كيف تهدد قدرات الحوثي العسكرية الداخل الإسرائيلي؟
في فجر يوم الجمعة الموافق 19 يوليو الجاري 2024، انفجرت مسيّرة مفخخة في وسط تل أبيب بالأراضي الفلسطينية المحتلة، وعلي بُعد عدة أمتار من مبني السفارة الأمريكية دون تفعيل صفارات الإنذار، وبحسب هيئة البث الإسرائيلية، فقد أدي الانفجار إلي مقتل إسرائيلي وإصابة ثمانية أشخاص تقريباً. وأعلن المتحدث باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي في مؤتمر صحافي “إن التحقيق الأولي أظهر أن المسيّرة إيرانية الصنع من طراز (صماد3) واستخدمت في الهجوم الذي انطلق من اليمن بحسب تقديرنا”. وأضاف أن “هذه المسيّرة قد تم تحديثها لزيادة مداها” متهماً “إيران بتقديم الدعم المالي والأسلحة إلى وكلائها في المنطقة، من غزة والضفة الغربية ولبنان وسوريا واليمن، كما حدث الليلة الماضية”.
وأعلن تنظيم الحوثي في اليمن صباح الجمعة مسئوليته عن استهداف تل أبيب بطائرة مسيّرة، رداً علي المجازر الإسرائيلية بحق الفلسطينيين في قطاع غزة. وصرّح المتحدث العسكري باسم التنظيم العميد يحيى سريع في بيان قائلاً “نفذَ سلاح الجو المسيّر في القوات المسلحة اليمنية عملية عسكرية نوعية تمثلت في استهداف أحد الأهداف المهمة في منطقة يافا المحتلة، ما يسمى إسرائيلياً تل أبيب”. ولفت سريع إلى أن الهجوم “نُفّذ بطائرة مسيرة جديدة اسمها (يافا) وهي قادرة على تجاوز المنظومات الاعتراضية للعدو ولا تستطيع الرادارات اكتشافها”.
وعليه، ما هي أبعاد هذه الضربة؟ هل تعني أن الحوثي ما زال محافظاً علي قدراته العسكرية حتي الآن، بل وطوّر منها علي الرغم من تكوين تحالف أمريكي بريطاني لمواجهته في البحر الأحمر؟ وهل تؤدي تطورات هذا المشهد إلي تفاقم حدة القتال بالمنطقة والانجرار نحو حرب موسعة؟
تطور المشهد:
منذ نوفمبر الماضي 2023، يشن تنظيم الحوثي، العديد من الهجمات بالصواريخ والطائرات المسيّرة على سفن تجارية في البحر الأحمر وبحر العرب، بالتحديد تلك التابعة للكيان الصهيوني أو المتجهة إليه، وقال المتحدث العسكري للتنظيم منذ أول بيان له أن ذلك يأتي “دعماً للفلسطينيين في قطاع غزة في ظل الحرب الإسرائيلية الدائرة منذ السابع من أكتوبر الماضي”. وخلال الأشهر الماضية، أعلن الحوثيون عن استهداف مدينة إيلات ومينائها في الأراضي الفلسطينية المحتلة أكثر من مرة، ضمن عمليات منفردة أو بالاشتراك مع فصائل أخري في محور المقاومة، لكن الهجمة الحوثية التي تمت يوم الجمعة الماضي تُعد المرة الأولى التي يتم فيها استهداف تل أبيب، ودون أن تعمل صفارات الإنذار. وفي هذا الإطار نشير إلي ما يلي:
(*) القدرات العسكرية للحوثي: يمتلك التنظيم ترسانة قوية من الصواريخ الباليستية بعيدة المدي والطائرات المسيرّة ما يجعل له اليد الطولي حتي الآن في السيطرة علي البحر الأحمر وهذا ما ثبت بالفعل خلال الأشهر الماضية، ومؤخراً توجيه ضربات فعالة للأراضي المحتلة.
وعلي الرغم من أن الأرقام الخاصة بهذه الترسانة غير معلنة، إلا أنه يبدو أن الجماعة لديها ما يكفي للاستمرار في هجماتها ضد الكيان الصهيوني وداعميه وتنفيذ تهديداتها، رداً علي عربتده ووحشيته.
وكان يُعتقد بأن الضربات الأمريكية البريطانية للحوثيين في البحر الأحمر وفي الأراضي اليمنية ستقوض من نشاط هذا التنظيم، ولكن يبدو أنه اعتقاد في غير محله، فالحوثي ما زال بكامل قوته. وفي هذا السياق كشفت صحيفة (وول ستريت جورنال) الأمريكية عن السر وراء احتفاظ جماعة الحوثي في اليمن بقدراتها العسكرية من الأسلحة والمعدات الكافية لشن هجمات متواصلة بالبحر الأحمر. حيث وفقاً للتقرير يبدو أن التنظيم تمكن من إيجاد طرق جديدة لجلب المعدات التي يحتاج إليها، فبدلاً من جلب الأسلحة مباشرة من إيران، وجد الحوثي طرقاً جديدة عبر جيبوتي الواقعة شرقي إفريقيا، حيث أن الأسلحة تنتقل من الموانئ الإيرانية إلى السفن التي تنطلق نحو جيبوتي، قبل تحركها إلى اليمن، كما يستخدم الحوثيون، طبقاً التقرير أيضاً لبنان، كمركز لشراء قطع غيار الطائرات المسيّرة، التي تأتي من الصين.
كما أنه في تقرير سابق لصحيفة (تليغراف) البريطانية، أوضحت فيه أن “تهديد الحوثي يرتكز على قدراته المتقدمة تقنياً في مجال الضربات البحرية، والتي تم إطلاقها بالفعل في سلسلة من الهجمات ضد السفن التجارية الدولية في البحر الأحمر، رداً على العدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة، منذ السابع من أكتوبر الماضي”. ولفتت إلي أن “المشكلة الرئيسية التي تواجه التحالف القائم بقيادة واشنطن، ليست صعوبة اعتراض صواريخ الحوثيين والطائرات بدون طيار في حد ذاتها، بل تكلفة القيام بذلك وعدم التطابق بين الفعالية التكتيكية والاستراتيجية”. ونقلت الصحيفة عن المعهد الملكي للخدمات المتحدة، إن “الحوثيين خصم مثابر وحازم، ومن غير المرجح أن يوقفوا ضرباتهم لمجرد أنها غير فعالة”.
أما فيما يتعلق بالضربة الأخيرة التي وُجهت إلي الكيان المزعوم في الأراضي المحتلة، فقد خرج عبدالملك الحوثي زعيم الحوثيين باليمن، اليوم الأحد 21 يوليو بتصريح ذكر فيه الآتي: “كل عمليات الحوثيين في اليمن كانت مؤثرة حتي تم إعلان إفلاس ميناء أم الرشراش” وأكد علي أننا “أضفنا أسلحة جديدة قمنا بتطويرها في معركة دعم غزة حسب متطلبات المرحلة، وأن الطائرة المستخدمة في الهجوم علي تل أبيب هي صناعة يمنية”. واستكمل “أن هدف الهجوم الإسرائيلي علي الحُديدة هو هدف استعراضي وان إسرائيل تعمدت استهداف مواقع اقتصادية لكي تضر بالشعب اليمني”.
(*) تصاعد لغة التهديد: بعد إعلان الحوثي مسئوليته عن هذه الضربة، لم يكتفِ بذلك، بل صرّح المتحدث العسكري للتنظيم، قائلاَ أن “القوات المسلحة اليمنية تُعلن منطقة يافا المحتلة منطقة غيرَ آمنة وستكون هدفا أساسياً في مرمى أسلحتنا وإننا سنقوم بالتركيز على استهداف جبهة العدو الصهيوني الداخلية والوصول إلى العمق”. وهذا يعد تطورا خطيرا علي مستوي التصريحات. ما أدي إلي قيام الكيان الصهيوني المحتل باستهداف ميناء الحُديدة غربي اليمن، حيث منشآت تخزين الوقود ومحطة كهرباء كبيرة. وتعهدت جماعة الحوثي بالرد علي ذلك أيضاً حيث أعلن المجلس السياسي الأعلي للجماعة بأنه “سيكون هناك رد مؤثر علي الغارات الجوية الإسرائيلية علي ميناء الحُديدة”. وبدوره قال المتحدث العسكري باسم الجماعة، مساء السبت إننا “لن تتردد في مهاجمة أهداف حيوية في إسرائيل، ونعد العدة لمعركة طويلة الأمد مع إسرائيل”. كما كتب محمد عبدالسلام المتحدث باسم الحوثيين علي منصة (إكس) للتواصل الإجتماعي أن “اليمن تعرض لعدوان إسرائيلي غاشم وأن هذا الهجوم سيزيدنا إصراراً وبشكل تصاعدي علي مساندة غزة”.
وختاماً، يمكن القول، إن الغطرسة الصهيوأمريكية التي تُمارس في منطقة الشرق الأوسط واستمرار آلة الحرب الصهيونية في إبادة قطاع غزة والتنكيل بالشعب الفلسطيني في الداخل المحتل، ستؤدي لا محالة إلي تغيير قواعد اللعبة في المنطقة، سيما قواعد الاشتباك المتعارف عليها. فمنذ بدء العدوان الإسرائيلي علي قطاع غزة، أعلنت جماعة الحوثي باليمن عن الوقوف بالمرصاد لهذا الكيان الصهيوني المزعوم، وبدأت بالعديد من المناوشات المؤثرة، رداً علي ما يرتكبه من جرائم، ثم تطور الأمر لسيطرة الحوثي الكاملة علي الملاحة في البحر الأحمر، ويبدو أن هجمات وضربات التحالف المضاد له لم تُضعف قدرات التنظيم، بل عاد وبقوة ليضرب عمق الأراضي المحتلة. ما يعني أننا بصدد سيناريو تصاعدي للأوضاع في المنطقة ولكن لم تكتمل أبعاده بعد.
ولمعرفة المزيد عن تأثير الحوثي في معادلة الحرب الإسرائيلية علي قطاع غزة، يمكن الرجوع إلي هذا الرابط: