رفع سقف التوقعات: ماذا بعد انتخاب “بازوم” رئيساً للنيجر؟ 

أعلنت اللجنة الوطنية للانتخابات في النيجر فوز مرشح الحزب الحاكم “محمد بازوم” بجولة الإعادة من الاستحقاقات الرئاسية التي جرت في 21 فبراير الجاري، ليخلف بذلك الرئيس المنتهية ولايته “محمدو يوسفو”، حيث حقق “بازوم” فوزاً صعباً بنسبة 55.75% من أصوات الناخبين، مقابل حصول مرشح المعارضة “ماهاماني عثمان” على 44.25%، وهو ما يطرح العديد من التساؤلات بشأن مستقبل العملية السياسية في هذا البلد الإفريقي الذي يعاني من العديد من الإشكاليات الأمنية والاقتصادية والاجتماعية.

تفاصيل عملية الحسم:

أعلن رئيس اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات “إيزيكا سونا” في حضور كبار المسؤولين وأعضاء السلك الدبلوماسي، نتائج الجولة الثانية للانتخابات الرئاسية والتي شهدت منافسة قوية بين مرشح الحزب الحاكم “محمد بازوم” – الذي ينتمي إلى الأقلية العربية في النيجر- ومرشح المعارضة “ماهاماني عثمان”، حيث نجح الأول من تحقيق فوزاً صعباً ليخلف الرئيس النيجري المنتهية ولايته “محمدو يوسفو”. فقد توصل مرشح المعارضة ” ماهماني عثمان” إلى إتفاق مع عدة منافسين لدعمه في الجولة الثانية من الانتخابات، وكان أبرز هؤلاء الداعمين له هو وزير الخارجية السابق “إبراهيم يعقوب”، والذي كان قد دعم الرئيس المنتهية ولايته “يوسفو” في انتخابات عام 2016، وهو ما دفع الرئيس لمكافأته بمنصب وزاري، بيد أنه ما لبث أن أقاله لاحقاً بسبب “عدم ولائه” لينضم “يعقوب” إلى المعارضة.

جاءت جولة الحسم بعدما فشل المتنافسون في حسم المعركة الانتخابية من الجولة الأولي، والتي شهدت نسبة كبيرة من المشاركة في التصويت بلغت حوالي 70%، بعدد بلغ 5.2 ناخباً من أصل 7.4 مليون مسجل من إجمالي عدد السكان البالغ 23 مليون نسمة. كما أرتبطت الجولة الأولي من الانتخابات الرئاسية بتصويت الناخبين على 85 لائحة تتنافس على 166 مقعداً في البرلمان النيجري، والذي يبلغ إجمالي مقاعده 171 مقعداً، إذ أن هناك 5 مقاعد مخصصة للجاليات يصوت عليها نواب البرلمان أنفسهم.

وشهدت الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية منافسة قوية بين عدد كبير من المتنافسين – بلغ حوالي ثلاثون مرشحاً- على منصب رئاسة الجمهورية، بيد أن أبرز هذه الأسماء تمثلت في رئيسا الوزراء السابقين “سيني أومارو” و”البادي أبوبا” واللذان حصلا على نسبة 8.95% و7.07 % على التوالي من الأصوات، متقدمين على وزير الخارجية السابق “إبراهيم يعقوب” الذي احتل المرتبة الخامسة بنسبة 5.38 % من الأصوات، وكان من بين المرشحين أيضاً رئيس الدولة السابق الذي قام بانقلاب في 2010، الجنرال المتقاعد “سالو جيبو”، بينما جاء “بازوم” في المركز الأول بنسبة 39.33 % من الأصوات في الجولة الأولى، فيما حل منافسه الرئيس السابق “ماهمان عثمان” في المرتبة الثانية بنسبة 16.99%، مما مهد للأخيرين للإنتقال إلى جولة الحسم.

أول عملية انتقال سلمى للسلطة:

تمثل هذه الانتخابات سابقة في تاريخ النيجر- والتي تعد أحد أفقر الدول الإفريقية التي قوضتها هجمات الجماعات الإرهابية- باعتبارها تمثل أول انتقال ديموقراطي سلمي للسلطة منذ استقلالها عن فرنسا عام 1960، والتي سيغادر على إثرها الرئيس “محمدو يوسفو” الذي يحكم البلاد منذ عام 2011 بعد انتهاء ولايتيه الرئاسيتين. إذ لم تشهد النيجر – الواقعة في منطقة الساحل الإفريقي- أي إنتقال للسلطة بين رئيسيين منتخبيين منذ الاستقلال، وذلك بسبب الإنقلابات التي أعتادت أن تطيح بالرؤساء على غرار تلك التي حدثت في سنوات (1974 و1996 و1999 و2010).

ومن جانبه أكد “محمد بازوم” أنه سيعمل على تدعيم العمل المنجز خلال السنوات العشر الأخيرة تحت قيادة الرئيس “محمدو يوسفو”، وذلك انسجاما مع شعار حملته الرئاسية، مشيراً إلى أنه سيمضي قدما في اتجاه تحقيق الأهداف التي قدمها للشعب النيجري خلال برنامجه الانتخابي.

كذلك، أكد “بازوم” في خطابه أن النيجر مدينة إلى الأبد للرئيس “يوسفو”، نظراً لاحترام الأخير للدستور وتجنب تكرار السيناريوهات التي شهدتها العديد من الدول الإفريقية خلال الأشهر الأخيرة، والتي لجأ زعماؤها الذين أنتهت مدتهم الثانية إلى تعديل الدستور لضمان استمرارهم في الحكم لفترة جديدة، على غرار ما حدث مؤخراً في غينيا وساحل العاج وغيرها من دول غرب إفريقيا.

إشكاليات معقدة:

على الرغم من المنافسة القوية التي شهدتها الاستحقاقات الرئاسة في النيجر، بيد أن “محمد بازوم” كان هو الأوفر حظاً منذ البداية لتحقيق الفوز بهذه الانتخابات، باعتباره الذراع اليمني للرئيس “يوسفو”، فضلاً عن كونه مرشح الحزب الحاكم “الحزب النيجري من أجل الديمقراطية والاشتراكية” الذي حقق خلال ديسمبر 2020 فوزاً كبيراً في الانتخابات المحلية التي شهدتها البلاد.

إضافة إلى كون ” بازوم” يعد من الشخصيات المعروفة داخليا بين المواطنين، نظراً لشغله منصب وزير الداخلية ووزير الخارجية في وقت سابق، وتعهده خلال حملته الانتخابيه بتسليط الضوء على ملفي الأمن والتعليم. وقد تعززت فرص فوز ” بازوم” بالمنصب بعدما قررت المحكمة الدستورية استبعاد أبرز قادة المعارضة “حماه أمادو” باعتباره غير مؤهل لأنه حكم عليه بالسجن لمدة عام على خلفية مشاركته في شبكة تهريب أطفال إلى النيجر، وهو الأمر الذي رأت فيه قوى المعارضة محاولة من قبل النخبة الحاكمة لاستبعاد “أمادو”.

لكن، ثمة إشكاليات معقدة سوف يتعين على الرئيس النيجري الجديد التعامل معها، يأتي في مقدمتها تلك المعضلات المتعلقة بالأمن ومكافحة الجماعات الإرهابية، فقد شهدت الانتخابات المحلية الأخيرة هجمات شنها عناصر إرهابية مرتبطة بجماعة “بوكو حرام” وقع على إثرها 34 قتيلاً بمنطقة “ديفا”، كذلك قامت هذه المجموعات الإرهابية بهجوم آخر في غرب النيجر – حيث ينشط تنظيم داعش في الصحراء الكبرى- قبيل الانتخابات الرئاسية، قتل خلالها 7 جنود، وهو ما يعكس المعضلة الأمنية التي تعاني منها النيجر، والتي تقاتل منذ سنوات في حرب شرسة ضد تنظيم “داعش في الصحراء الكبرى” الذي ينشط في جنوب غرب البلاد، وكذلك ضد جماعة “بوكو حرام” التي تنشط في جنوب شرق النيجر.

 وعلى ما سبق، يمكن القول إن ملف الأمن لا يزال يمثل أبرز التحديات الوجودية أمام الحكومة النيجرية على الرغم من الدعم الدولي والإقليمي لها في مكافحة الجماعات الإرهابية، فقد تسببت الهجمات المتواصلة للجماعات الإرهابية في مقتل الآلاف ونزوح مئات الآلاف منذ عام 2010. ويضاف لذلك معضلة أخرى ترتبط بنسب الفقر المرتفعة في نيامي والتي تعد أحد أفقر المناطق في القارة الإفريقية، فضلاً عن أزمتي النزوح والفساد التي تزيد من تفاقم الأوضاع هناك.

كذلك، يمثل النمو الديموغرافي أحد أبرز التحديات التي تواجه النيجر، حيث تسجل الأخيرة أعلى معدل خصوبة في العالم، وذلك بمعدل قياسي يزيد عن سبعة أطفال لكل سيدة، وهو ما ينعكس في النمو السكاني السنوي هناك، والذي يبلغ 4% سنوياً، وهو ما يعني أن الدولة التي يبلغ عدد سكانها 23 مليون نسمة من المتوقع أن يصل تعدادها في عام 2050 حوالي 70 مليون نسمة.

رفع سقف التوقعات:

أعلن “محمد بازوم” الفائز في الانتخابات الرئاسية الأخيرة أن برنامجه الانتخابي الذي سيسعى إلى تحقيقه خلال فترة ولايته الأولى يأتي تحت مسمى “عصر النهضة الثالثة”، باعتبار أن عصر النهضة الأولي والثانية للبلاد قد شهدتها النيجر خلال الولايتين الأولى والثانية للرئيس “يوسفو”، في إشارة إلى التقدم الإنمائي المطرد الذي شهدته نيامي خلال السنوات العشر الأخيرة، حيث أنخفضت نسبة الأفراد الذين يعيشيون تحت مستوى خط الفقر من 48% في عام 2011 إلى 40% عام 2020، فضلاً عن تعزيز الأمن الغذائي في مناطق الريف، كما تم اصلاح العدالة السياسية من خلال تقديم المساعدات القانونية إلى 15000 فرد، وكذلك برنامج لإطلاع السجناء على حقوقهم الأساسية وتقديم المشورة للمتجزين الشباب.

وقد ركزت خطة “بازوم” المقترحة على توسيع التعليم الثانوي للفتيات، حيث أشار إلى أن هذا الأمر ربما ينعكس في خفض مستوى النمو السكاني المتفاقم، كما أنه وعد بتوجيه وزارة الصحة لإطلاق حملة لشأن القضايا الإنجابية.

من ناحية أخرى، تثير سياسة ارتباط ” بازوم” بالغرب، وتحالفه الأمني المعلن مع الولايات المتحدة وفرنسا تحديات كبيرة أمامه في المرحلة المقبلة، فثمة حالة من عدم الارتياح تسيطر على الداخل النيجري تجاه التوافق الاستراتيجي مع الغرب، حتى في ظل ادراكهم لضرورة هذا الأمر في ظل التحديات الأمنية المتفاقمة، والسياق الإقليمي المضطرب، لذا فقد عمد “بازوم” في الفترة الأخيرة التي سبقت جولة الحسم إلى طمأنة التخوفات الداخلية بهذا الأمر، من خلال الإعلان عن خطة أمنية وطنية مفادها مضاعفة حجم القوات المسلحة إلى 50000 على مدى السنوات الخمس المقبلة، فضلاً عن إنشاء مراكز تدريب عسكرية جديدة وكلية أركان للضباط، ولعل هذا أحد الاسباب التي عززت موقفه ضد خصمه من المعارضة.

كذلك، واجه “بازوم” تحدياً كبيراً في فترة ما قبل الانتخابات، في إطار الشائعات التي إثيرت حول أصله الليبي، ما أدى إلى رفع دعوى قضائية للطعن في أهليته للترشح، وهو ما نفته المحكمه لاحقاً وعمد ” بازوم” إلى توضيح الأمر خلال لقاء تلفزيوني سبق عملية التصويت في الجولة الأولى، ولعل هذه الإتهامات التي تعرض لها “بازوم” ترتبط بكونه من أصل عربي من قبيلة “أولاد سليمان” العربية الصغيرة، في قرية بالقرب من بحيرة تشاد، بيد أن كونه مدعوماً من قبل الرئيس “يوسفو” بصفته هوسا من تاهوا في الوسط، ساهمت في تجاوز هذه الإنتقادات.

وقد حرص “بازوم” خلال حملته الانتخابية على طرح رؤية واضحة بشأن مكافحة الجماعات الإرهابية، مستفيداً من عمله السابق كوزير للداخلية، وموقفه الحاسم تجاه ملف مكافحة الإرهاب والتي يرى فيها الرئيس النيجري الجديد سبباً رئيسياُ في تراجع الإقتصاد في نيامي، ولعل هذا قد يرتبط بتوقيت الهجمات الإرهابية التي سبقت الإنتخابات الرئاسية في النيجر، والتي ربما تحمل رسائل مباشر من قبل الجماعات الإرهابية للسلطة الجديدة مفادها أنها عازمة على استمرار نشاطها هناك.

مفترق طرق:

تمثل الانتخابات الأخيرة في النيجر خطوة هامة في طريق الانتقال الديموقراطي في هذه الدولة الإفريقية التي عانت لعقود طويلة من الإضطرابات الداخلية وعدم الاستقرار السياسي، فضلاً عما تمثله من تقدم متوقع في إطار التعامل مع الإشكاليات الأمنية والاقتصادية والديموغرافية التي تعاني منها النيجر، لكنها في المقابل ستمثل هذه الخطوة اختباراً هاماً لعمليات الإنتقال السلمي للسلطة في هذه المنطقة، وتداعيات ذلك على المعضلة الأمنية التي تواجه معظم دول منطقة الساحل الإفريقي، فمن المرجح أن تمثل الحدود المشتركة مع مالي وبوركينا فاسو ونيجريا تحديأ كبيراً لحكومة الرئيس “بازوم”.

كذلك، يجب الأخذ في الإعتبار أن تدهور الأوضاع الأمنية في النيجر يرتبط بشكل مباشر بموقعها الجغرافي على مفترق طرق الجماعات الإرهابية في المنتشرة بمنطقة الساحل الإفريقي، ومن ثم تبقى التساؤلات مطروحة بشأن قدرة النخبة الحاكمة في النيجر -والتي باتت تسيطر على السلطة التنفيذية والتشريعية- في تحقيق تقدماً في الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المتدهورة، فضلاً عن قدرتها في تعزيز التنسيق مع دول الجوار والشركاء الدوليين في مكافحة الجماعات الإرهابية، وذلك بالتوازي مع الرؤية التي يتبناها الرئيس النيجري الجديد بشأن تعزيز القدارات المحلية – من قوات الجيش والشرطة- في التعامل مع الإشكالية الأمنية الراهنة، ونشاط الجماعات الإرهابية الذي يشمل تجارة الأسلحة والإتجار بالبشر.

في النهاية، يمكن القول إن النيجر باتت تحظى مؤخراً باهتمام إقليمي ودولي كبير، نظراً للدور المحوري الذي تتطلع به نيامي في استراتيجية مكافحة الإرهاب في هذه المنطقة الحيوية من القارة الإفريقية، فضلاً عن المقومات الجيوسياسية التي تمتلكها النيجر – باعتبارها حلقة وصل بين شمال إفريقيا ومنطقة إفريقيا جنوب الصحراء- والتي جعلتها أحد أبرز الأطراف التي يعتمد عليها الشركاء الدوليين في عملية حفظ الأمن في منطقة الساحل والصحراء، وذلك على الرغم من الإمكانيات المادية المحدودة لها. وبالتالي في إطار عملية التكالب المتزايد من قبل الفواعل الإقليمية والدولية على إفريقيا، تبقى هناك فرصة أمام السلطة الجديدة في النيجر للاستفادة من هذه المعطيات بالشكل الذي قد يمكنها من تعزيز قدراتها الأمنية والاقتصادية لتجاوز الإشكاليات المعقدة التي تواجهها.

لكن، على الرغم من أهمية التطورات الأخيرة التي تشهدها النيجر، بيد أن ثمة شكوكاً لا تزال قائمة بشأن مستقبل الاستقرار السياسي في النيجر، خاصةً في ظل هشاشة التعديدة السياسية هناك في ظل هيمنة الحزب “النيجري من أجل الديموقراطية والإشتراكية” الحاكم، ومن ثم تبقى احتمالات حدوث انتكاسة لتجربة الإنتقال السلمي في النيجر موجودة، وذلك على غرار العديد من الخبرات المماثلة التي شهدتها بعض دول القارة الإفريقية، وربما يدعم هذا الطرح التاريخ السياسي للنيجر والملئ بتجارب الانقلابات.

عدنان موسى

باحث في الشئون الأفريقية معيد بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة، وباحث سياسي منذ 2013، نشر العديد من الدراسات والأبحاث الخاصة بمنطقة الشرق الأوسط وأفريقيا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى