ما المساحة المتشابكة بين خلافة مرشد إيران وانتخاب الرئيس الأمريكي؟
أدى الرحيل المفاجئ، للرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، إلى إحياء ملفات هامة في الداخل الإيراني، أبرزها ملف “خلافة المرشد”، الذي تقع تحت تصرفه مفاتيح اتخاذ القرار في إيران، التي يقوم بتنفيذها الرئيس، باعتبار دوره تنفيذي في النظام السياسي الإيراني. وعليه، يمكن القول إن موت رئيسي، وضع ملف الخلافة على الواجهة، كون أن المرشد علي خامنئي قد تجاوز العقد الثامن من العمر ويواجه مشكلات صحية، ورئيسي كان المرشح المحتمل لهذا المنصب، لذا بديل خامئني هو الشغل الشاغل لطهران في ظل الأوضاع الإقليمية المتوترة، وسياسات إيران الخارجية لاسيما في الشرق الأوسط والانتشار الكثيف لأذرعها، إلي جانب الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقبلة والتي سيترتب عليها شكل العلاقات الإيرانية – الأمريكية وبخاصة ما يتعلق بالمباحثات النووية والتي تقع تحت قبضة المرشد الأعلى أيضاً. كل ذلك يدفع إلي أنظار واشنطن بشأن من سيحل محل خامنئي لا من سيحل محل رئيسي، وبالمثل يدفع أنظار طهران لمن سيكون الرئيس الأمريكي القادم.
استنادًا إلي ما سبق، سيقدم هذا التحليل رؤية حول العلاقات الإيرانية الأمريكية في ظل الوضع الراهن، وانتخابات رئاسية أمريكية مقبلة والفائز بها ومساره المحتمل في العلاقات مع طهران وفقاً للمعطيات علي أرض الواقع والتي باتت متغيرة بوتيرة متسارعة.
المساحات المتشابكة:
مع قرب الانتخابات الرئاسية الإيرانية، وترقب قدوم خليفة للمرشد الأعلى الإيراني علي خامئني، وكذلك الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقبلة نهاية عام 2024، يبدو أن ملف العلاقات الإيرانية – الأمريكية، هو الأبرز والأكثر تداولاً علي الساحة السياسية إقليمياً ودولياً، سيما إذا فاز جو بايدن بالرئاسة في الولايات المتحدة، وهو الذي لطالما أبدت إداراته التعاون مع إيران، مؤخراً و تحديداً في الفترة التي سبقت رحيل إبراهيم رئيسي، ما جعل طهران تطلب الدعم والمساعدة من واشنطن لتحديد موقع سقوط مروحية الرئيس الإيراني، كما حاولت الإدارة الأمريكية، طوال الفترة الماضية التعاون مع إيران، وتهدئة الأوضاع الإقليمية إلي حد ما وعدم الانجرار نحو حرب موسعة مباشرة في ظل اضطراب المشهد الإقليمي بسبب العدوان الإسرائيلي الغاشم علي قطاع غزة، والهجمات التي يقوم بها الكيان المزعوم علي الجنوب اللبناني، علاوة علي ذلك استهداف القيادات الإيرانية والمقرات الدبلوماسية بشكل استفزازي ومباشر من ذلك الكيان.
وقد كشف “ديفيد إجانتيوس”، في تقرير نشرته له صحيفة “واشنطن بوست”، أن “القناة السرية التي كانت قائمة بين واشنطن وطهران، وأدت إلى محادثات في مسقط في سلطنة عُمان، نجحت في احتواء التصعيد الإقليمي”، وأضاف أن “الاجتماع الأخير بين منسق الشرق الأوسط في البيت الأبيض، بريت ماكجورك، ووزير الخارجية الإيراني بالوكالة علي باقري كني، الذي خلف حسين عبداللهيان، جري الأسبوع الماضي وأسفر عن موافقة إيران على الحد من برنامجها النووي ووقف تخصيب اليورانيوم على نسبة 60 في المائة، والحد من مخزون الوقود المخصب إلى ذلك المستوى”. كما “وافقت إيران على الاستمرار في التعاون مع مراقبي وكالة الطاقة الذرية”. ويرى الخبراء، أنه من الآن وحتى إجراء الانتخابات الأمريكية ستركز الإدارة الأمريكية الحالية علي تخفيف حدة التصعيد في المنطقة واحتواء الأوضاع بشكل كبير، للحيلولة دون تفاقمها. ولكن بعد الانتخابات من المتوقع حضور ملف البرنامج النووي الإيراني مرة أخرى بقوة بين الجانبين.
المسار المٌحتمل:
لا شك أن نتيجة الانتخابات الرئاسية الأمريكية من جهة، وقدوم خليفة للمرشد الإيراني من جهة أخري، سيحددان معاً مسار العلاقات بين واشنطن وطهران في الفترة المقبلة، والتي سينتج عنها ترتيبات إقليمية هامة، وهذا المسار بالتأكيد سيكون مفصلياً لكلا الطرفين. ففي حال فوز الرئيس جو بايدن، فمن المرجح بشكل كبير إعادة إحياء الاتفاق النووي مع إيران، نظراً إلي سياسته الحالية التي تميل إلي هذا الإجراء، كذلك احتواء الصراعات القائمة في المنطقة وعدم توسعها. أما في حال فوز دونالد ترمب بانتخابات الرئاسة، فمن المرجح أن يتجه إلي إلغاء الاتفاق النووي مع إيران، وفرض عقوبات شديدة عليها، سيما أن إيران النووية لازالت بقوتها في هذا الملف، بل وينصب اهتمامها بالكلية عليه، فهي تستطيع عبر امتلاك القنبلة النووية والتي باتت علي أعتابها أن يُحسب لها حسابات كبير في المعادلات الإقليمية والدولية. كما أن إيران وإن كان تعاملاتها وعلاقاتها الخارجية تسير وفق حسابات المصلحة والمنفعة وبالترتيب مع الأطراف المعنية في أي ملف، إلا أنها تؤرق الوجود الأمريكي في الشرق الأوسط عبر وكلائها، فها هي طهران تتواجد بنفوذ قوي في أربع عواصم عربية ذو أهمية استراتيجية كبري في الإقليم.
مؤثر وراثة الخلافة!
فيما يتعلق بالخليفة القادم للمرشد الأعلى، فيجب التنويه إلي بُعد هام، ألا وهو أن الوضع السياسي والاجتماعي في الداخل الإيراني بشكل عام يختلف تماماً عن الفترة التي تولي فيها خامنئي الخلافة بعد الخميني عام 1989، حيث أن الخميني كان يتمتع بشعبية وقبول بين المواطنين الذين احتشدوا في الشوارع بعد وفاته حزناً علي رحيله، علي عكس خامنئي والفجوة التي ظهرت في عهده تحديداً السنوات القليلة الماضية بسبب قمع المتظاهرين وإخماد الأصوات المعارضة والسياسات الأيديولوجية المتشددة في الداخل، ما جعل شعار المظاهرات التي اشتعلت في طهران خلال الفترة الماضية هو “الموت لخامنئي”.
وعلي الرغم من أنه وحتى الآن غير واضح علي الإطلاق من هو الخليفة القادم لخامنئي، إلا أن هناك بعض الآراء التي تشير إلي أنه من المحتمل أن يحل مكانه ابنه مجتبى، كونه المُفضل لدى الحرس الثوري، وحتى لو قُوبل هذا الأمر بمعارضة من الشعب الإيراني، إلا أن الحرس الثوري سيدعمه بقوة، وإذا كان خامنئي حقاً يريد أن يخلفه ابنه، فعليه أن يختاره للرئاسة لكي يعطيه الشرعية ويعرفه الشعب الإيراني كرئيساً للبلاد، ومن ثم يخلفه في منصب المرشد الأعلى. ونظراً لتعقيد هذا الأمر، فهو احتمال حدوثه ضعيف حتى الآن.
تحديات ضاغطة:
تواجه طهران العديد من التحديات في الداخل والخارج لذا تتجه الأنظار إليها بقوة بعد رحيل إبراهيم رئيسي، وعلي الرغم من إجماع الغالبية العظمي من الخبراء والباحثين في الشأن الإيراني بعدم تغيير سياسات إيران، إلا أن التحديات المطروحة علي الساحة يمكن أن تؤدي إلي إعادة بعض الترتيبات الهامة في المشهد، طبقاً للمرشد. ففي الداخل الإيراني، تعاني طهران من أوضاع اقتصادية مضطربة ومتردية نتيجة العقوبات المفروضة عليها، وارتفاع في معدلات التضخم والبطالة، إضافة إلي الاحتجاجات الداخلية والمطالبة بالحرية وقضايا المرأة وحقوقها والتي قُوبلت بالقمع والوحشية من قبل النظام وأدت إلي خلق فجوة كبيرة بينه وبين الشعب، ما أدي أيضاً إلي ضعف المشاركة في الحياة السياسية، إضافة إلي ذلك تمثل إيران أعلي نسبة إعدام في العالم مقارنة بعدد السكان. أما في الخارج، فإن إقليم الشرق الأوسط يعاني من توترات متصاعدة غير مسبوقة وكذلك مستقبل غير واضح، فهناك تحديات إقليمية مع الكيان الصهيوني وحليفه الأكبر الولايات المتحدة، وتطور سُبل وآليات الدعم المقدم له من الغرب بشكل عام، كذلك اختلاف قواعد الاشتباك المُتعارف عليها بين طهران وتل أبيب، ما قد يُنذر بسيناريوهات صراعية أشد فتكاً مستقبلاً. والتحدي الأكبر هو من سيكون رئيساً للولايات المتحدة في الانتخابات القادمة؟ وكيف ستكون سياسته تجاه طهران؟، حيث أصبحت إيران إحدى أبرز ملفات الخلاف في الانتخابات الأمريكية بين الجمهوريين والديمقراطيين، سيما بعد حادث مروحية الرئيس الإيراني، حيث انتقد الجمهوريون والمتشددون وزارة الخارجية الأمريكية، لأنها قدمت العزاء لطهران، كذلك تم انتقاد ومهاجمة نائب سفيرها في الأمم المتحدة روبرت وود، لأنه وقف مع باقي أعضاء مجلس الأمن دقيقة صمت حداداً على إبراهيم رئيسي وحسين عبداللهيان، وبعضهم وصف رئيسي ب”ـسفاح طهران”.
وختاماً، لابد من التركيز علي أن السياسات باتت متغيرة بوتيرة متسارعة ما يؤدي إلي تغيير الترتيبات الإقليمية والدولية، وهذا العام سيكون مفصلياً لا شك في سياسات كل من طهران وواشنطن، فالساحة السياسية في الشرق الأوسط مستعرة، وإيران في الداخل تعاني، لذا من المتوقع أن يُدير خامنئي الانتخابات الرئاسية القادمة بشكل صارم، لأنه من المُهم بالنسبة له تحديد من هو الرئيس القادم، وسط انتقال حتمي للخلافة، المنصب الأهم والذي لا يحتمل أية توترات أو اضطرابات إذ أن ضربة معول واحدة كفيلة بجعل الهيكل كله يتداعي.