ملامح استراتيجية “البنك الزراعي” في زيادة انتاجية محصول القمح 2024؟

في الـ 15 من أبريل عام 2024 ومع انطلاق الموسم الجديد لتوريد القمح في 190 موقع على مستوى محافظات الجمهورية، استمر البنك الزراعي المصري يُمارس دوره الكبير في إدارة هذا المحصول الاستراتيجي، الذي يُعتبر نواه أساسية لتحقيق الأمن الغذائي داخل الدولة المصرية، وفي هذا الإطار بدأ البنك في استلام محصول القمح من المُزارعين والموردين في المواقع التخزينية المختلفة، وهو الأمر الذي انعكس بشكل كبير على تسهيل عملية التوريد، التي تُعتبر سلسلة أساسية في سلسة وصول مجموعة من السلع الهامة مثل الخبز والمكرونة إلى المواطنين.

وتأسيسًا عما سبق، يتطرق هذا التحليل إلى التعرف على دور البنك الزراعي المصري في عملية توريد القمح، وكيف سينعكس هذا الدور على الاقتصاد المصري.

ماهية الدور:

يُمكن التعرف على دور البنك الزراعي المصري في عملية توريد القمح، من خلال النقاط التالية:

(-) تجهيز مُسبق: اعتمد البنك الزراعي المصري على إيديولوجية ” الاستعداد للحدث” قبل أن يأتي، وهو ما يرفع من نسب النجاح في تنفيذ هذا العمل بشكل كبير، وفي هذا الاطار حرص البنك الزراعي المصري على توفير كافة مقومات النجاح لموسم توريد  القمح  وتسهيل عمليات التوريد من صغار المزارعين والموردين،  فقد نفذ البنك خطة شاملة؛ لتجهيز المواقع والمساحات التخزينية؛ لاستقبال موسم توريد القمح،  تتضمن تنفيذ عمليات التطهير لأرضيات الشون وتبخير الفوارغ؛ لضمان تحقيق أعلى معايير جودة التخزين وتوفير نحو 5 مليون جوال من أجوله الجوت الجديدة ( 2.5 لبرا ) للتعبئة، فضلاً عن توفير موازين البيسكول ودمغ الصنج والموازين الطبلية بالتعاون مع مصلحة الدمغة والموازين ومراجعة كافة إجراءات الأمن والسلامة بالمواقع المختلفة؛ لضمان تحقيق أعلى معايير الأمن والسلامة؛ حفاظا على الأقماح المُخزنة وسلامة العاملين في تلك المواقع، هذا بالإضافة إلي تدريب القائمين علي منظومة القمح علي أعمال الوزن والفرز بالتعاون مع الهيئة القومية لسلامة الغذاء. وذلك بهدف زيادة معدلات التوريد من القمح المحلي؛ لمساندة جهود الدولة في استلام محصول القمح الاستراتيجي والحفاظ عليه وفق المواصفات التي حددتها وزارة التموين، ومن هنا توقع البنك الزراعي بصفته المؤسسة البنكية التي تهتم بقطاع الزراعة، أن كميات الاقماح المُستلمة من هذا الموسم ستزداد عن المواسم السابقة؛ نتيجة الإجراءات والحوافز التشجيعية التي وفرتها الدولة لموردي القمح.

(-) ألية فعالة: يمتلك البنك الزراعي المصري أكبر مساحات تخزينية لاستلام وتخزين الأقماح منتشرة في القرى والمراكز على مستوى الجمهورية، حيثُ قام البنك بزيادة عدد المواقع التخزينية هذا العام لتصل إلى 190 موقع تخزيني بقدرة استيعابية؛ لاستقبال نحو 800 ألف طن قمح خلال الموسم، وهو ما يوضح اهتمام البنك بأن تنتشر الشون التخزينية على مستوي الجمهورية؛ حتى تخدم جميع محافظات مصر بما يحقق الشمولية في تقديم الخدمة، كما تُساعد البنية التحتية المتطورة للبنك الزراعي علي القيام بمهام توريدات القمح بصورة اكثر كفاءة ،  حيث يمتلك البنك الزراعي المصري سعات تخزينية  تقدر بحوالي 4.2 مليون متر مربع على مستوى الجمهورية بجميع المحافظات والقرى ، مما يؤكد أن البنك الزراعي المصري يعمل علي كافة المحاور التي تدعم قيامه بأدواره الوطنية .

(-) دعم وتشجيع مزارعي القمح والموردين: يدعم البنك الزراعي المصري مزارعي القمح، من خلال زيادة قيمة السلفة الزراعية لمحصول القمح بالتنسيق مع وزارة الزراعة التي يحصل عليها الفلاح بفائدة 5% فقط لتصل إلى 18 ألف جنية لفدان الري التقليدي، و21.5 ألف للري الحديث؛ لمساعدة الفلاح في تحمل ارتفاع اسعار تكاليف الزراعة ومستلزمات الإنتاج، ومن ناحية أخرى سنجد أن  جميع السعات والمواقع التخزينية للبنك، تقوم باستلام أي كمية من القمح مهما كانت صغيرة ؛ لتشجيع صغار المزارعين لتوريد محصولهم مباشرة للبنك دون وسيط والاستفادة من السعر المُعلن، علاوة على أن البنك يقوم بالاستلام في مراكز ونقاط التجميع في أجوله بلاستيك؛ تيسيراً على العملاء للتشوين وتسهيل عملية سحب القمح من الشون أولاً بأول، كما أن البنك سمح للمزارع أو المورد بالوزن في أقرب ميزان بسكول له، على ان يتم مراجعة الوزن بمعرفة أمين الشونة ومندوب جمعية القبانة وغيرها من التيسيرات الأخرى التي تستهدف توفير الجهد والوقت على المزارعين والموردين . وهو ما يتوافق مع الاستراتيجية الوطنية للدولة المصرية التي توفر كل سبل الدعم للمزارعين وتشجيعهم على التوسع في زراعة المحاصيل الاستراتيجية؛ لتكوين مخزون استراتيجي آمن منها على نحو يُسهم في تحقيق الاكتفاء الذاتي؛ لتخفيض الفاتورة الاستيرادية، وهو الأمر الذي يُحسن ميزان المدفوعات في الدولة المصرية

(-) أساليب تكنولوجية حديثة: تحتل الأساليب التكنولوجية اهتمام كبير في خطط عمل البنك الزراعي المصري، ففي إطار توريد القمح وضع البنك منظومة متكاملة؛لاستقبال القمح، تهدف إلى التيسير على عملائه من المزارعين والموردين؛ لتوريد محصولهم للسعات التخزينية التابعة للبنك ، من خلال توفير منظومه جديدة لاستقبال القمح يتم إدارتها إلكترونياً بالكامل من خلال توفير ماكينات نقاط البيع POS” “في كافة المواقع التخزينية، يتم من خلالها توفير قاعدة بيانات لحظية تشتمل على معلومات خاصة بكل مورد والكمية الموردة ودرجة الفرز وغيرها من البيانات التي سيتم ربطها بشاشات عرض ذكية مرتبطة بالمركز الرئيسي والشون وكافة فروع البنك بالمحافظات؛ للاطلاع على الكميات الموردة أولاً بأول لكل شونة ومراقبة الأداء بها، وذلك بالتعاون مع البورصة المصرية للسلع، كما أن البنك قام بإنشاء غرفة عمليات خاصة بموسم توريد القمح المحلى لمراقبة وتنظيم عمليات التوريد،

ومن هنا يُمكن القول إن هذه المنظومة التكنولوجية ستستهم في التيسير على الموردين، حيث ستمكنهم من صرف القيمة  المالية للكميات الموردة نقداً أو من خلال حسابه البنكي خلال 24 ساعة، حيثُ أتاح البنك للموردين فتح حساب بنكي بالمجان في البنك الزراعي المصري والحصول على كارت بنكي؛ لتسهيل صرف مستحقاته  من أي ماكينة صراف آلي أو فرع بنك، كما يتيح البنك الدفع للموردين بالوسيلة التي يختارونها ، على أن تكون المبالغ المستحقة للموردين مُعفاة من أي مصاريف إدارية أو عمولات بنكية وتصرف كاملة وفقا لأسعار الشراء والحوافز التي أقرتها الدولة؛ فكل هذه الأساليب التكنولوجية المُستخدمة سترفع من كفاءة توريد القمح داخل الدولة المصرية، وتشجيع الحلقات الأساسية ( المزارعين والموردين) في هذه الزراعة على استكمال دورها ومهمتها.

مردودات إيجابية:

يُمكن التعرف على الانعكاسات الإيجابية لدور البنك الزراعي في مواسم توريد القمح، على النحو التالي:

(-) توفير مخزون استراتيجي أمن لمحصول القمح: ينعكس على اهتمام البنك الزراعي المصري، بإدخال التكنولوجيا الحديثة في عمليات توريد القمح، توفير مخزون استراتيجي من القمح يتصف بدرجة عالية من الأمان، مما سيعمل على تقليل معدلات الهدر في محصول القمح، وبذلك يكون البنك قد ساهم في الحفاظ على سلعة استراتيجية هامة لتحقيق الأمن الغذائي، وهو الأمر الذي يُحقق توافر عالي لهذا المحصول داخل الدولة المصرية.

(-) تدعيم ملف الأمن الغذائي: إن الهدف الأكبر للدولة المصرية في الوقت الحالي هو تحقيق الأمن الغذائي بمُعدلات مرتفعة، إذ أن توجهات الحكومة في الوقت الحالي تتجه نحو دعم السياسات والإجراءات التي تُحقق الأمن الغذائي، وهو ما يعمل عليه البنك الزراعي بدرجة كبيرة، فالقمح من المحاصيل الاستراتيجية التي ينعكس على توافرها بقدر كبير داخل الدولةاستقلالية الاقتصاد، وإشباع احتياجات المواطنين بشكل كبير، إذ أن مصر بعدد سكانها الذي يفوق الـ 100 مليون، تحتاج سنويًا 20 مليون طن من القمح، وهو ما يوضح أن السياسات المختلفة لدعم هذا المحصول، تزيد من الإنتاج المحلي، وهو ما يُغطي الطلب الداخلي، مما يُحقق الأمن الغذائي بدرجة كبيرة.

(-) تحسين ميزان المدفوعات: تُسبب الزيادة السكانية التي تُعاني منها الدولة المصرية، ارتفاع الواردات المصرية من القمح بشكل كبير، خاصة من روسيا وأوكرانيا كما يوضح الشكل رقم (1)، إذ تبلغ واردات القمح المقدرة للفترة 2023/2024 حوالي 12 مليون طن متري، بزيادة قدرها 7% عن العام المالي 2022/2023، وكان أكبر المصدرين روسيا (8.1 مليون طن متري) والاتحاد الأوربي (1.8 مليون طن متري) وأوكرانيا (856.377 طن متري)، وفي العام المالي 2022/  2023 استوردت  الهيئة العامة للسلع التموينية حوالي 5.8 مليون طن من القمح، وهو ما يوضح أن بعد الأزمة الروسية الأوكرانية وارتفاع تكلفة واردات القمح، سيتأثر ميزان المدفوعات المصري بشكل كبير، ولكن مع سياسات البنك الزراعي المصري التي تسير جنباً إلى جنب مع سياسات الدولة المصرية في دعم زراعة محصول القمح محليًا، سيتحسن ميزان المدفوعات المصري؛ نتيجة الانخفاض في واردات القمح.

الشكل رقم (1) يوضح حجم استيراد الهيئة العامة للسلع التموينية من القمح من 2018 إلى 2022 

المصدر: وزارة التموين والتجارة الداخلية

(-) زيادة وعي المزارع: نظرًا لأن المزارع هو العنصر الأساسي في تحقيق معدلات عالية من الأمن الغذائي في مصر، فإن السياسات التي يتبعها البنك الزراعي لزيادة ثقافة المزارع في التعامل مع مختلف السلع الزراعية بشكل يحقق الكفاءة الاقتصادية، ستعمل على إشراك المزارع بشكل أساسي في عملية التنمية الاقتصادية، وهو ما سيرفع القيمة المضافة للقطاع الزراعي في المنظومة الاقتصادية المصرية.

(-) تعزيز الدور الوطني للبنك: إن مشاركة البنك في تحقيق أهداف الدولة بفعالية، سيعمل على تقوية البنك الزراعي بين البنوك الأخرى، حيث سيصبح من البنوك الأساسية التي سيلجأ لها المواطن في كثير من الأحيان، مما سينعكس على أرباح البنك وتحقيق معدلات أداء مرتفعة، ستعزز من قوة القطاع المصرفي برمته في مصر، مما يأتي في مصلحة الاقتصاد القومي.

وعليه، يُمكن القول إن البنك الزراعي المصري أصبح من البنوك الاستراتيجية التي تدعم الدولة المصرية في تحقيق هدفها الأسمى الخاص بتوفير الأمن الغذائي على أراضيها، إذ أن الدور الذي يقوم به البنك في مواسم توريد القمح، والسياسات الداعمة لمزارعي القمح، تعمل على توفير محصول استراتيجي هام، يُشكل نسبة لا يُستهان بها في هيكل واردات الدولة المصرية، وهو الأمر الذي سينعكس على الاقتصاد المصري بشكل إيجابي كبير.

رضوى محمد سعيد

رئيس برنامج الدراسات المصرفية بالمركز، والمشرف على برنامج دراسات السياسات العامة. الباحثة حاصلة على بكالوريوس اقتصاد، كلية اقتصاد وعلوم سياسية- جامعة القاهرة، الباحثة مهتمة بتحليل القضايا الاقتصادية الكلية، عملت كباحثة متخصصة في تحليل السياسات العامة المصرية بالعديد من الشركات المتخصصة ومراكز الفكر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى