شراكة الضرورة: ما دوافع الاتفاق العسكري بين اليابان وألمانيا؟

الملخص التنفيذي:

يتشابه النموذج الألماني مع النموذج الياباني في عدة أوجه، فلقد تبنى النموذجان سلوك عسكري عدواني في محيطيهما الجغرافي، حتى مُني كلاهما بهزيمة شنعاء في الحرب العالمية الثانية. وسيطر الغرب بقيادة الولايات المتحدة الامريكية على كل من اليابان وألمانيا (الغربية) بعد تقسيمها. ثم بدأت الدولتان في الانتعاش الاقتصادي بمساعدة الغرب، وخاصة مع دخول النظام العالمي في حرب باردة وسعي الغرب لمواجهة التهديد الشيوعي. وازداد الاهتمام بتنمية القدرات الدفاعية وتعزيز التعاون العسكري بين الدولتين مع الصعود الصيني والتهديد من سلوك الصين في مضيق تايوان، وكذا سلوك روسيا الاتحادية في ظل طموح بوتين للتصدي لتوسع حلف الناتو في أوروبا. ونظرا للتشابه الكبير بين النموذجين، فلقد تسارع التعاون المشترك بينهما خاصة في المجال العسكري وفي ظل تواجد تهديد مشترك ورغبة مشتركة في تعزيز القدرات العسكرية الذاتية والمشتركة بين الدولتين، مما تتطلب تعديل القيود التي كانت مفروضة على دستورهما. ورغم وجود بعض التحديات التي تواجه تعزيز التعاون العسكري بين الدولتين، ألا أنه من المحتمل ان تزداد وتيرة التعاون العسكري بين برلين وطوكيو في المستقبل.

Both the German and Japanese models are similar in several aspects. Both models adopted aggressive military behaviour in their respective geographical surroundings, until both suffered a disastrous defeat in World War II. The West, led by The United States, controlled both Japan and (West) Germany after its division. The two countries then began to recover economically with the help of the West, especially with the global system entering a Cold War. Then the West was seeking to confront the communist threat. The two countries develop its defence capabilities and enhance military cooperation, especially with the rise of the threat of China’s behaviour in the Taiwan Strait, as well as the behaviour of the Russian Federation in light of Putin’s ambition to confront NATO’s expansion in Europe. Given the great similarity between the two models, the presence of a common threat and the common desire to enhance the self- and joint-military capabilities between the two countries, which requires amending the restrictions that were imposed on their constitutions. joint cooperation between them has accelerated, especially in the military field. Despite some challenges facing the enhancement of military cooperation between the two countries, it is likely that the military cooperation between berlin and Tokyo will continue to increase in the future.

أبرمت كل من اليابان وألمانيا في أوائل العام الجاري [1]٢٠٢٤، اتفاق عسكري، وقعه كل من وزير الخارجية الياباني والسفير الألماني في طوكيو تحت اسم اتفاقية الاستحواذ والخدمات الشاملة. وبموجب هذه الاتفاقية يتم تسهيل عملية تقاسم الغذاء والذخيرة بين قوات الدفاع الذاتي اليابانية والجيش الألماني للمساهمة بشكل استباقي في السلام والأمن في المجتمع الدولي. كما يسمح الاتفاق باستخدام منشاُت كل جانب خلال التدريبات المشتركة بعد موافقة البرلمان[2]، وذلك بهدف توسيع نطاق التعاون الدفاعي بينهما في منطقة المحيطين الهندي والهادئ.

وفي يوليو ٢٠٢٤ عقد المستشار الألماني أولاف شولتز، اجتماعًا مع رئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا، خلال زيارة الأخير لبرلين ( ردًا على زيارة شولتز لليابان) والاتفاق على إنشاء إطار لحوار الأمن الاقتصادي من أجل تعزيز سلاسل التوريد لأشباه المواصلات والمعادن الحيوية. وفي هذا السياق، ذكر رئيس الوزراء الياباني أن الأمن في أوروبا والمحيط الأطلسي لا يمكن فصله عن الأمن في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، وأن هذا التعاون وفق رئيس الوزراء الياباني يهدف لمواجهة التعاون العسكري المتنامي بين روسيا وكوريا الشمالية وتحركات الصين المتعلقة بـ”الغزو الروسي لأوكرانيا”[3].

من جانبه ذكر المستشار الألماني أن هناك خطة لإرسال طائرات عسكرية وفرقاطة لزيارة اليابان في صيف ٢٠٢٤ للتأكيد على عمق التعاون الدفاعي بين كل من ألمانيا واليابان[4].

يشار في هذا السياق إلى أن البرلمان الياباني قد أقر قانون الأمن الاقتصادي في ٢٠٢٣ بهدف حماية التكنولوجيا وتعزيز سلاسل الإمداد الحساسة. في الوقت الذي تعتمد فيه ألمانيا على الاقتصاد الصيني بشكل كبير، حيث أشارت بيانات مكتب الإحصاء الألماني إلى أن التبادل التجاري بين البلدين قد بلغ نحو ٢٩٨ مليار يورو في ٢٠٢٢ وبارتفاع قدره ٢١٪ مقارنة بعام ٢٠٢١. أما اليابان فهي الشريك التجاري الثاني لألمانيا في آسيا بعد الصين وبفارق كبير، حيث أن حجم التبادل التجاري بين ألمانيا واليابان قد بلغ نحو ٤٦ مليار يورو في ٢٠٢٢ [5].

وكانت اليابان قد وقعت أيضًا اتفاقية مع المملكة المتحدة تعد الأولى من نوعها بعد أكثر من مائة عام، حيث أن آخر اتفاقية بين الدولتين كانت في عام ١٩٠٢، وجاء توقيع الاتفاقية خلال زيارة قام بها رئيس الوزراء الياباني للملكة المتحدة في أوائل ٢٠٢٣ وبموجب الاتفاقية يتم السماح بوجود جنود بريطانيين على الأراضي اليابانية، وكذلك الدفاع المشترك في حال تعرض أي من البلدين لأي هجوم. وقبلها كانت اليابان قد وقعت اتفاقية ثلاثية مع أستراليا والولايات المتحدة “أوكوس” علمًا بأن الجيش الياباني يعد أقوى ثامن جيش، وأن البريطاني يعد الخامس على مستوى العالم[6].

دوافع تفكير اليابان في تطوير منظومتها الدفاعية[1]

تواجه اليابان تحديًا بين رغبتها الجادة في تطوير قوتها العسكرية والدفاعية من ناحية، وقيود الدستور وتهديدات الأمن القومي من ناحية أخرى. وفي هذا السياق يرى الباحث في شئون اليابان كتياؤكا، أن ثمة قلق قد تنامى لدى اليابان في أعقاب الحرب الروسية الأوكرانية، إضافة إلى التوترات التي تثيرها الصين في مضيق تايوان، الأمر الذي دفع اليابان ومتخذي القرار السياسي بها لإعطاء أولوية واضحة للسياسات الدفاعية، ومراجعة استراتيجية الأمن القومي، وطرح مقترحات لإحداث زيادة كبيرة في الإنفاق الدفاعي.

وتجدر الإشارة إلى أن اليابان، وافقت من قبل على استراتيجية الأمن القومي في ديسمبر ٢٠١٣، حيث لم يكن لدى اليابان وثيقة أمن شاملة. وكانت اليابان تتبنى فقط سياسة للدفاع الوطني التي اعتمدها رئيس الوزراء الياباني كيسي نوبوسوكي في مايو ١٩٥٧، التي نصت على أن الهدف من الدفاع الوطني، هو منع العدوان المباشر وغير المباشر، وذلك حال تعرض البلاد للغزو لصد هذا العدوان ومن ثم الحفاظ على استقلال وسلام اليابان على أسس الديموقراطية.

كما ركزت الوثيقة على:

  • دعم أنشطة الأمم المتحدة وتعزيز التعاون الدولي والالتزام لتحقيق السلام العالمي.
  • استقرار حياة الشعب وتعزيز حب الوطن، وإرساء الأسس اللازمة للأمن الوطني.
  • بناء قدرات دفاعية رشيدة على مراحل في الحدود اللازمة للدفاع عن النفس وفق القوة والوضع الوطني.
  • التعامل مع العدوان الخارجي على أساس الترتيبات الأمنية مع الولايات المتحدة حتى تتمكن الأمم المتحدة من أداء وظيفتها في وقف العدوان بشكل فعال في المستقبل، علما بأن اليابان انضمت للأمم المتحدة في عام ١٩٥٦.

أما استراتيجية ٢٠١٣ فإنها تمثل نقطة تحول في صياغة أهداف السياسة الأمنية لليابان، حيث أوضحت بالتفصيل التحديات الأمنية التي تواجهها. وتاريخيًا، منذ نهاية الحرب الباردة وضعت الحكومة اليابانية مبادئ توجيهية جديدة لبرنامج الدفاع الوطني خمس مرات في أعوام ١٩٩٥-٢٠٠٤-٢٠١٠-٢٠١٣-٢٠١٨. وفيها يتم دعوة مجلس القدرات الأمنية والدفاعية. أما الإصلاحات الجزئية فجاءت مع رئيس الوزراء الراحل شيزو آبي (٢٠١٢-٢٠٢٠) وفيها تم تمرير تشريع لحماية المعلومات الأمنية الحساسة من الكشف العلني ومعاقبة المسئول عن تسريب هذه المعلومات، مما شجع الشركاء العالميين على مشاركة المعلومات الاستخباراتية الهامة مع اليابان.

كما أقر البرلمان قانونًا لإنشاء مجلس الأمن القومي بجانب أمانة الأمن القومي. وفي عام ٢٠١٤ تبنت اليابان مبادئ ثلاثة بنقل معدات وتكنولوجيا الدفاع والتي كانت محظورة من قبل بموجب الدستور الياباني، ومن ثم تم إعادة تفسير الدستور الياباني في ٢٠١٤ والذي ينبذ الحرب من أجل الرفع الجزئي للحظر المفروض على المشاركة في الدفاع الجماعي عن النفس.

وفي عام ٢٠١٥ تم تغيير بعض القوانين التي تتعلق بالجيش وإمكانية تعبئته خارج حدود البلاد حال توافر ثلاثة شروط، وهي إذا تم الهجوم على اليابان أو تم الهجوم على أي من حلفاء اليابان، وهدد ذلك بقاء اليابان ومثل خطرًا على الشعب؛ وبحيث لا توجد وسيلة أخرى متاحة لصد الهجوم.

على صعيد آخر، طرح رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي، مبادرته بشأن منطقة المحيطين الهندي والهادئ والتي وصفتها المبادرة بالحرة والمفتوحة “(Free and Open Indo-Pacific (FOIP”، وقد لاقت المبادرة الموافقة والترحيب من جانب الولايات المتحدة ومجموعة الدول السبع الصناعية.

ويشار إلى أن النفقات الدفاعية لليابان لا تتعدى ١٪ من الناتج المحلي الإجمالي، وذلك بسبب الضغوط التي يفرضها الشعب الياباني حتى لا تتأثر بنود الإنفاق الأخرى، إلا أن الولايات المتحدة كانت تضغط على اليابان لشراء أنظمة الأسلحة الامريكية الأكثر تقدمًا.

وبتقييم الحالة العسكرية اليابانية، نجد أنها تمتلك أسلحة متطورة ولكنها تعاني من عجز في الأفراد والذخيرة، لذلك تستعيض اليابان هذا العجز عبر التحول إلى الأنظمة والعمليات غير المأهولة ورفع الأجور والمزايا التي تؤدي إلى مشاركة المرأة. بل إن الأمر قد وصل إلى حد طرح الاستعانة بالمرتزقة بزعم أن اليابان بالفعل تستخدم شركات الأمن والتي تستأجرها لحماية المقرات الدبلوماسية اليابانية في الخارج.

دوافع ألمانيا لتعزيز قدراتها العسكرية[2]

تحاول ألمانيا عبر وزير دفاعها بوريس بيستوريوس إقناع العالم، بأنها تسعى لتكون قوة عسكرية مرة أخرى، وهو الأمر الذي تجلى في محاضرة ألقاها في كلية الدراسات الدولية المتقدمة بواشنطن، وتحدث فيها عن النهضة العسكرية لألمانيا، وذكر أن برلين قدمت دبابات ومركبات مشاه قتالية ومدافع الهاوترز وأنظمة الدفاع الجوي لأوكرانيا في حربها ضد روسيا، وهذا النوع من الحديث لم يكن مألوفًا أو معتادًا من ألمانيا ومسئوليها، حيث كان الساسة الألمان يتحاشون استخدام هذه اللغة العسكرية ويكتفوا بإعلان الاعتماد على الولايات المتحدة وحلفائها في الناتو في هذه الناحية.

والحقيقة أن التحول التاريخي قد حدث عندما أعلن المستشار الألماني شولتز في ٢٠٢٠ عن إحياء الجيش الألماني لمواجهة التهديد الروسي، وأصبحت ألمانيا ثاني أكبر مانح للأسلحة لأوكرانيا، كما وافقت المانيا على تغيير دستورها والسماح بإنشاء صندوق دفاع خاص بقيمة ١٠٠ مليار يورو. إلا أن هناك بعض التحديات التي تواجه ألمانيا خاصة على الصعيد الداخلي. فعلى سبيل المثال، هناك هوة كبيرة بين المستشار الألماني ووزير دفاعه حول حجم وكيفية تعزيز قدرات المانيا الدفاعية، لذلك تجاهل المستشار الألماني اقتراح وزير دفاعه بإعادة العمل بالتجنيد الإجباري الذي ألغته المستشارة ميركل في عام ٢٠١١.

وتشير التقديرات التي نشرتها دويتش فيله إلى أن هناك حاجة لنحو ١٠٨ مليار يورو لتعزيز المنظومة العسكرية لألمانيا حتى ٢٠٢٧، في حين أن الموازنة للعام ٢٠٢٣ ترصد نحو نصف هذا المبلغ فقط وبنحو ٥٢ مليار دولار (حوالي ٤٥ مليار يورو)، مما يعني الحاجة إلى التقشف في نفقات أخرى في حين يرى روديش كيزيفتر، خبير شئون الدفاع في الاتحاد الديموقراطي المسيحي، أن الجيش الألماني يحتاج لمزيد من الأموال حتى يتمكن من العمل كجيش حديث فعلًا، مضيفا أنه بدون أمن فإن الاقتصاد سينهار [3].

وتعد ميزانية الدفاع الألمانية هي الثانية في أوروبا من حيث الحجم بعد بريطانيا، وتحتل المركز السابع على مستوى العالم الذي ينفق نحو ٢.٢ تريليون دولار على التسليح. كما شيدت ألمانيا شركة الأسلحة راينميتال لزيادة إنتاجها من الذخيرة، بحيث أدى ذلك إلى زيادة نفقاتها العسكرية خلال عقد من ٢٠١٤-٢٠٢٣ بنسبة ٤٨٪.[4]

وفي موازنة ٢٠٢٤، وافق البرلمان الألماني على زيادة الإنفاق العسكري وتخصيص ٢٪ من الناتج المحلي الإجمالي وبمبلغ يقدر بنحو ٧٣.٣١ مليار دولار وتخصيص حزمة مساعدات لأوكرانيا. وعلى صعيد الاستعداد النووي، فإن ألمانيا تسعى للحصول على أسلحة نووية خاصة بها وإنشاء استراتيجية احتياطية للردع النووي بالتعاون مع فرنسا وبريطانيا حال غياب الولايات المتحدة، ويقدر الخبراء أن هذا الأمر قد يحتاج إلى نحو خمسة عشر عامًا لتطوير درع نووي.

البيئة الأمنية الاستراتيجية ودوافع التعاون العسكري الياباني الألماني:

أفادت شبكة الصين العسكرية أون لاين [5] بأن التعاون والتبادل العسكري بين كل من ألمانيا واليابان قد شهد تطورًا في السنوات الأخيرة، وأشار الموقع إلى أنه في عام ٢٠١٧ توصل الجانبان إلى اتفاقية حول نقل المعدات العسكرية والتكنولوجيا. وفي عام ٢٠٢١ وقع الجانبان اتفاقًا حول أمن المعلومات بهدف إنشاء آلية لتقاسم المعلومات الهامة في العمليات المشتركة بين البلدين وتشمل البيانات التكتيكية والأمن السيبراني ومعلومات حول مواجهة الإرهاب.

وفي نفس العام أيضًا تم عقد اول اجتماع للجنة ٢+٢ والتي تضم وزيري الدفاع والخارجية من البلدين. وفي هذا السياق فإن الرؤية الصينية – غير الرسمية- ترى أن توقيع مثل الاتفاقيات من جانب اليابان يساعدها على التحرر من القيود التي كان يفرضها الدستور الياباني، لتتجه إلى بناء تحالفات عسكرية أكثر ومع عدد من الدول مثل الولايات المتحدة وبناء تحالف مع دول الناتو، وإنشاء خط خاص لتبادل المعلومات الحساسة.

أيضًا وتحت غطاء هذه الاتفاقيات ستتمكن اليابان من تصدير أسلحة تكنولوجية. ومازال هناك حاجة لتطوير هذا التعاون، فمثلا ألمانيا تعمل على تحديث طائرات الدوريات البحرية بحلول عام ٢٠٢٥، إلا أنها لم تدرج اليابان في قائمة هذا التعاون نتيجة الحاجة إلى عقد اتفاق بهذا الشأن.

وأخيرا، فإن رئيس الوزراء الياباني الراحل شيزو ابي هو من اتخذ إجراءات للعمل في إطار استراتيجية الولايات المتحدة الاندو الباسفيك، وذلك من خلال طرحه لمبادرة الاندو باسفيك الحرة والمفتوحة.

لذلك فإن منطقة آسيا الباسفيك، تشهد تقارب متزايد نحو الناتو وأوروبا بفعل الإجراءات التي تتخذها اليابان ونظام التحالفات التي تقوده الولايات المتحدة والعمل على تواجد نسخة من الناتو في آسيا يتجه نحو التزايد، وهو ما تراه الصين العسكرية أون لاين تحديا ويحتاج إلى وضع الاستعداد.

على صعيد آخر، فإن البيئة الاستراتيجية الأمنية، قد شهدت تطورات ومتغيرات، جعلت كل من الدولتين اللتين خرجتا مهزومتين من الحرب العالمية الثانية، وتم وضع قيود صارمة على دستورهما للحيلولة دون تطور قدراتهما العسكرية، قد شهدت تطورات تجعل ضرورة إعادة النظر في مواد الدستور وبترحيب كامل من الولايات المتحدة الامريكية وكافة دول الناتو ال ٣٢. حيث باتت الدولتين من أكبر حلفاء الولايات المتحدة الامريكية، وتغيرت خريطة التحالفات والتهديدات، بحيث باتت روسيا الاتحادية تمثل تهديد واضح بعد انهيار الاتحاد السوفيتي في تسعينيات القرن الماضي، وخاصة بعد أحداث القرم وغزو أوكرانيا. وكذلك الصين والتوترات في مضيق تايوان، وفي منطقة الأندو باسفيك. لذلك تعمل كل من اليابان وألمانيا على إعادة تشكيل شبكة التحالفات وعقد الاتفاقيات التي تعزز التعاون العسكري فيما بينهما.

ويشار إلى أن النظام الأمني في منطقة الاندو باسفيك منذ انتهاء الحرب الكورية ١٩٥٠-١٩٥٣، قائم على نظام أمني تقوده الولايات المتحدة الامريكية في ظل تحالفات تعرف بـ hub-and-spokes system وهو نظام جماعي دفاعي متعدد على غرار الناتو في أوروبا. إلا أنه في عام ٢٠١٤ بدأت الصين تطور أفكارها لإعادة تشكيل نظام الأمن الإقليمي، مشيرة إلى النظام الذي أسسته الولايات المتحدة الأمريكية يعد من بقايا الحرب الباردة، ونادت الصين بتأسيس نظام أمني جديد من خلال الآسيويين ولصالح الآسيويين (وفق رؤيتهم ومصالحهم).[6]

على صعيد آخر، فإن تجربة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في البيت الأبيض، قد أعطت درسًا مهما سواء لدول الناتو او دول الاندو باسفيك، وذلك عبر ضرورة تعظيم التعاون العسكري بين أوروبا ومنطقة الاندو الباسفيك، سواء بتواجد الولايات المتحدة الأمريكية أو بافتراض عدم تواجدها على النحو الكلاسيكي كحليف رئيسي. والعمل على ضرورة رفع القدرات والنفقات العسكرية إلى ٢٪ من الناتج المحلي الإجمالي تحسبا أيضا لعودة ترامب إلى البيت الأبيض مرة أخرى، أو احتمالية أن يعود من هو على شاكلته في المستقبل المتوسط أو البعيد، وبحيث لا يتم الاعتماد كلية على الولايات المتحدة في الدفاع الذاتي عن أمن هذه الدول وحماية أراضيها.

كما أن منطقة الشرق الأوسط قد تعطي أيضا تنبيه لدول أوروبا ومنطقة الاندو باسفيك، حيث تعمل الولايات المتحدة على الانسحاب من المنطقة رغم أهميتها لها من خلال إعادة تشكيل المنطقة جغرافيا واستراتيجيا لكي تعمل على حماية ذاتها ومن خلال اشراف الولايات المتحدة الامريكية دون الانخراط الكامل في مشكلات الإقليم. لذلك عملت هذه الدول على إعادة النظر في رسم استراتيجيتها طويلة الأمد، خاصة في ظل التنامي المتزايد للصين، وزيادة التطلعات الروسية في أوروبا.

تقييم التعاون الألماني الياباني والتحديات المستقبلية[7]

في الإطار السياسي التوجيهي الذي صاغته الحكومة الفيدرالية الألمانية عام ٢٠٢٠، تلاحظ اهتمام الوثيقة التي جاءت في نحو ٦٨ ورقة بالصين بدرجة كبيرة، حيث تم الإشارة إلى الصين نحو ٦٢ مرة، في حين تمت الإشارة إلى اليابان بنحو ٢٨ مرة فقط. ولكن بعد ذلك بعاميين، تم إصدار تقرير يرصد ويقم تنفيذ الإطار السياسي التوجيهي، والذي جاء في نحو ١١ صفحة. وفي التقرير التقييمي، تلاحظ حدوث تغير كبير، حيث تمت الإشارة إلى الصين مرتين فقط، في حين تمت الإشارة إلى اليابان عشر مرات، وهو ما يوضح تزايد أهمية اليابان بالنسبة لألمانيا في الأعوام الماضية الأخيرة.

وتلاحظ أن تعزيز التعاون مع الصين عبر الأعوام القليلة الماضية، تركز على المجالات الزراعية، في حين تركز التعاون مع اليابان على تبادل المعلومات والتغير المناخي والتدريبات العسكرية المشتركة والزيارات رفيعة المستوى، وتحولت اليابان الى محور هام في اهتمامات العلاقات الألمانية الخارجية.

كما أشار وزير الخارجية الألماني إلى أن المانيا تعتمد بنحو 100% على اليابان في منطقة الإندو باسيفيك لأن طوكيو وقفت بشكل مباشر وصريح ضد الهجوم الروسي على أوكرانيا، وأن استراتيجية الاتصالات اليابانية تلعب دورًا هامًا في تقريب برلين نحو طوكيو. وفي حديث للرئيس الألماني، ذكر أن ألمانيا ينبغي أن تتعلم من اليابان ومن قدرتها على إحداث التوازن بين الأمن والاقتصاد والتعامل مع الصين على أنها ليست شريك فقط بل أنها منافس وربما ما هو أبعد من ذلك.

ومع ذلك فإن هناك العديد من التحديات التي تواجه العلاقات الاستراتيجية الألمانية اليابانية في الاجل القصير والمتوسط مثل الاعتمادية التجارية على الصين خاصة فيما يتعلق بألمانيا والاعتماد الياباني على مصادر الطاقة من روسيا الاتحادية.

الخاتمة:

يشهد النظام العالمي الحالي، حربًا باردة ولكنها بملامح جديدة، نظرا لتداخل النماذج الاقتصادية وسلاسل التوريد العالمية مع بعضها البعض. كما يشهد النظام العالمي تأكل في دور المنظمات الدولية وفي دور القانون الدولي وفاعليته للحد في الصراعات. ومن المحتمل أن يؤدي محاصرة روسيا الاتحادية من جانب الغرب بقيادة الولايات المتحدة الامريكية،- إلى قيام تحالف مباشر أو غير مباشر بين الصين وروسيا على غرار ما حدث قديما أبان عزو اليابان للصين.

كما أن تجربة الناتو قبل غزو روسيا الاتحادية لأوكرانيا تعد من الخبرات التي أثارت قلقا لدى ألمانيا ومن ثم اليابان. حيث دعت الولايات المتحدة في ظل إدارة أوباما على ضرورة رفع حصة ألمانيا الى ٢٪ من الناتج المحلي الإجمالي. ثم جاءت فترة ترامب الذي أعلن فيها الربط بين التجارة والأمن، وأنه لا يمكن الحصول على الأمن الأمريكي دون مقابل. لذا عملت كل من ألمانيا واليابان على تشجيع الصناعات العسكرية على المستوى الفردي، أو من خلال تعزيز علاقتهما مع الدول الأوروبية أو بتعزيز العلاقات البينية لمواجهة التهديدات المشتركة لكل من الدولتين.

وفي سبيل التمهيد لهذا التعاون، عملت كل من الدولتين على تذليل كافة العقبات الدستورية مما تتطلب تعديل في بعض مواد الدستور في كل من المانيا واليابان. ثم التوجه نحو تعزيز الصناعات العسكرية كما حدث في اليابان منذ عام ٢٠٠٩ وانطلاق البحوث من أجل بناء طائرة مقاتلة من الجيل السادس وذلك بالتعاون مع بريطانيا وإيطاليا، حيث تهتم اليابان بالتفوق الجوي. أما ألمانيا فلقد تحولت تحولا كاملا خاصة مع وصول حكومة جديدة في نهاية ٢٠٢١. ثم تكلل تغير توجهات السياسات الدفاعية لألمانيا واليابان بتوقيع اتفاقيات عسكرية مشتركة تعمل تسهيل عملية تقاسم الغذاء والذخيرة بين قوات الدفاع الذاتي اليابانية والجيش الألماني للمساهمة بشكل استباقي في السلام والامن في المجتمع الدولي. كما يسمح الاتفاق باستخدام منشاُت كل جانب خلال التدريبات المشتركة بعد موافقة البرلمان، وذلك بهدف توسيع نطاق التعاون الدفاعي بينهما في منطقة المحيطين الهندي والهادئ.

—————————————————————————————————

المراجع:

  • زابينة كيمكارتس، ترجمة محمد فرحان، صناعة الأسلحة الألمانية والرياح العاتية التي تواجهها، ابريل ٢٠٢٤. dw.com
  • ساتو هيغو، تحول استراتيجي في اليابان.. تطوير مقاتلات الجيل القادم وتخفيف قيود تصدير الأسلحة المفروضة منذ ٥٠ عاما، اليابان بالعربي، ابريل ٢٠٢٤.
  • شادي عبد الحافظ، “الخطة ميتسوبيشي”.. لماذا تسعى اليابان لبناء أقوى مقاتلة جوية في العالم؟، الجزيرة،يوليو ٢٠٢٤.
  • كتياؤكا شيئتيشي، تطوير اليابان لقوتها العسكرية، أكتوبر ٢٠٢٢
  • الشرق، المانيا واليابان تتفقان على تعزيز التعاون في الأمن الاقتصادي والدفاع، مارس ٢٠٢٣. com
  • أمن المانيا- استراتيجية التسلح والصناعات العسكرية، المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات، بون، يوليو ٢٠٢٤.
  • أمن ألمانيا- الدوافع والأسباب لتصعيد الانفاق العسكري والتسلح، المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات، يوليو ٢٠٢٤.
  • اليابان بالعربي، اليابان وألمانيا تعززان شراكتهما الدفاعية، يوليو ٢٠٢٤ nippon.com

[1] – كتياؤكا شيئتيشي، تطوير اليابان لقوتها العسكرية، أكتوبر ٢٠٢٢ https://www.nippon.com>in-de

[2] – هل يتم تحديث الجيش الألماني على حساب المساعدات الاجتماعية www.dw.com

[3] – ينس توراو، هل يتم تحديث الجيش على حساب المساعدات الاجتماعية، فبراير ٢٠٢٤. Amp.dw.com

[4] – أمن المانيا بين الدوافع والأسباب، يوليو ٢٠٢٤ www.emoparabct.com,

[5] – Zi Ge, Japan, Germany sign new agreement to deepen defence cooperation, August,2,2024.

[6] – security in the indo-pacific   www.swp-berlin.org

[7] – Weijing Xing, Germany’s quietly growing relations with Japan, the diplomat, Nov.,8,2022.

[1] — press release, July, 12,2024. www.mofa.go.jp

[2] – التعاون الدفاعي بين المانيا واليابان  https://www.eletihad.ae >news

[3] – التعاون الدفاعي بين اليابان وألمانيا https://www.youm7.com>story

[4] – التعاون الدفاعي بين المانيا واليابان https://www.undefense.info>thr

[5] – التعاون التجاري بين المانيا والصين واليابان https://usharq.com>politics

[6] – التعاون العسكري الياباني مع المانيا والمملكة المتحدة www.aljazera.net

د. مصطفى عيد إبراهيم

خبير العلاقات الدولية والمستشار السابق في وزارة الدفاع الإماراتية، وعمل كمستشار سياسي واقتصادي في سفارة دولة الإمارات بكانبرا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى