تكلفة باهظة… التحديات الاقتصادية لعودة اللاجئين في بلدان النزاع
في العدد الرابع من "مساحات فكرية"
تسببت الصراعات الممتدة والأزمات المستمرة داخل عدد من الدول العربية، خاصة فلسطين والسودان، إلى زحف عدد كبير من مواطنيها خارج بلدانهم؛ هروبًا من الأوضاع غير المستقرة على جميع المستويات، وهو ما جعل مشكلة اللاجئين تستحوذ على جزء كبير من انشغالات العالم؛ نظرًا لما آلت إليه دولهم من خراب اقتصادي كبير، جعلت عودتهم إليه من الأمور الصعب تحقيقها في الوقت الحالي، إذ تزداد الأمور تعقيدًا، الأمر الذي يحتاج إلى حلحلة سياسية في أسرع وقت، فالعبء الاقتصادي داخل دول الأزمات خاصة في فلسطين والسودانيُشكل عامل أساسي في زيادة أعداد اللاجئين من هذه البلاد، إذ إن انهيار البُني التحتي وانهيار الخدمات الأساسية، وتدهور قيمة العملة المحلية وارتفاع معدلات التضخم، تجعل بقاء عدد كبير من المواطنيندخل دولهم من الخيارات الصعبة، فهذه الدول كانت تُعاني قبل هذه الأزمات، من تدهور اقتصادي شديد وضعف في مستوى الخدمات المُقدمة بشكل كبير، وهو الأمر الذي جعل تجدُد الصراعاتبهايُضاعف من حجم المشاكل الاقتصادية بشكل متأزم جداً، مما فاقم من أزمة اللاجئين في المنطقة العربية، إذ إن هذه الأزمة تُشكل تداعيات سلبية على الدول المجاورة، فمصر تواجه أعدادًا كبيرة من اللاجئين السودانيين، كما تُعاني من أزمة وجود مخيمات اللاجئين الفلسطينيين على بعد 500 متر من معبر رفح، وهو ما جعل الدولة المصرية من الدول الأولى التي تواجه هذه الأزمة بشكل كبير؛ نظرًا لموقعها الجغرافي المُتقارب مع دول تعج بالصراعات والأزمات، فالمواطن السوداني يجعل الأراضي المصرية هي الخيار الأول للجوء إليها، كما يستهدف الكيان الصهيوني تهجير حوالي مليون فلسطيني إلى مصر، فلهذه الأعداد من اللاجئين تكاليف اقتصادية كبيرة على الدولة المصرية، خاصة في ظل الأزمات الاقتصادية العالمية التي يُعاني منها العالم أجمع، والتي ألقت بظلالها على الاقتصاد المصري وتسببت في تعرضه لمشاكل اقتصادية جمة في الفترة الأخيرة، ناهيك عن الرفض المصري القاطع لتهجير الفلسطينيين من أرضهم، ومن هنا فإن لجوء حوالي 370 ألف سوداني منذ الأزمة، بالإضافة إلى وجود حوالي9 مليون شخص في مصر، يُكلف الدولة المصرية من 114 إلى 125 مليار دولار سنويًا،وفي حالة الافتراض جدلًا، لجوء الفلسطينيين إلى مصر في ظل السياسات التعسفية التي يُمارسها الاحتلال ضدهم؛ لتحقيق هدفه الأساسي المُتمثل في تهجير الفلسطينيين إلى عدد من الدول المجاورة، سيُحمل الدولة المصرية تكلفة باهظة تُقدر بمليارات الدولارات، تؤثر على اقتصادها وعلى الخدمات المُقدمة لمواطنيها، فضلاً عن التكلفة الاقتصادية التي ستتحملها الدولة المصرية، تأتي التكلفة الأمنية التي سوف لا تتحملها الدولة المصرية بمفردها، ولكن ستعود على عدد كبير من الدول في المنطقة، فالأخطار الأمنية المُحيطة في المنطقةستجعل الدول تواجه تكلفة كبيرةلمواجهتها وتحقيق الاستقرار الأمني داخل دولتهم، فالاستقرار الأمني من الأمور الهامة جدًا لتحقيق الرخاء الاقتصادي.
وفي سبيل ذلك سيتطرق هذا الجزء إلى الدوافع الاقتصادية في زيادة عدد اللاجئين، بالتركيز على اللاجئين السودانيين والفلسطينيين، مع توضيح التداعيات الاقتصادية على الدول المُستقبلة لهم، خاصة الدولة المصرية، مع توضيح تحديات العودة للاجئين.
أولاً: الدوافع الاقتصادية للجوء
يرجع تزايد عدد اللاجئين إلى مجموعة من الأسباب الاقتصادية التي يُمكن توضيحها فيما يلي:
(-) ارتفاع معدلات التضخم: تُعاني معظم الدول التي بها أزمات سياسية وأمنية، من تبعات اقتصادية كبيرة، ومن أهمها معدلات التضخم المرتفعة، وهو ما جعل مواطني هذه الدول لا يستطيعوا العيش بها وتلبية احتياجاتهم الأساسية، ففي السودان كما يوضح شكل (1) شهدت معدلات التضخم ارتفاعًا كبيرًا خلال عام 2023، إذ بلغ 256.17%، بالمُقارنة بـ 163.26%، فهذه المعدلات التي يُظهرها الشكلتوضح أن معيشة السودانيين في هذه بلدهم صعبة للغاية، وبالإضافة إلى هذا الارتفاع الكبير في مستوى أسعار السلع داخل السودان، تأتي معدلات البطالة التي تفاقمت بشكل كبير ، إذ ارتفعت إلى 45.96% في عام 2023، بالمُقارنة بـ 32.14% في عام 2022، فهناك 5 ملايين سوداني فقدوا وظائفهم منذ بداية الأزمة، ويرجع هذا الأمر إلى الحالات المتعددة من إغلاق الشركات والمصانع بسبب تعرضها للنهب والتدمير ، والتي نتج عنها تسريح عدد كبير من العمالة.
(-) تدهور البنية التحتية: كان للحرب في السودان تأثيرًا كبيرًا على البنى التحتية داخلها، وكان للعاصمة خرطوم النصيب الأكبر من هذا التدمير، إذ تم تدمير جسر شمبات الرابط بين الخرطوم وأم درمان، بالإضافة إلى تدمير القصر الجمهوري، ومعظم أجزاء مطار الخرطوم الدولي، بالإضافة إلى ذلك تم تدمير 120 منشأة حيوية في الخرطوم، وعشرات من الأبراج الحديثة التي تُستخدم كفنادق ومقرات إدارية، بالإضافة إلى تدمير عدد كبير من المقار التعليمية والصحية، حيث أدى الصراع إلى تدمير 80% من البنى التحتية الصحية.
وعلى مستوي الحرب في غزة، فقد تم تدمير 63,920 وحدة تدميرًا كاملًا، و 173,950 وحدة تدميرًا جزئيًا حتى 20 ديسمبر 2023، بالإضافة إلى ذلك تم استهداف 23 مستشفى و131 مرفق حيوي، حيث تُشير هذه الأرقام إلى تشريد جزء كبير من مواطني غزة، الأمر الذي يدفعهم للنزوح إلى المخيمات.
(-) انهيار سعر الصرف: نتج عن الحرب في السودان حدوث تدهور كبير في قيمة الجنيه السوداني، الذي فقد 50% من قيمته منذ منتصف أبريل 2023، إذ ارتفع سعر الصرف الرسمي للدولار أمام الجنيه السوداني من 580 جنيه في منتصف أبريل إلى 588.2 جنيه في ديسمبر 2023، هذا بجانب التدهور الشديد في قيمة العملة في السوق السوداء، حيث تجاوزت قيمتها أمام الدولار الـ 1000 جنيه، فالتأثير الاقتصادي لهذا الانهيار يتمثل في ارتفاع تكلفة واردات الدولة، الذي بدوره يعمل على رفع أسعار المنتجات في الأسواق، مما يُشكل عبئًا على معدلات التضخم.
ثانيًا: تداعيات الأزمة على الدول المستقبلة (مصر نموذجًا)
تتنوع التداعيات التي تُسببها أزمة اللاجئين على الدولة المصرية؛ نظرًا للتكاليف التي تُسببها هذه الأزمة، إذ يُمكن تصنيف هذه التكاليف إلى تكلفة اقتصادية وتكلفة أمنية، وهو ما يُمكن توضيحه على النحو التالي:
(-) التكلفة الاقتصادية: تأتي الجنسية السودانية في المرتبة الأولي من حيث عدد اللاجئين داخل جمهورية مصر العربية، إذ إنه منذ بداية الاشتباك في السودان في أبريل 2023، اضطر عدد كبير من السودانيين للجوء إلى مصر، حيث قُدر عدد السودانيين الذين دخلوا مصر منذ بداية الأزمة حوالي370 ألف سوداني بحسب مفوضية شئون اللاجئين، بالإضافة إلى أكثر من 4 ملايين سوداني مقيم إقامة كاملة في مصر، وفقًا للمنظمة الدولية للهجرة.
بالإضافة إلى ذلك خطة الاحتلال الإسرائيلي بتهجير مليون فلسطيني إلى الأراضي المصرية؛ لتصفية القضية الفلسطينية،ومن هنا ستتحمل الدولة المصرية تكاليف اقتصادية كبيرة ، فوفقًا لدراسة منظمة التعاون الاقتصادي في فرنسا، تنفق ألمانيا سنويًا 17 ألف دولار على كل لاجئ، وفي أمريكا 22 ألف دولار سنويًا، وفي كندا 15 ألف دولار سنويًا، وفي السويد 40 ألف دولار سنويًا، ومن هنا يُمكن القول إن متوسط الإنفاق السنوي على كل لاجئ في أوربا في عام 2017 يُقدر بحوالي 24 ألف دولار سنويًا، وبالأخذ في الاعتبار ارتفاع معدلات التضخم العالمية، فإن متوسط الانفاق السنوي في هذه الدول في عام 2023 يُقدر بحوالي 30 ألف دولار.
وبالقياس على مستوى هذا الإنفاق وبالأخذ في الاعتبار اختلاف مستوى الخدمات المُقدمة للاجئ في هذه الدول عن مستواها في مصر، وباستخدام مؤشر BIG Mac للوصول إلى متوسط الإنفاق السنوي على اللاجئ في مصر، فإن سعر المنتج في أمريكا 5.5 دولار، بينما سعره في مصر 2.5 دولار، وبالتالي تنفق مصر سنويًا في المتوسط على كل لاجئ بين 12.5 ألف إلى 15 ألف دولار، ومن هنا وفقًا للجدول رقم (1) فإن التكلفة السنوية على الـ 9 مليون لاجئ التي تستضيفهم مصر من 110 إلى 120 مليار دولار، بينما تبلغ تكلفة الـ 370 ألف سوداني الذي لجأوا إلى مصر مع بداية الأزمة من 4.6 مليار دولار إلى 5.5 مليار دولار، بينما سيُكلف الدولة المصرية استضافة مليون لاجئ آخر ما بين 12.5 و15 مليار دولار، وهو الأمر الذي لا يُمكن تحمله اقتصاديًا، وسيجعل الدولة تواجه أزمة اقتصادية حقيقية.
بالإضافة إلى ذلك يُمكن الإشارة إلى التكاليف غير المباشرة على الاقتصاد المصري، على النحو التالي:
(*) طلب مُتزايد: إن زيادة عدد اللاجئين السودانيين في مصر،يعمل على خلق حالة من التزاحم في الطلب على السلع والخدمات، وفي ظل ثبات العرض، يتسببالأمر فيارتفاع معدلات التضخم في الدولة المصرية بشكل مُتزايد، إذ إنه بالنظر إلى معدلات التضخم الحالية في الدولة المصرية التي يوضحها الشكل رقم (2) يتضح العبء المُتزايد الذي تتحمله الدولة المصرية في أسواق السلع، فيُشير الشكل أنه منذ بداية الأزمة السودانية في أبريل 2023، اتخذت معدلات التضخم في مصر اتجاه تصاعدي، حتى وصلت في سبتمبر 2023 إلى 38%، وهو معدل كبير للغاية يرجع أحد أسبابه إلى ضغط الطلب الذي يُشكله اللاجئين في الدولة المصرية على سوق السلع، وهو الأمر الذي سيتفاقم في حال استقبال المزيد من اللاجئين في مصر.
(*) زيادة عرض العمالة: وجود اللاجئين السودانيين والفلسطينيين داخل مصر، يُشكل عرض متزايد من العمالة في سوق العمل، في ظل أن الوظائف المتاحة داخل الاقتصاد المصري لا تُكافئ عدد الخريجينمن الجامعات، فإن الشباب المصري سيواجه خطر البطالة بشكل كبير،كما أن مزاحمة اللاجئين للمواطنين المصريينفي المشروعات الإنتاجية المختلفة،سيعمل على خفض فرص الشباب المصري في إنجاح مشروعاتهم الخاصة، وهو ما يُشكل ضغط على الدولة المصرية في الإنفاق على إعانات البطالة أو المنح التي تقدم للعاملين غير المنتظمين، الأمر الذي سيُشكل عبء كبير على الموازنة العامة للدولة.
(*) التأثير على سوق العقارات: يرتبط تزايد أسعار الوحدات السكنية في سوق العقارات المصري، بوجود ارتفاع كبير في الطلب على الوحدات خلال الفترة الأخيرة، فإن سوق العقارات يستقبل طلب اللاجئ على الوحدات بالإضافة إلى طلب المواطن المصري، وهو الأمر الذي يجعل الأسعار ترتفع بشكل كبير في هذا السوق بشكل يفوق السعر الحقيقي للوحدة السكنية، الأمر الذي يدفعإلى حدوث ركود في هذا السوق.
(*) زيادة الأنفاق الحكومي: في ظل زيادة المُقيمين في مصر مع توافد اللاجئين إليها، خاصة من السودان، ستزداد قيمة الدعم الذي تُقدمه الدولة المصرية وزيادة الإنفاق العام على مختلف الخدمات، فهناك تكاليف مالية تترتب على تقديم الدعم الاجتماعي للاجئين في مصر، المتمثل في زيادة الإنفاق المُقدم من الدولة على خدمات التعليم والصحة، وفي الأجل الطويل ستزداد التكلفة الرأسمالية التي تنفقها الدولة على بناء مرافق تعليمة وصحية وغير ها من المرافق الخدمية الأخرى؛ لمواجهة الاحتياجات المتزايدة من قبل اللاجئين، فمن هنا فإن قيمة الإنفاق الحكومي المُتزايد نتيجة وجود اللاجئين، سيترتب عليها عبء كبير على الدولة المصرية، إذ إنها ستُزيد من عجز الموازنة، الذي ستعمل الدولة على تغطيته من خلال إصدار مزيد من أذون الخزانة أو السندات الحكومية، ومن هنا سيزداد الدين المحلي بشكل كبير.
(-) التكلفة الأمنية: ستتحمل جميع الدول المجاورة لأماكن النزاع تكلفة أمنية كبيرة، متمثلة في رفع درجة الاستعداد الأمني على الحدود، إذ إن هذا الأمر سوف لا تتحمله الدولة المصرية بمفردها ولكن سيشترك في عبء هذه التكلفة عدد كبير من الدول العربية، فالخطر الأمني الذي يأتي من الحرب في غزة ومن الحرب في السودان، سيُطال جميع الدول العربية، خاصة لبنان والعراق والأردنواليمن، حيث إن مشروع تهجير الفلسطينيين في حال تنفيذه، سيُكلف هذه الدول تكلفة أمنية كبيرة لمواجهته،تشمل تكلفة إضافية في التسليح والتأهيل والبرامج والمعدات، بالإضافة إلى التكلفة التي ستتحملها هذه الدول جراء عدم الاستقرار الأمني الذي قد تواجهه، وهو ما يتسبب في اتجاه الدول إلى وضع الأجهزة الأمنية على أهبة الاستعداد بشكل كبير، حيث إنه في الحالة المصرية نجد إن مخيمات اللاجئين الفلسطينيين تبُعد عن معبر رفح بمقدار 500 متر، ومن ناحية أخرى فإن وجود عدد كبير من اللاجئين،يُحمل الدولة المستضيفة تكلفة أمنية كبيرة؛ نتيجة تغاير ثقافات اللاجئين عن ثقافة البلد نفسها، وهو ما يجعل هناك احتمالية كبيرة لزيادة معدل الجرائم في الدولة، فمن هنا تزيد الدولة من استعدادها الأمني بشكل كبير، هو ما يحملها تكاليف إضافية تتمثل في زيادة أجور ضباط الأمن، بالإضافة إلى استنزاف القوى الأمنية داخلها.
ثالثًا: تحديات العودة
إن عودة اللاجئين إلى بلدان النزاع يواجه العديد من التحديات الاقتصادية، التي يُمكن توضيحها في النقاط التالية:
(-) تكلفة إعادة الأعمار: إن الدمار الذي لحق بالعديد من البني التحتية وغيرها من المرافق الحيوية في كلا من الأراضي الفلسطينية والسودان، يجعل عودة اللاجئين تتوقف على إعادة الإعمار لهذه الدول، وفي ظل التكاليف الكبيرة لإعادة الإعمار، تصبح العودة ليست خيارًا أمثل للاجئين في الوقت الحالي، ففي قطاع غزة قدر الخبراء الاقتصاديين تكلفة الاعمار بحوالي 41.9 مليار دولار، وفي السودان قُدرت الخسائر المادية للحرب أكثر من 100 مليار دولار، وضخامة هذه المبالغ توضح تضخم المشكلة في هذه البلدان، وإنها تحتاج إلى مدى زمني ليس بالقصير، حتي يتم توفير مصادر هذه الأموال في ظل الأزمات الاقتصادية التي تُعاني منها هذه الدول، ومن هنا يتضح أن عودة اللاجئين إلى وطنهم تتوقف على تبني سياسات لإعادة الإعمار بشكل يُحقق لهم الاستقرار المعيشي في بلدانهم.
(-)تحقيق الاستقرار الاقتصادي: يُشكل تحقيق الاستقرار الاقتصادي في بلدان النزاع، عامل أساسي لعودة اللاجئين، إذ يعني الاستقرار الاقتصادي تحسُن المؤشرات الاقتصادية الكلية في الدولة، كانخفاض معدلات التضخم ومعدلات البطالة، وارتفاع الناتج المحلي الإجمالي، فاستقرار هذه المؤشرات، يبعث رسالة طمأنة للاجئين عن الأحوال الاقتصادية في بلدانهم، وإنهم يستطيعوا إيجاد الوظائف بها، ويستطيعوا الحصول على الخدمات الأساسية كالتعليم والصحة بشكل متكافئ مع غيرهم من المواطنين في الدول الأخرى، ولكن تحقيق هذا الاستقرار لن يتحقق في بلدان النزاع بدون تحقيق استقرار سياسي يُنهى الصراعات القائمة، ويفتح الفرص أمام الانتعاش الاقتصادي، ولكن من قراءة الأوضاع الحالية في قطاع غزة والسودان يتبين أن الاستقرار السياسي صعب المنال في الوقت الحالي، وهو الأمر الذي يؤجج من تأزم الأوضاع الاقتصادية بشكل أكبر ، الأمر الذي يُشكل تحديًا كبيرًا أمام عودة اللاجئين.
(-) استقرار اللاجئين في الدول المستقبلة: يُشكل استقرار اللاجئين في الدول المُستقبلة لهم، تحد كبير أمام عودتهم، إذ إن معظم اللاجئين يقوموا بفتح مشروعاتهم الخاصة داخل داخل بلدان الاستقبال، للحصول على مصدر رزق، ففي الدولة السودانية يعتمد جزء كبير من المواطنين على المشروعات الصغيرة والمتوسطة، وهو ما يجعلهم في حال لجوئهم إلى البلدان المجاورة ينقلوا نشاطاتهم إليها، وهو ما يمنحهم شيء من الاستقرار في هذه الدول، كما أن حصولهم على الخدمات الأساسية بشكل أفضل مما يحصل عليه في بلده، يتسبب في أن عودته لن تكون من ضمن اختياراته في الوقت الحالي، فالتحدي الذي يواجهه في هذه الحالة هي تكلفة الفرصة البديلة لوضعه في الدولة المُستقبلة له ووضعه في بلده، في ظل وجود مخاطرة عدم حصوله على حياة كريمة في حال عودته.
وفي النهاية يُمكن القول إن التداعيات الاقتصادية على دول الجوار لدول الأزمات كبيرة للغاية، وتفوق القدرة الاقتصادية لهذه الدول، الأمر الذي يؤثر على حياة المواطنين وظروفهم الاقتصادية داخلها بشكل كبير، ولكن لا يعني هذا الأمر أن الدول المُستقبلة للاجئين لا تُمارس دورها حيال الأزمات في المنطقة العربية، ولكن لكل دولة قدرة اقتصادية على تحمل عدد معين من اللاجئين، وفي حالة زيادة هذا العدد سيجعلها تواجه أزمات اقتصادية عميقة سيكون حلها من الصعب جدًا، هذا ناهيك عن التكلفة الأمنية التي ستقع على عاتق هذه الدول، في ظل حالة عدم الاستقرار الأمني التي من المُحتمل أن تواجهه مع التزايد الكبير في عدد اللاجئين، وهو الأمر الذي يستدعي التكاتف الدولي والإقليمي نحو إنهاء الصراعات في دول المنطقة العربية، والمساهمة في إعادة إعمارها؛ حتى تنعم شعوبها باستقرار سياسي واقتصادي، لا يضطرونمعه إلى ترك أوطانهم.
للإطلاع على المقال بصيغة Pdf يرجى فتح الرابط التالي: تكلفة باهظة…ما هي التحديات الاقتصادية لعودة اللاجئين في بلدان النزاع؟