تموقع اضطراري: ما هي حدود الدور الإعلامي فى مواجهة الكوارث والأزمات؟
ساهمت التطورات المتلاحقة التي شهدتها تكنولوجيا الاتصال وإتاحة المعلومات، في تنامي دور الإعلام في معالجة الأزمات والكوارث، ومنحه القدرة على إثارة الموضوعات وتوجيه الاهتمام لما يستجد من قضايا ومشكلات.
ولعل من أكثر الأخبار التى تثير شهية وسائل الإعلام وتتنافس من أجل الحصول على معلومات بشأنها، هي المتعلقة بالأزمات والكوارث، التي تقع بين الحين والآخر والتى صارت جزء لا يتجزأ من نسيج الحياة المعاصرة.
الحاجة إلى المعلومات:
تعد الأحداث المأساوية، التي تخلف ضحايا وتثير الأزمات، مادة خصبة لوسائل الإعلام التي تسعى لتلبية رغبة الجماهير الملحة في الحاجة إلى معرفة كل المعلومات عن الموضوعات المثيرة للاهتمام، والتي تجذب الانتباه، وهي حاجة متأصلة بعمق فى النفس البشرية، فالناس فى حاجه إلى أن معرفة الأخبار، خاصة السلبية منها، والتي ترتبط بالأزمات والكوارث والفضائح والحوادث الطارئة، مما يدفع وسائل الإعلام للتسابق في تغطية تلك الأحداث تغطية واسعة النطاق، سيما لو كانت مؤثرة على الأداء الأمنى.
ومن منطلق هذا الدور المتنامى والحيوى الذي يقوم به الإعلام فى معالجة مختلف مجالات الحياة كافة، بوسائله المختلفة دوراً مهماً وخطيراً فى الأزمات والكوارث التى تواجه الأفراد والمجتمعات والمنظمات، وهو دور مؤثر فى كل مراحل الأزمة، سواء قبل حدوثها أو أثنائها أو بعد انتهاء أحداثها وتداعياتها.
وتمثل الأزمة في أقرب تعريفها، أنها: “حدث مفاجىء غير متوقع له نتائج سلبية، وقد ينتج عنه خسائر فى الأرواح والأموال، وتتلاحق فيه الأحداث بصورة تجعل متخذ القرار فى حيرة من أى قرار يتخذه، خاصة فى حالة عدم توافر المعلومات الدقيقة عن طبيعة الأزمة وأسبابها وتطورها، مما يعكس حالة من الارتباك فى مواجهة تداعيات الأزمة.
أهمية معالجة الأزمة إعلاميا:
تلتزم وسائل الإعلام عموما، في تعاملها مع الأزمات والكوارث بمجموعة من الضوابط، أهمها:
الالتزام بالدقة وعرض الحقائق للجماهير، بموضوعية دون تهويل.
الاهتمام بعرض وجهة النظر الرسمية للمنظمة أو للدولة التى تساعد على تهدئة الرأى العام.
الاعتراف بالأخطاء التى قد تحدث أثناء عمليات الإنذار والإغاثة.
سرعة نشر الحقائق اللازمة لخلق مناخ صحى يحتوى آثار الأزمة ويعمل على تخفيف حدتها.
وتكمن أهمية البعد الإعلامى فى إدارة الأزمات، فيما يلي:
_تعدد وسائل الإعلام وقوة تأثيرها: فقد تمكنت وسائل الإعلام، بفضل تطور تكنولوجيا الاتصال والدخول في عصر السماوات المفتوحة، من توجيه رسائلها على مدار الساعة، إلى المكان الذى تريد، وفى الوقت الذى تحدد، وإلى الجمهور الذى تستهدف، بغض النظر عن الفواصل الجغرافية أو اعتبارات السيادة الوطنية، أو التشريعات القانونية، إذ باتت وسائل الإعلام نوافذ متاحة لكل الأفراد للإطلاع على الأخبار والأحداث أولا بأول، ومعرفة كل أبعادها، ومن أكثر من مصدر، ونتيجة لتعدد وسائل الإعلام المعاصر، الذي تميز بالكثافة والتنوع، أدى إلى شدة المنافسة فيما بينها للاستئثار بأكبر عدد من الجمهور، وتزايد جهودها لتقديم رسائل مبتكرة ومتطورة وجذابة، تمنحها القدرة على المناغسة والتأثير.
_المناخ السيكولوجي (النفسى) للأزمة: فباعتبارها موقف استثنائى معقد، تخلق الأزمة مناخاً نفسياً يحوطه التوجس والتوتر، ويتميز بعدة سمات، تشمل:
_الإحساس بنوع من التوتر والخوف، كرد فعل لعنصري التهديد والخطر المصاحب للأزمة، مما يشد انتباه الفرد، ويستدعى استجابات وردود أفعال، تبرز الحاجة للأمن والاحتواء، وبث الطمأنينه.
_البحث عن إجابة عن السؤال المحورى .. ماذا حدث؟ والتعطش المصاحب له، لمعرفة المزيد من المعلومات والأخبار عن الحدث وأسبابه، وماذا تم من جهود لمعالجة تداعيات هذا الحدث، خاصة لو كانت مستمرة فى التصاعد؟
_ضعف مقاومة الناس، مما يؤدى إلى التأثر بأى أقوال أو مواقف أو رسائل إعلامية مغرضة أو غير واعية.
_تزايد التعرض لوسائل الإعلام (مقروءة ومسموعة ومرئية)، المحلية منها والدولية، كما تصبح الأزمة موضوع مناقشات وحوارات الأفراد.
_تزايد دور وسائل الإعلام فى تكوين القيم والمعارف: الأصل أن التجربة الشخصية هى الوسيلة الأساسية التى يكتسب من خلالها الفرد منذ مولده مجموعة القيم والمعارف التى تساهم فى تكوين شخصيته، أما فى عصر تكنولوجيا الاتصال والمعلومات، فإن وسائل الإعلام – وليس التجربة الشخصية المباشرة – تقوم بدور أساسي في تكوين القيم والمعارف وتشكل الآراء، مما يساعد في تحديد اتجاهاتهم ومواقفهم، ومن ثم سلوكهم.
ويترتب على ذلك عدة حقائق ينبغى وضعها فى الاعتبار عند إدارة الأزمة إعلاميا، وهى:
إن وسائل الإعلام هو خط التماس للتعامل مع الأزمة، حيث تمكنها التقنيات الحديثة من التعامل مع الأزمة منذ مراحلها الأولى، بعكس البحث أو الكتاب أو الفيلم، الذى بحكم طبيعته يحتاج لزمن أطول للتعرض للأزمة ومعالجتها.
تصبح وسائل الإعلام طرفاً فاعلاً فى المستويات المختلفة لإدارة الأزمة، حيث يتوارى فى الكثير من الأزمات الدور السياسي أو الدبلوماسي، وتتقدم وسائل الإعلام فى المراحل المختلفة لمواجهة الأزمة (التشخيص – وضع الاستراتيجيات – التنفيذ – استخلاص الدروس والعبر).
تجذب الأزمة بمجرد حدوثها اهتمام وسائل الإعلام، وبالتالى تجذب اهتمام الرأى العام، حيث يلاحظ الاستخدام المكثف لوسائل الإعلام أثناء الأزمات.
أثناء الأزمات تصبح وسائل الإعلام مسئولة عن تقديم المعلومات وشرح الأحداث، وبناء الوفاق الاجتماعى، وتخفيف التوتر والقلق.
التغطية الإعلامية للأزمة تمثل حالة استثنائية فى العمل الإعلامى، حيث تستنفر كل وسيلة إعلامية كل طاقاتها، وتحشد كل جهودها لمتابعة تطورات الأزمة، في سبيل المساعدة في مواجهة الأزمة.
دور الإعلام الأزموي:
فى إطار مفهوم الإعلام الأزموي، وأهميته المتصاعدة فى إدارة الأزمات والكوارث، يتعين أن تضطلع وسائل الإعلام بدورها، وأن يحيط مسئول إدارة الأزمة إعلامياً بالدور الذى يجب عليهم القيام به إبان الأزمات والكوارث، والذى يمكن أن يتضمن ما يلى:
_فورية نقل الحدث من موقعه بالعمق والشمول الذى يساعد على فهم أبعاد الأزمة وتطوراتها وآثارها المختلفة.
_الاهتمام بتنوع فنون الاتصال الإعلامى من تقارير وتحليلات وتعليقات عن الأزمة وتطوراتها.
_الاهتمام بالمادة الوثائقية المصاحبة للتغطية الإعلامية (وخاصة بالتليفزيون) بما يفسر أسباب الأزمة وأبعادها وتحديد وكيفية التعامل معها.
_الالتزام بعرض الحقائق، ورفض مبدأ حجب المعلومات أو إخفائها بحيث تكون وسائل الإعلام هى الرابطة بين صانعى القرار فى الأزمة والمسئولين عن التعامل معها، وبين الرأى العام.
_الاهتمام بالنقل من موقع الأحداث، وإجراء الحوارات مع الشهود والمسئولين والشخصيات الرسمية،و كذلك الخبراء والسياسيين والنخب لربط المعلومات بعضها ببعض، ومساعدة الرأى العام على تكوين رأى تجاه الأزمة.
_جذب انتباه المشاهد، أو المتلقى باستحداث طرق وأساليب التناول الإعلامى، لكسب رهان السباق مع وسائل الإعلام الأجنبية وقت الأزمات والكوارث.
مراحل تعامل الإعلام مع الأزمة:
المرحلة الأولى، مرحلة ما قبل وقوع الأزمة: وهى المرحلة التى يتم التنبؤ فيها بوقوع الأزمة حيث يجب أن يوجه الإعلام إهتمامه إلى إتخاذ كافة الإجراءات الوقائية لمنع وقوع الأزمات، والإحتياطات الممكنة لتفادى أو تخفيف مما قد ينتج عنها من خسائر فى الأرواح والممتلكات.
المرحلة الثانية، مرحلة إدارة الإعلام للأزمة أثناء حدوثها: وهى مرحلة انفجار الأزمة واللهفة الجماهيرية على وسائل الإعلام للحصول على مزيد من الأخبار والمعلومات حول الأزمة، وهنا يجب أن تحرص الإدارة الإعلامية للأزمة على تحقيق ما يلى:
التنسيق والاتصال بغرفة إدارة الأزمات.
_التعبئة الشاملة لجميع العاملين بآلية إدارة الأزمة إعلامياً على مدار الساعة.
_الارتباط المستمر بكافة وسائل الاتصال.
_المتابعة الدقيقة والمستمرة لميدان الصراع، ومواقف أطراف الأزمة، وتطوير الخطط الإعلامية وفق تطور الأزمة، وذلك كله بالتنسيق مع وسائل الإعلام من جهة، وفريق إدارة الأزمة من جهة ثانية.
_المتابعة المستمرة لإعلام الخصم وتحليل مضمونه، وتحديد سبل الرد عليه، بهدف تخفيض آثاره، وتحصين الرأى العام من مخاطره.
_الإشراف على حسن تحقيق الاستخدام المتكامل لوسائل الإعلام والحرص على الاستفادة من الخصائص الفنية لكل وسيلة.
_الحرص على مراقبة الجماهير المستهدفة، وكيفية استقبالها للخطاب الإعلامى.
_الحرص على إنتاج خطاب إعلامى موجه للأطراف الخارجية يتناسب مع مواقفها، وقادر على التأثير فيها، ومواكبة التطورات التى تحدث فى مواقف هذه الأطراف.
_إجراء عملية تقييم جدوى للممارسة الإعلامية – كلما أمكن ذلك – وبما يتناسب مع خصوصية كل وسيلة، وطبيعة الجمهور المستهدف.
_يجب ألا تنسى القيادة الإعلامية للأزمة فى خضم التركيز على متابعة التطورات اليومية، أهمية إعداد الرأى العام لنتائج الأزمة.
المرحلة الثالثة، مرحلة إدارة الإعلام بعد الأزمة: تترك الأزمة آثار عميقة على مختلف جوانب الحياة، منذ لحظة وقوعها حتى انتهائها، وتكون وسائل الإعلام فى سباق مستمر حتى انتهاء آثار الأزمة.
بالختام، يتضح أهمية الدور الذي يقوم به الإعلام في معالجة الكوارث والأزمات، من خلال التوعية بأخطارها، والحد من تداعياتها، غير أن معالجة الأزمة بشكل عام، تتطلب تكامل الجهود الإعلامية والأهلية والحكومية ومن المؤسسات والأفراد ضمن رؤية شاملة للحماية من المؤثرات الناتجة عن الكوارث والأزمات، وضرورة التركيز على استخلاص العبر والدروس، لتفادي ما يمكن أن يستجد من أزمات.