قراءة متأخرة.. كيف حلل خبراء السوشيال ميديا الضربة الإيرانية على إسرئيل؟

خلال الفترة من 14 أبريل إلى 16 أبريل الجاري شهدت السوشيال ميديا المصرية، موجة مرتفعة من ردود الأفعال، حيث بلغ مستوى السخرية من العامة على صفحات التواصل الاجتماعي، أقصاه تعليقًا على الضربة الإيرانية الموجهة لإسرائيل. أما على مستوى النخبة من المفكرين والكتاب، فسادت حالة من التوقعات المتضاربة على نتائج هذه الضربة، لدرجة أن أغلب كتابات النخبة على السوشيال ميديا، تشابهت في توقعاتها مع المغردين من العامة.

انطلاقًا من هذا السياق، يأتي هذا التحليل لرصد كيف تفاعلت منصات التواصل الاجتماعي في مصر مع الضربة الإيرانية لإسرائيل، وموقف المصريين من القوتين المتصارعتين.

مسح لتغريدات النخبة:

على مستوى النخبة، من الملاحظ  أن هناك حالة من الانقسام بين اتجاهين الأول، تمثل في مسار يقول بأن الضربة، تمت بتنسيق من الجانبين (الإسرائيلي- الإيراني) لتحقيق أهداف سياسية، من المرجح أنها تم الاتفاق بشأنها من قبل الجانبين، ودليل ذلك، هو عدم إحداث أي خسائر؛ وتصدي الدفاع الإسرائيلي للهجوم بشكل تام، وبالتالي الهجوم لم يكن انتقاما من الجانب الإيراني ردا على قصف القنصلية في العاصمة السورية دمشق واستهداف عدد من المستشارين، ربما  لا لاستعادة الهيبة الإيرانية، إنما هو إجراء لحفظ ماء الوجه ورفع معنويات مناصري ومؤيدي إيران في المنطقة، ويستشهد معظم الخبراء في هذا التحليل بعمليات الاغتيال والاستهداف المتكررة من الجانب الإسرائيلي تجاه القادة والضباط الإيرانيين؛ والتي كان الرد عليها بشكل مقارب لما حدث في منتصف أبريل الجاري (رد كأجراء تمثيلي متفق عليه من الجانبين برعاية أمريكية) وهو اتجاه لم يخل من استخدام الفكاهة والسخرية وعدم حبكة المشهد.

وفي سياق معاكس، وعلى اتجاه آخر غرد قطاع من النخبة السياسية على حساباتهم الرسمية في مواقع التواصل الاجتماعي خارج السرب، بتبني رؤية الأحداث بمنظور الضربة المزعزعة لقوة وأمن إسرائيل (حتى وإن كانت متفقا عليها) أو (أداء تمثيلي باتفاق مسبق)؛ فهي الضربة الأولى التي توجهها إيران لإسرائيل في التاريخ ووصف بعضهم مشهد رؤية الطائرات المسيرة، وهي تغطي سماء دولة الاحتلال، ومظاهر الذعر في الشارع الإسرائيلي التي بثت عبر مواقع التواصل الاجتماعي  (بالمُفرحة)، لا سيما وأن هذه الأحداث تأتي في أعقاب حالة من الحزن تخييم على الأجواء بسبب الحرب الإسرائيلية في غزة.

بينما ظهر فصيل من المحللين، يتحرك بين الاتجاهين، حيث تبنى فكرة تشير إلى أن حجم الهجوم الإيراني، وتنوع المواقع التي استهدفها، وكذلك الأسلحة المستخدمة خلاله، أجبر الجانب الإسرائيلي على الكشف عن غالبية التقنيات المضادة للصواريخ التي تمتلكها في حين أن إيران لم تستخدم أي أسلحة لم تكن معلومة للجانب الإسرائيلي من قبل، بل استخدمت الكثير من أسلحتها المعلومة والمعلن عنها فقط، فمن المرجح أن إيران أصبح لديها خريطة كاملة تقريبا لما يبدو عليه نظام الدفاع الصاروخي الإسرائيلي، بالإضافة إلى مواقع القواعد والمنشآت الأمريكية في دول الجوار، فضلا عن حسابات الوقت والإعداد، و من يفترض أن هذا الهجوم مجرد عرض مسرحي يفتقد القدرة على استيعاب كيفية تقييم الجيوش للاستراتيجية مقابل التكتيكات، وتكلفة ما حدث من الصعب وضعها في قالب الاستعراض المسرحي والتمثيلي فقط.

قراءة في حالة الجمهور:

شهدت ردود أفعال الجماهير، حالة شبية بانقسام النخبة، فالاتجاه الأول أكد فكرة عدم مصداقية الأحداث وأنها (مسرحية كوميدية) على حد وصف البعض لهذا الأمر؛ الذي يؤكده استخدام بعض المشاهد الفكاهية المقتبسة من الأعمال السينمائية تعبيرا عن سخرية البعض من الأداء الإيراني، كما أستخدم البعض تعبيرا أن الإيرانيين يقومون بضرب أنفسهم يوم عاشوراء بطريقة وآلية تحدث إصابات أكثر من ذلك، وهو ما ظهر في تغريدات الجماهير ومنشوراتهم علي منصات التواصل الاجتماعي، ومن اللافت للنظر أن مسار السخرية من الضربة، كان هو الصوت الأعلى والأكثر انتشارا، واستخداما حتى بين الطبقة المثقفة.

كما سخرت الجماهير من الإعلان المسبق في شكل إخطار واسع النطاق لموعد وتفاصيل الهجوم من الجانب الإيراني، وجلها أمور وان كانت في قالب السخرية لكن لها دلالات.

وفي سياق آخر، عبرت بعض الجماهير عن دعمها لهذه الضربة، كونها انتصارا على ما يوصفه البعض (العدو الإسرائيلي) حتى وإن كانت في إطار الأداء المسرحي المسبق، كما عبرت بعض الجماهير على حساباتها الشخصية عن مشهد الطائرات المسيرة في سماء إسرائيل (بالمشهد المفرح والنادر)، كذلك مشاهد الذعر وحالات الإغماء التي تم بثها عبر المرئيات، ثم رصدها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، تفاعل معها هذا القطاع من الجمهور كجرعة من الثأر، وهو ما ينتقل بنا لمستوى تالي من التحليل، وهو مدى موقف المصريين من القوتين المتصارعتين في المنطقة.

اتجاهات المصريين:

قبل الخوض في هذا السياق من التحليل يجب أن ننوه عن طبيعة العلاقة بين إيران وإسرائيل، وإن كانت تظهر في توتر دائم وتهديد مستمر، إلا أنها على قدر من التوافق أكثر من التنافر، وهي علاقة تبدو عدائية في العلن، لكنها برجماتية في الخفاء، أما عن موقف المصريين من القوتين فهو منقسم أيضا على مستوى النخبة والجماهير لاتجاهين وفقا لردود الأفعال وما حدث من تفاعل عل مواقع التواصل الاجتماعي، فالموقف الأول ينحصر في النظر لإيران وكأنها قوة معطلة لا ترغب في خوض غمار حرب مع نظيرتها وربما لا تقوى على ذلك، كذلك الموقف من إسرائيل لا يذهب بعيدا عن كونها الكيان العدو الذي يصعب مناورته حتى من قبل القوة النووية في المنطقة، وحتى عندما أرادت استخدام القوة كان بتنسيق من الجانبين.

وفي سياق آخر، فإن موقف بعض النخب المصرية والجماهير من القوة الإيرانية، اعتبروها بمثابة الرادع للعنف الإسرائيلي في المنطقة وربما المخلص أيضا؛ فإن ما ساهم في تقوية الموقف العربي والمصري من إيران، على طريقة (عدو عدوى صديقي)، هو حدوثه في أعقاب الحرب الدامية والجرائم الإنسانية التي يقوم بها الكيان في الأراضي الفلسطينية، فالقراءة المعمقة للتغريدات على وسائل التواصل الاجتماعي، تشير إلى أن موقف هذا القطاع من المصرين، كان يُشبه حالة من الإعجاب بالقوة والموقف الإيراني حتى وإن كان الأداء تمثيلي مسرحي.

خلاصة القول، فيما تقدم  فإن الموقف المصري -على مستوى الجماهير- من القوتين الإسرائيلية والإيرانية، منقسم بين اتجاه واعي لما يربط بين القوتين من مصالح وعلاقات ومواقف في المنطقة،  وهو ما يحول دون الانزلاق في حرب بين القوتين، وحرص كل منهم على ذلك، وأخر ينظر لإيران وكأنها المنتقم من العدو الذي فعل ما لا يقوى أحد في المنطقة على فعله،  وتوجيه ضربة عسكرية للكيان؛ وذلك بالرغم من حالة الفتور التي تمر بها العلاقات الإيرانية المصرية على المستوى الرسمي، وعلى العكس تبقى إسرائيل في موقف العدو الذي من الممكن أن نصطف خلف من يهدد أمنه، حتى ولو كانت إيران.

دعاء الهواري

دعاء الهواري- باحثة في الشئون البرلمانية، مدرس العلوم السياسية المساعد جامعة الاسكندرية، حاصلة على ماچستير النظم السياسية، الباحثة متخصصة في الدراسات البرلمانية والسياسات العامة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى