كيف تتحرك أصوات “جيل Z” تجاه “ترامب” و ” هاريس”؟
شهدت الفترة الأخيرة بالولايات المتحدة الأمريكية، تزايداً ملحوظًا في نشاطات جيل زد في القضايا المحلية والدولية، بما في ذلك القضية الفلسطينية، حيث يمتاز هذا الجيل بتنوع خلفياته الثقافية والعرقية، وهو ما يعزز من قدرته على تبني قضايا حقوق الإنسان والمساواة.
وفقًا لما كشفته مظاهرات الجامعات في مختلف أنحاء الولايات المتحدة عن التأثير المتزايد لجيل زد على الساحة السياسية الأمريكية، يمكن طرح هذا السؤال، وهو: ما هو موقف جيل زد من الحزبين الجمهوري والديمقراطي؟
عوامل مؤثرة:
عدة العوامل تسببت في زيادة وعي جيل زد، يمكن تناولها كالتالي:
(-) تأثير الظروف الاجتماعية المحيطة: نشأ جيل زذ بالولايات المتحدة الأمريكية في فترة شهدت تزايد الاهتمام بالقضايا الاجتماعية مثل العدالة العرقية، حقوق المرأة، وحقوق المهاجرين. كذلك وجود تأثير واضح للأحداث العالمية والمحلية، مثل حركة “Black Lives Matter” وأزمات حقوق الإنسان. بالتالي، وفقا للمراقبين عدم الاستجابة الكافية لمتطلبات هذا الجيل فيما يخص القضايا السابقة من قبل السياسات الحالية أدى إلى سيطرة حالة من الاستياء عليهم وشعورهم بعدم الأمان أو الاستبعاد.
(-) ملحقات البيئة واضطرابها في الفترة الأخيرة: يعتبر التغير المناخي، هو أحد القضايا التي تشغل بال جيل زد، خاصة أن أعمار هؤلاء الشباب تتساوى مع فترة التغيرات المناخية التي يشهدها العالم خلال الـ 15 عام الأخيرة، فهذا هذا الجيل يعش في عصر يشهد تزايداً في الكوارث البيئية والتهديدات البيئية طويلة الأمد. كما أن ضعف الإجراءات السياسية لمواجهة التغير المناخي، وعدم التزام بعض السياسيين بخطط طموحة للتعامل مع الأزمة، أدى إلى شعورهم بالإحباط من السياسات التي تعتبرها غير كافية أو غير فعالة.
(-) الاضطرابات الاقتصادية والسياسات المالية غير المتزنة: تعد الأزمات الاقتصادية إحدى العوامل الذي أثارت غضب جيل زد مثل ارتفاع تكاليف التعليم، زيادة الدين الطلابي، وعدم الاستقرار في سوق العمل. بالتالي اعتبر هذا الجيل أن السياسات التي لا تعالج هذه القضايا بشكل فعال، أدت إلى شعورهم بالإحباط من النظم السياسية التي يعتقدون أنها لا تقدم حلولاً كافية لمشاكلهم.
تأسيسا على ما سبق، يمكن القول إن تشابك العوامل السابقة أدى إلى تشكل إحساساً مشتركاً بين أفراد جيل زد، وهو ما يعني أن السياسات الحالية لا تلبي تطلعاتهم ولا تعالج القضايا التي تهمهم بشكل فعّال. وعليه، فإن هذا الشعور بالتمييز وعدم الاستجابة من قبل السياسيين،بدء يزيد من تفاعل هؤلاء الشباب مع قضايا السياسة بطرق أكثر نشاطاً، مثل الاحتجاجات والمظاهرات وتنظيم الحملات على وسائل التواصل الاجتماعي. و نظرا إلى اعتقادهم بعدم تمثيلهم بشكل كافٍ في عملية صنع القرار السياسي، حيث هناك قلة منهم تمثل في المناصب السياسية، جاءت رغبتهم في التأثير على السياسات وجعلها تتماشى مع قيمهم وأولوياتهم.
مواقف متباينة:
من المُلاحظ أن موقف جيل زد تجاه الحزبين الجمهوري والديمقراطي في الولايات المتحدة يتأرجح بين التأييد والرفض. فوفقا لاستطلاعات الرأي التي أجريت خلال الفترة السابقة، يمكن التأكيد على أن حوالي 60% من أفراد هذا الجيل من المحتمل أن يصوتوا للحزب الديمقراطي، مقابل 27% فقط للحزب الجمهوري. وهذا التوجه ينعكس على مواقفهم تجاه القضايا السياسية الرئيسية، بما في ذلك القضية الفلسطينية. وذلك وفقًا لسياسات الحزبين التي بدت متباينة خلال الفترة الأخيرة تجاه القضايا التي تهم هذا الجيل، ومن أبرزها القضية الفلسطينية، وهو ما يؤكده انخراط عدد كبير من شباب الجامعات في مظاهرات التضامن مع الشعب الفلسطيني، وهو ما دفع الأحزاب السياسية إلى إعادة النظر في مواقفها من هذه القضية الحساسة.
وبالنظر إلى قضايا جيل زد وموقف “ترامب” و”كاميلا” من مطالبهم، فإنه من المحتمل أن يلعب هذا الجيل دورًا محوريًّا في تحديد نتيجة الانتخابات، خاصة فيما يتعلق بملفات العدالة الاجتماعية والقضايا الدولية ذات الصلة في الحياة السياسية الأمريكية، وبالنظر إلى أن دونالد ترامب، الذي قاد سياسات تتسم بالقوة الاقتصادية والسياسات البيئية الأكثر تساهلاً، قد يجد صعوبة في جذب دعم جيل زد لسياساته التي تتضمن تقليص الإجراءات البيئية وإعطاء الأولوية للنمو الاقتصادي على حساب القضايا البيئية، التي قد تكون غير متوافقة مع قيم هؤلاء الشباب الذين يطالبوا بإجراءات قوية لمكافحة التغير المناخي وحماية البيئة.
في المقابل، كاميلا هاريس، التي تمثل الجناح التقدمي داخل الحزب الديمقراطي، قد تجد دعماً أكبر من جيل زد، خاصة وأن سياساتها تدعم المساواة الاجتماعية، حقوق الإنسان، ولديها إجراءات قوية لمكافحة التغير المناخي، وهو ما يعكس القيم التي يتبناها هذا الجيل. الواضح أن دعم “هاريس” لسياسات تتماشى مع اهتمامات جيل زد، مثل تعزيز حقوق الإنسان والتصدي للتغير المناخي، قد يجعلها مرشحة أكثر جاذبية لهذا الجيل. وعليه، من المتوقع أن يزداد تأثير هؤلاء الشباب على العملية الانتخابية الأمريكية بشكل ملحوظ. فمع زيادة عددهم وارتفاع نسبة مشاركتهم، سيكون لهم دور محوري في تحديد نتائج الانتخابات القادمة على المستويين الوطني والمحلي.
في الختام، يمكن القول إنه في ظل تنامي دور جيل زد تبرز احتمالات عدة بشأن توجهات هذا الجيل في الانتخابات المقبلة. فقد يميل جزء منهم إلى التصويت لصالح المرشحة الجمهورية كاميلا هاريس نظرًا لبعض المواقف المتوافقة مع قضاياهم، بينما قد يفضل آخرون الرئيس السابق ترامب في ظل برنامجه الذي يتناول بعض القضايا الاجتماعية المحورية لهذا الجيل. لكن في ظل تعقد المشهد السياسي الأمريكي، وما يشهده من تحوّلات في الآونة الأخيرة، فإنه يصعب التنبؤ باتجاهات دقيقة عن تصويت جيل زد تجاه أي من المرشحين.