوله من التهديدات الناشئة والمحتملة والتي توظفها إيران بدرجة عالية من الكفاءة في ظل نظامها الأيديولوجي الذي يساعد على نشر النهج المذهبي والطائفي في المنطقة، ويسعى باستمرار إلى محاولة فرض الهيمنة على منطقة الخليج العربي.
ثانيًا- النظام الأمني الإقليمي:
يواجه النظام الإقليمي العربي منذ اندلاع الثورات ضد بعض الأنظمة العربية في 2011، تحديات تقليدية وغير تقليدية، لعل أبرزها انهيار الدولة الوطنية والمتمثل في انهيار مؤسسات الدولة الأمنية وصعود تيارات الإسلام السياسي وتوظيف الطائفية والأيدولوجية وحروب الوكالة والإرهاب. وقد استغلت إيران كل هذه المتغيرات السلبية التي اجتاحت المنطقة العربية كنتيجة لما يسمى الربيع العربي، وزادت من تدخلاتها وهيمنتها ونفوذها في الدول العربية وباتت تهدد الأمن العربي بشكل عام والأمن الخليجي على وجه الخصوص. في منطقة الخليج العربي ركزت منظومة الأمن الجماعي على منظومة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وهي منظومة تعنى بتنسيق التعاون وتسعى إلى تحقيق التكامل بين الدول الأعضاء، وتعد في ذات الوقت سبب رئيسي في تعطيل بناء منظومة أمنية قادرة على مواجهة التحديات على نحو أكبر وأشمل.
فلقد تعرضت منظومة مجلس التعاون إلى هزات عنيفة لعل أخرها أزمة قطر، وقبلها عاصفة الحزم وعدم اشتراك بعض دول المجلس في هذا التحالف، وهو ما يثير التساؤل حول ما إذا كان هناك نظرة موحدة بين دول المجلس للتحديات والتهديدات المشتركة؟ ماذا عن اتفاقية الدفاع المشترك التي وقعت بين أعضائه. وإن هذا يتطلب إعادة تقييم استراتيجي لتهديدات والتحديات التي تواجه دول المجلس، ووضع تصور كيف يمكن ردع والتغلب على هذه التهديدات، من إخلال بناء نظام أمني إقليمي قادر على الدفاع عن دوله وضمان الأمن والاستقرار في منطقة الخليج العربي. وهذا ببساطة يعني عدم الركون على منظومة الأمن الحالية بل السعي لتطويرها، على أن تكون المبادرة من دول المجلس القيادية في هذا الأمر، خاصة المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات.
لعله من الأهمية بمكان القول، بأن أي تحالف يتم بنائه بغض النظر عن شكله وطبيعته، لا بد وأن يحظى بدعم القوى الكبرى، وكذلك بدعم المجتمع الدولي بشرعية أهدافه، وأن ينظر إليه كحلف يدعم الأمن والاستقرار في المنطقة ويحمي الممرات الملاحية ومصادر الطاقة العالمية.
ثالثًا- البيئة الأمنية الاستراتيجية[2] والتنافس في منطقة الخليج:
تمثل القدرة على مواجهة التهديد العسكري التقليدي، أحد أهم أولويات دول مجلس التعاون ويتم بناء القدرات العسكرية بناء على ذلك.. ويدرك الخليج الآن أكثر من أي وقت مضى، بأن اهتمام الولايات المتحدة الأمريكية بمناطق أخرى في العالم أصبح يفوق اهتمامها بمنطقة الخليج العربي، حيث لم تعتمد حالياً تعتمد الولايات المتحدة على نفط دول الخليج العربي، كما أن الرأي العام الأمريكي قد سئم من الحروب الفاشلة التي شنتها إدارة بوش في المنطقة كغزو أفغانستان والعراق وقيادة التحالف الولي ضد داعش، هذه الحروب استنزفت الولايات المتحدة وكانت نتائجها غير مجدية. لذا فان الولايات المتحدة في عهد أوباما قررت عقد اتفاق مع إيران بخصوص برنامجها النووي، وبعد ذلك أتى ترامب بسياسته في تقاسم الأعباء مع الدول المنطقة، والتي تعني تخفيض التواجد وتخفيض التكاليف. وصولا إلى عقد الاتفاقات الإبراهيمية والتي بلورت صورة جديدة للنظام الأمني بالمنطقة. مع تزايد اهتمام الولايات المتحدة بمنطقة الباسيفيك، في محاولة منها لمواجهة الصين. حيث تدرك الصين أن تركيز الولايات المتحدة على منطقة المحيطين الهندي والهادي، وتهديد لخطوطها التجارية إلى القارة الأمريكية، وكذلك للشرق الأوسط وأوربا، ومضيق ملكه. وكنتيجة لذلك قامت الصين بعمل مرونة استراتيجية لاقتصادها وأمنها الوطني، عن طريق زيادة وتعزيز طرق مواصلاتها الاستراتيجية سواء البرية أو البحرية، والدخول إلى الأسواق العالمية من خلال تنفيذ مبادرة حزام الطريق الصينية.
تتضمن الخطة الصينية، التي من المتوقع اكتمالها في عام 2045، إنشاء الصين بالاتفاق مع أكثر من 70 دولة عدداً من القواعد البرية (الحزام) وعدداَ من الموانئ (الطريق) كطرق تجارية تتفادى بها طرق المواصلات الطويلة والمكلفة وكذلك تجنب الخوانق الاستراتيجية مثل مضيق ملكة، والاهم من ذلك هو الالتفاف على استراتيجية الاحتواء التي يمكن ان تقوم بها الولايات المتحدة ضد الصين مستقبلاً. ومن هنا نرى أنه في الوقت الذي تحاول الولايات المتحدة تقليل تواجدها مستقبلاً في المنطقة، نرى الصين تتوسع و تدخل بقوة إلى مناطق كانت في السابق حكراً على الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين، كما أن الصين بحاجة إلى حماية خطوط مواصلاتها من وإلى الصين عبر ميناء جوادر الباكستاني وبحر عمان و بحر العرب والخليج العربي،و القرن الإفريقي، وهذا ينبئ بتواجد صيني عسكري مستقبلاً في المنطقة.
وفيما يتعلق بمنطقة الخليج العربي، فكما هو معروف أن المنطقة تحتوي على ثلاثة أرباع الاحتياطات العالمية للنفط، وامتلاكها لاحتياطي هائل من الغاز الطبيعي، ناهيك عن أهميتها الجغرافية، وقوتها الاقتصادية، لذا فمن المتوقع أن يبرز هذا التنافس بشكل جلي في المستقبل، علماً بان الصين تعلن وبشكل صريح أنها لا تسعى لمنافسة الولايات المتحدة في التواجد العسكري ولكنها تسعى إلى التوسع الاقتصادي واكتشاف أسواق جديدة.
كما يشكل تنافس دول العظمى في المنطقة تحديا كبيرا، حيث تسعى الدول الكبرى إلى البحث عن مصالحها بغض النظر عن مصالح دول وشعوب المنطقة، ولنا في الغزو الأمريكي البريطاني للعراق في 2003 خير مثال، وما أدى إليه من فوضى تحولت إلى حرب طائفية وأصبح العراق مرتعا للجماعات والتنظيمات الإرهابية سواء السنية منها مثل القاعدة و داعش أو الجماعات الشيعية الإرهابية المدعومة من إيران، لقد أطلقت يد إيران في العراق لتسيطر على المشهد السياسي العراقي، ولعل الولايات المتحدة تدرك الآن حجم الخطأ الذي ارتكبته بتدمير مؤسسات الدولة العراقية وتمكين المليشيات المولية لإيران من استلام زمام الأمور في العراق.
ثالثًا- التهديدات الإقليمية:
تستمر إيران في خلق تهديدات لدول المنطقة، ومن المستبعد أن يغير نظام الحكم في إيران من سياسته الخارجية والتي انتهجها منذ وصول الخميني إلى السلطة في عام 1979، حيث لازالت إيران تسعى إلى تنفيذ سياستها في التدخل في الشؤون الداخلية لدول الإقليم بهدف فرض هيمنتها في المنطقة من منطلق ايدولوجيً مذهبي، أدى إلى نشوء حالة من الاقتتال الطائفي في سوريا و العراق. وتنفذ إيران هذه السياسة باستخدام عددا من الأساليب منها ما هو بالقوة الصلبة ومنها ما هو بالقوة الناعمة، حيث تقوم دائما إيران بمحاربة خصومها خارج ارض و تنفذ أجندتها السياسية والدينية والاقتصادية والإعلامية والعسكرية عن طريق وكلائها في المنطقة، مثل مليشيا حزب الله و الحوثيين وعصائب الحق والحشد الشعبي، ناهيك عن الوكلاء الغير معلنين في مختلف المجالات.
تستند إيران في سعيها إلى الهيمنة على المنطقة العربية على قدراتها العسكرية في المقام الأول، حيث استفادت إيران من الحرب العراقية الإيرانية، والتي استمرت ثمانية أعوام إلى أهمية امتلاك إيران إلى قدرات هجومية وقدرات ردع، بحيث تستطيع ردع أية عدوان عليها وكذلك امتلاكها لأسلحة تستطيع أن تنقل المعركة إلى ارض خصومها، وهو ما فعلته باهتمامها في تطوير قدراتها الصاروخية و التي أصبحت قدرة لا يمكن الاستهانة بها، حيث يمكنها الوصول إلى أهداف بعيدة ليست في الوطن العربي، فحسب بل حتى في قارة أوربا، كما تعتمد إيران كذلك على تطوير المركبات غير المأهولة. ولكن سعي إيران لتحقيق الردع يتعدى الردع التقليدي، ليصل للردع الغير تقليدي حيث يمتد طموح إيران للحصول على السلاح النووي، حيث استطاعت بناء عددا من المفاعلات النووية والتي تدور حولها الشبهات أنها أنشئت لخدمة البرنامج النووي العسكري الإيراني، وقد لاقت إيران معارضة دوليه على برنامجها النووي، وتم عقد اتفاق بينها وخمس دول غربية في عام 2015 إبان عهد الرئيس الأمريكي أوباما، ولكن بمجيء الرئيس ترامب إلى السلطة في عام 2017 قام بإلغاء الاتفاق وفرض عقوبات صارمة على إيران للموافقة على تعديل الاتفاق النووي السابق، وهو ما ترفضه إيران، ولعل رفضها هذا يوضح لنا ما تخفيه إيران من طبيعة برنامجها النووي، وسعيها الحصول على القنبلة النووية.
على صعيد أخر، لقد أبرزت أحداث الحادي عشر من سبتمبر، خطورة تنظيمات وجماعات الإسلام السياسي، والتي تستخدم الإسلام شعارا ووسيلة لها لتحقيق غايتها، ومن هنا تنبهت دول المنطقة لهذا الخط وبات تتعامل معه كخطر مزعزع للأمن والاستقرار في المنطقة لا يقل خطورة عن التهديد العسكري التقليدي، فقد امتدت عمليات القاعدة لتشمل العديد من الدول و منها بعض الدول الخليجية والعربية، فقد واجهت المملكة العربية السعودية العديد من الهجمات على أراضيه من المنتمين لتنظيم القاعدة، كما كان لاندلاع ما اصطلح على تسميته بالربيع العربي أكبر الأثر في زيادة نفوذ هذه الجماعات، ولعل أبرزها جماعة الإخوان المسلمين، والتي لاقت في وقت ما دعما كبيرا من عددا من الدول الإقليمية، مثل تركيا، التي بدأت تتخل بشكل سافر في الشأن العربي، وبدأت تحيي إطماعها في المنطقة منطلقة في ذلك من الأيدلوجية التي وظفها رئيسها رجب طيب أردوغان. وقد أثرت سياسة أردوغان سلبًا على النظام الأمني العربي منذ اندلاع الثورة السورية ضد نظام الرئيس بشار الأسد، حيث كانت تركيا معبرا للمقاتلين الوافدين من جميع أنحاء العالم، والذين انخرطوا في صفوف جماعات إرهابية كتنظيم داعش الذي انبثق من تنظيم القاعدة، ولكنه اختلف عن القاعدة بقدرته على السيطرة على رقعة جغرافية كبيرة في العراق و سوريا، وهو ما استدعى قيام تحالف دولي لمكافحته و هزيمته.
ورغم أن العلاقات التركية الخليجية قد تم ترميمها وإعادة الحيوية إليها من جديد، إلا أن هذا لا يمنع من توخي الحذر الدائم في العلاقات المستقبلية انطلاقا من التجارب التاريخية.
رابعًا- التجارب العربية في إنشاء التحالفات العسكرية:
عانت الدول العربية في بداية القرن العشرين من الاستعمار، وكذلك دعم الدول الاستعمارية تأسيس دولة إسرائيل في فلسطين في عام 1948، والتي أعقبها عدة حروب بين الدول العربية وإسرائيل، حرب 1967 وحرب 1973 وهي الحرب التي قادت إلى توقيع معاهدة سلام بين مصر وإسرائيل. وفي أعقاب انتهاء حرب تحرير الكويت قادت أمريكا عملية سلام بين الدول العربية وإسرائيل، نجحت مع البعض وفشلت مع البعض الأخر، حيث وقعت الأردن وإسرائيل وتم التطبيع الدبلوماسي بين البلدين، وكذلك بين منظمة التحرير وإسرائيل. كما تم الإعلان عن صفقة القرن التي أعلن عنها بين الرئيس ترامب ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، والتي توجت بعقد الاتفاقيات الإبراهيمية بين إسرائيل وبعض دول الخليج العربي.
لقد توالت عددا من المحاولات العربية لتعزيز الأمن القومي العربي بعد حصول بعض الدول العربية على استقلاها، حيث أسست جامعة الدول العربية عام 1945، وكانت تهدف إلى زيادة التعاون بين دوله، ولكن الجيوش العربية منيت بهزيمة أمام الجيش الإسرائيلي في عام 1948 وكانت الخسارة فادحة، لذا بدا التفكير في كيفية مواجهة الخطر الإسرائيلي، وقامت الدول العربية بالاتفاق على توقيع معاهدة الدفاع العربي المشترك، والتي لم يكتب لها النجاح التطبيقي والعملي، بسب اختلاف الرؤى والمصالح السياسية. حيث أن الجامعة العربية لم تكن حلفًا عسكريًا يملك مقومات الاستمرار، فقد كانت عبارة عن تكتل للدول العربية تتعاون في جميع المجالات الاقتصادية والثقافية والسياسية والعسكرية، ولكن الهدف لم يكن حلفا عسكريا لمواجهة تهديدا محددا.
في عام 2015 وبناء على طلب الحكومة الشرعية في الجمهورية اليمنية، تشكل التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن، بهدف استعادة الشرعية بعد انقلاب الحوثي، وقد استند التحالف العربي على تدخله في اليمن على ميثاق الأمم المتحدة الذي يعطي الحق للدول الإقليمية تشكيل تحالف لدرء المخاطر التي تهدد الأمن والاستقرار، كما استند على قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2216. وضم هذا التحالف الذي تشكل بقيادة المملكة العربية السعودية، كل من الإمارات والبحرين والكويت والمغرب والسودان، وقد تم استبعاد قطر من هذا التحالف بعد اندلاع الأزمة القطرية في 2017.
تم تأسيس التحالف الإسلامي لمكافحة الإرهاب بمبادرة من المملكة العربية السعودية في عام 2015، ويهدف التحالف إلى توحيد جهود الدول الإسلامية في مواجهة الإرهاب باستخدام مختلف الوسائل السياسية والفكرية والإعلامية والعسكرية، وتم انشأ أمانة عامة لهذا التحالف مقرها الرياض، وقد عقد عدداً من الاجتماعات في دولة المقر على مستوى رؤوسا الأركان ووزراء الدفاع.
خامسًا- التعاون مع حلف شمال الأطلسي” الناتو“:
يرتبط مجلس التعاون الخليجي مع حلف الناتوبمبادرة إسطنبول للتعاون. والتي تم توقيعها مع كل من الكويت والبحرين وقطر في 2004، وانضمت إليها دولة الإمارات العربية المتحدة في 2005. ولقد اختيرت الكويت لأنها لتستضيف المركز الإقليمي لـ«ناتو» في عام 2017، ومبادرة إسطنبول للتعاون.
وفي هذا السياق، سبق وأن أكد الأمين العام لحلف الناتو، بمناسبة الاحتفال بمرور خمسة عشر عامًا على توقيع الاتفاقية، على أن أمن شركائنا في المبادرة يمثل أهمية استراتيجية للحلف، مبينا أن المبادرة تعد منصة فريدة لمناقشة القضايا الأمنية ذات الاهتمام المشترك. وأوضح أن التعاون قد نما على مر السنين من حيث الكمّ والكيف وساعد المركز الإقليمي في الكويت على التواصل مع دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية»، لافتا إلى أن الحق السيادي لتلك الدول يمنحها مواصلة هذه العملية ودفعها متى شاءت. وأشار إلى أن الأعوام الماضية من تاريخ المبادرة شهدت مجموعة واسعة من الأنشطة العملية من تدريب عسكري وتعليم وإدارة أزمات وتعامل مع الكوارث الطبيعية والكوارث التي من صنع الإنسان. كما أضاف أمين عام الناتو، أن الشركاء الخليجيين الأربعة في المبادرة كانت لديهم برامج تعاون وشراكة فردية مع «ناتو»، كما جرى توقيع اتفاقيات معهم ضمن مجموعة من الأنشطة في مجالات الطاقة والأمن البحري والدفاع الالكتروني والتخطيط للطوارئ المدنية.
سادسًا- أهم التحديات أمام تعظيم التعاون مع الناتو:
تسعى بعض دول مجلس التعاون الخليجي منفردة إلى تعظيم شراكتها مع حلف الناتو، في إطار ما يمكن أن نطلق عليه ” الشريك ذو الأولى أهمية”، وهو ما يمكن أن يتيح تعاونا بين الحلف والدولة الخليجية على نحو أعظم وأغلى في المجالات الدفاعية والأمنية، وذلك في إطار ثنائي. إلا أن التعاون يكتنفه عددا من التحديات التي يمكن أن تمثل عقبة أمام تعظيم التعاون الثنائي على الأجل في الأجل القصير وربما في الأجل المتوسط أيضا، مثل ما يلي:
(-) على المستوى السياسي: يوجد تيارين الآن داخل حلف الناتو. الأول: متشدد تقوده الولايات المتحدة، خاصة في ظل إدارة الجمهوريين،” المحور الأطلسي ” الذي يلقي تأييدا بشكل عام من بريطانيا والنرويج وبولندا ودول أوروبا الشرقية .والثاني:”المحور الأوروبي” تقوده ألمانيا وفرنسا ومعهما عدد من القوى الأوروبية الرئيسية مثل إسبانيا وإيطاليا. وما من شك أن هذا الانقسام يمثل عبء على الدولة المتشاركة حديثا، حيث قد يتطلب هذا منها زيادة كلفتها المالية والمادية من خلال تحديد مواقفها تجاه قضايا الحلف التي تثير انقساما ولغطا داخليا (ساعدت حرب أوكرانيا على تضييق الفجوة بين المحورين).
وسياسيا أيضا، هناك انقسام في حلف الناتو تجاه القضايا العالمية من تغيرات المناخ، إضافة إلى مكافحة الإرهاب انقساما واضحا بين المحورين “الأطلسي” و”الأوروبي”، حيث يميل المحور الأول إلى تغليب المواقف التقليدية، مع التركيز على استمراره على أسس ومعايير الحرب الباردة، التي تقسم العالم إلى معسكرين، المعسكر الحر بقيادة الولايات المتحدة في ناحية، وبقية العالم في ناحية أخرى، خصوصا روسيا والصين وما تطلق عليها الولايات المتحدة مصطلح “الدول المارقة” مثل إيران وكوريا الشمالية وكوبا وفنزويلا وكوبا. أما المحور “الأوروبي” الذي تقوده فرنسا وألمانيا، فإنه يأخذ في اعتباره المتغيرات الجديدة في العالم منذ انهيار المعسكر الاشتراكي، وبروز القوة الصينية عالميا، وسعي روسيا إلى استعادة مكانتها في العالم. ويتبنى المحور الأوروبي نهجا يؤلف بين مصالح القوى الأوروبية والأسيوية.
(-) المستوى الاستراتيجي: أدى الانقسام في الناتو إلى ظهور خطة تطوير وإنتاج أسلحة أوروبية مشتركة جديدة، 13 مشروعا للصناعات العسكرية، تشمل أسلحة استراتيجية وتكتيكية، منها طراز جديد من سفن الدورية البحرية لأغراض تأمين الحدود من عمليات تهريب البشر والمخدرات عن طريق البحر، تكون مزودة بقدرات كافية للمسح والاعتراض والاتصال والتنسيق العملياتي. ومنها أيضا إنتاج منظومة إليكترونية متطورة للتشويش على الرادارات المعادية، بغرض تسهيل مهام الطائرات الأوروبية، التي يمكن أن تقوم وحدها بعمليات دفاعية مستقلة، إضافة إلى تطوير وإنتاج نظام أوروبي لرصد وتتبع الصواريخ الباليستية، وذلك إلى جانب تطوير قوة ضاربة استراتيجية جوية وصاروخية. وعليه فقد يكون التعاون مع الجانب الأوروبي أكثر جدوى من التعاون مع الناتو ذاته.
كذلك إنشاء صندوق أوروبي مشترك لتمويل الصناعات العسكرية، وتوطين صناعات جديدة في دول الاتحاد الأوروبي الأقل تقدما مثل اليونان والبرتغال، بما يتيح لهذه الدول المزيد من التمويل، ويساعدها على توفير المزيد من فرص العمل. كما أن هناك وجود محاولات تشكيل قوة أوروبية مستقلة، وهذا كله يضعف من شأن الحلف كمؤسسة داعية (والمعروف أن الأحلاف العسكرية دائما ما تواجه تحديات كبيرة في حالة السلم).
سابعًا- الترتيبات الدفاعية و الأمنية في منطقة الخليج:
إن النظام القائم الحالي في منطقة الخليج العربي يعتمد على ثلاثة ركائز، وبغض النظر عن مدى فعالية كل منها، الركيزة الأولى وهي منظومة مجلس التعاون لدول الخليج العربية، والركيزة الثانية هي العلاقات الدفاعية الثنائية مع الدول الغربية، والركيزة الثالثة والتي لا يعول عليها كثيراً وهي الجامعة العربية من خلال اتفاقية الدفاع المشترك. بالإضافة إلى ذلك هناك عدداً من التحالفات تشارك وتساهم فيها دول المنطقة مثل التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن، وكذلك التحالف الإسلامي العسكري لمواجهة الإرهاب، والتحالف الدولي لمكافحة داعش، وأخيراً قوة المراقبة البحرية في الخليج العربي بقيادة الولايات المتحدة، وقد سبق أن تشكلت في الماضي عدداً من التحالفات الدولية وشاركت فيها دول المجلس، مثل حرب تحرير الكويت 1990، ومهمة الحماة المتحدون 2011 في ليبيا، ودعم استقرار البحرين 2011.
كل هذه التحالفات التي تشارك فيها كل أو بعض دول المجلس أو اتفاقيات ومعاهدات الدفاع الثنائية مع الدول الغربية والأسيوية (مثل كوريا الجنوبية)، تزرع الشك في ذهن العدو المحتمل، وبالتالي تحقق نوعاً من الردع. ولكنها أيضا تجعل نشوء الخلاف أمرًا سهلاً بين الأعضاء، وخاصة إذا كان القصد الموحد للمنظومة غير واضح أو إذا تباعدت المصالح أو تضاربت. فعلى سبيل المثال لو نظرنا إلى الجامعة العربية، كمنظومة أمن جماعي للدول العربية، فأنها توفر منصة لمناقشة مختلف القضايا العربية، ولكن اتساع الوطن العربي وكثرة دولة، واختلاف مصالحها وتوجهاتها ونظرتها للتهديدات والتحديات، وكذلك اختلاف النظم السياسية العربية، كل هذه المعطيات تجعل من المستحيل أن يتم التوافق بين الأعضاء على جميع القضايا، ومن هنا فإن الاختلاف في مجال واحد سوف يلقي بظلاله على المجالات الأخرى، وهذا بالضبط ما حصل في موضوع تحرير الكويت، حيث لم تتخذ الجامعة العربية قراراً واحداً وصارماً اتجاه تحرير الكويت بل اختلف الأعضاء لأسباب أخرى لا يتسع المجال هنا لذكرها، وهو ما أدى إلى الاعتماد على القوات الأجنبية للتدخل وتحرير الكويت، وكررت الجامعة العربية نفس الخطأ قبل الغزو الأمريكي للعراق، وكانت شبه مشلولة ولم تحاول إيجاد مخرج وتفادي ذلك الغزو الذي يدفع لنظام العربي ثمنه حتى الآن. و نشير هنا إلى أحد المبادرات التي كان يمكن أن تجنب المنطقة انعكاسات ذلك الغزو لو كانت الجامعة العربية على مستوى الحدث، إلا هي المبادرة التي أطلقها الشيخ زايد بن سلطان أل نهيان رحمة الله، حيث تم عرض المبادرة على الجامعة العربية، وهي تنازل صدام عن الحكم وتامين خروجه خارج العراق وتجنب الغزو الأمريكي، ولكن هذه المبادرة وجدت معارضة ليس لها مبرر إلا عدم وجود رؤية في استشراف نتائج هذه الحرب. ومن هنا فإن عدم وجود قيم سياسية واقتصادية واجتماعية مشتركة بين الدول العربية تجعل الاختلاف وعدم الاتفاق على القرارات المصيرية هو الشائع.
وتتشابه دول مجلس التعاون في عدداً من العوامل المشتركة التي تساعدها على إنشاء ترتيبات أمنية تستطيع ردع التهديدات عنها. حيث تتشابه الأنظمة السياسية في دول المجلس ووجود مصالح مشتركة، وكذلك تمتعها باقتصاديات قوية عمادها النفط والغاز، بالإضافة إلى وجود تاريخ مشترك لهذه الدول و تقارب العادات الاجتماعية لشعوب المنطقة، وتواجه نفس التحديات الأمنية، ولكن على الرغم من كل العوامل المشتركة التي تميز منظومة مجلس التعاون، إلا أن هذه المنظومة تعاني من الاختلافات الداخلية بين أعضائها، فنرى بعض دول المجلس تأخذ موقفاَ محايداً في أمور تخص أمن المنطقة، وأخرى تدعم بعض الجماعات الإرهابية، وأخرى تقيم علاقات أمنية مع دول تصنف كدول معادية لدول المجلس. وقد كان اختلاف وجهات النظر حول التهديدات المشتركة واضحة، عندما امتنعت بعض دول المجلس عن إرسال قواتها ضمن قوات درع الجزيرة إلى البحرين إبان أحداث التمرد 2011في عام، و تكرر المشهد في التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن في عام 2015.
ومن هنا يبرز التساؤل هل مجلس التعاون حلف عسكري أم سياسي أم تكتل اقتصادي أم هو مجلس للتنسيق، أم أنه مجلس للتعاون يضع المعايير والمقاييس للعمل المشترك الغير ملزم؟، إن عدم سمو الهدف الأساسي لإنشاء هذا المجلس فوق كل اعتبار، سيصبح من الصعب على المجلس أن يحقق النجاح المنشود وأن يلعب دوراً في حماية أمن واستقرار دولة وشعوبه، مما يعترضها في المستقبل من تهديدات نكاد أن نصنفها كتهديدات وجودية.
أحد أهم الأمور ذات العلاقة بأمن منطقة الخليج، والذي يتبادر للذهن وهو، هل أمن الدول العربية مرتبط بأمن دول الخليج؟ و للإجابة على هذا السؤال يجب النظر إلى طبيعة العلاقات بين دول الخليج والدول العربية، ومن خلال الاطلاع على الإحصائيات الاقتصادية وبرامج التنمية التي تمولها دول الخليج وخصوصاً المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات والكويت، فأننا نرى بما لا يدع مجالاً للشك أن البرامج والمساعدات التي تقدمها هذه الدول الثلاث منذ بداية سبعينات القرن الماضي، هي الأكبر مقارنة مع أية مساعدات من أية برامج تتحصل عليها الدول العربية من لأي مكان أخر، كما لا يمكن إغفال مجال الاستثمار الاقتصادي لدول الخليج في الدول العربية والفائدة الاقتصادية التي تعود على هذه الدول، من حيث إدخال رؤوس الأموال وتنمية الاقتصاد و توفير الوظائف، بالإضافة إلى وجود فرص عمل في دول الخليج للعمالة العربية ومساهمة العمالة العربية بجهود التنمية والتطوير في الخليج العربي.
بالنظر إلى الوضع الأمني في المنطقة العربية، نرى تأثير آلية الأواني المستطرقة على الدول العربية والشعوب العربية مع بعضها، حيث عندما انطلقت شرارة ما أطلق عليه الربيع العربي في تونس، واندلاع الثورة ضد الرئيس بن علي، انتقلت هذه المظاهرات والثورات ضد الأنظمة الحاكمة في الدول العربية الأخرى، مثل ليبيا ومصر واليمن وسوريا، و التي لا تزال تعاني من هذه الثورة حيث تحولت سوريا إلى ساحة لحرب طائفية تدخلت فيها عدداً من الدول الإقليمية والدولية، جعلت من الصعوبة بمكان التنبؤ إلى ما سوف تؤول إلية الأمور. كل هذا يجعلنا نفكر بعمق في شكل النظام الأمني الذي نحتاجه لمواجهة هذه التهديدات، نظام قادر أن يتعامل مع مختلف التحديات، حيث لم يقدم لنا أي من النماذج العربية التاريخية الحلال أمثل. فلا منظومة مجلس التعاون بشكلها الحالي تستطيع أن تثبت بأنها الحل الأنسب ولا الجامعة العربية كذلك، وأخيرا حتى التحالفات المؤقتة لم تحقق المطلوب، لأنها تفتقر للبناء المؤسسي، والهيكلة التي تؤسس لضمان نجاح التحالف، وهذا يتطلب منا أن ننظر بعمق للتجارب العالمية في هذا المجال واخص بالذكر هنا حلف شمال الأطلسي( الناتو)[3].
ثامنًا- تجربة الناتو العربي:
الناتو العربي“(MESA)، حيث سعت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى تشكيل تحالف أمني وسياسي مع دول الخليج ومصر والأردن؛ بهدف التصدي للتدخل الإيراني في المنطقة ومحاولاتها الهيمنة عليها. ففي أواخر يوليو 2018، أعلنت الإدارة الأميركية عزمها إنشاء نسخة عربية من حلف شمال الأطلسي، أُطلق عليها مؤقتًا اسم “تحالف الشرق الأوسط الاستراتيجي” (MESA)، وأهم توجهات التحالف، هي إقامة درع من أنظمة الدفاع الجوي يكون بمثابة حماية دول الحلف من الصواريخ الباليستية الإيرانية، بالشكل الذي يُفقد قدرات إيران الصاروخية فعاليتها الاستراتيجية إلى درجة كبيرة، فيما سيكون عمليًّا ضمن منظومة حصار إيران اقتصاديًّا، وإفقادها القدرة على التصعيد عسكريًّا.
(*) الأهداف: كان التحالف يهدف إلى ما يلي:
(-) الأول، تحقيق الاستقرار بما يعني المواجهة الشاملة للتحديات الأمنية وهنا تبرز فكرة الأولويات، وربما يكون التحالف قد استفاد من تجارب سابقة لم يكن بها ليس وضوحًا كافيًا للتهديدات الأمنية فحسب بل في كيفية مواجهتها.
(-) الثاني، بالرغم من إطلاق وصف تحالف وهي سمة لصيقة بالتحالفات العسكرية فإن ذلك التحالف في الوقت ذاته سيكون شراكة اقتصادية بين الدول الأعضاء ويعد هذا أمرًا بالغ الأهمية ففي ظل تشابك المصالح وخاصة الاقتصادية منها فإن ذلك من شأنه تعزيز التحالفات أيا كانت صيغتها.
(-) الثالث، سمة المرونة التي تميز عضوية ذلك التحالف، فهو ليس كحلف الناتو يظل مغلقًا على أعضائه بل إن كل دولة بمقدورها الانضمام إليه حال اتسقت سياستها مع بقية الدول الأعضاء في التحالف، وهذا يدحض فكرة أن ذلك التحالف سيكون بداية لسياسة محاور جديدة تشهدها منطقة الشرق الأوسط.
وأهم الأهداف العسكرية من تشكيل الناتو العربي:
– توحيد الموقف سياسياً وعسكرياً تجاه النفوذ الإيراني في المنطقة ووضع استراتيجية عملية لمواجهتها.
– وتحقيق التوازن العسكري والبشري بين دول الخليج وإيران بالتعاون مع الأردن ومصر.
– تنسيق الجهود العسكرية بين دول التحالف وتسهيل تموضع القوات لحماية الدول الأعضاء في الحلف والممرات المائية الحيوية كمضيق هرمز ومضيق باب المندب.[4]
(*) المخاطر وحدود تأثرها:
(-) أول تلك المخاطر: ما يتعلق بالخبرة التاريخية السيئة لمحاولات تشكيل تحالف للأمن الجماعي العربي، والتي فشلت سابقا؛ لأن التهديدات والمخاوف الأمنية لدول الخليج ليست متجانسة، لاسيما حول قضايا بعينها، بداية من التهديد الإيراني، والإخوان المسلمين، و”داعش”، إلى الحرب السورية، حيث تتباين مثلا رؤية كل من السعودية والبحرين ودولة الإمارات بشأن دور جماعة “الإخوان المسلمين” عن مثيلاتها في كل من قطر والكويت، فضلا عن وجود اختلافات استراتيجية بين الدول الأعضاء، تتعلق بتصورات مختلفة حول طبيعة التهديدات الإيرانية، لاسيما من جانب كل من قطر وسلطنة عمان. وفي الوقت نفسه يعتبر التقارب مع إسرائيل كفيلا بغضب قطاعات واسعة من المعارضة داخل دول التحالف الجديد.
(-) ثاني تلك المخاطر: هو ما يتمثل في أولوية الأجندات الخاصة بالدول المشاركة بتحالف الشرق الأوسط الاستراتيجي، فنجد أن عُمان والكويت تعانيان مشكلات داخلية، على الرغم من ممارستها لدور الوسيط في الخلافات بين دول مجلس التعاون الخليجي.
أما الأردن، فإنه منشغل بمشكلاته الداخلية، وفي البحرين هناك خلافات طائفية بين الشيعة والسنة. وذلك دون إغفال إشكالية استمرار الأزمة الخليجية -الخليجية وفشل مختلف السيناريوهات في حلحلة تلك الأزمة حتى الآن.[5]
إن ارتفاع وتيرة إنشاء التحالفات العسكرية في المنطقة العربية دليل على اختلال توازن القوى في هذه المنطقة من جانب، وزيادة حدة التغيرات والتدخلات الخارجية في أمنها من جانب آخر. وستكون قدرة هذه التحالفات على تحقيق مصالح المنطقة في الاستقرار والسلام والأمن مرهونة بقدرة الدول المبادرة والقائدة في تشكيلها على تحقيق مصالح متوازنة لكافة الدول الأعضاء.
(*) المخاطر المقومات العامة لنجاح الحلف العسكري:
إن الأهداف التي يعني بها مجلس التعاون ويسعى إلى تحقيقها متشعبة، حيث لا يمكن لستة دول أن تتوافق في العديد من القضايا منها السياسية والأمنية والاقتصادية والنقدية والعسكرية. و هذا يشبه إلى حد بعيد شكل الاتحاد الأوربي، والذي رأينا فيه الاختلافات والتي أدت في نهاية المطاف إلى خروج بريطانيا من هذا الاتحاد، وفي نفس الوقت فإن منظومة مجلس التعاون لا يمكن مقارنتها بمنظومة حلف الناتو نهائياً، لذا فان ما تقترحه في هذه الورقة هو تنظيم حلف عسكري، من دول مجلس التعاون تضم إلية دول عربية مثل جمهورية مصر ودعوة دول عربية أخرى في مرحلة لاحقة لديها تكون لديها نفس الأهداف ونفس التوجهات.
تحتاج أية ترتيبات أمنية جديدة أن تكون مرنه وإبداعية، بحيث تبني على ما تم إنجازه في مجلس التعاون، ولكن تعكس الواقع وليس الماضي، وان تستشرف المستقبل، حيث يجب أن تتكيف المنظومة الجديدة على الشراكة مع دول خارج منطقة الخليج العربي، مع الدول التي تشارك دول المجلس في نفس التوجهات والتي لديها مصالح مع دول المنطقة، أن الدرس الرئيسي الذي يمكن تلخيصه عن النظام الحالي، هو عدم وضوح القصد الموحد واختلاف الأولويات الأمنية بين الأعضاء.
لضمان نجاح أي حلف عسكري، يجب أن تتوحد رؤى الدول المؤسسة له على الهدف الأساسي الذي أنشء من أجلة، بحيث يتمتع جميع أعضائه بنفس الحقوق ويتحملون جميع مسؤولياتهم، ومن هنا فإننا في دول مجلس التعاون لدينا الأساس الذي يمكن أن نبني عليه، حيث ترتبط دول المجلس باتفاقية دفاع مشترك، تنص أحد أهم موادها بأن الاعتداء على دولة عضو في المجلس يعتبر اعتداء على الكل. ولكن ما يحتاجه مجلس التعاون، هو ضمان عدم تأثر القرار العسكري الأمني بالمجالات الأخرى، والنظر في كيفية تعزيز المنظومة العسكرية لمجلس التعاون، ويمكن أن يأتي ذلك بانتهاج برامج الشراكة والتعاون مع دول من خارج الإقليم، وخاصة الدول التي لديها مصالح مع دول المجلس، بحيث يتم عقد الاتفاقيات مع هذه الدول عن طريق الأمانة العامة لدول المجلس.
يمكن أن ينظر في إضافة دول لا تأخذ الصفة الكاملة العضوية، ولكن صفة دول شريكة بحيث لا يكون لها حق الفيتو في تصويت المجلس، ويمكن أن تكون هذه الدول عربية وغير عربية، فمثلاً جمهورية مصر والأردن وآية دولة عربية ترتبط مع دول المجلس في المصالح المشتركة والرؤية المشتركة للأمن الخليجي والعربي، وكذلك دول غير عربية مثل الولايات المتحدة وفرنسا و غيرها من الدول الغربية.
الخاتمة والتوصيات:
لم تعد مصالح أمن دول المجلس محصورة في منطقة الخليج العربي فحسب، بل أيضاً في شرق وشمال أفريقيا، حيث إن ما يحدث في هذه المناطق من العالم العربي يمس الأمن القومي لدول المجلس. ومن هنا يتطلب الدفاع عن أمن دول المجلس وتحقيق الاستقرار ومصالحه أكثر من مجرد إعادة تركيز الدفاع عن دول المجلس. ولكن المطلوب إعادة تقييم استراتيجي لتعريف الأمن القومي لدول المجلس وما هي مهدداته المباشرة وغير المباشرة، على المدى المتوسط والبعيد، والعمل على خلق التوازن الاستراتيجي مع القوى الإقليمية التي تهدد امن دول المجلس.
كما إنه لا علاقات دولية بغير تحالفات، فبدون الدخول في تحالفات تنعزل الدول، لاسيما الصغيرة منها، ويسهل اصطيادها من جانب دول أكبر وأقوى، إقليمية كانت أو دولية. فالتحالفات تمكن الدولة في أحايين كثيرة من تعزيز قدرتها على حماية أمنها وحفظ استقلالها، وأهم تلك التحالفات هي التحالفات السياسية والأمنية والعسكرية، وفي العموم، يعد التحالف العسكري علاقة تعاقدية بين دولتين أو أكثر، يتعهد بموجبها المتحالفون بتبادل المساعدة في حالة الحرب، دفاعية كانت أو هجومية، فجوهر أي حلف يقوم على تعهدات ومبادئ مشتركة باستخدام القوة العسكرية ضد دولة غير عضو توجه تهديداً لإحداها، أو استخدام أراضيها. وتلتزم الدول الأعضاء بتقديم كافة التسهيلات لاستخدام القوة العسكرية ضد الدولة المعتدية.[6]
وبذا، يبقي التحالف هو بديلا لسياسة العزلة التي تتنصل فيها الدول من أي مسئولية عن أمن دول أخري، وله وظيفة ضرورية لتوازن القوي. وتتنوع الأحلاف أو التحالفات بين هذه التي تخدم مصالح أو سياسات متطابقة، وتلك ذات النزعة العقائدية أو الأيديولوجية، التي تتجاوز المصالح المادية البحتة والمباشرة[7]، لاسيما في ظل إدراك العديد من الدول أنه لا سبيل لأي دولة بمواجهة تحديات الأمن الإقليمي الراهنة مهما بلغت قدراتها سوى بالانتظام ضمن تحالفات تتناغم فيها تلك القدرات مع قدرات الدول الأخرى. فتلك التحالفات تتيح الفرص للدول لتحديد مصالحها والتزاماتها في الوقت ذاته ضمن الأطر الأمنية والدفاعية الأخرى.[8]
وتعد التحالفات العسكرية ظاهرة قديمة قدم التاريخ، وقد تم رصد أنماط من التحالف العسكري في فترات بعيدة، وخصوصاً تلك الأنماط التي تتصل بتحالفات بين القبائل وجماعات السكان في مرحلة ما قبل الدولة. لكن مفهوم التحالفات العسكرية يتكرس في معاهد الاستراتيجية اليوم باعتباره مفهوماً يتعلق بالدولة والمنظمات الدولية، ويمكن تلخيصه ببساطة في أنه “اتفاق بين دولتين أو أكثر على تدابير عسكرية وأمنية معينة لحماية دولة التحالف من تهديد أو عدوان ما”.[9]
إلا أن إقليم الشرق الأوسط بخصائصه الحالية، يتسم بصعوبة الإعلان المباشر والصريح عن إقامة حلف عسكري حتى لا يتم عسكرة الإقليم. واحتمالية قيام إيران بإعلان إنشاء حلف عسكري مضاد مما يزيد من احتمالية المواجهات العسكرية بدلا من تجنبها. لذلك قد تجد دول الخليج أن الوضع الأمثل بالنسبة لها هو:
- تطوير اتفاقية إسطنبول الخاصة بالشراكة مع الناتو، شريطة أن يكون العمل على المستوى الجماعي وليس الفردي.
- تطوير فكرة “العولمة الدفاعية” وهو ما يعني توسيع الشراكات مع دول العالم على كافة الأصعدة الاقتصادية والتجارية والاستثمارية والسياسية. بحيث تكون هناك مصالح مختلفة للعديد من دول العالم بدول الخليج، ومما يجعلها تزود عنها وقت وقوع أية تهديد على أي دولة خليجية.
- تعزيز الشراكات الثنائية ومعاهدات الدفاع المشتركة الثنائية على غرار الإمارات وكوريا الجنوبية.
- التوصل لشراكة دفاعية جديدة مع الولايات المتحدة الأمريكية، وألا تكون الاتفاقات الإبراهيمية بديلا عنها.
- تعزيز التعاون العسكري مع أوروبا وروسيا الاتحادية والصين.
- العمل على إنشاء منظومة أمن جماعي شامل بالمنطقة تعمل على عدم الاستقطاب ووقف سباق التسلح وإقامة منطقة خالية من السلاح النووي وهو ما يعد السيناريو الأمثل بالمنطقة.
____________________________________________هوامش____
[1]– نعمت بيان، الأحلاف العسكرية الدولية ودورها في المسرح العالمي، المنظمة العربية لحقوق الإنسان في الدول الاسكندنافية، أغسطس 2023.
[2]– دينس بيرجر، العلاقات الدولية في مرحلة انتقالية، المجلة العربية للدراسات الدولية، واشنطن 1994.
[3]– نزار إسماعيل الحيالي، دور حلف شمال الأطلسي بعد انتهاء الحرب الباردة، 2018.
[4]محمد بوحسن، الناتو العربي من جديد، الوطن البحرينية، الثلاثاء 28 أغسطس 2018، علي الرابط
http://alwatannews.net/article/789512/Opinion/%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%A7%D8%AA%D9%88-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A8%D9%8A-%D9%85%D9%86-%D8%AC%D8%AF%D9%8A%D8%AF
[5]إيمان زهران، الولايات المتحدة وتشكيل تحالف الشرق الأوسط الاستراتيجي MESA؟!،.
[6][6]ناجي صادق شراب، الدول الصغرى واستراتيجيا التحالفات، الحياة، الأحد، 8 أبريل/ نيسان 2018، علي الرابط
http://www.alhayat.com/Edition/Print/28604216/الدول-الصغرى-واستراتيجيا-التحالفات
[7]د. عمار علي حسن، نمط التحالف والتغير في العقيدة العسكرية الخليجية، مجلة السياسة الدولية، 30/12/2016، علي الرابط
http://www.siyassa.org.eg/News/11961.aspx
[8]د. أشرف محمد كشك، التحالف الاستراتيجي لمنطقة الشرق الأوسط، أخبار الخليج، الاثنين 5 نوفمبر 2018، علي الرابط
http://www.akhbar-alkhaleej.com/news/article/1143056
[9]ياسر عبد العزيز، التحالفات العسكرية… من توازن القوى إلى الدفاع عن القـيم، مجلة درع الوطن، 11/5/2016، علي الرابط
http://www.nationshield.ae/index.php/home/details/research/%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%AD%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B3%D9%83%D8%B1%D9%8A%D8%A9-%D9%85%D9%86-%D8%AA%D9%88%D8%A7%D8%B2%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%82%D9%88%D9%89-%D8%A5%D9%84%D9%89-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%81%D8%A7%D8%B9-%D8%B9%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%82%D9%8A%D9%85#.W6KIAf5RftQ