تأهيل العائدين من “داعش” وأخواتها…(2)
يُعتبر التأهيل الفكري لجماعات التطرف العنيف عملية مفصلية وأساسية وصعبة. والنجاحُ فيها يُقلص كثيرا من هذه الظاهرة. ويستوجب التأهيل أولا، معرفة مُعمّقة بالأدبيات التي يتبناها المتشددون، وثانيا، البحث في أدبيات بديلة. وتتمحور هذه الأدبيات حول خمسة مفاهيم كبرى مركزية، وبعض المفاهيم الجزئية المرتبطة بها. وحول هذه المفاهيم نذكر: مفهوم التوحيد، مفهوم الجهاد، مفهوم الخلافة، مفهوم الولاء والبراء، ومفهوم التكفير، يضاف إليه البحث في العلاقة بين الدين والدولة.
1) مفهوم التوحيد لدى التيارات الدينية الراديكالية
ينادي تيار الإسلام السياسي وتيارالسلفية الجهادية في العديد من الدول بإقامة الدولة الإسلامية عن طريق الخلافة، ويختلفان جزئيا في طريقة الوصول إلى إقامة هذه الدولة. فتيار الإسلام السياسي يرى أن الوصول إليها يتم عبر مراحل، ربما تكون طويلة، في حين تؤمن السلفية الجهادية بإقامتها حالا. وترى هذه التيارات أن إقامة الدولة الإسلامية نتاج لتجسيم مبدأ التوحيد والحاكمية. من ذلك مثلا أن سيد قطب يرى أن التوحيد (توحيد الله) لا يستقيم من دون تحققه الواقعي على الحكم والسلطة. أما أبو الأعلى المودودي فيعتبر أن إقامة الحكم الإسلامي يمكن أن يتحقق بواسطة العنف، لأن الإسلام في نظره “يُضاد الممالك القائمة على المبادئ المناقضة للإسلام، ويريد قطع دابرها ولا يتحرج في استخدام القوة الحربية لذلك”. ونشير في هذا الصدد، إلى أن حركة النهضة بتونس في ثمانينات القرن الماضي كانت تنصح بعض أتباعها بالدراسة في الكليات الحربية لأنها تعتبر أن رسالة الإسلام السياسي يجب أن تبلغ لكل شرائح المجتمع بما في ذلك الأمنيون والعسكريون (انظر تصريح صالح كركر في كتاب الإسلام السياسي صوت الجنوب لفرانسوا بورغا). ويمكن القول أن حركة النهضة بتونس قد تخلت عن هذا التوجه بعد أزمتها الحادة مع السلطة في تسعينات القرن الماضي، لكن ما تزال هذه الحركة إلى اليوم (2020) لم تتخلى عن توظيف الدين في السياسة وهو ما يجعلها أقرب إلى النحْلة أو الجمعية الدينية منها إلى الحزب السياسي المدني الديمقراطي.
ويرى سيد قطب أن للتوحيد ثلاثة أركان: توحيد على مستوى التصور، وتوحيد على مستوى التعبد، وتوحيد على مستوى التشريع. ويؤكد أن الله مصدر السلطات وليس الشعب ولا الحزب ولا الإنسان. ومن هنا جاء توظيف الجماعات الجهادية لمفهوم التوحيد واعتبارها أن كل سلطة لا تلتزم بتطبيق هذا المفهوم تصبح كافرة ويحلّ قتالها.
2) مفهوم الجهاد لدى التيارات الراديكالية
نجد في الفقه الإسلامي عدة تفريعات لمفهوم الجهاد الذي ينقسم إلى قسمين: الجهاد العام والجهاد الخاص. ويتفرع الجهاد الخاص بدوره إلى قسمين: جهاد الدفع وجهاد الطلب.
فالجهاد العام هو جهاد النفس، وعند بعض الباحثين يُسمّى الجهاد الأكبر. أما الجهاد الخاص فهو الذي يوجد ضمنه القتال والذي ينقسم بدوره كما أشرنا إلى جهاد الدفع وجهاد الطلب. فجهاد الدفع هو قتال من يعتدي على أرضك ويُسمّى حاليا حرب من أجل تحرير البلاد وطرد المستعمر. أما جهاد الطلب فهو أن تذهب لقتال من تعتبرهم كفارا وتحاربهم في ديارهم، وهو ما تتبناه التيارات الدينية الراديكالية حاليا مثل القاعدة وداعش وبوكو حرام وحلفائهم.
أما بالنسبة لتيار الإسلام السياسي فنجد موقفا واضحا لدى مؤسس الإخوان المسلمين حسن البنا لمفهوم الجهاد فهو القائل بأن “الإسلام مصحف وسيف” وهو القائل أيضا: “إن أول درجة من درجات القوة، قوة العقيدة والإيمان، ثم يلي ذلك قوة الوحدة والارتباط، ثم بعدها قوة الساعد والسلاح، ولا يصحّ أن توصف جماعة بالقوة حتى تتوفر لها هذه المعاني جميعا”. وهنا نجد البنّا يُنظّر لعسكرة الجماعة الإسلامية، ومن بعده التقطت الجماعات الجهادية الخيط وفصّلت هذه العسكرة.