احتمالات التغيير.. ماذا بعد فوز بزشكيان برئاسة إيران “؟
فاز المرشح الإصلاحي مسعود بزشكيان الداعي إلى الانفتاح على الغرب، بانتخابات الرئاسة في إيران في ظل أدني نسبة مشاركة شعبية في تاريخ الجمهورية الإسلامية، في الجولة الثانية من الانتخابات التي جرت الجمعة 5 يوليو الجاري 2024، أمام المرشح المحافظ المتشدد سعيد جليلي. وحصل بزشكيان على نسبة 53.6 بالمئة من الأصوات فيما حصل جليلي على نسبة 44.3 بالمئة، بحسب النتائج النهائية التي أعلنتها السلطات الانتخابية الإيرانية. وفي أول تصريح لبزشكيان عقب فوزه، قال على منصة إكس “الطريق الصعب أمامنا لن يكون سهلاً إلا برفقتكم وتعاطفكم وثقتكم، أمد يدي لكم”. ولم يكن من المتوقع أن يتمكن بيزشكيان النائب البرلماني عن تبريز، أكبر مدينة في شمال غرب إيران، من تحقيق هذه النتيجة عندما قبل مجلس صيانة الدستور طلب ترشحه مع خمسة مرشحين آخرين، كلهم من المحافظين والمحافظين المتشددين، للانتخابات الرئاسية المبكرة.
إن فوز مسعود بزشكيان بهذه الانتخابات لم يأت نتيجة موافقة الإيرانيين على استمرار سياسات النظام، بل بسبب أكبر موجة من المعارضة وعزوف شعبي عن المشاركة في الحياة السياسية جراء سياسات النظام المتشددة. وبالتالي التأكيد علي محاولة إسقاط شرعية هذا النظام. وربما هذا ما أكدته نسبة المشاركة المتدنية.
وعليه، ما هو رد الفعل الإيراني علي نجاح بزشكيان؟ وماذا يعني وصول رئيس إصلاحي للسلطة في الجمهورية الإسلامية؟، وهل لديه القدرة حقاً علي التغيير في ظل نظام ولاية الفقيه، أم سيظل مقيداً في إطار صلاحياته فقط وفي إطار السلطات العليا في البلاد؟.
مستويات رد الفعل:
رحّب العديد من الإيرانيين بفوز مسعود بزشكيان برئاسة إيران، فيما اعتبر آخرون أن ذلك لن يُحدث أي تغيير حيث أن صلاحيات الرئيس في إيران محدودة، إذ تقع مسئولية الحكم وصنع القرار في الجمهورية الإسلامية على عاتق المرشد الأعلى الإيراني الذي يُعتبر رأس الدولة، يليه الحرس الثوري الإيراني، أما الرئيس فهو مسئول على رأس حكومته عن تنفيذ القرارات وتطبيق السياسات التي يضعها المرشد الأعلى. وقد أوصى المرشد علي خامنئي، الرئيس المنتخب بزشكيان في رسالة تهنئة “باستخدام القدرات العديدة للبلد خاصة الشباب الثوريين لدفع الجمهورية الإسلامية إلى الأمام”.
ووففاً للخبراء فقد صوّت الناخبين لبزشكيان رغبة في الخروج عن نمط الانتخابات التي لطالما سيطر التيار المحافظ عليها، كما يأمل مناصروه أن يتمكن من إحداث تغييراً للأفضل ومن حل بعض من مشكلات البلاد الداخلية، خاصة الاقتصادية. وعلي الرغم من أنه ليس شخصية بارزة في معسكر الإصلاحيين والمعتدلين الذين تراجع تأثيرهم في مواجهة المحافظين في السنوات القليلة الماضية، إلا أنه تمكن من كسب دعمهم، وكذلك تأييد الرئيسين السابقين محمد خاتمي وحسن روحاني، و وزير الخارجية السابق محمد جواد ظريف، مهندس الاتفاق النووي الذي تم التوصل إليه في عام 2015 بين إيران والقوى الكبرى.
ولكن علي الصعيد الآخر يؤكد العديد من الخبراء أن بزشكيان سيواجه تحديات كبرى، خاصة أن المعسكر المحافظ ما زال يسيطر غالبية المؤسسات الحكومية. وأن معالجة قضية الحجاب التي تعد من القضايا البارزة في المجتمع الإيراني أو أيى قضية أيديولوجية ليست من اختصاصات الرئيس، وإنما من اختصاص الشريعة الإسلامية. لذا من المحتمل أن بزشكيان سيواجه معركة شاقة بغية ضمان الحقوق الاجتماعية والسياسية والثقافية في الداخل، وكذلك الانخراط الدبلوماسي مع الخارج، سيما ما يتعلق بالبرنامح النووي الإيراني. لذا قدم بزشكيان نفسه على أنه “صوت الذين لا صوت لهم”، ويدعو إلى إيجاد حل دائم لقضية إلزامية الحجاب، أحد أسباب حركة الاحتجاجات الواسعة التي شهدتها البلاد في عام 2022، عقب مقتل الفتاة مهسا أميني. كما تعهد أيضا بالعودة إلي المفاوضات مع الولايات المتحدة الأمريكية حول الملف النووي الإيراني .
تجربة متكررة:
إن تجربة رئيس إصلاحي ليست بجديدة على إيران، حيث كان هناك الرئيس حسن روحاني وهو إصلاحي أيضاً ومع ذلك لم تشهد البلاد تغييراً ملموساً. وبشكل عام الرئيس الإيراني سواء كان إصلاحياً أو محافظاً فلابد أن يكون خاضعاً مطيعاً للولي الفقيه ومؤسساته ومفردات الثورة الإسلامية كاملة. كما أن مؤسسة الرئاسة تعد أدنى مرتبة من مؤسسة الحرس الثوري الإيراني التابعة مباشرة إلى المرشد الأعلى، وبالتالي محاولة إظهار أي مسار ديمقراطي في هذا النظام المتشدد، سيما في الداخل لاشك أنه سيكون أشبه بإكذوبة. وبالتالي لا فرق بين محافظ وإصلاحي إلا على مستوى الخطاب الموجه إلى العالم الخارجي.
وهنا يثار تساؤل هام وهو، هل حقاً للديمقراطية الإيرانية معني في ظل هيمنة وسيطرة نظام ولاية الفقيه ومؤسساته على مقاليد الحكم والقرار السياسي في البلاد؟
الديمقراطية في إيران ليست فرصة للتغيير أو الإصلاح حتي لو كان الرئيس من الإصلاحيين أو المعتدلين، فمن يتولي هذا المنصب لا يفكر في التغيير بقدر تفكيره في إثبات ولائه المطلق للنظام ولمبادئ الثورة، ولا يتم ذلك إلا عن طريق التصالح مع مؤسسات هذا النظام وعلي رأسها مؤسسة الحرس الثوري، التي تبسط أذرعها علي كافة مفاصل الدولة داخلياً وخارجياً، سياسياً واقتصادياً وأمنياً ودينياً. لذا لا معني حقيقي هنا لعملية الديمقراطية أو الإصلاح، وإنما هي محاولة لخداع الرأي العام الإيراني الذي سبق له وأن عبر عن استيائه من القمع كبت الحريات في البلاد وبخاصة حرية المرأة. وبزشكيان رغم كونه إصلاحياً لن يجرؤ على إطلاق الحريات العامة، فهو أيضاً محكوم بصلاحيات محدودة ولا يعمل بحرية في ظل سلطات النظام الإيراني المتشدد.
سلطات مؤثرة:
(1)- الولي الفقيه: يمثل نظام الولي الفقيه في إيران سلطة عليا معصومة ومتحكمة في كافة القرارات الهامة داخل البلاد وخارجها، كما تضع سقفاً لا يُسمح لأحد بتجاوزه، هذا النظام أسسه آية الله الخميني، إلي جانب الالتزام بكافة مبادئ الثورة الإسلامية، ويسير علي دربه علي خامنئي. ومن غير المرجح أن يمس مسعود بزشكيان أي مبدأ من المبادئ التي يقوم عليها النظام حتي وإن كان هنالك انتقاد سابق منه لبعض سياساته. وربما هذا ما قد يدفعنا إلي أن سيناريو التغيير المأمول قد يكون محدوداً وفي إطار المسموح به فقط كبعض الإصلاحات الداخلية في المجتمع الإيراني.
كما تشير بعض آراء الخبراء الباحثين في الشأن الإيراني إلي أنه قد يكون هناك توجه لدى “المرشد الأعلى” للإتيان ببزشكيان إلى كرسي الرئاسة بهدف الحد من تفاقم الأوضاع داخلياً وكنوع من أنواع التهدئة أو الاحتواء للرأي العام. لذا لم يكن ليُسمح بترشح بزشكيان من البداية لو كان هناك شك في أنه يمكن أن يثير أي نوع من البلبلة أو المشكلات في حال وصوله إلى الرئاسة.
(2)- الحرس الثوري: كما ذكرنا سلفاً أن سلطة الحرس الثوري تأتي في المرتبة الثانية بعد المرشد الأعلي الإيراني إلي جانب النفوذ والسيطرة علي كافة مفاصل البلاد، وبالتي تتوافق سياسات المرشد مع الحرس الثوري. ومن المرجح أن تستمر كما هي حتي في وجود رئيس إصلاحي لن يستطيع حتي مجاراة هذه المؤسسة.
ختاماً، إن فوز مسعود بزشكيان بالانتخابات الرئاسية في إيران لن يغير شيئاً في النظام ما دامت الفكرة الأولي القائم عليها هي”تصدير الثورة”، وهي فكرة لا تعنى سوى الهروب المستمر من الأزمات الداخلية العميقة التي يواجهها النظام إلى خارج حدود البلاد. كما أن القرار الأول والأخير وسياسات البلاد في يد المرشد يليه الحرس الثوري بصلاحيات واسعة مطلقة، في ظل صلاحيات محدودة لمنصب الرئيس. وبزشكيان أكد في أكثر من مرة في المناظرات التلفزيونية ولقاءاته الصحافية أنه “لن يكون إلا منفذاً لخطط وسياسات المرشد الأعلي الإيراني واستمراراً لحكومة الرئيس الراحل إبراهيم رئيسي”.