مصر والانخراط الفعال مع إدارة بايدن

د. على الدين هلال
أعتقد أن كثيرًا من دول العالم تقوم الآن بمراجعة لسياساتها الخارجية فى ضوء التوجهات الجديدة لإدارة الرئيس الأمريكى بايدن التى ظهرت خلال حملته الانتخابية، وبلورها فى خطابه الذى ألقاه فى مقر وزارة الخارجية يوم5 فبراير2021.
هذا الأمر ليس جديدًا وخصوصًا عندما تنتقل الرئاسة من حزب لآخر.وأتذكر أنه عندما تولى الرئيس أوباما الحكم 2009، كتبت مقالا فى جريدة الأهرام فى 24 يناير 2009 بعنوان: التوجهات الأمريكية الجديدة .. وماذا يريد العرب من أوباما؟
فى هذا السياق، أسجل تحفظى الشديد على نغمة تظهر فى بعض أوساط الإعلام المصرى والعربي، والتى تضخم من المخاطر التى تحملها الإدارة الجديدة لنا، مثل القول بأن تيار الإسلام السياسى يتمتع بنفوذ كبير فيها وأن الاخوان اخترقوا الكونجرس، أو القول بأن سياساته سوف تؤدى إلى إضعاف القُدرات العسكرية لدول عربية مُهمة ودعم إيران وميليشياتها.
والحقيقة، أن أمور السياسة الدولية لا تناقش بهذه الطريقة، ففى هذه الآراء عبارات مرسلة لا تسندها أدلة حاسمة، وفيها تهويل من تأثير تيارات الإسلام السياسي. وفى كل الأحوال، فإنها لا تنصحنا بما يجب أن نقوم به فى مواجهة المخاطر المُحتملة. ولفهم السياسة الامريكية علينا أن نتذكر حقيقتين. الأولى، أن الولايات المتحدة لها مصالح مستقرة ومستمرة ترتبط بمتطلبات أمنها القومى ولا تتغير بتغير الرؤساء، فهذه المصالح لا يحددها الرئيس بمفرده ولكن عشرات الهيئات الرسمية كمجلس الأمن القومى ووزارات الخارجية والدفاع والتجارة والطاقة وأجهزة المخابرات المتعددة، وكذلك الهيئات غير الرسمية كالشركات الكبرى ومراكز البحوث والإعلام. والثانية، أنه فى هذا السياق فإن الرئيس الأمريكى يستطيع أن يعيد تحديد الأولويات، وأن يغير من أساليب تحقيق المصالح الامريكية وأدواتها،وهذا هو ما فعله ترامب عندما تسلم الحكم فى 2017، وما يفعله الآن بايدن فى الاتجاه المعاكس.
وأعتقد أنه من المفيد للغاية أن نتعرف على الآراء المختلفة بشأن تداعيات توجهات إدارة بايدن على الموقف فى الشرق الأوسط عموما وعلى بؤر الصراع والتوتر فى البلاد العربية خاصة مصر. وأُشير هنا إلى الدراسة التى أعدها السفيرفرانك ويزنر الدبلوماسى الأمريكى المخضرم والذى عمل فى عدد من الدول الإفريقية والآسيوية، واختير سفيرًا فى مصر وزامبيا والفلبين والهند. وأتذكر أنه عندما عمل سفيرًا بالقاهرة فى منتصف الثمانينيات من القرن الماضى أنه كان من السفراء النشطين فأقام علاقات واسعة مع رجال السياسة والإعلام والفكر، وأنه القى محاضرة بكلية الاقتصاد بدعوى من قسم العلوم السياسية الذى كان يرأسه د. إبراهيم درويش وقتذاك.
كتب ويزنر تحليلاً عن تطور العلاقات الأمريكية المصرية ومُستقبلها بمجلة القاهرة للشئون العالمية التى تصدر بالإنجليزية عن الجامعة الأمريكية بالقاهرة، وذلك فى عددها بتاريخ 30 يناير 2021.أكد ويزنر فى هذا التحليل على الدور الإقليمى المهم لمصر فى السنوات القادمة وجادل بأنها مؤهلة لأن تكون شريك أمريكا الاستراتيجى الأكثر قُدرة على القيام بهذا الدور مُقارنة بأى دولة عربية أُخرى فى المنطقة. فأشار ويزنر إلى استمرار أهمية منطقة الشرق الأوسط للولايات المتحدة رغم انخفاض اعتمادها على نفطه، وذلك لوجود مصالح حيوية لها مثل مكافحة الإرهاب، وضغوط اللاجئين الفارين من المنطقة والذين يطرقون أبواب أوروبا، وإسرائيل وضرورة الوصول إلى تسوية سلمية للنزاع الفلسطينى – الإسرائيلى.
ويرى ويزنر أن سعى إدارة بايدن لقيادة العالم تتوقف على قُدرتها على بناء التحالفات الدولية. وأنه فى هذا السياق، فإنها سوف تسعى لإقامة تحالف مع الشرق الأوسط، وفى قلبه مصر.عرض ويزنر لتاريخ العلاقات الأمريكية ـــ المصرية، وما مر بها من مراحل مد وجزر. فأشار إلى الخلافات التى نشأت بين البلدين بخصوص الديمقراطية. ففى الوقت الذى مارست فيه واشنطن ضغوطا على مصر، كان رأى القاهرة أن قيم التسامح والتنوع التى تتسم بها ثقافة المصريين وبيئة الاستقرار السياسى فى البلاد مهددتان بسبب سلوك جماعة الإخوان وسياساتها، ثم سجل تراجع هذه الخلافات فى فترة الرئيس ترامب.
أكد المؤلف أن هذه الخلافات ينبغى ألا تصرف النظر عن حاجة أمريكا للدور المصري.فهذا الدور الذى يمكن أن تقوم به فى سوريا والعراق واليمن وليبيا وشرق المتوسط وإيران هو دور لا غنى عنه، وكتب بالنص: «تظل مصر الدولة الأكبر عددًا فى العالم العربى ومُفتاحا أساسيا للحياة الثقافة والدينية فيه، وأنه لا يوجد عربى ينظر إلى مُستقبل أمن المنطقة وازدهارها دون أن يأخذ مصر بعين الاعتبار، ويضيف أن الدرجة المتقدمة فى العلاقات بين البلدين فى المجالات العسكرية، والأمنية، والخدمية، والدبلوماسية، والحكومية، والأكاديمية والتجارية جاءت ثمرة عمل دءوب ومتواصل فى واشنطن والقاهرة وعلى مدى سنوات طويلة،وأنه ليس من المتصور أن يتجاهل الأمريكيون ذلك فهو فى غير صالحنا. وأن على السياسة الأمريكية أن تنطلق فى علاقتها بمصر من اعتبارات مُتأنية وحريصة. وبالمثل فإن على مصر إدراك العلاقة بين السياستين الداخلية والخارجية، وأن ما تتخذه من قرارات داخلية يؤثر على دورها وصورتها الخارجية.
واشار إلى أن مصر تواجه تحديات كبيرة فى مجالات الاقتصاد والاستثمار والسكان والتكنولوجيا، وأنه فى ضوء ذلك فإن فرص المشاركة بين القاهرة وواشنطن كبيرة. ودعا أمريكا إلى إعادة النظر فى برامج المعونة العسكرية والاقتصادية التى صُممت من عقود، وأن عليها أن تُمول وتدعم خطط وبرامج فى مجالات الحرب على الإرهاب، والصحة العامة، والبيئة، والإنعاش الاقتصادى بعد وباء كوفيد 19».
هذا اجتهاد لرجل يعرف جيدا ما يحدث فى واشنطن والقاهرة، وأعتقد أنه يحمل قدرا كبيرا من الصحة، وأنه ينبغى أن يؤدى بنا إلى الانخراط الإيجابى مع فريق عمل السياسة الخارجية الجديد. فمصر لها مكانتها وتمتلك أوراقها التى تحتاج إليها أى إدارة أمريكية.