ما ارتدادات أزمة “مهسا أميني” على الانتخابات الرئاسية الإيرانية؟

في الـ 28 من يونيو القادم، تشهد الدولة الإيرانية انتخابات رئاسية وصفها المراقبون بأنها الأصعب في تاريخ إيران، نظرا لضيق فترة الدعاية الانتخابية، بالإضافية إلى انعقادها في سياق مضطرب على المستويين الداخلي والخارجي.

فما شهدته إيران من احتجاجات نسائية وشبابية بعد مقتل الفتاة الشابة مهسا أميني علي يد قوات الشرطة الإيرانية في عام 2022، وتصاعد العنف ضد المرأة، قد يؤدى إلى عزوف المواطنين عن المشاركة في الحياة السياسية، خاصة أن هؤلاء طالبوا بإسقاط النظام المتشدد، الذي عمد إلي سياسة الإعدام والترهيب ضد المواطنين، ناهيك عن البُعد الاقتصادي المضطرب بطبيعة الحال جراء العقوبات الاقتصادية المفروضة علي طهران. ويضاف إلي ذلك أن هذه الانتخابات تتزامن مع توتر إقليمي غير مسبوق وتصاعد للصراع في منطقة الشرق الأوسط، نتيجة العدوان الإسرائيلي علي قطاع غزة وتداعياته علي الإقليم ككل، والمناوشات القائمة بين الأذرع الإيرانية والكيان الصهيوني، ومستقبل الملف النووي الإيراني والذي تتجه نحوه الأنظار بقوة في ظل ترقب الانتخابات الرئاسية الأمريكية المُقبلة وآلية التعاطي مع هذا الملف الهام.

وعليه، يتطرق هذا التحليل إلي معضلة الانتخابات الرئاسية المقبلة في إيران وحدود المشاركة فيها، سيما في ظل الأيديولوجية المتشددة للنظام في السنوات الماضية وقمعه للاحتجاجات وتداعياتها (حالة مهسا أميني وما تلاها)، وهل هنالك مؤثرات أخري غيرها قد تؤثر علي المشاركة.

يذكر أن هذه الانتخابات المبكرة تشهد منافسة قوية بين 6 مرشحين، كما أنها تُعد الثالثة من نوعها في تاريخ الجمهورية الإيرانية والتي كانت من المفترض أن تتم فى يونيو 2025، وتُعد أيضًا الاستحقاق الثاني بعد الانتخابات التشريعية التي جرت فى مارس الماضي.

معضلة النظام:

بداية القول يجب التنويه إلي أنه لا يمكن لأي شخص في الجمهورية الإيرانية خوض العملية الانتخابية دون موافقة مجلس صيانة الدستور والذي هو في تصرف المرشد الأعلى، وهو مجلس مؤلف من 12 عضواً من القانونيين الموالين بقوة للتيار المحافظ. وذلك طبقاً لما يُمليه النظام الإيراني، حيث يجب أولاً موافقة هذا المجلس على المرشحين الرئاسيين في البلاد، ما يعني أن أي مرشح يحظي بشعبية غالباً ما قد يتم استبعاده، وهذا يتنافي تماماً مع إرادة الشعب وحقه في التأييد والاختيار. وعلي الرغم من أن أي شخص يمكنه تسجيل اسمه كمرشح، إلا أنه يُسمح لعدد قليل فقط بخوض الانتخابات، ذلك لأن المجلس يشترط عدة شروط للحصول علي أهلية الترشح للانتخابات الرئاسية، أبرزها: (أن يكون المرشح قد تولي منصباً عسكرياً أو حكومياً أو أكاديميا).

وبالنظر إلي العامين الماضيين علي وجه التحديد في الداخل الإيراني، وما شهدته المشاركة في الحياة السياسية من تراجع شديد، لذا فمن المتوقع أن تشكل نسبة المشاركة في الانتخابات الرئاسية الإيرانية التي ستعقد في نهاية الشهر الجاري، التحدي الأكبر للنظام الإيراني، كونها تأتى عقب الانتخابات التشريعية الأخيرة التي جرت في مارس الماضي 2024، وشهدت نسبة مشاركة متدنية والتي بلغت 41%، وذلك وفقاً للنتائج التي أعلنتها وزارة الداخلية الإيرانية، وقد سجلت هذه النسبة تراجعاً بمقدار 1,5 % بالمقارنة مع الانتخابات البرلمانية التي جرت عام 2020.

ارتدادات مؤكدة:

رجّح الخبراء والمراقبين، أن السبب الرئيسي في تراجع نسبة المشاركة في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، هو الامتعاض الشعبي الكبير إثر التعامل الوحشي لآلة النظام الأمنية في عهد إبراهيم رئيسي مع الاحتجاجات التي أعقبت مقتل الفتاة الشابة مهسا أميني في أواخر عام 2022، ما أوجد حالة من الخصومة مع السياسيين والمواطنين، كما وقع آلاف الضحايا نتيجة هذا التصعيد الأمني الخطير وقمع الاحتجاجات النسائية، إضافة إلي التعامل الفج مع قضايا المرأة بشكل عام. تليه مسألة الإقصاء الواضح لمرشحي التيار الإصلاحي في تلك الانتخابات، ما أدي إلي تعزيز وجود التيار المحافظ في البرلمان. لذا من المتوقع أن تسجل نسبة المشاركة، التحدي الأكبر والقضية الأساسية في انتخابات الرئاسة المقبلة،-أي أن المواطن الإيراني سيمتنع عن المشاركة كما حدث في الانتخابات التشريعية الماضية، وقد يكون الامتناع هذه المرة بنسبة أكبر.

كما أن هنالك عوامل أخري بجانب تداعيات حادثة “مهسا أميني” قد تؤثر تحديداً علي المشاركة الشبابية في الانتخابات، سيما أن معدل البطالة بين الشباب بلغ 22.8% وحجم التضخم بلغ 45.2%، وفقدت العملة الإيرانية 55% من قيمتها مقابل الدولار الأمريكي خلال فترة رئاسة إبراهيم رئيسي. وبالتالي هذه الشريحة الهامة من المجتمع الإيراني لا تجد في النظام الحاكم ما ينفعها، خاصة وأن السياسات المتشددة كما هي بل وتزداد. أضف إلي ذلك أن المواطن الإيراني لا يري في المنصب الرئاسي الأهمية المأمولة، ولا يعنيه من سيحل محل إبراهيم رئيسي. فهذا المنصب هو مجرد آلة لتنفيذ قرارات المرشد الأعلى، وبالتالي لا تطلعات ولا آمال للشعب الإيراني علي الرئيس، لإدراكهم أن الانتخابات لن تأتي بجديد. فالقول الفصل أولاً وأخيراً في البلاد في يد المرشد لا الرئيس.

ولعل انتخابات الرئاسة الإيرانية في عام 2021 خير دليل، حيث لم يشارك فيها سوي 23% من المواطنين. ومن المتوقع أن تتدني نسبة الاقتراع في الانتخابات الرئاسية المقبلة أيضاً. كما أنه في الانتخابات التي فاز بها رئيسي في 2021 استخدم فيها الحرس الثوري القضاء وكافة الهيئات المختصة لإقصاء جميع المنافسين لرئيسي، وقد اشتهرت فترة انتخابه حينئذ بتسجيل أدنى نسبة إقبال في تاريخ الجمهورية الإسلامية الإيرانية على الانتخابات الرئاسية، لأن الهدف من انتخابه كان إظهار مدي إحكام الحرس الثوري قبضته فيما يتعلق بالسلطة، وعُرف عن رئيسي تشدده السياسي داخلياً وجهله في إدارة اقتصاد البلاد، وكانت الفجوة الأكبر في عهده مع المواطنين حينما اتخذ إجراءات صارمة ضد المتظاهرين في ما عرف ب “ثورة مهسا أميني” وقُتل واعتُقل مئات المتظاهرين.

مسار ممتد:

ينصب اهتمام النظام الإيراني في هذه الأيام علي مسألة الانتخابات الرئاسية بالطبع، بل والرغبة الجامحة في إيجاد بديلاً لرئيسي ينتمي للتيار المحافظ وعلي نفس القدر من الولاء للمرشد الأعلى الإيراني، لترقب ما هو أهم فيما بعد وهو “ملف خلافة المرشد”. أضف إلي ذلك أن إيران لاعباً إقليماً محورياً ودولة ذات قدرات نووية، لذا ستتجه الأنظار إليها. وقد أعلنت وزارة الداخلية الإيرانية، الأحد الماضي 9 يونيو موافقة مجلس صيانة الدستور على قائمة من 6 مرشحين من بين 80 مرشحاً لخوض السباق الانتخابي في 28 يونيو الجاري، والتي ضمت خمسة مرشحين من التيار المحافظ ومرشح واحد من التيار الإصلاحي.

والمرشح الأكثر شهرة والذي يُثار حوله العديد من التساؤلات، هو محمد باقر قاليباف، 62 عاماً، والذي تربطه صلة وثيقة بالحرس الثوري الإيراني، بصفته جنرالاً سابقاً فيه، وكان جزءاً من حملة قمع عنيفة ضد طلاب الجامعات الإيرانية في عام 1999. كما عُرف عنه أنه أمر باستخدام الرصاص الحي ضد الطلاب في عام 2003 أثناء عمله رئيساً لشرطة البلاد. كما ألقي المرشد الأعلى علي خامنئي خطاباً في الأسبوع الماضي، يلمح فيه إلى الصفات التي أبرزها أنصار قاليباف، باعتبارها إشارة محتملة إلى دعم المرشد لرئيس البرلمان في الانتخابات. فهل سيفوز حقاً بالرئاسة وتستمر السياسية الإيرانية المتشددة والقمعية في الداخل ضد المواطنين؟ أم سنشهد مساراً آخر غير متوقع ؟!

وختاماً، يمكن القول إن الأحداث والاضطرابات التي شهدتها إيران علي خلفية قضية مهسا أميني ليست ببعيدة عن التأثير علي تراجع نسب المشاركة في الانتخابات المقلبة، إلي جانب سوء الأوضاع الاقتصادية، وكذلك لا يمكن إغفال تسلط الحرس الثوري في هذه العملية الانتخابية والنظام السياسي بشكل عام.

 

سارة أمين

سارة أمين- باحث في شئون الشرق الأوسط، الباحثة حاصلة علي ماجستير في العلوم السياسية، شعبة العلاقات الدولية، متخصصة في دراسة شئون الشرق الأوسط والخليج العربي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى