المناخ وأزمة الطاقة في تكساس
جيفري كمب
في الثامن عشر من فبراير الجاري، نجحت الولايات المتحدة، على غرار دولة الإمارات العربية المتحدة وجمهورية الصين الشعبية، في إيصال مركبة فضائية إلى كوكب المريخ الذي يبعد أكثر من 40 مليون ميل عن كوكب الأرض، وهي مسافة تتغير بتغير الشهر والسنة. المشروع الأميركي، الذي يسمى «بِرْسِفيرنس»، تطلّب الهبوط الدقيق لمسبار ميكانيكي بحجم سيارة كبيرة على سطح المريخ في مكان محدد لجمع عيّنات من التربة قبل رحلة عودة لاحقاً إلى الأرض.
وفي الوقت الذي كان فيه المسبار «برسفيرنس» يصنع التاريخ على الكوكب الأحمر، كانت مناطق واسعة من الولايات المتحدة تعاني من اشتداد ظروف مناخية قطبية شملت تساقط الثلج والجليد وانخفاضاً كبيراً في درجات الحرارة. هذه الظروف المناخية تسببت في أكبر قدر من الأضرار في تكساس، ولاية «النجمة الواحدة» التي تفتخر بنزعتها المستقلة، والتي تُعد أكبر منتِج للطاقة في البلاد.
على مر السنوات، عمل حكام تكساس المتعاقبون، بدعم قوي من سكان الولاية، على تحرير قطاع الطاقة الضخم، وذلك على أساس فكرة مؤداها أن من شأن قدر أكبر من تحرير القطاع أن يؤدي إلى دخول عدد أكبر من الشركات الخاصة إلى سوق الطاقة، وبالتالي ازدياد المنافسة وعرض أسعار أكثر انخفاضاً على المستهلكين. غير أن تحرير القطاع كان يعني أيضاً أنه مع مزيد من التحفيزات لتنشيط التنافسية، أصبحت الشركات تركّز بشكل متزايد على الأرباح على المدى القصير، فتراجعت الأموال التي تستثمرها في صيانة البنية التحتية على المدى الطويل.
ونظراً لأن تقنين القطاع كان في الحدود الدنيا هناك، لم تكن ثمة غرامات كثيرة على الشركات التي تتجاهل النصائح بشأن عدم جاهزيتها للظروف المناخية السيئة، وذلك على الرغم من أن ظروفاً مناخية مماثلة في تكساس في عام 2011 كانت قد أصابت إمدادات الطاقة في الولاية بالشلل. ولهذا، فإن الفشل في حماية محطات الطاقة الحرارية والريحية من درجات الحرارة المنخفضة كان سبباً رئيسياً للكارثة التي حدثت. والحال أن معدات مماثلة لتوليد الطاقة في ولايات معتادة على المناخ البارد لم تصب بمثل هذه الأعطال. والواقع أن تكساس كانت جد مصممة على تجنب التقنين الفدرالي، لدرجة أنها أنجزت سياستها الطاقية الخاصة بها لتصبح على نحو متعمد مستقلةً عن الشبكة الوطنية الأميركية التي ترتبط بها كل الولايات الأخرى. وكان من نتائج ذلك أن تكساس أصبحت غير قادرة على اللجوء إلى الشبكات الوطنية في حالات الطوارئ، وبالتالي تخفيف العواقب الخطيرة لتعطل محطاتها الطاقية في إنتاج الكهرباء.
ونتيجة لهذه الإخفاقات، فقد الملايين من سكان تكساس الكهرباء لعدة أيام، ولم تكن لديهم بالتالي أي تدفئة. وإحدى عواقب ذلك انفجار حدث في أنابيب المياه وتلوث إمداداتها. ونتيجة لذلك، طلبت السلطات من السكان غلي المياه للتأكد من أنها آمنة للشرب والاستخدام في الأغراض المنزلية. لكن كيف يمكنك أن تغلي الماء إذا لم تكن لديك كهرباء؟ ثم ظهرت أزمة أخرى لأن تلك الأسر التي اختارت نظام فواتير كهرباء مرنة مرتبطة بمستويات العرض والطلب، وجدت تكاليف كهربائها قد ارتفعت إلى مبالغ فلكية، حيث ارتفعت بعض الفواتير الشهرية المتوسطة من 600 دولار إلى 15 ألف دولار.
التداعيات السياسية المترتبة عن هذه الكارثة دفعت قيادة الولاية الجمهورية إلى الدعوة إلى مراجعة شاملة لمنظومة الطاقة وحماية المواطنين من التلاعب بالأسعار. وخلال الأيام الأولى للأزمة، حاول حاكم الولاية غريغ آبوت أن يحاجج بأن موارد الطاقة المتجددة (الطاقة الشمسية وطاقة الرياح) التي يروّج لها الليبراليون هي التي فشلت في الاشتغال. غير أنه إذا كان صحيحاً أن العديد من توربينات الرياح قد تجمدت بفعل الانخفاض الكبير في درجات الحرارة، فإن المشكلة الأكبر حتى الآن كانت فشل محطات الطاقة التي تشتغل بالغاز الطبيعي.
أزمة الطاقة في تكساس تزامنت مع استمرار الوباء الذي يتسبب فيه فيروس «كوفيد-19». وقد أظهر هذان الحدثان نقاط الضعف الكبيرة التي تعاني منها شبكتا أمان حيويتان هدفهما حماية السكان. ذلك أن كلا من البنيتين التحتيتين الطاقية والصحية في الولايات المتحدة تحتاج لإصلاح كبير. وإذا أضفنا إلى هذه القائمة الجسورَ والطرق السريعة المتهالكة، والمشاكل البنيوية للسدود المنتجة للطاقة الكهربائية، ونظام مراقبة الحركة الجوية الذي يعاني من ضغط شديد، وتدهور نظام السكك الحديدية العامة، والازدحام في الموانئ الأميركية، ونقص المساكن على الصعيد الوطني.. يتضح بجلاء لماذا يُعد الاستثمار الكبير في البنية التحتية أولويةً أساسية بالنسبة لإدارة بايدن.