السويس وهزيمة يونيو 67 ” الدروس والتحديات “
دكتور عبدالحميد كمال- عضو مجلس النواب السابق.
بعد 57 عاماً على ذكري 5 يونيه 1967 تابعت باهتمام الحلقة النقاشية التى أقامها المجلس المصري للشئون الخارجية برئاسة السفير منير زهران حول ” حرب 1967 ” والدروس المستفادة التى حضرها بالمشاركة بالحوار الهادئ والجاد الموضوعي والموثق نخبة ممتازة من أعضاء المجلس المصري وعدد من ضيوفه من الخبراء العسكريين والدبلوماسيين وأساتذة العلوم السياسية وبعض الباحثين والصحفيين المرموقين.
وقد خلصت الحلقة النقاشية عدد من الدروس المستفادة حول الأسباب الداخلية والخارجية للحرب وأسباب هزيمة يونيه 1967 وقد اتسمت الاستخلاصات بالوطنية والشجاعة والرأي الواضح. والآن بعد مرور 57 عاماً على تلك الحرب نسأل، هل تم تدارج الدروس والاستخلاصات من تلك الحلقة النقاشية والعمل عليها على ارض الواقع ؟، وهل تم الاستفادة من المقالات والأبحاث وبعض الكتب التى تحدثت عن هزيمة يونيو؟.
أننا فى حاجه ماسة وضرورية لتحويل التوصيات والدروس إلى أرض الواقع من أجل سلامة الوطن فى ظل متغيرات دولية وإقليمية متسارعة حده وخطيرة لها علاقة بأمن بلادنا خصوصا ما يحدث على أرض غزة وفلسطين.
خصوصاً وأن أثار هزيمة يونيه كانت لها اثر فى نفوسنا بشكل مباشر نحن أبناء السويس والقناة وسيناء ، عندما كنا صغيرين فى سن الطفولة عام ١٩٦٧ خرجنا للشوارع فى السويس فى الأيام الأولى لشهر يونيو نحيى جنودنا المصريين فوق الدبابات والمدافع والعربات المدرعة حاملين أسلحتهم الشخصية إلى سيناء عن طريق معبر منطقة الجناين من أجل الحرب والانتصار على إسرائيل، حيث خرج الرجال والنساء والشباب والشيوخ ونحن الأطفال فى فرحة كبيرة تحملها الثقة فى الانتصار على العدو الإسرائيلي، وبلغت حماسة الشباب إلى الكتابة بألوان البوية الزرقاء والسوداء على حوائط منازلنا بحى الأربعين عبارات «النصر والويل للمعتدين» و« يا قائدنا يا حبيب بكرة ندخل تل أبيب» كان ذلك مع الأناشيد الحماسية والبيانات الرسمية الذى كان يذاع من الراديو.
بعدها بأيام كانت الصدمة والصورة العكسية، حيث رجع بعض الجنود المصريين إلى السويس مصابين وفى حالة إعياء وإرهاق وتعب مع انكسار.
وهنا تجلت روح الشعب المصرى فى السويس حيث فتحت البيوت والمطاعم والمحلات والمقاهى لاستقبال جنودنا العائدين، حيث تقديم الطعام والدواء وبعض الملابس فى صورة تلقائية حانية من أبناء السويس والذين جادوا بما يملكون فى استقبال أبنائهم من القوات المسلحة.
وسجلت السويس ملحمة رائعة ووطنية بإعلان واقعى معنوى ضد الهزيمة وكانت الوقفة الاولى للإعلان عن رفض الهزيمة.
وهنا سجل الشاعر فؤاد قاعود اللقطة الوطنية لشعب السويس فى أبهى قصائده العميقة بعنوان «الشعب» قال فيها: لما رجع جيش البلد م الحرب.. ميل على صدر السويس ضمته.. طلعوا الرجال والنسوة والأطفال.. واتفتحت كل البيوت فى الحال.. وفى الشدايد القلوب تشتد.. ولا صاحب المطعم رضى ياخد فلوس من حد.. وصاحب الكناتين.. لجل الشرف والدين.. بحتر سجايره وهبة للتدخين.. بقلب راضى والدموع سايلة.. وقال لهم الهمة يا رجالة.. وكل شدة تهون.. وكل شعب يكون على ده الحالة.. النصر له مضمون.
كما خرجت السويس عن بكرة أبيها مثل كل المدن والقرى المصرية، ترفض الهزيمة يومى ٩-١٠ يونيو تعلن رفضها الاستقالة التى تقدم بها الرئيس جمال عبدالناصر بإعلان مسئوليته عن الهزيمة.
بعدها كتب الأبنودى رائعته: يا بيوت السويس يا بيوت مدينتي.. استشهد تحتك وتعيشى أنتي.. تلك الأغنية التى غناها محمد حمام وأصبحت نشيدًا لأبناء السويس والوطن.
كما أكد الكابتن غزالى ابن السويس إعلانه برفض الهزيمة بأغنيته الشهيرة: فات الكتير يا بلدنا ما بقاش إلا القليل.. وإن كان على الأرض هنحميها.. وإن كان على بيوتنا هنبنيها.. وعضم أخواتنا نلمه نلمه.. نسنه نسنه نعمل منه مدافع وندافع.. ونجيب النصر هدية لمصر.
ومن خلال فرقة أولاد الأرض انطلقت أغاني المقاومة الشعبية وكان أعضاء الفرقة يلبسون الكاكى «ملابس القوات المسلحة».
ودفعت السويس الثمن وفاتورة الصمود حينما تم تدمير ٨٠ ٪ من البيوت والمنازل وفقًا لتقدير لجنة حصر الخسائر، وقد أكد ذلك الرئيس السادات حينما شاهد السويس المدمرة من طائرته الخاصة بعد حرب نصر أكتوبر ووصفها بأنها مدينة «الأشباح» بسبب حجم التدمير.
ولقد خرجت من السويس أفضل الصفحات الوطنية، حيث استمر كفاحها من هزيمة يونيو مرورًا بحرب الاستنزاف بصفحات ناصعة من المقاومة الشعبية التى تجلت بهزيمة العدو أمام منطقة المثلث والأربعين وحوارى السويس وشوارعها بتدمير دبابات العدو وإلحاق الهزائم به ورفض كسر انتصارات أكتوبر بمحاولة خبيثة لاحتلال السويس لكسر إرادة الشعب والجيش المصرى، حيث كانت الخطة الإسرائيلية احتلال السويس، لتكون مثل الجولان فى سوريا ولكن هيهات.
واليوم ونحن نستلهم من هزيمة ٥ يونيو ١٩٦٧ وبمرور 57 عامًا على تلك البطولات فإن السويس وشعبها يتطلعان إلى المشاريع التنموية المستحقة لها منها: مشروع إنشاء مطار السويس الدولى، وإنشاء ترسانة رأس الأدبية، وإنشاء مدينة السويس الجديدة فى سيناء شرق السويس، وتشغيل ميناء بور توفيق المعطل للركاب، ومواجهة مشكلات البطالة التى يعانى منها شبابها، وتطهير وتطوير منطقة عيون موسى سياحيًا، وإعادة تشغيل المصانع المتعثرة بالسويس، وإعادة تطوير المناطق الصناعية بالسويس، وإنشاء متحف السويس الوطني وصمود السويس ضد العدو الإسرائيلي ليكون الذاكرة الخصبة لكل أبناء الوطن.
وأخيراً، السويس تحتاج إلى فيلم سينمائي مثل فيلم « الممر » وفيلم “السرب” ومسلسل « الاختيار » ومن قبل فيلم « أغنية على الممر » ليسجل البطولة الجماعية لشعب السويس البطل ومن أجل إحياء الذاكرة الوطنية وازدهار الانتماء الوطنى ومن ٥ يونيو الهزيمة قد ولد الانتصار للشعب المصري.