الدكتور عبد المجيد المالكي يكتب.. كلمة حق
في البداية، وأولاً يقول المولى عز وجل في كتابه الكريم: ” ولله علي الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا “. بداية .. فقد ربط الحق أداء ركن الحج بالاستطاعة، أي أن الاستطاعة هنا تعد شرطا أساسيا لأداء الفريضة، وانتفاء الاستطاعة يسقط عن المسلم هذا التكليف.
والمقصود بالاستطاعة هنا، الاستطاعة المادية، والاستطاعة الصحية والجسدية والقدرة علي أداء الشعائر والتكليفات المتعددة والتنقلات والتحركات والقدرة أيضا علي احتمال التقلبات الجوية والمناخية. فالحج ليس من قبيل النزهة، بل أن في الحج مشقة، والأجــر من المولي عز وجل دائما علي قدرها.
أما ثانيًاــ تقوم كل دول العالم بوضع التشريعات وسن القوانين والأنظمــة التي تحكم وتنظم قدوم الوافدين والزائرين والسائحين إليها وراغبي دخول أراضيها بما يتماشى مع ظروفها وأحوالها، وما يحيـط بـها مـن أحــداث، وبما يكفل أمـن البـلاد وسلامـة أراضـيها ومـواطنيـها، وأيضا أمن وسلامة الزائـر الوافد نفسه، وضمان كافة حقوقه، ويتعيـن علي الكافـة احتـرامهـا جيــدا والالتـزام بمقتضياتها بكل دقـة حتى لا يتعـرض المخـالـف للـوقــوع تحـت طائلة العقوبات المترتبة علي مخالفة تلك الأنظمة والقوانين النظامية.
والمملكة العربية السعودية شأنها في ذلك شأن بقية دول العالم الأخرى، بل تزداد مسؤوليتها وهي تستشعر جسامة هذه المسؤولية جيدا نظرا للتزايـد الكبير والمضطرد في أعداد ضيوفها والوافدين إليها من جميع أنحاء العالم علي مدار العام، كونها قبلة الإسلام والمسلمين وحاضنة الحرمين الشريفين والمدينتين المقدستين، وتستقبل الملايين من المسلمين علي مدار العام لأداء شعـيرة العمـرة وزيارة مسجـد رسـول اللـه ــ صلـوات ربـي وسلامه عليه ــ ويتـوج كل عام هجـري فـي نهـايتـه بفعاليـات مـوسـم الحـج وحشوده المليونية التي تأتيها من جميع أصقاع الأرض، هذا إلي جانب الملايين أيضا من سائحيها وزوارها وضيوفها طيلة العام.
وللحق والحقيقة أقول وأنا أحد شهود العيـان، وعلي مدي ستة وثلاثين عاما وستة وثلاثين موسما للحج، وبحكم موقعي ووظيفتي، أن المملكة لم تدخر وسعا ولا جهـدا، ولم تبخل ببذل الغـالي والنفـيس والمال السخي من أجل راحة وأمن وآمان وسلامة وخدمة ضيوفها من وفـود الرحمن وتنفيـذهـا من المشروعات العملاقة ما يكفل لهم أداء مناسكهم بكل يسر وسهولة منذ أن تطأ أقدامهم أرضها وحتى مغادرتهم إلي بلادهم، وهم يحملون في نفوسهم أغلى وأجمل الذكريات، وألسنتهم تلهج بالشكر والامتنان والعرفان لما شملتهم به المملكة من رعاية واهتمام، وما قدمته لهم من خدمات جليلة في شتى المجالات، وما أحاطتهم به من كرم ضيافة وحب واعتزاز استشعـارا منها لدورها ومسؤوليتها الجسيمـة، والتي أختصها به الله وقادتهـا وحكومتـها الرشيـدة وشعبهـا الأبـي الـوفي الكريم المضيـاف دون غيــرهم مـن ســائـــر البلدان والشعوب الأخرى.
وثالثاــ المملكة تعـرف جيـدا دورهـا، وتضطلع بمسؤولياتها وفقـا لخطط علمية مدروسة ومحسوبة بكل دقة علي أيدي خبراء وعلماء وكفاءات علمية وإدارية مستعينة أيضا برصيدها التراكمي العملي الثري والذي اكتسبته عبـر عقود طويلة من الزمن، وكل ذلك مؤسس علي برنامج ثابت ومتعارف عليـه بينها وبين الدول الإسلامية وغيـرهـا يعنـى بتخصـيص نسب معينـة ومحـددة لأعـداد حجـاج كـل دولـة، وبنــاء عليـها تحشـد الطــاقـات والخبـرات البــشريـة والكــوادر الفنيــة المـؤهلـة والهـائـلـة فـي كل التخصـصـات، وتـرصـد كـذلـك الإمكانات الماديـة السخيـة التي تكفل تنفيـذ هذه الخطـط التي تـأتي دائمـا مـواكبـة للأعــداد المتـفق عليهـا ومتـوائمـة مـع هـذه النســب لضـمان وأمـان وسلامة أمن ضيوفها والتيسير عليـهم وتقـديم كل سبـل الـراحـة لهـم.
أما ما شاهدناه وما عايشناه في هذا الموسم من أحداث مؤسفة وغير مألوفة أو معتادة بتجاوز عدد من بعض هذه الدول، وتحايل البعض من مواطنيها من الزائرين والمعتمرين والسائحين علي الغرض الذي من أجله منحتهم المملكة تأشيرات الدخول إلي أراضيها وتحويلها من عندياتهم إلي الحج، فهذا ما لا يصح ولا يجوز قبوله ولا يجوز أيضا الاعتداد به، فهم بذلك قـد خـالفـوا بشكل صـارخ وصريـح الأنظمة واخترقوا القوانين وأصبحوا في عـداد المخـالفيـن، كما أصبح حجهم أيضا مشكوك في صحتـه وتثـور حوله العديد من علامات الاستفهام.
فـلا تحـايـل فـي الحـج ولا رفـث ولا فسـوق ولا جـدال فيـه .. وتأسيسا علي ما تقدم، فإنه لا يحق لأحد ما أن يلقي باللائمة علي المملكة واتهامها بالتقصير أو بأنها تقاعست عن توفير الخدمات لهؤلاء المخـالفيـن فهم في الأساس غير مدرجين ضمن خطط المملكة للحج الصحيح، وهم أيضا الذين اختاروا بكامل إرادتهم الخروج من تحت مظلة اهتمام ورعايـة وخدمات حكومة المملكة لوفود الحجيج النظامييـن. لوموا أنفسكم واختياراتكم، حاسبـوا مـن أوهمـوكـم بخـلاف الحقيقـة.
والـواقـع ..
حاسبوا من ضللوكم وخدعوكم ونهبوا أموالكم وهم يعرفون يقينـا أن المملكة أكدت دوما وعبر كل وسائل الإعلام، وكافة وسائل التواصـل الاجتماعي وحتى الرسائل الهاتفية أنـه: “لا حـج إلا بتــصريح .. أو تـأشيـرة حـج”.
“اللهم أرنا الحق حقا وألهمنا اتباعه وأرنا الباطل باطلا وألهمنا اجتنابه”