الانعكاسات المتشابكة: تأثير صعود اليمين المُتطرف علي الدور الروسي في أفريقيا
تترقب الأوساط الأوروبية وخاصة الفرنسية الجولة الثانية من الانتخابات التشريعية الفرنسية المقرر عقدها يوم 7 يوليو الجاري، خاصة بعد صعود حزب “التجمع الوطني” اليميني في الجولة الأولي من الانتخابات، وتصدر أحزاب “اليمين المتطرف” انتخابات البرلمان الأوروبي، وذلك بالتزامن مع وجود العديد من الأحزاب اليمينية الداعمة لروسيا، وخاصة حزب “البديل من أجل ألمانيا” الذي يرغب في تأسيس فصيل جديد موالي لروسيا يُطلق عليه اسم “أصحاب السيادة في البرلمان الأوروبي، فضلاً عن التصريحات الروسية الرسمية الداعمة للسياسات التي تتبناها زعيمة حزب “التجمع الوطني” والإثناء علي النجاح الذي حققته المعارضة اليمينية، حيث ترغب روسيا في نجاح اليمين المتطرف لتحقيق طموحاتها بتوسيع نفوذها في أوروبا عامة وأفريقيا خاصة مستغلة التراجع الغربي. وعليه، يثار تساؤل رئيسي، وهو: ما مدي تأثير صعود اليمين المتطرف علي الدور الروسي في أفريقيا؟.
صعود مُقلق:
تصدر اليمين المطرف الصحف العالمية خلال الأيام القليلة الماضية، عقب تصدر حزب “التجمع الوطني” اليميني المتطرف في 30 يونيو 2024 نتائج الدورة الأولي من الانتخابات التشريعية الفرنسية المبكرة التي دعا لها الرئيس الفرنسي “إيمانويل ماكرون” في 9 يونيو الماضي، وذلك بعد صعود حزب “التجمع الوطني” الفرنسي في انتخابات البرلمان الأوروبي الذي عُقد الشهر الماضي، حيث حصد حزب “التجمع الوطني ” بقيادة “جوردان بارديلا” علي 31.37% من أصوات البرلمان الأوروبي، الأمر الذي أدي إلي قيام الرئيس الفرنسي “إيمانويل ماكرون” بحل البرلمان ودعا لعقد انتخابات برلمانية جديدة في يومي 30 يونيو و7 يوليو 2024، خوفًا من تصدر أحزاب اليمين المتطرف دول الاتحاد الأوروبي.
وعليه، جاءت نتائج الدورة الأولي من الانتخابات التشريعية الفرنسية عكس توقعات “ماكرون”، حيث تصدر حزب “التجمع الوطني” للمرة الثانية بقيادة “مارين لوبان” وحلفائها المشهد الانتخابي الفرنسي بحصد 33% من الأصوات، بينما جاء ائتلاف الجبهة الشعبية الجديدة اليسارية في المركز الثاني بنسبة 28%، أما تحالف الوسط الذي يقوده الرئيس الفرنسي تراجع إلي المركز الثالث بنسبة 20% من الأصوات، وشهد هذا الاقتراع أعلي نسبة مشاركة بنحو 68%، وهي الأعلى منذ عام 1997، وفقًا لوكالة الصحافة الفرنسية.
ومما سبق، دعا ماكرون إلي “تحالف ديمقراطي واسع” ضد اليمين المتطرف في الجولة الثانية من الانتخابات المقرر عقدها في الـ 7 من يوليو الجاري، كما حذر رئيس الوزراء الفرنسي “غابرييل أتال” من أن اليمين المتطرف أصبح علي “أبواب السلطة”، محذرًا من عدم التصويت لحزب “التجمع الوطني”؛ لأن في حال حصد الحزب الوطني علي الأغلبية المطلقة بحوالي 289 مقعدًا من 577 مقعد في الجمعية الوطنية، فهذه النتيجة سوف تُمكن الحزب من تشكيل حكومة يمينة متطرفةلأول مرة منذ الحرب العالمية الثانية بعد أن كان حزب “التجمع الوطني” منبوذاً سياسيًا لسنوات عديدة في فرنسا، وقد يتم تنصيب “جوردان بارديلا” البالغ من العمر 28 عامًا رئيسًا للوزراء، ومن ثم تنفيذ وعود الحزب التي تتضمن تفكيك سياسات ماكرون الرئيسية وبرامج السياسة الخارجية وعلي قائمة قرارات الحزب وقف تسليم فرنسا للصواريخ بعيدة المدي لأوكرانيا في الحرب ضد روسيا، حيث يربط حزب “التجمع الوطني” بروسيا علاقات قوية وتاريخية.
ويرجع السبب في تصدر أحزاب “اليمين المتطرف” نتائج انتخابات البرلمان الأوروبي عامة وفرنسا خاصة لعدة أسباب، أهمها تدهور الأوضاع الاقتصاديةوتنامي أعداد المهاجرين واللاجئين غير النظامينفي أوروبا، إضافة إلي رفض الدعم الأوروبي لأوكرانيا.
دعم ملحوظ:
بالتزامن مع الانتخابات التشريعية الفرنسية وانتخابات البرلمان الأوروبي، ظهرت العديد من الأحزاب اليمينة الداعمة لروسيا، وخاصة حزب “البديل من أجل ألمانيا”، فضلاً عن التصريحات الروسية الرسمية الداعمة للسياسات التي تتبناها زعيمة حزب “التجمع الوطني” والإثناء علي النجاح الذي حققته المعارضة اليمينية،ويتم توضيح ذلك بشكل أكثر تفصيلاً فيما يلي:
(&) دعم روسي رسمي لحزب “التجمع الوطني”: بعد تصدر حزب “التجمع الوطني” الفرنسي الجولة الأولي من الانتخابات التشريعية الفرنسية، أثنت وزارة الخارجية الروسية في 3 يوليو الجاري علي النجاح الذي حققته المعارضة اليمينية في الانتخابات التشريعية في فرنسا، والانتخابات الأوروبية، مؤكدة أن النتائج جاءت كنتيجة لعدم الثقة من الشعب الفرنسي في سياسات السلطات الفرنسية الداخلية والخارجية، الأمر الذي يؤكد دعم موسكو للحزب اليميني المتطرف، وخاصة بعد نشر الحساب الرسمي للخارجية الروسية تغريده علي موقع “أكس” تحمل صورة زعيمة حزب التجمع الوطني “مارين لوبان”، كما تتضمن التصريحات الروسية الرسمية دعم مباشر للسياسات التي تتبناها “لوبان”، في إشارة إلي إرسال رسالة غير مباشرة بالرغبة الروسية في تولي “لوبان” السلطة الفرنسية، وفي المقابل انتقدت الخارجية الفرنسية التصريحات الروسية، الأمر الذي أجبر “مارين لوبان” إلي نفي إلي علاقة تربطها بالبيان الروسي، أو أي دعم أو تدخل روسي في حملتها الانتخابية، مؤكدة مواصلة دعم حزبها لأوكرانيا لتخطي الموقف الحرج.
(&) تنامي دعم الأحزاب اليمينة لروسيا: تدعم العديد من أحزاب اليمين الأوروبي روسيا، حيث تسعي الأحزاب اليمينية إلي تقوية وتعزيز العلاقات مع موسكو، وخاصة أحزاب جمهورية سلوفيكيا الفاشية الجديدة، وحزب التحالف من أجل اتحاد الرومانيين في رومانيا، وحزب فديس في المجر، وحزب التجمع الوطني، وحزب النهضة في بلغاريا، إضافة إلي رفض عدد من السياسيين اليمينين المتطرفين في البرلمان الأوروبي التصويت علي السياسات الهادفة لمعاقبة روسيا إزاء الحرب الروسية-الأوكرانية، وبالرغم من دعم هذه الأحزاب لروسيا، فهناك أيضًا انقسامات يمينية، حيث تدعم رئيسية الوزراء الإيطالية “جورجيا ميلوني” العقوبات المفروضة علي روسيا، في حين أن زعيمة “اليمين المتطرف” في فرنسا “مارين لوبان” ترفض تسليح أوكرانيا، كما تربطها علاقات شخصية وسياسية مع بوتين، الأمر الذي يؤكد علي وجود علاقات قوية بين بوتين ولوبان، إضافة إلي رفض لوبان خطابات ماكرون التصعيدية ضد روسيا، مؤكدة أن هذه الخطابات قد تقود فرنسا إلي حرب عالمية ثالثة.
(&) الرغبة في تأسيس فصيل جديد موالي لروسيا: زادت المخاوف من دعم أحزاب “اليمين المتطرف” لروسيا، وخاصة بعد تصريحات حزب “البديل من أجل ألمانيا” التي نقلتها صحيفة “دير شبيجل” الألمانية في 22 يونيو الماضي، والتي تضمنت وجود رغبة في تأسيس فصيل جديد موالي لروسيا يُطلق عليه اسم “أصحاب السيادة” في البرلمان الأوروبي، ويرجع الهدف من تأسيس هذا الحزب إلي تقوية وتعزيز العلاقات مع روسيا، فضلاً عن التحرر من هيمنة الاتحاد الأوروبي، وقد احتل جزب “البديل من أجل ألمانيا” المرتبة الثانية من انتخابات البرلمان الأوروبي بنسبة 15.9% من الأصوات، وفقًا للجنة الانتخابات الألمانية. كما تعود فكرة تشكيل فصيل موالي لروسيا منذ مايو 2024، عقب طرد جميع ممثلي حزب البديل من فصيل الهوية والديمقراطية، نتيجة لاتهام رئيس الحزب “ماكسيميليان كرا” بأخذ أموال من استراتيجيين مواليين للكرملين، فضلاً عن الكشف عن وجود صلات لأحد المساعدين البرلمانين للحزب مع عميل استخباراتي روسي، لذلك سعي الحزب لتشكيل تحالف جديد داعم وموالي لروسيا، حيث يعارض الحزب تسليم الأسلحة إلي أوكرانيا ويدعو إلي إنهاء العقوبات المفروضة علي روسيا.
(&) محاولة التضليل الداعم لروسيا: بالرغم من العلاقات القوية بين حزب “التجمع الوطني” وروسيا، مع قرب الانتخابات التشريعية الفرنسية، ولتعزيز مصداقية الحزب علي الساحة العالمية، ولكسب أكبر عدد من الناخبين، قام حزب “التجمع الوطني” بحذف بيانًا دعا فيه الحزب إلي تقوية العلاقات الدبلوماسية مع روسيا، والابتعاد عن واشنطن الذي لا تتصرف دائما كحليف لفرنسا حسب وصف الحزب، والانسحاب من حلف شمال الأطلسي، وكان يسعي الحزب للتحالف مع روسيا بشأن قضايا الأمن الأوروبي ومكافحة الإرهاب، وجاء ذلك التصرف لمنع تكرار ما حدث في الانتخابات عام 2022، حيث كشف ماكرون آنذاك عن تصريحات “مارين لوبان” لصالح الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” الذي تربطه بها علاقات شخصية وسياسية، فضلاً عن الدعم المالي من البنوك الروسية لحزب “التجمع الوطني”.
ومما سبق، يمكن القول إن هناك علاقات قوية بين روسيا والعديد من الأحزاب اليمينية المتطرفة، التي قد تحقق طموحات موسكو بتعزيز علاقاتها في أوروبا واستغلال التوتر الغربي وتراجعه في القارة السمراء لتمدد نفوذها داخل القارة.
تأثيرات الصعود:
تثار التساؤلات بشأن مستقبل النفوذ الروسي في أفريقيا، في ظل صعود أحزاب “اليمين المتطرف” في البرلمان الأوروبي، فضلاً عن ترقب نتائج الجولة الثانية من الانتخابات التشريعية الفرنسية، التي تحدد موقف اليمين المتطرف من الانتخابات، ففي حال فوز اليمين المتطرف في الجولة الثانية من الانتخابات، سوف يكون هناك مردودات إيجابية من جهة وأخري سلبية، ويتم توضيح ذلك فيما يلي:
(&) مردودات إيجابية: في ظل تراجع النفوذ الفرنسي في القارة الإفريقية علي خلفية الانقلابات العسكرية علي الأنظمة الموالية لباريس، فضلاً عن دعم العديد من أحزاب اليمين المتطرف لروسيا ورفضهم تقديم الدعم العسكري لأوكرانيا، إضافة إلي العلاقات السياسية والتاريخية بين بوتين ولوبان، الأمر الذي قد يساعد موسكو علي تحقيق مصالحها في القارة الإفريقية، حيث يرجع اهتمام روسيا بالقارة السمراء إلي مجموعة من المصالح العسكرية والدبلوماسية والاقتصادية، ويتم توضيح كذلك علي النحو التالي:
(-) المصالح العسكرية، حيث ترغب روسيا في جعل نفسها المُصدر الأساسي للسلاح في إفريقيا، ووفقًا لمعهد “ستوكهولم” الدولي لأبحاث السلام، فإن 44% من الأسلحة التي تم بيعها للدول الإفريقية بين عامي 2017 و2021 كانت من أصل روسي. كما ترغب موسكو أيضًا في توسيع نطاق وجودها العملياتي من خلال توقيع اتفاقيات لإنشاء قواعد عسكرية جديدة، علي سبيل المثال، سعي روسيا لعقد اتفاق لإنشاء ميناء بحري في السودان.
(-) المصالح الدبلوماسية، تسعي روسيا لحشد الدعم الأفريقي الذي يمكنها من تكوين نظام عالمي متعدد الأقطاب قائم علي ضعف النفوذ الغربي، لذلك تحاول روسيا كسب الدعم الأفريقي من أجل حصولها علي أصوات مؤيدة لحربها ضد أوكرانيا؛ لإثبات نفسها قادرة علي التنافس الدولي في القارة السمراء، خاصة في ظل العقوبات الغربية المفروضة عليها.
(-) المصالح الاقتصادية، تسعي روسيا للحصول علي الموارد الطبيعية، مثل الذهب والماس واليورانيوم والنفط، في مقابل تقديم الخدمات العسكرية للدول الإفريقية من خلال “الفليق الإفريقي” الروسي.
ومما سبق، قد يهدف التقارب الروسي من الدول الإفريقية إلي حصول روسيا علي الشرعية الدبلوماسية في حربها ضد أوكرانيا، خاصة في ظل العزلة الدولية التي فرضت علي روسيا نتيجة لحربها ضد أوكرانيا، وبالتالي تسعي روسيا لاستغلال الحكومات الأفريقية التي تفتقر للأمن والتوازنات الداخلية؛ لكي تمدد من نفوذها داخل القارة السمراء مستغلة التراجع الغربي، فضلاً عن دعم العديد من الأحزاب اليمينية لسياساتها.
كما تعد روسيا أيضًا مهمة للدول الإفريقية في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وعادًة ما تنحاز روسيا للدول الاستبدادية، علي سبيل المثال بعد الإطاحة بعمر البشير في 2019 رفضت روسيا إدانته في مجلس الأمن.
(&) مردودات سلبية: هناك العديد من المردودات السلبية التي قد تنتج عن فوز اليمين المتطرف، ويتم توضيحها كالتالي:
(-) تقيد إجراءات الهجرة علي المهاجرين الأفارقة: بفوز حزب “التجمع الوطني” بالانتخابات التشريعية، خاصة وأن سياسات الحزب تركز علي “ملف الهجرة” وتضعه علي قائمة التغييرات حال فوزه، فدول المغرب العربي الواقعة في شمال أفريقيا، لاسيما المغرب والجزائر وتونس وليبيا، هذه الدول تمثل محطة مهمة لعبور المهاجرين لأوروبا، لذلك سوف تتأثر دول المغرب العربي إن لم تحاول التعامل بذكاء مع سياسات التيار الأوروبي الجديد، خاصة وأن المتحدث باسم حزب “التجمع الوطني” أكد رغبة حزبه في إلغاء الاتفاقية الفرنسية الجزائرية التي أبرمت في ديسمبر 1968 بشأن الهجرة والتي يعتقد الحزب أنها تخدم الجزائر، وفي حال تم تفكيك هذه الاتفاقية، قد تتوتر العلاقات بين الجزائر وفرنسا باتخاذها إجراءات صارمة ضد باريس،وفي المغرب قد يخشي اليمين معاداة الملك محمد السادس في اتخاذ أي سياسات ضد الهجرة أو القيود علي التأشيرات، خاصة وأن الرباط تعد شريط مهم لأوروبا في الحرب ضد الهجرة غير الشرعية، فضلاً عن وجود علاقات سرية بين الملك وبعض الشخصيات اليمينية المتطرفة، لذلك قد لا يغامر اليمين بمعاداة المغرب.
أما تونس، فتُعد شريك مهم لفرنسا والاتحاد الأوروبي في مكافحة الهجرة غير الشرعية، ففي العام الماضي منحت باريس تونس 26 مليون يورو ” لاحتواء التدفق غير النظامي للمهاجرين من أجل تشجيع عودتهم لبلادهم في ظروف جيدة”.
ومما سبق، قد يأتي فوز اليمينبنتائج سلبية علي المهاجرين الأفارقة، خاصة وأن أفكار الحزب تعتمد علي نزعة متطرفة، وتتمسك بالقيم الوطنية والهوية السياسية والثقافية واللغوية، إضافة إلي التمسك بالمسيحية ومعاداة المسلمين ذوات البشرة السمراء، وبالتالي يري بعض المحللين الأفارقة أن فوز اليمين قد يؤثر بشكل مباشر علي دول شمال أفريقيا بشكل خاص والدول الأفريقية بشكل عام، بينما يري البعض الأخر أن النتائج قد لا تؤثر بشكل كبير علي العلاقات مع دول شمال إفريقيا، إلا في حال حدوت متغيرات جادة سواء في الحرب علي غزة أو الحرب الروسية-الأوكرانية.
كما قد يؤثر فوز اليمين المتطرف والتمسك بتغيير سياسات “ملف الهجرة” في تراجع التجارة الفرنسية مع دول المغرب العربي تونس والجزائر والمغرب، ومن المؤكد أن تستغل روسيا التراجع الفرنسي لعرض شراكات بديلة مع هذه الدول.
(&) سعي روسيا لتكوين قوة خاصة بالهجرة: مع تصاعد النفود الروسي بشكل كبير في القارة السمراء الذي يشكل مسارات للهجرة في أوروبا، وبالتالي قد يكون مستقبل “ملف الهجرة” أكثر تعقيدًا في حال فوز اليمين المتطرف، خاصة وأن روسيا أصبحت تنتشر في أفريقيا من خلال تكوينها “الفليق الإفريقي” ومقره الرئيسي ليبيا، ويتوزع في بوركينا فاسو ومالي والنيجر وجمهورية إفريقيا الوسطي، تستغل روسيا نفوذها للتحكم في مسارات طرق الهجرة إلي أوروبا في منطقة الساحل والصحراء، بعد أن أصبحت روسيا بديلاً للقوات الغربية الفرنسية والأمريكية في دول غرب إفريقيا، وبدأت تشاد تخطو نفس خطواتهم، ومن جانبه دعا رئيس وزراء السنغال الجديد “عثمان سونكو” إلي إغلاق القواعد العسكرية الفرنسية في البلاد، يترتب علي التراجع الفرنسي بشكل خاص والغربي بشكل عام، تمدد النفوذ الروسي في إفريقيا.
وعليه، في 8 مارس 2024، ورد تقرير لإذاعة ألمانيا تضمن وثائق استخباراتية غربية تؤكد أن القوات الروسية في إفريقيا تخطط لإنشاء “قوة شرطة حدودية قوية تتكون من 15 ألف عنصر”، تضم ميليشيات سابقة في ليبيا لتسهيل تدفق المهاجرين، فضلاً عن الوجد العسكري الروسي القوي، ففي ليبيا ينتشر أكثر من 1800 جندي، و1000 مدري روسي في جمهورية إفريقيا الوسطي، و100 جندي في النيجر، و100 في بوركينا فاسو، إضافة إلي سعيها لتعزيز حضورها في تونس، وبالتالي قد تتمكن روسيا من إدارة تدفقات الهجرة في أفريقيا جنوب الصحراء الكبري إلي ليبيا وتونس ثم إلي الاتحاد الأوروبي، خاصة وأن المهاجرين من دول غرب أفريقيا بلغوا نحو 160 شخص بزيادة قدرها 50% خلال عام 2023 مقارنة بعام 2022.
وجدير بالذكر، إلغاء المجلس العسكري النيجيري في ديسمبر 2023 قانون الهجرة المدعوم من الاتحاد الأوروبي بعد تنامي العلاقات الروسية-النيجيرية، وحسب دراسة لمعهد الحروب الأمريكي في 9 مايو الماضي، فإن قرار إلغاء القانون أدي إلي زيادة تدفقات المهاجرين إلي شمال أفريقيا وأوروبا، الامر الذي قد تستغله القوات الروسية للتشجيع علي أنشطة تهريب المهاجرين إلي أوروبا؛ لتحقيق الأرباح، فضلاً عن التحكم الروسي في مسارات الهجرة إلي أوروبا، لزعزعة استقرار أوروبا والتأثير علي الانتخابات، وتقويض الدعم لأوكرانيا، وكل ذلك يعزز من النفوذ الروسي.
(-) الحد من المساعدات: قد يؤدي فوز حزب “التجمع الوطني” اليميني المتطرف إلي تقليص المساعدات للمهاجرين، وسبل التعاون، ومطالب العمال المهاجرين، الأمر الذي قد يؤثر علي عدد التأشيرات للطلاب الأفارقة، ومن ثم التأثير علي حياة المهاجرين الأفارقة في فرنسا، لذلك لا يرغب الأفارقة المقيمين في فرنسا في وصول اليمين المتطرف إلي السلطة.
كما قد يقوم اليمين المتطرف بمقايضة المساعدات والاستثمارات مع دول شمال إفريقيا، مقابل مشاركة هذه الدول في حماية الحدود الأوروبية للحد من عمليات العبور غير النظامي إلي الاتحاد الأوروبي.
(&) تنامي التنافس الروسي-الغربي: تحاول روسيا جعل نفسها حليق قوي للدول الإفريقية التي تعاني من اضطرابات أمنية من خلال “الفليق الإفريقي” الروسي الذي قد يمثل تهديدًا كبيرًا للمصالح الغربية في الدول الإفريقية، خاصة السيطرة علي قطاع التعدين والموارد الإفريقية، الأمر الذي قد يحول القارة إلي منطقة تنافس استراتيجي عالمي بين روسيا والغرب، حيث تدعم موسكو في السنوات القليلة الماضية الانقلابات العسكرية علي الأنظمة الموالية لباريس وواشنطن. وعليه، تسبب انتشار النفوذ الروسي في أفريقيا في حالة من القلق لبعض الدول الغربية، وخاصة لفرنسا والولايات المتحدة، كما يري المراقبين أن الصين التي تحترم مبدأ السيادة الداخلية لشركاتها، من المؤكد أنها لا تلعب أي دور في تقييد تمدد النفوذ الروسي بشكل أكبر في القارة السمراء، وتحديدًا أن موسكو وبيجين يتفقان علي ضرورة إقصاء الغرب من إفريقيا، لذلك الحكومة اليمينية المتطرفة قد تكون حريصة قبل القيام بأي إجراء قد يهدد من المصالح الاقتصادية الفرنسية التي تعاني من تدهور بالفعل.
وختامًا، فإن صعود اليمين المتطرف قد يعزز من النفوذ الروسي في إفريقيا، وفي المقابل يؤثر “ملف الهجرة” علي العلاقات بين فرنسا وإفريقيا، ففي حال تم إعادة المهاجرين ومنع التأشيرات، من المتوقع أن يعزز هذا الأمر من سقوط النفوذ الفرنسي في القارة السمراء لصالح تمدد النفوذ الروسي الذي يسيطر علي مسارات وطرق الهجرة إلي أوروبا في منطقة الساحل والصحراءالتي تنتشر بها القوات الروسية (الفليق الأفريقي) كبديل للقوات الفرنسية والأمريكية، وبالتالي قد تصبحموسكو قوة مهمة في تحديد التوجهات السياسية والتوازن الجيواستراتيجي في القارة السمراء.