بايدن والنووي الإيراني

د. ناجي صادق شراب

الملف الأكثر تعقيداً الذي يواجه إدارة الرئيس بايدن، هو كيفية حل هذا الملف، وأي السيناريوهات الأكثر واقعية وقبولاً؟ هذا الملف أقرب لعقدة غوردون التي تحتاج إلى استئصالها من جذورها حتى تنفك العقد الأخرى.. فالمشكلة تتعدى القدرات النووية الإيرانية، بل ترتبط أيضاً بعقد أخرى كثيرة، تتعلق بالدور الإيراني الإقليمي، وتدخل طهران في أكثر من دولة عربية، ورؤيتها لمجالها الأمني ومناطق النفوذ، وعقدة الصواريخ البالستية، وبالسياسة الإسرائيلية التي ترى في امتلاك إيران للقوة النووية خطراً عليها. ومما زاد الأمور تعقيداً انسحاب الإدارة الأمريكية السابقة من الاتفاق النووي، وفرض ما عرف بالعقوبات القصوى التي لم تثن إيران عن المضي في تطوير قدراتها النووية.

 في هذا السياق تتصدر العقدة النووية اهتمامات إدارة الرئيس بايدن التي تجد نفسها أمام معضلات وخيارات صعبة، أولاً، صعوبة العودة للاتفاق بصورته الأصلية، وثانياً، صعوبة الاستمرار في نهج العقوبات القصوى واستبدالها بنهج الدبلوماسية القصوى، وثالثاً، صعوبة التصعيد العسكري الذي قد يصل لخيار الحرب والذي تتجنبه إدارة بايدن التي تؤمن بالخيار الدبلوماسي. ورابعاً، مصالح الدول الحليفة التي تشكل أحد مرتكزات السياسة الأمريكية في المنطقة.

 من هنا تتعدد الخيارات والتوجهات والاجتهادات التي تطرح لفك عقدة غوردون. يبدو ابتداء أن استراتيجية بايدن تقوم على فرضية أنه إذا تمت تسوية العقدة النووية، فهذا سيسهل ويعمل على تفكيك كل العقد الأخرى. والسؤال كيف يمكن فك هذه العقدة وبأي سيف؟ سيف القوة أم سيف الدبلوماسية؟

 تتفاوت آراء المحللين والخبراء، لكنها كلها تتفق على سيناريو العودة بشروط جديدة. تريتا بارسي أستاذة في جامعة جورج واشنطن تقول إنني على ثقة بأن إدارة بايدن «سوف تنضم ثانية للصفقة التي انسحب منها ترامب». وتستند في رأيها إلى عودة نفس المستشارين الكبار في إدارة بايدن، والذين لعبوا دوراً في إتمام الاتفاق في إدارة أوباما، هم اليوم من يلعبون نفس الدور، مثل وزير الخارجية بلينكن، ومستشار الأمن القومى سوليفان، ومبعوث الولايات المتحدة الأمريكية لإيران روبرت مالي. وتضيف أن «السبب الرئيسي في العودة لهذا السيناريو أنه يقع في سياق الاستراتيجية الأمريكية العليا التي تتبنى تقليص الوجود العسكري الأمريكي في المنطقة والتركيز أكثر على الدبلوماسية، وأن إيران ورغم سياسة العقوبات القصوى التي مارستها إدارة ترامب لم تتراجع بل استمرت في أنشطتها النووية، وأن رفع العقوبات سيدفعها للعودة والالتزام بالاتفاق».

 ويبقى السؤال الملحّ كيف وبأية آليه سيتم الانغماس من جديد في الاتفاق؟ كينيث بولاك الخبير الأمريكي يؤكد أن التفاوض أفضل، لكن الانغماس في عملية تفاوضية يحتاج إلى وقت طويل. ورغم كل العقوبات التي فرضت على إيران، فإنها سترحب بالعودة للاتفاق في صورته الأصلية.

 أمام بايدن استراتيجيتان، واحدة قريبة وأخرى بعيدة. والاستراتيجيتان متكاملتان لا يمكن الفصل بينهما. والتصريحات الصادرة من قادة إيران توضح إلى أين ستذهب إيران.. الرئيس حسن روحاني يؤكد استعداد إيران للعودة للاتفاق خلال ساعة إذا عادت أمريكا للاتفاق. وخامنئي يقول إنه في حال رفع العقوبات سنعود للاتفاق. في حين أن المتشددين يعارضون أي عوده للاتفاق.

وقد استأنفت إيران الأنشطة النووية، ورَفَعت من نسبة التخصيب، وهذا يعني أنها ترحب بالعودة للاتفاق من دون الحاجة للتفاوض ومن دون وضع شروط جديدة، ولا تقبل بدور أي أطراف جديدة وتوسعة الاتفاق. ولعل تصريحات خامنئي هي الأهم، ليس لأنه صانع القرار، بل لأنه كان الأكثر معارضة للاتفاق، وانتقاداً، مما يعني عدم العودة للاتفاق حتى مع إدارة بايدن. وكل ما تريده إيران إنقاذ اقتصادها المنهار بسبب العقوبات التي مَسَّت شرعية ومصداقية الحكم. ويريد خامنئي التخفيف عن ملايين الإيرانيين الذين تضرروا من العقوبات. وكما صرح وزير النفط الإيراني أمام البرلمان أن إيران ستنتج 2,3 مليون برميل بمجرد رفع العقوبات.

 ماذا يفهم من هذه التصريحات؟ يفهم أن عودة إيران للمفاوضات ليست قريبة، ويمكن أن تكون أكثر تشدداً مع فرض أمريكا شروطاً جديدة. إيران تريد أولاً رفع العقوبات والعودة للاتفاق. وقد صمدت أمام عقوبات ترامب لمدة ثلاث سنوات دون الاستجابة.

 خلاصة القول أن أمريكا أمام استراتيجيتين؛ قريبة وبعيدة، وليس سهلاً التحول من الأولى إلى الثانية، الحاجة السريعة للعودة للاتفاق وتخفيف العقوبات، وهذا يمثل عقدة غوردان واستئصالها، ما قد يفتح الباب للتفاوض حول القضايا الأخرى، مثل الصواريخ البالستية والنفوذ الإيراني الإقليمي.

وأخيراً السؤال، أيهما يسبق.. رفع العقوبات الاقتصادية أم تراجع إيران عن كل شروطها؟ ويبدو المشهد الأخير هو الأقرب، أي العودة للاتفاق مقابل التزامات إيرانية وتعقبها مفاوضات، والبحث عن استراتيجية تحفظ ماء الوجه للطرفين.بايدن والنووي الإيرانيبايدن والنووي الإيراني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى