تحديات متعددة: ما مستقبل “طريق التنمية” العراقي؟
يُعد “طريق التنمية” من المشاريع العملاقة التي سعت لها حكومة رئيس الوزراء العراقي” محمد شياع السوداني” عقب تشكيلها في أكتوبر 2022، وقد أُطلق المشروع في مايو 2023 خلال مؤتمر إقليمي حضره مسئولون من تركيا ودول خليجية ثم وقّع العراق وتركيا وقطر والإمارات العربية المتحدة على اتفاقية مبدئية للتعاون في مشروع “طريق التنمية” في بغداد 22 إبريل 2024 ما شكل انطلاقة حقيقية لهذا المشروع علي أرض الواقع.
وعلي الرغم من الانتقادات التي وجهت لهذا المشروع، ووجود العديد من التحديات الداخلية والخارجية التي قد تعرقل إمكانية تنفيذه، قررت حكومة “السوداني” خلال أخر اجتماع لها في 6 أغسطس 2024 تمويل المشروع من الميزانية الوطنية وإقامة شراكات مع القطاع الخاص العراقي للبدء في تجهيزاته، كما أكد وزير النقل العراقي “رزاق محيبس السعداوي” على موافقة مجلس الوزراء على إدراج المرحلة الأولى من مشروع “طريق التنمية” ضمن الموازنة الاستثمارية للعام 2024، ما يشير إلي إصرار الحكومة العراقية علي تنفيذ هذا المشروع والسعي نحو تحقيق مكانة إقليمية ودولية أفضل للعراق من خلاله.
وفي ظل سعي الصين وإبداءها اهتماما متزايداً لهذا المشروع العراقي، وسعيها نحو المساهمة فيه، وهو ما قد يمثل منفذاً جديداً لتدفق السلع الصينية نحو الغرب، وصولاً إلي أوروبا فضلاً عن محاولتها لإيجاد نافذة جديدة لتحصد من خلالها العديد من المزايا الإستراتيجية والمزيد من النفوذ،- يطرح السؤال وهو: ما حدود تهديد مساهمة الصين في مشروع “طريق التنمية” للنفوذ الولايات المتحدة الأمريكية بالمنطقة، وهل سيشكل ” طريق التنمية ” ساحة جديدة للتنافس بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية؟
شراكة ممتدة:
عدة أطراف دولية تدعم مشروع “طريق التنمية”، يمكن رصدها على النحو التالي:
(*) العراق: بات يُعرف ” طريق التنمية ” باسم “طريق الحرير العراقي” نظراً لأهميته الإستراتيجية، وكونه طريقاً حيوياً للعراق، فمن خلاله سيصبح العراق حلقة الوصل بين دول الخليج في آسيا وأوروبا، كما أنه يمثل أيضاً أملاً كبيراً لتحريك العملية التنموية التي شهدت ركوداً كبيراً بالعراق، ولتنشيط اقتصاده وتنويعه وتوفير فرص عمل لأعداد كبيرة من الشباب، خاصة في الوقت الذي يواجه فيه العراق موجة من السخط الاجتماعي وسط ارتفاع نسبة البطالة إلى 16.5% مطلع عام 2024، وارتفاع نسب الفقر إلي 22% بحسب وزارة التخطيط، هذا فضلاً عن حالة عدم الاستقرار السياسي بالبلاد، الحاجة التي دعت إلي ضرورة تنويع مصادر الدخل والتخلص تدريجياً من الاعتماد الكلي على موارد تصدير النفط ومشتقاته في ميزانيته المالية التي تصنفه في خانة الاقتصادات الريعية حيث تُمثل عوائد النفط نحو 95% من الناتج المحلي الإجمالي ما دفع الحكومة العراقية للعمل على تفادي الضغوط التي يمكن أن تخلفها تقلبات أسعار النفط العالمية والبحث عن مصادر جديدة للدخل، سيستفيد العراق أيضاً من خلاله في إنشاء مشاريع بنية تحتية مهمة ممثلة بالسكك الحديدية والطرق البرية والموانئ ما سيمكن العراق من تصدير الطاقة بشكل أكثر سلاسة من خلال جهوزية ميناء الفاو الذي سيكون أكبر ميناء في الشرق الأوسط وسيصبح محطة رئيسية في نقل البضائع في حال نجاح هذا المشروع .
(*) تركيا: تُعد تركيا داعماً هاماً لمشروع “طريق التنمية” حيث شكل نقطة تحول إيجابية في العلاقات العراقية – التركية ، وفي المقابل سيعزز أيضا ” طريق التنمية ” من الأهمية الجيوسياسية لهذه الدولة، وعليه تجده تركيا فرصة لتعزيز نفوذها ومكانتها إقليمياً ودولياً وزيادة تأثيرها بالمشهد الدولي من الناحيتين السياسية والاقتصادية خاصة بعد استبعادها من المشاريع المنافسة لطريق التنمية مثل “الممر الاقتصادي” بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا المدعوم من الولايات المتحدة الأمريكية، كما أنها تطمح أيضاً في استكمال مشروع ما يُعرَف بممر “زنغزور” في أرمينيا الذي سيصل تركيا بشواطئ أذربيجان على بحر قزوين لتعزيز التبادل التجاري مع آسيا الوسطى والقوقاز وروسيا. كما أن الموقع الجغرافي لتركيا يمثل عاملاً مساعداً في سعيها نحو تحقيق كل هذه المزايا الإستراتيجية، فهي بمثابة الرابط بين الشرق والغرب وكذلك تتميز بقربها من احتياطيات الطاقة في منطقتي الشرق الأوسط والقوقاز وكذلك أيضاً محاذاتها للدول الأوروبية التي تبحث عن مصادر طاقة بديلة عن روسيا منذ اندلاع الحرب الروسية – الأوكرانية ما زاد من أهمية طرق التجارة الدولية التي تربط بين منطقة الشرق الأوسط مع أوروبا الباحثة عن مصادر آمنة للنفط فهذا كله سيجعل من تركيا بوابة دول الخليج إلي أوروبا والعكس . وبجانب ذلك نجد أن تركيا ستحقق عائدات اقتصادية مهمة من هذا المشروع تتمثل في أرباح رسوم النقل وتدفق الاستثمارات ما سيسهم في نمو وتعزيز الاقتصاد التركي ، فضلاً عن سعي تركيا نحو إبعاد العراق عن مجال النفوذ الإيراني خاصة في ظل تطور التعاون الأمني بين العراق وتركيا ضد ” حزب العمال الكردستاني”.
(*) قطر: تعد قطر شريكاً اقتصاديا لتركيا، وقد وعدت الدوحة بغداد باستثمار 10 مليار دولار في تمويل مشاريع البنية التحتية بالعراق، وفي المقابل فإن مشاركة قطر في مثل هذا المشروع التنموي سيعزز من تنويع استثماراتها ومواردها بالمنطقة فضلاً عن تعزيز نفوذها وزيادة انفتاحها تجاه أوروبا، خاصة فيما يتعلق بنقل الغاز القطري إلي أوروبا وهو ما يلتقي مع سعي الإتحاد الأوروبي نحو الاستغناء عن الغاز الروسي.
(*) الإمارات العربية المتحدة: عبر قرار الإمارات العربية المتحدة بالانضمام إلى مشروع “طريق التنمية” مع العراق وتركيا وقطر عن سعيها نحو التعددية من خلال صياغة تحالفات دبلوماسية سريعة ومرنة لتحقيق مصالحها، خاصة في ظل سعي الإمارات أن تتولي دوراً رائداً في المنطقة من خلال التعامل مع شركاء تجمعهم أهداف ومصالح إستراتيجية واقتصادية مشتركة حفزت من مشاركة أبو ظبي في هذا المشروع العراقي بجانب مشاركتها في مشروع ” الممر الاقتصادي”، ومع تزايد تصعيد الحرب في غزة زاد قلق الإمارات العربية المتحدة من جدوى “الممر الاقتصادي” بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا، الذي اعتبر بديلاً عن مبادرة “الحزام والطريق” الصينية فهناك العديد من العقبات التي تقف أمام إتمام تنفيذ مشروع ” الممر الاقتصادي ” خاصة عقبة إتمام التطبيع بين السعودية وإسرائيل والتي تتوقف علي نتائج ومآلات الحرب الإسرائيلية علي غزة، وعليه تحاول الإمارات من خلال مساهمتها في إنشاء “طريق التنمية ” أن تجد لها بدائل لمشاريع البنية التحتية الإستراتيجية التي تكسبها مزايا لخدمة أهدافها ومصالحها الإستراتيجية والاقتصادية وتحقيق المزيد من النفوذ لها بالمنطقة.
(*) الصين: أظهرت الصين اهتماما متزايداً بمشروع “طريق التنمية ” فهو بالنسبة لها بمثابة استكمالا لمبادرة ” الحزام والطريق ” خاصة في ظل العلاقات الدبلوماسية الجيدة التي تجمع كلاً من العراق والصين والتي تستطيع وضع قوتها المالية وخبراتها التقنية الكبيرة في خدمة هذا المشروع الذي من شأنه أن يُسهل للصين الحصول علي موارد النفط التي تستوردها من دول الخليج لاسيما من العراق، كما أنه سيخفض مدة نقل البضائع من الصين إلى أوروبا بما يقارب من 20 يوماً بالمقارنة مع الطريق الذي يمر بالبحر الأحمر وقناة السويس وهو ما يُسهم أيضاً في توسيع شبكتها التجارية العالمية من خلال دول الخليج، وبالتبعية تعزيز مبادرة “الحزام والطريق” التي جعلت الولايات المتحدة الأمريكية منذ الإعلان عنها عام 2013 تلجأ إلي فرض عقوبات مختلفة وضغوط دبلوماسية لمنع التقارب بين دول الشرق الأوسط والصين، وبالتالي فإن مساهمة الصين في هذا المشروع يمنحها فرصة ومكاسب إستراتيجية كبيرة داخل المنطقة من خلال إدخالها في عملية التكامل الإقليمي ما سيعزز من مكانتها علي المستوي الإقليمي وزيادة نفوذها السياسي والاقتصادي في مواجهة القوي الغربية والولايات المتحدة الأمريكية علي وجه التحديد .
أطراف متضررة:
عدة أطراف متضررة من طريق التنمية”، يمكن رصدها كالتالي:
(&) الولايات المتحدة الأمريكية: تسعي الولايات المتحدة الأمريكية دائماً نحو تعزيز مكانتها ونفوذها دولياً، حيث اتخذت تلك المساعي الأمريكية أشكالاً عدة في الآونة الأخيرة كان أبرزها المساهمة في إنشاء تحالفات جديدة وكذلك تقديم الدعم والمساهمة في إنشاء طرق تجارية جديدة من خلال تلك التحالفات كان علي رأسها مؤخراً مشروع “الممر الاقتصادي” الذي تم التوصل إلي اتفاق بشأنه تحت قيادة الولايات المتحدة الأمريكية في قمة مجموعة العشرين الأخيرة في الهند بمارس 2023، حيث أعلن عنه الرئيس الأمريكي “جوبايدن” لربط الهند والخليج وأوروبا عبر ميناء حيفا، كمحاولة أمريكية للحفاظ علي ريادتها في المنطقة فضلاً عن سعيها نحو التعزيز من مكانة ونفوذ الكيان الصهيوني بالمنطقة وإعطاءه المشروعية الدولية لتواجده بالمنطقة من خلال مشاركته في مثل هذه المشاريع التنموية الضخمة، وإيجاد رابط مشترك بين الخليج وإسرائيل فضلاً عن خلق سلاسل إمداد بعيدة عن الصين. وعليه، فإن مساهمة الصين في مشروع ” طريق التنمية ” ومن ثم إيجاد موطئ قدم جديد لها بجانب مبادرة ” الحزام والطريق ” من شأنه أن يزيد من تواجدها وتعزيز مكانتها ونفوذها بين دول المنطقة لاسيما دول الخليج، وكذلك فإن من الممكن أن تستغل الصين تواجدها بالعراق كداعم لهذا المشروع في سعيها نحو استمالة عدد من القيادات العراقية المنتمية إلى الأحزاب الشيعية الموالية لإيران ومناهضة للنفوذ الأمريكي في البلاد ما سيشكل تهديداً كبيراً للمصالح الأمريكية ليس بالعراق فحسب بل بالمنطقة ككل.
(&) إيران: دائماً ما تسعي إيران لتعزيز نفوذها الإقليمي داخل المنطقة خاصة من خلال أذرعها بها وظهورها بقوة في المشهد السياسي بسوريا واليمن ولبنان والعراق، فضلاً عن دعمها لحركة حماس الفلسطينية وكذلك إتباعها مؤخراً لسياسة حسن الجوار والتي عبرت عنها إيران من خلال سعيها نحو تحسين علاقاتها مع كلاً من السعودية والإمارات لاسيما في ظل تقليص الولايات المتحدة الأمريكية دعمها العسكري للدول الخليجية. وفي ظل استمرار العلاقات المعقدة التي تجمع إيران مع تركيا، فإن التدخل التركي ودعم تركيا لهذا المشروع التنموي سيشكل ناقوس خطر أمام النفوذ الإيراني بالمنطقة، خاصة في ظل حالة التنافس الإيراني – التركي حول العديد من القضايا الإقليمية، فتواجد تركيا بالعراق من شأنه أن يقوم بإبعاد العراق عن مجال النفوذ الإيراني، خاصة في ظل تطور التعاون الأمني بين العراق وتركيا ضد ” حزب العمال الكردستاني ” فمن الممكن أن تؤدي ضغوط أنقرة إلي تفكيك العلاقة بين الحزب وبين الفصائل العراقية الموالية لإيران، فهذا كله من شأنه أن يقلل من النفوذ الإيراني في العراق لصالح النفوذ التركي هناك.
تحديات مُعرقلة:
ثمة تحديات معرقلو لمشروع طريق التنمية، على المستويين الداخلي والخارجي، يمكن تناولها على النحو التالي:
(-) تحديات داخلية: علي الرغم من كون هذا المشروع قد يُشكل ركيزة أساسية للازدهار الاقتصادي للعراق فضلاً عن تعزيزه لمكانة العراق الجيوسياسية بالمنطقة ما يجعله يستحق الدعم والاستثمار،- إلا أنه قد يستغرق الأمر سنوات حتى يتمكن العراق من تنفيذه، فهذه ليست المرة الأولى التي يحاول فيها العراق تنفيذ مشروع ضخم في البنية التحتية، إذ تم اقتراح مشروعاً مماثلاً له عام 2011وتم وضع تصوّرات لتغييرات رئيسية في البنية التحتية للنقل بما فيها أنظمة السكك الحديدية ومترو الأنفاق لكن لم يتم إحراز أي تقدم في تنفيذه بسبب البيئة السياسية الداخلية المتقلّبة والاضطرابات العنيفة. وعليه، نجد أن هناك العديد من العقبات الداخلية التي قد تُشكل تحدياً أمام استكمال تنفيذ هذا المشروع، يمكن إبرازها من خلال الآتي:
(1) عدم إجراء الحكومة العراقية دراسة مناسبة حول الجدوى الاقتصادية للمشروع، فليس هناك إجماع بين المؤسسات الحكومية حول نطاقه وأهدافه وتكلفته، حيث جاء هذا المشروع لتهدئة السخط الاجتماعي نتيجة سوء الإدارة للحكومات العراقية المتعاقبة فجاءت الحكومة الجديدة بهذا المشروع كمحاولة منها لإظهار نيتها الحقيقية في تحقيق التنمية دون السعي جدياً منها نحو تغيير نظام الحكم القائم وحل المشكلات السياسية التي تعاني منها البلاد .
(2) عرقلة بعض الأحزاب السياسية المهيمنة علي البرلمان لهذا المشروع من خلال وقوفها أمام تخصيص أموالاً لتمويله علي اعتبار أنها لا ترغب في تعزيز نفوذ رئيس الوزراء العراقي “محمد شياع السوداني” علي حساب القوي السياسية الأخرى.
(3) الأزمة الاقتصادية التي تمر بها العراق، خاصة في ظل الظروف الدولية والإقليمية الراهنة ما يُشكل عائقاً أمام تخصيص أموال لتمويل وتنفيذ هذا المشروع .
(4) يُشكّل “حزب العمال الكردستاني” وصراعه المسلح مع تركيا تحدي أمنياً أمام مشروع “طريق التنمية” ما سيصعب من التقدم في إتمام هذا المشروع وخلق حالة من عدم الاستقرار بالبلاد .
(5) يعاني العراق من حالة عدم الاستقرار وانعدام الأمن في الفترة الأخيرة، نظراً لانخراطه في حرب غزة التي بدأت في 7 أكتوبر 2023 واستمرار التصعيد الإقليمي، ما قد يؤدي إلي انسحاب المستثمرين والدول الساعية للمساهمة في هذا المشروع لعدم تهيئة المناخ المناسب لإتمام هذا المشروع، كذلك قد تطرح بعض المجموعات المسلحة المتحالفة مع إيران التي أنشأت وجودًا قويًّا في شمال العراق وفي المثلث الحدودي العراقي – السوري – التركي تهديداً أمنيًا كما تبيّن من هجماتها التي استهدفت القوات الأميركية المنتشرة في العراق بعد اندلاع الحرب على غزة في أكتوبر 2023 فمن الممكن لهذه المجموعات أن تعرض عمليات النقل البري للخطر إذا شعرت أن مصالحها لم تؤخذ في الحسبان بشكل كاف. فضلاً عن أن تنظيم “داعش” الإرهابي لا يزال ينشط في المناطق القريبة من الحدود فقد يستغل أيضًا مكامن الضعف في المشروع لانتزاع أموال من الدولة.
(-) تحديات خارجية: تتمثل التحديات الخارجية لمشروع طريق التنمية فيما يلي:
1) زيادة حدة التنافس الدولي بدلاً من تعزيز التكامل الاقتصادي بين الدول، فقد يواجه هذا المشروع تنافساً حاداً مع المشاريع المماثلة له والتي تهدف إلي إنشاء ممرات تجارية مثل “مبادرة الحزام والطريق ” الصينية وكذلك ” الممر الاقتصادي ” بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا المدعوم من الولايات المتحدة الأمريكية، حيث تحولت بذلك الحدود والممرات التجارية من بؤر ومناطق لالتقاء المصالح المشتركة وتحقيق مكاسب جيوسياسية وجيواقتصادية إلي بؤر للصراع والتنافس الدولي، خاصة بين الدول الكبرى كالولايات المتحدة الأمريكية والصين من أجل تعظيم مكاسبهم الإستراتيجية. عليه، من الممكن أن تخلق هذه الحالة من التنافس الدولي مناخ غير مناسب لإتمام مراحل تنفيذ هذا المشروع فالتنافس الدولي حول مشاريع الممرّات التجارية الإقليمية يعني أن بعض البلدان إما ستعارض طريق التنمية أو ستظل غير داعمة له.
2) رغبة إيران في عدم إتمام هذا المشروع نظراً لمنافسته لمشاريع ممرات إقليمية إيرانية، فقد روجت الحكومة الإيرانية لموانئ عدة بوصفها صلات وصل إستراتيجية لحركة التجارة العالمية وهي: تشابهار على خليج عُمان، وبندر عباس قرب مضيق هرمز، وبندر الإمام الخميني في شمال مياه الخليج، كما أن المشروع العراقي قد يشكل بديلًا لطريق تجاري آخر مخطط له يربط تركيا بالإمارات عبر إيران، فضلاً عن إمكانية تعزيز هذا المشروع لمكانة تركيا إقليمياً. بالتالي، من الممكن أن تستغل إيران بعض الميليشيات الموالية لها والتي تدير شبكات تهريب على طول الحدود العراقية – السورية والمتعاونة مع “حزب العمّال الكردستاني” في اعتراض هذا المشروع وعرقلة تنفيذه خاصة وأنها تعارض سلوك تركيا في العراق.
3) وجود بعض القضايا الخلافية بين كلاً من العراق وتركيا الداعم الأهم لمشروع “طريق التنمية” لا سيما بشأن العمليات الأمنية التركية في شمال العراق ضد “حزب العمّال الكردستاني” بل النزاع بين البلدين حول تقاسم مياه نهري دجلة والفرات فضلًا عن الخلاف حول نقل النفط من إقليم كردستان العراق عبر خط أنابيب إلى تركيا وهو ما تعارضه بغداد، فهذه القضايا الخلافية من الممكن أن تُعمق من فجوة انعدام الثقة وتعرقل سبل التعاون بين البلدين.
4) احتمالية نشوب خلاف حول الحدود البحرية بين كلاً من العراق والكويت ما يزيد من العراقيل التي تعترض مشروع “طريق التنمية”، حيث تعتبر الكويت ميناء الفاو منافسًا لميناء مبارك الكبير في جزيرة بوبيان الأمر الذي آثار التوترات بين العراق والكويت، فمن وجهة نظر العراق قد يقوض ميناء مبارك الكبير حظوظ ميناء الفاو، وقد أدّت هذه الخلافات إلى تعليق العمل في مشروع الميناء الكويتي لفترة من الوقت إلّا أنّ الحكومة أعلنت في يوليو 2023 استئناف أعمال إنجاز هذا المشروع .
5) احتمالية قيام الولايات المتحدة الأمريكية بالزج بـ “حزب العمال الكردستاني” في المشهد واستخدامه كورقة من شأنها نشر حالة عدم الأمن والتهديد حيال إتمام هذا المشروع والوقوف أمام النفوذ الصيني.
ختامًا، علي الرغم من أهمية مشروع “طريق التنمية” في تعزيز المكانة الإستراتيجية للعراق بالمنطقة، كما أن الدول المساهمة فيه تسعي من خلاله لتحقيق مصالحها وأهدافها الخاصة ما يعود بالنفع عليها من الناحية الإستراتيجية والاقتصادية،- إلا أنه سيشكل تهديداً لمصالح دولاً أخري، ومن ثم يمكن أن يتحول هذا المشروع التنموي إلي ساحة جديدة للتنافس علي النفوذ لا سيما علي المستوي الإقليمي كالتنافس التركي – الإيراني بل علي المستوي الدولي أيضاً، فقد تتنافس الدول الكبرى من أجل إيجاد موطئ قدم لها من خلال تقديم الدعم والمساندة لهذا المشروع كالصين التي تسعي دائماً لتعزيز نفوذها ومكانتها الدولية من خلال طُرقها الناعمة ما سيشكل بالتبعية تهديداً جديداً لمصالح الولايات المتحدة الأمريكية بالمنطقة، وقد لا يتوقف الأمر إلي حد المنافسة بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية، بل قد يمتد الأمر ليشمل دخول طرف جديد في المنافسة كروسيا التي أبدت ترحيبها ورغبتها الجادة العام الماضي في المشاركة في مشروع “طريق التنمية” فالعراق يشكل أهمية كبيرة لروسيا من وجهة النظر التجارية والاقتصادية فضلاً عن وقعها ضمن سياق سياسات روسيا الإقليمية في غرب آسيا لمد النفوذ والسيطرة ما قد ينذر في حال نجاح إتمام تنفيذ جميع مراحل هذا المشروع بأن يصبح العراق ساحة تنافس جديدة بين الدول الكبرى.