هل قتل الموساد “رئيسي”؟

أطلق حادث تحطم طائرة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي والذي كان عائدًا من أذربيجان والذي لا يزال يحيط به الغموض حتى موعد كتابة المقال، العنان للفرضيات والاحتمالات والأسئلة التي ليس لها إجابات على الأقل حتى الآن، وجاء تصريح المرشد الأعلي علي خامئني بأن إدارة الدولة في إيران لن تتأثر بغياب رئيسي، ودعوة وزير الداخلية الإيراني مواطنيه للصلاة من أجل الرئيس ومرافقيه، وقطع الرئيس الأمريكي جو بايدن أجازته والعودة إلى واشنطن لمتابعة الحادث، وإعلان مصادرة مقربة من الحكومة الإسرائيلية وفاة الرئيس، (وهو ما أكدته السلطات الإيرانية في الساعات الأولى من صباح يوم الاثنين 20 مايو 2024)، والأكثر أن الحادث عملية إغتيال، وليس حادثًا بسبب سوء الأحوال الجوية، كماأعلنت العديد من المصادر الرسمية داخل إيران، فهل قتل الموساد رئيسي؟ أم كان ضحية الصراع على خلافة المرشد الإيراني علي خامئني؟
هل قتلت اسرائيل رئيسي؟
يأتي الحادث وسط توترات إقليمية شديدة بين إيران وإسرائيل، والتي تفاقمت بسبب الحرب في غزة والهجوم الإيراني على إسرائيل بالمسيرات والصواريخ، ردًا على قيام الأخيرة بمهاجمة مبنى القنصلية الإيرانية في دمشق ومقتل عدد من كبار قادة الحرس الثوري الإيراني، ولكن ربما من المرات النادرة التي تحمل أدلة تورط إسرائيل في حادثة وفي ذات الوقت أدلة استبعاد لجوئها لذلك، فإسرائيل العالقة بحرب غزة منذ ما يزيد عن سبعة أشهر، وسط أزمة سياسية داخلية وأشد الأزمات التي تتعرض لها الدولة الإسرائيلية طوال تاريخها الممتد منذ ما يقرب من ثمانين عام خارجيًا، وفي ظل رأي عالمي ضد عدوانها على قطاع غزة، وتدهور غير مسبوق في علاقتها الدولية والإقليمية، في ظل ذلك لا يمكن أن تجازف بمثل هذا العمل الذي من الممكن أن يشعل حربًا مدمرة في الشرق الأوسط، لكن ربما كان هناك من حاول استغلال هذا التوقيت وهذا التوتر لارتكاب الحادث والتخفي وراء إسرائيل، وجاء مكان الحادث أيضًا ليثير العديد من التساؤلات فأذربيجان التي كثيرًا ما اتهمتها إيران بأنها أحد مراكز الموساد في آسيا الوسطي، وأنها تهدد أمن إيران القومي، إلى الحد الذي ساندت فيه إيران أرمينيا في حربها ضد أذربيجان على الرغم من مشاركتهما في المذهب الشيعي، وعلى الرغم من قيام الموساد الإسرائيلي بقتل ما يقرب من 3000 شخص منذ إنشائه في ديسمبر1949، حسب المؤرخ الإسرائيلي رونين برجمان في كتابة “حرب الظل.. إسرائيل وعمليات القتل السرية للموساد”، إلا أنه لم يكن بينهم رؤساء دول، على الرغم من الشبهات التي حامت حوله في محاولة اغتيال ثلاثة من الرؤساء الأمريكيين هاري ترومان وجورج بوش الأب وجون كيندي حسب المؤرخ الإسرائيلي أفنر كوهين في كتابه “إسرائيل والقنبلة”، وأن أقصى ما يمكن أن يقدم عليه الموساد عمليات اغتيال متفرقة خارج الحدود الإيرانية ولشخصيات ليست في هذا المستوي السياسي.
الصراع على خلافة المرشد الأعلى:
تمثل نهاية عهد خامنئي نهاية جيل مؤسسي الثورة الإيرانية ونظام ولاية الفقيه، والذين كانت لهم فلسفة ورؤية في العلاقات الخارجية، وأصحاب نظرية سياسية متكاملة، وهناك إجماع أنه لا توجد شخصية دينية قيادية تكون محل توافق لدى جميع مؤسسات النظام الإيراني الثلاثة القوية (المرشد والقضاء والحرس الثوري) على غرار جيل المرشدين المؤسسين آية الله الخميني وعلي خامنئي، ولن تكون بنفس القوة والمقدرة على السيطرة الكاملة على النخب الدينية والسياسية والعسكرية، على الأقل في المراحل الأولى ومن أهم تلك الأسماء:
1- الرئيس الراحل إبراهيم رئيسي:
ولد رئيسي في مدينة مشهد شمال شرق إيران في نوفمبر 1960، وبدأ رحتله في المجال العام في مدينة قم، وتقابل هناك مع المرشد الأعلى علي خامنئي في عام الثورة 1979، واختير ضمن 70 طالبًا لدورة تدريبية في كيفية إدارة الحكم، وكان خامنئي أحد مدرسيه، وبدأت رحلته مع المناصب العامة في سن مبكرة، إذ عين مدعيًا عامًا في مدينة كرج قرب طهران وهو لم يزل في العشرين من العمر، وأمضى ثلاثة عقود في هيكل السلطة القضائية، من مدعي عام في طهران بين عامي 1989 و1994، ومعاون رئيس السلطة القضائية اعتبارًا من 2004 حتى 2014، ثم مدعيًا عام للبلاد.
وفي عام 2016 أوكل إليه خامنئي مهمة “سادن” أي مشرف العتبة الرضوية المقدسة في مدينة مشهد، وعلى رأس السلطة القضائية بعد ثلاث أعوام وهي أحد الأركان الأساسية للنظام السياسي في إيران، وله سجل سئ في مجال حقوق الإنسان، وإصدار أحكام الإعدام والاعتقالات التعسفية من دون أدلة، وعُرف بقاضي الموت بعد تورطه ضمن لجنة تضم أربعة أشخاص في إصدار أحكام الإعدام لآلاف من الإيرانيين في ثمانينيات القرن العشرين، وتفرض الولايات المتحدة الأمريكية عقوبات على رئيسي لأسباب منها تورطه في تلك الإعدامات، وبعد وصوله للسلطة خطط لحصد أوسع تأييد بين المعسكرات السياسية للمحافظين والأصوليين خاصة بعد انسحاب 3 من أصل 5 مرشحيين من المحافظين المتشددين لصالحه في الانتخابات الرئاسية، ولكنه لم يحقق أهدافه حيث شكل الانقسام بشأن عدة مسائل مثل الحريات الشخصية، حاجزًا دون ذلك.
2- مجتبي خامنئي:
ولد مجتبي في 1969 في مدينة مشهد، وهو ثاني أكبر أبناء المرشد الأربعة، ولم يسبق أن شغل منصبًا عامًا، ويشترك مع شقيقه الأكبر ميسم في الانخراط في الحياة السياسية، حيث خدم كل منهما في القوات المسلحة عام 1988 لمدة عامين، ثم بدأ مجتبي دراساته الدينية في طهران عام 1999 وكان تلميذًا لآية الله محمد تقي مصباح اليزدي، ومن أبرز المرشحين لخلافه والده علي خامنئي خاصة بعد تصاعد سيناريو التوريث في الآونة الأخيرة بعد وصول المرشد للعام الخامس والثمانين من عمره، وكثرة الحديث عن الوضع الصحي المتدهور، وساعد خامنئي على ترسيخ نفوذ ابنه، ونَسْج علاقات قوية مع الأجهزة الأمنية والمؤسسات الفاعلة في إيران، واستطاع أن يقدم نفسه بوصفه رجل دين مؤهل من الناحيتين الفقهية والسياسية مدعومًا بنفوذ والده، الذي أصبح يفوضه المسئوليات الأكثر أهمية، خاصة جزء كبير من سلطته في مكتب المرشد الأعلى الذي هو أهم مراكز السيطرة في النظام السياسي الإيراني، ووسع مجتبى مكتب والده بعد أن كان به 80 موظفًا حين توفي الإمام الخميني أصبح يضم 4000 موظفًا الآن، كما أصبح المكتب مركزًا لنظام معقد للغاية، يضم أكثر من 100 منظمة مؤسسة فرعية، قادتها مسئولون أمام المرشد فقط وليس أمام الحكومة.
وأنشأ مجتبى مركزين للسلطة هما قطاع استخباراتي يضم سبع عشرة جهاز، وجهاز دعائي يضم وسائل الإعلام الحكومية، إلى جانب هيئة نافذه تُعرف بمجلس التخطيط السياسي لأئمة الجمعة، واستخدم تلك المؤسسات لتوسيع نفوذه، وأقنع والده بدعم أحمدي نجاد عام 2005، وأفادت تقارير عدة أنه قاد حملة القمع ضد الاحتجاجات العنيفة بعد التلاعب بنتائج انتخابات 2009 وحصول نجاد على الولاية الثانية، وقد تلقى الدعم من حسين طيب رئيس ميليشيا “الباسيج” الذي أصبح لاحقًا رئيسًا لمخابرات الحرس الثوري، كما أشارت العديد من التقارير أن حسابًا بقيمة 1.6 مليار دولار كشفت عنه الحكومة البريطانية عام 2009 وله صلة بقمع المظاهرات يعود إلى مجتبى، على الرغم من عدم إثبات صحة هذه التقارير.
وأشاد ممثل المرشد الإيراني في مدينة بهارستان في محافظة أصفهان وسط إيران مهدي تاج زاده بمجتبى واصفًا إياه بالحسن المجتبي (الإمام الرابع في المذهب الشيعي)، وأيد توليته منصب والده، وأنه عند اختياره من مجلس خبراء القيادة لا يعني توريثًا؛ فقد خَلف الحسن والده الإمام علي، كما أشار خطيب جمعة بهارستان مير حسين موسوي إلى أن مجتبي أصبح شوكة في عين أعداء الإسلام والثورة.
ختامًا؛ في ظل الصراع على خلافة خامنئي، حيث ينقسم النظام السياسي في إيران بين المؤسسة الدينية والحكومة، ويكون للمرشد الأعلى -وليس الرئيس القول الفصل في جميع السياسات الاستراتيجية- وكان رئيسي منافسًا قويًا على خلافة المرشد، ويحظى مجتبى نجل المرشد بتأييد الأجهزة الأمنية والحرس الثوري لخلافة والده، مما أدى إلى خلافات مع أنصار رئيسي من عناصر التيار الأصولي، وتجلت الخلافات بين الفريق الاقتصادي الموالي لرئيسي والفريق الاقتصادي الموالي للحرس الثوري.
كما برز صراع بين أنصار الحكومة وأنصار مجتبى في البرلمان، إذ يدعم محمد قاليباف رئيس البرلمان مجتبى، بينما تدعم مكونات التيار الإصلاحي ترشيح حسن حفيد الإمام الخميني في الانتخابات الرئاسية القادمة عام 2025، بينما رأى أحد أعضاء مجلس خبراء القيادة الحاليين أن معظم أعضاء المجلس يدعمون مقترح بتشكيل لجنة من خمسة شخصيات يختارون المرشد من بينهم بدلًا من أن يتم تنصيب شخص واحد خلفًا للمرشد، فهل استغلت الدولة العميقة في إيران حالة التوتر الشديد بين ايران وإسرائيل، وفي منطقة يمكن اعتبارها منطقة نفوذ للموساد الإسرائيلي لإبعاد رئيسي عن خلافة المرشد؟ كما فعلت مع صادق لاريجاني، أم أن نتنياهو تخطى جميع الخطوط الحمراء للحفاظ على مصالحه الشخصية في استمرار الحرب في غزة خوفًا من اليوم التالي لإيقاف الحرب والذي يعني انتهاء مستقبله السياسي واستئناف محاكمته التي بدأت قبل طوفان الأقصي بتهم الفساد والرشوة بالإضافة إلى تهمة الإخفاق في التصدي لأحداث السابع من أكتوبر على غرار لجنة أجرانات بعد حرب أكتوبر 19973 وأراد أن يشعل المنطقة والعالم ؟
صادق لاريجاني الذي كان يعد من أبرز رجال الدين المتشددين وعضوًا في مجلس خبراء القيادة عام 1988 ومجلس صيانة الدستور عام 2001، ورئيسًا للسلطة القضائية 2009، ثم رئيسًا لمصلحة تشخيص النظام 2018 خلفًا لمحمود شاهرودي، ورغم ذلك تم اتهامه بالفساد خلال فترة رئاسته للسلطة القضائية