معادلة جيوبوليتيكية: أين تقع أذربيجان في الحسابات الإيرانية- الإسرائيلية؟

تجمع كلاً من إيران وأذربيجان بعض القواسم المشتركة التي تنوعت ما بين الثقافية والدينية، فأذربيجان ذات أغلبية شيعية وإيران تضم أكبر أقلّية للعرق الأذري، وبالرغم من ذلك لم تتسم العلاقة بين إيران وأذربيجان في أي وقت من الأوقات بالهدوء، حيث شابت العلاقات بين البلدين العديد من التوترات والتعقيدات مع مرور السنوات والتي وصفها البعض “بالعدائية” ووصل الوضع لحد إمكانية نشوب صراع مسلح بينهما، حيث أدت الخطابات المتنافسة والمطالب التوسعية في كل من إيران وأذربيجان بأراضي داخل حدودهما إلى تأجيج التوترات بين الطرفين، وقد شهدت العلاقات بين البلدين بعضاً من التحسن في ظل رئاسة الرئيس السابق ” إبراهيم رئيسي ” حتى أن أذربيجان كانت هي الوجهة الأخيرة له قبل وفاته في 19 مايو 2024.

وبفوز” مسعود بزشكيان ” الإصلاحي في الانتخابات الإيرانية التي عقدت عقب وفاة “رئيسي”، يُطرح تساؤل حول طبيعة السياسة الإيرانية الجديدة في فترة رئاسة “بزشكيان” فيما يتعلق بمسار العلاقات بين إيران وأذربيجان في الفترة المقبلة، خاصة في ظل التطورات الدولية والإقليمية الراهنة.

نشأة التوتر ومصدره:

 كانت أذربيجان تحت سيطرة الإمبراطورية الفارسية حتى عام 1828 قبل أن تتنازل عنها لروسيا القيصرية بموجب معاهدتي “تركمانشاي وجولستان”، وبقى الكثير من الأذريين في شمال غرب إيران، وهي تعتبر حالياً أكبر أقلية عرقية في إيران، وأثناء حكم الإتحاد السوفيتي لم يستطع الأذريون الإيرانيون الهجرة إلى أذربيجان السوفيتية، وذلك نظرًا للقيود التي فرضتها موسكو على حركة الأذريين من إيران، وبعد سقوط الإتحاد السوفيتي في أوائل التسعينيات أعلنت أذربيجان استقلالها وتشكيل الجمهورية الأذربيجانية الجديدة. وعليه، يمكن القول إن إيران شعرت بخطورة الدولة المستقلة الجديدة، خاصة بعد إعلان رئيسها الجديد آنذاك ” أبو الفضل الشيبي”، الذي هدف في ذلك الوقت إلى تشكيل ما أطلق عليه “أذربيجان الكبرى”- أي ضم الأراضي الأذربيجانية المعترف بها من أرمينيا وإيران، بالتالي جعلت هذه التصريحات والنزعة الانفصالية إيران، تُعيد النظر في علاقتها مع أذربيجان الحديثة، ولم تقدم أيّ دعم للبلد ذو الأغلبية الشيعية في حرب” ناغورني قره باغ الأولى” ( 1988 -1994)، فإثارة أذربيجان مشاعر الهوية القومية عند الأقلية الأذرية في إيران والذين يمثلون حوالي 15-20% من عدد سكانها يعد من أعمق مصادر القلق لإيران وتوتر العلاقات بين البلدين، فمنذ استقلال أذربيجان تنظر إليها إيران بقلق بالغ لأن وجود دولة أذربيجان قد يحيي آمال الاستقلال لدى السكان الآذريين شمالها.

يذكر أن حدة التوترات ازدادت بين البلدين بعد انتصار أذربيجان في حرب “ناغورني قره باغ الثانية ” في 2020 بدعم تركي وإسرائيلي، فقد جاءت تلك الحرب علي خلفية النزاع الإقليمي والعرقي بين أرمينيا وأذربيجان بشأن ” ناغورني قره باغ” في الفترة بين (1988 – 1994) وقد تم تجميد النزاع لعقود ولكن التوترات المستمرة بينهما تحولت إلى حرب ثانية واسعة النطاق في سبتمبر 2020 بعد أن نقلت السلطات الأرمينية الحاكمة في “ناغورني قره باغ” برلمان المعقل إلى مدينة “شوشا” ذات الأهمية الثقافية والتاريخية بنظر البلدين، ورداً على ذلك شنت أذربيجان هجوماً عسكرياً متعدد المحاور استعادت من خلاله سبع مقاطعات ذات أغلبية أذربيجانية في المنطقة، وعليه ازدادت وتيرة الصراع بين أذربيجان وإيران التي دعمت أذربيجان في هذه الحرب على حساب علاقتها الجيدة مع أرمينيا وذلك لعدم إثارة مشاعر الأقلية الأذرية في إيران، ولكن زادت الحرب من قناعة “باكو” بأن إستراتيجيتها العسكرية والدبلوماسية ناجعة وليس هناك سببٍ لتغييرها، كما أدَّت الحرب إلى تهميش إيران فلُم تُبدِ أذربيجان اهتماما بخطط السلام التي اقترحتها إيران، فضلاً عن عدم قبول إيران بالتطورات الحاصلة منذ نهاية الحرب لا سيما ما يتعلق بأتساع رقعة التواجد الإسرائيلي العدو الأول لإيران على حدودها الشمالية.

كما أن المادة 6 من اتفاق وقف إطلاق النار بين أذربيجان وأرمينيا بعد حرب 2020 مكنت من بناء طريق جديد عبر ممر “لاتشين” لربط إقليم “ناخيتشيفان” الأذربيجاني المتمتع بالحكم الذاتي غرب البلاد مع باقي الأراضي الأذربيجانية عبرممر “زنغزور” وهو ممر ضيق يمتد على الحدود الأرمينية الإيرانية ما أغضب إيران خاصة وأن هذا الممر الذي تسعى أذربيجان لإنشائه سيقطع نقطة الوصول البرية الوحيدة من إيران إلى أرمينيا وهو ما يعرضها لفقدان نفوذها في هذه المنطقة ما قد يؤثر سلبًا على اقتصاد إيران الواقع تحت وطأة العقوبات الغربية ، حيث تستخدم إيران هذه الطرق الحدودية في إيصال بضائعها إلى الدول الأسيوية وجنوب القوقاز. فإصرار أذربيجان على استكمال إنشاء ممر “زنغزور” وإقصاء إيران من مسار النقل البري وأن هذا الممر ضرورة وحماية لأرض الأجداد الأذريين كما جاء علي لسان الرئيس الأذربيجاني ” إلهام علييف” زاد من العناد الإيراني فلجأ الحرس الثوري الإيراني إلى إجراء تدريبات عسكرية بالقرب من الحدود الأذربيجانية في عامي 2021 و2022. حيث بدأ الخلاف في التفاقم في سبتمبر 2021 بعد أسابيع فقط من تولي الرئيس الإيراني السابق “إبراهيم رئيسي “منصبه فتصاعدت التوترات بعد التدريبات العسكرية المتبادلة على الحدود بين البلدين ، فقد أجرت إيران تدريبات في محافظاتها الشمالية الغربية التي تسكنها أغلبية أذرية وفي المقابل أجرت أذربيجان مناورات مشتركة مع باكستان وتركيا كما أجرت القوات البرية في الحرس الثوري تدريبًا تكتيكيًا على الحدود من خلال إرسال مئات الكتائب القتالية بما في ذلك المشاة والمدفعية ووحدات الحرب الإلكترونية والمدرعات، وكرر الإيرانيون ذلك مرة أخرى خلال عام 2022 ما دفع أذربيجان إلى التفكير في أن التدريبات العسكرية الإيرانية بالقرب من حدودها لم تكن لغرض التدريب فقط بل أنها تمهيدًا لصراع مسلح فأجرت حينها أذربيجان مناورات عسكرية مع تركيا للرد على التهديدات الإيرانية.

وتصاعدت المواجهة بين باكو وطهران بشكل كبير خلال عام 2022 ما دفع وسائل إعلام إيرانية إلى اتهام أذربيجان بالتواطؤ مع أعداء إيران ، فقد زادت في خطابات القادة الأذربيجانيين ووسائل الإعلام الأذربيجانية المقربة من الحكومة المطالبات الحدودية بالمناطق الشمالية الغربية بإيران ذات الأغلبية الأذرية والتي يشير إليها القوميون الأذريون باسم “أذربيجان الجنوبية” بعد ما كانت الحكومة الأذربيجانية حذرة في تناول مثل هذه المطالب خوفًا من إثارة غضب إيران ولكن تخلت أذربيجان عن هذا الحذر ما آثار مخاوف لدي القادة الإيرانيين واعتبار ذلك مساسًا بالأمن القومي لبلادهم وغير ممكن التهاون معه ، فبدأت أصوات إيرانية تنادي بضرورة مراجعة معاهدتي “تركمانشاي وجولستان” وظهرت أصوات متزايدة بين بعض المسئولين الإيرانيين تنادي بضرورة توجيه ضربة عسكرية محدودة لأذربيجان لرد اعتبار إيران وإعطاء درس لأذربيجان في عدم تخطي حدودها مع طهران .

وقد جاءت حادثة السفارة الأذربيجانية في طهران التي وقعت في يناير 2023 عندما قام مسلح بقتل رئيس أمن السفارة وجرح اثنين آخرين لتزيد الأمور تعقيدا بين البلدين فأغلقت باكو سفارتها في طهران وأجلت موظفيها الدبلوماسيين خاصة وأن التفسير الإيراني لهذه الحادثة كان غير مقنع بالنسبة لأذربيجان حيث أكدت السلطات الإيرانية حينها أن الهجوم كان لخلافات شخصية ، وفي إبريل 2023 طردت أذربيجان 4 دبلوماسيين إيرانيين من باكو وبعد شهر طردت إيران 4 دبلوماسيين أذربيجانيين كانوا يعملون في سفارة أذربيجان في طهران وقنصليتها في مدينة تبريز الشمالية الغربية فقد أدي كل إلي تفاقم حدة التوترات بين البلدين المستمرة بينهما منذ فترة طويلة .

التحوط الاستراتيجي:

بجانب الخلافات الحدودية التي قررت أذربيجان تحديد علاقاتها مع إيران من خلالها كان تطوير باكو لعلاقاتها مع إسرائيل العدو الأول لإيران وكذلك مع تركيا المنافس الإقليمي آثار سلبية مضاعفة في مسار العلاقة بين باكو وطهران وهو ما يمكن تناوله من خلال الأتي :

(*) العلاقات الأذربيجانية الإسرائيلية: عارضت إيران وبشدة العلاقات بين أذربيجان وإسرائيل حيث ترجع العلاقات الدبلوماسية بينهما منذ أبريل 1992 أي بعد نحو 6 أشهر فقط من إعلان أذربيجان إستقلالها ، وقد ساعد تبني “أذربيجان ” للعلمانية ومحاربتها للإسلام السياسي في توسيع علاقاتها والتقارب مع “إسرائيل” في عدة أصعدة. فوفق ما جاء بتقرير لمجلة ” فورين بوليسي ” لعام 2012 نجد أن إسرائيل قد زادت من تواجدها العسكري في القواعد الجوية بهدف التجسس علي إيران وأن القوات الإسرائيلية قد تستخدم قاعدة “سيتالشاي” العسكرية الجوية الواقعة علي بعد 500 كيلومتر من الحدود الإيرانية لشن ضربات جوية ضد البرنامج النووي الإيراني.

وعليه تري إيران أن إسرائيل تستخدم علاقاتها مع أذربيجان لتهديد أمنها القومي وللتجسس عليها خاصة مع تزايد عدد الهجمات على البنية التحتية النووية الإيرانية واغتيال العلماء النوويين كـ”محسن فخري زاده ” في عام 2020، فقد سبق لإيران أنها اتهمت أذربيجان بإيواء إسرائيليين بالقرب من حدودها الشمالية الغربية كما حملت إسرائيل المسئولية عن هجمات استهدفت برنامجها النووي انطلاقا من أذربيجان ، واتهمت إيران أذربيجان أكثر من مرة خلال السنوات الماضية بتقديم تسهيلات لجهاز الموساد الإسرائيلي لا سيما في ما يتعلق باغتيال علماء نوويين إيرانيين وتوجه بعض المنفذين إلى أراضيها قبل سفرهم إلى إسرائيل، وعلى مدى السنوات الأخيرة وقعت تفجيرات ونشبت حرائق عدة في مراكز عسكرية ونووية إيرانية وقد أكدت الحكومة في بعض الحالات أن هذه الانفجارات كانت متعمدة وفي إطار ذلك أكد مسئولون إسرائيليون في تصريحاتهم بشكل عام أن تل أبيب نفذت عمليات داخل إيران استهدفت برنامجها النووي والعسكري.

 وعلي الرغم من نفي أذربيجان لتلك الإدعاءات الإيرانية، وتأكيدها على أنها لن تسمح باستخدام أراضيها لمهاجمة جارتها إيران، إلا أن المسئولين الإيرانيين دائماَ ما يتحدثون عن سماح أذربيجان لإسرائيل باستخدام مطاراتها العسكرية لشن الهجمات على إيران، وزادت هذه الشكوك الإيرانية بعد انتصار أذربيجان في حرب “ناغورني قره باغ الثانية” في عام 2020 حيث يعود هذا الانتصار إلى ترسانة الأسلحة الإسرائيلية والتركية في المقام الأول، فقد استفادت “باكو” من التكنولوجيا العسكرية الإسرائيلية أثناء حربها مع أرمينيا وبالأخص الطائرات المُسيَّرة فضلاً عن أن المنظَّمات الداعمة لإسرائيل تلعب باستمرار دوراً أساسياً في دعم جهود الضغط الأذربيجانية داخل أروقة واشنطن وهو دور موجَّه بدرجة كبيرة لتحييد جماعات الضغط الأرمينية المنافسة وانتقادات حقوق الإنسان الموجَّهة لـ “باكو”.

وقد تصدرت طبيعة العلاقات الإستراتيجية بين أذربيجان وإسرائيل أهمية قصوى إقليمياً فإن توطيد العلاقات بين إسرائيل وأذربيجان يوفر لتل أبيب فرصة لتعميق وجودها ونفوذها في مجالات الأمن والاستخبارات بما في ذلك استخدام أراضي أذربيجان لنشاط إسرائيلي ضد أهداف في إيران ، حيث أن في سياق توطيد العلاقات بين باكو وتل أبيب نقلت صحيفة إسرائيل اليوم عن مصدر أمني إسرائيلي قوله بإن السبب في علاقة إسرائيل الجيدة مع أذربيجان لا يتعلق فقط بحدودها مع إيران بل كونها دولة مسلمة أرادت علناً إقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل وتعزيز العلاقات في مجال الطاقة وبيع النفط لإسرائيل بسعر منخفض ، فيري خبراء إسرائيليون أن توطيد العلاقات مع أذربيجان هو إنجاز كبير لأنها دولة غنية بالطاقة كما أنها مركز ضخم لنقل الطاقة إلي أوروبا والشرق الأوسط ، كما أنه وفي المقابل حصلت أذربيجان علي أسلحة متطورة ومعرفة استخباراتية وتكنولوجيا عسكرية وتأمين الحدود وكذلك دعم سياسي من إسرائيل وهو أمر مهم بالنسبة لأذربيجان .

(*) العلاقات الأذربيجانية التركية: تركيا وإيران قوتان إقليميتان لهما نقاط ومراكز نفوذ على بعض الدول في منطقة الشرق الأوسط ووسط آسيا وكلا الدولتين تتنافسان على حماية وتوسيع مناطق نفوذهما في (أذربيجان، أرمينيا، جورجيا، كازاخستان، قيرغيزستان، أوزبكستان، طاجاكستان، تركمانستان) حيث غالبية سكان هذه الدول من القومية التركية فضلاً عن أن لهذه الدول أهمية اقتصادية لامتلاكهم احتياطيات ضخمة من الغاز والبترول وبخاصة أذربيجان وتركمانستان ، فكان من المقلق لدي إيران التوسُّع الواضح للدور الإقليمي لتركيا وبالأخص نفوذها المتعاظم في أذربيجان .

حيث تحاول كل من تركيا وأذربيجان تأسيس ممر “زنغزور” المخطط عبوره من أراضي ولاية زنغزور الأرمينية التي تفصل بين البرّ الرئيسي لأذربيجان وإقليم “ناختشيفان “الأذربيجاني ذاتي الحكم المحاذي لتركيا. ومن الجدير بالذكر أن القضية الأساسية للصراع بين الأطراف الإقليمية والدولية في المنطقة الواقعة بين أذربيجان وأرمينيا هي المنافسة الجيوسياسية على موارد وخطوط الطاقة والأداة الرئيسية لهذا الصراع هي إثارة النزاع القومي العرقي، وتؤيد تركيا وتدعم إنشاء هذا الممر لأنه سيمكنها من ربط الدول التركية ببعضها البعض ويمنحها وصولاً إضافياً إلى تركمنستان والدول الأسيوية الأخرى عبر بحر قزوين متجاوزة إيران بالكامل ما يلغي حاجة تركيا لإيران في هذه المسألة.

تحسُن مرهون:

تحسنت العلاقات بين إيران وأذربيجان مؤخراً خلال عهد الرئيس الإيراني السابق ” إبراهيم رئيسي”، حيث افتتحت إيران وأذربيجان سد ” قيز قلعة سي ” علي نهر” أراس” الحدودي المشترك في شمال غربي إيران وذلك في مايو الماضي ما عده البعض رمزاً للصداقة والمودة بين البلدين، وقد حضر الافتتاح الرئيس الأذربيجاني ” إلهام علييف “، حيث أكد ” رئيسي ” خلال الحفل حينها إن العلاقة بين طهران وباكو تتجاوز حد الجوار وأنها ” غير قابلة للكسر” علي حد تعبيره ،وقد توفي ” إبراهيم رئيسي ”  ووزير خارجيته ” أمير حسين عبد اللهيان ” في حادث تحطم مروحية عقب هذا الحفل مباشرة فكانت أذربيجان هي الوجهة الأخيرة للرئيسي الإيراني السابق إبراهيم رئيسي قبل وفاته في 19 مايو الماضي.

لقد أثار الإعلان عن فوز المرشح الإصلاحي ” مسعود بزشكيان ” في الانتخابات الرئاسية الإيرانية التي تمت بصورة طارئة عقب وفاة الرئيس السابق ” إبراهيم رئيسي” بعد حصوله علي 54% من أصوات الناخبين خلال الجولة الثانية للانتخابات عدة تساؤلات حول مسار العلاقات الخارجية الإيرانية في المرحلة المقبلة وذلك من عدة نواحي بعضها يتعلق بالعلاقات الإيرانية الغربية والملف النووي الإيراني وكذلك علاقاتها الدولية والإقليمية لاسيما العلاقات الإيرانية الأذربيجانية ، فقد أشار بعض المحللون إلي أن الرئيس الإيراني الجديد سيعمل جاهداً لإحداث تغيير في الملفات السياسية الإيرانية وعلاقاتها الدولية والإقليمية وخاصة لأنه وعد بالانفتاح علي المنطقة والجوار وأنه سيمد يد الصداقة للجميع مما قد يوحي بسعيه نحو تحسين العلاقات ويد مد التعاون مع الجانب الأذربيجاني مستكملاً في ذلك مسار الرئيس السابق ” إبراهيم رئيسي” ، وأنه قد يعمل علي تمكين الدبلوماسيين الأكثر خبرة في إيران للتعامل مع العالم الخارجي فإن أسلوب الرئيس ” بزشكيان ” ولهجته سواء في الأمور المحلية أو الأجنبية سيكون أمراً مهم ، فعلي الرغم من أن المرشد الإيراني ” علي خامنئي” هو من يتولى كل القرارات المتعلقة بشؤون الدولة العليا إلا أن الرئيس يمكنه التأثير من خلال ضبط إيقاع السياسة الإيرانية لاسيما الخارجية .

وقد هنأ الرئيس الأذربيجاني ” إلهام علييف” الرئيس الإيراني ” مسعود بزشكيان ” عقب فوزه في الانتخابات وأكد “علييف” علي أنه يولي العلاقات مع إيران والتي تعود إلي الجذور الدينية والثقافية المشتركة والصداقة والإخوة بين البلدين الكثير من الاهتمام، كما عبر عن ارتياحه لتطور التعاون الثنائي بين البلدين في العقود الأخيرة قائلاً بأن الاتفاقيات المُبرمة بين البلدين تهدف إلي تعزيز العلاقات الإيرانية – الأذربيجانية وهي قائمة علي الاحترام المتبادل وحسن الجوار وخدمة شعبي البلدين من أجل تحقيق التنمية المستدامة وضمان أمن المنطقة بأكملها ، ودعي الرئيس ” علييف ” الرئيس ” بزشكيان ” لزيارة العاصمة الأذربيجانية باكو لتبادل وجهات النظر حول آفاق تطوير التعاون الثنائي بين البلدين، وقد استأنفت سفارة أذربيجان في طهران عملها في 15 يوليو الحالي بعد أكثر من عام من المفاوضات بين البلدين لتخفيف التوترات مما قد سُيسهم في تعزيز العلاقات بين أذربيجان وإيران بشكل أكبر علي أساس الاحترام المتبادل وحسن الجوار وتنفيذ الاتفاقيات التي تم التوصل إليها بين البلدين وحل القضايا التي تحتاج إلي معالجة .

وختاماً، نجد أن هناك عدة مؤشرات إيجابية تدل علي رغبة الرئيس الإيراني الجديد “بزشكيان” في الانفتاح علي المنطقة ودول الجوار وكذلك الترحيب من الجانب الأذربيجاني بتطوير التعاون الثنائي مع إيران تحت قيادة الرئيس ” بزشكيان” علي عدة أصعدة لضمان أمن المنطقة وتخفيف حدة التوترات بين البلدين ، فمن المحتمل أن تشهد الفترة المقبلة علاقات تعاونية بين كلا البلدين والعمل علي احتواء قضايا الخلاف بينهما  خاصة وأن الرئيس الإيراني الإصلاحي الجديد ” بزشكيان ” ذو أصول تركية أذرية كما أن نتائج الانتخابات قد أظهرت أنه تقدم في المحافظات التركية الأذرية بنسبة 88.9% من الأصوات وكذلك محافظة أذربيجان الشرقية بنسبة 81.8% ما يمثل مؤشراً إيجابياً لخلق علاقات تعاونية بين إيران وأذربيجان خلال فترة رئاسة “مسعود بزشكيان” لإيران، كما رأي بعض الخبراء أن قانون دفاع أرمينيا لعام 2023 الذي بموجبه سيتم حظر تصدير الأسلحة والمساعدات العسكرية الأمريكية إلي أذربيجان الذي تم إقراره في الكونجرس الأمريكي سيدفع أذربيجان إلي إتباع سياسة التقارب مع إيران للضغط علي واشنطن ، وعلي الرغم من ذلك وفي ظل الأزمات الدولية والإقليمية الراهنة خاصة الحرب في غزة والتصعيد الإسرائيلي فقد يُطرح تساؤل عن مدي إمكانية استخدام إسرائيل لورقة أذربيجان خاصة في ظل العلاقات الجيدة بين البلدين للضغط علي إيران ما قد يشكل تحدي أمام مسار العلاقات بين إيران وأذربيجان في المرحلة المقبلة؟.

د. جهاد نصر

رئيس برنامج دراسات الجيوبوليتيك بالمركز- مدرس مساعد بقسم العلوم السياسية جامعة ٦ أكتوبر، متخصصة في مجال الجيوبوليتيكس، وشئون الأمن الإقليمي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى