الدخول على خط الأزمة: فرص نجاح الوساطة الخليجية في معالجة أزمة سد النهضة!.

لم تكن هي المرة الأولى التي تتحدث فيها المملكة العربية السعودية وكذلك دولة الإمارات العربية المتحدة، عن الوساطة في ملف سد النهضة الإثيوبي، حيث سبق طلبهما الحالي محاولة محدودة قبيل مفاوضات واشنطن التي جرت في يناير 2020، وفشلت في الوصول إلى حل.
ومؤخرا عبرت السعودية وعلى لسان وزيرها للشئون الأفريقية أحمد القطان، عن سعي المملكة إلى إنھاء أزمة ملف سد النھضة، بما یضمن حقوق الدول الثلاثة، مشیرا إلى أن السعودیة تقف بقوة مع الأمن العربي المائي، وعلى نفس المنوال أعرب وزير الخارجية الإماراتي عبدالله بن زايد عن استعداد بلاده للتواصل مع مصر والسودان وإثيوبيا، في سبيل منع تفاقم الخلاف الذي بات قابلا للتحول والاشتعال في أي وقت.
تهديدات ممتدة:
وتنذر حالة التعثر المستمر التي تشهدها مفاوضات سد النهضة، بتحول الخلافات إلى تهديدات محتملة، يمكن أن تؤدي إلى حالة احتراب مائي، قد لا تقتصر آثارها على دول الصراع فقط، بل يمكن أن تمتد لتشمل منطقة شرق أفريقيا والبحر الأحمر ككل، خاصة في ظل التشابك الحاصل بين مجموعة القضايا المشتعلة في دائرة السد، من النزاع الحدودي بين إثيوبيا والسودان والاحتراب الأهلي في إقليم تيجراي الإثيوبي، وكذلك حرب العصابات بين المجموعات المسلحة وحكومة المركز في أديس أبابا وإقليم الأورومو وبني شنقول وعسكرة الحدود الإريترية الإثيوبية نتيجة التدخل الإريتري في حرب إقليم تيجراي بجانب حكومة أبي أحمد.
الدوافع والمؤهلات:
ولعل من الأسباب التي دفعت كلا من السعودية والإمارات إلى الدخول على خط أزمة سد النهضة، هو التواجد القوي، سواء الاقتصادي أو الأمني والسياسي في منطقة شرق أفريقيا، وخاصة في إثيوبيا، والتي تعتبر الدولة الأكبر والأكثر تأثيرا في ذلك الإقليم.
بالنسبة للسعودية وعلي المستوي الاقتصادي، تمتلك استثمارات تتعدي ال15 مليار دولار وهناك أكثر من 400 مستثمر سعودي، يعمل في تحقيق التنمية الاقتصادية في إثيوبيا، لعل أهمهم علي الإطلاق رجل الأعمال السعودي الإثيوبي المولد والأم محمد حسن العمودي، والذي يمتلك أكبر شركات في السوق الاثيوبي، وأهمهم شركتيCORRAL PETROLEUM & MIDROC، حيث تفوق أعداد الأيدي العاملة بشركاته، أعداد العاملين داخل دولاب الحكومة الاثيوبية ككل، وقد بلغت استثماراته في زراعة الأرز فقط، أكثر من نصف مليار دولار، غير المجالات الأخرى، وأعلن مؤخرا عن تبرعه بحوالي بمبلغ 100 مليون دولار، كمساهمة في بناء سد النهضة.
وللمملكة باع طويل في تقديم المساعدات المنح التنموية والإنسانية لإثيوبيا باستمرار، خاصة في مواسم الجفاف والفيضانات بالإضافة لاستيعاب المملكة لأعداد كبيرة من العمالة الاثيوبية في سوق العمل السعودي، وما يستتبع ذلك من إرتفاع معدل التحويلات المالية التي تساهم في زيادة الدخل القومي لاثيوبيا.
وفي المجال الامني والعسكري، حصلت المملكة علي الموافقة الجيبوتية لإنشاء قاعدة عسكرية، تعد الأولي خارج حدود المملكة، وذلك في محاولة للتواجد في هذه المنطقة الإستراتيجية المهمة لأمن المملكة، والتي تعتبر الامتداد المباشر للحدود السعودية، والفناء الخلفي للجزيرة العربية والبحر الأحمر، وفي الوقت ذاتة تقتضي الحاجة إلى حماية المصالح الاقتصادية السعودية، وكذلك مجابهة الدور المتنامي لإيران وتركيا في منطقة شرق أفريقيا.
وبالنسبة للإمارات العربية المتحدة، فهي الأخرى لديها استثمارات متعددة في الداخل الإثيوبي تربو على 6 مليار دولار، في مجالات متنوعة، إضافة إلى ما تقدمه الإمارات من مساعدات تنموية وإنسانية لإثيوبيا، فضلا عن تحويلات العاملين الإثيوبين في الإمارات، وكذلك التواجد الأمني والعسكري الإماراتي في ميناء عصب الإريتري، وفي جزيرة ساوا علي الساحل الإريتري، والذي يأتي على مرمى حجر من الشرق الاثيوبي إضافة إلى التواجد العسكري علي الساحل الصومالي، والشركات الإماراتية العاملة في إدارة المواني هناك.
ولعل امتلاك السعودية والإمارات لهذه الأدوات، يمنح كلا منهما مؤهلات التأثير لدى الجانب الإثيوبي، في ظل وجود الدوافع التي قد تجعلهما حريصين علي حلحلة الموقف الراهن بين كل من مصر والسودان وإثيوبيا، حفاظا علي مصالحهم الإستراتيجية في المنطقة من ناحية، وعلى الأمن القومي العربي من ناحية أخرى.
فرص النجاح:
قد تكون الوساطة السعودية الإماراتية أقوى من وساطة الاتحاد الأفريقي، استنادا إلى ما تملكه الدولتان من أدوات تأثير، ومقومات للنجاح، سواء بالوعد بتقديم الدعم الاقتصادي والمساعدات أو بالتهديد بسحب الاستثمارات التي باتت رقما مهما في دعم الاقتصاد الإثيوبي، ودفعه إلى النمو، مما ساهم في تحقيقه لقفزات متتالية.
كذلك تمتلك الدولتان ما يؤهلهما للتدخل لدى القوى الدولية، الداعمه للموقف الإثيوبي، والتي لها مصالح مباشرة في عمليات الإنشاء والتمويل، مثل الصين وإيطاليا وروسيا، في محاولة لتكوين مظلة ضاغطة علي الموقف الإثيوبي المتعنت، وتقريب وجهات النظر وتحقيق توازن في تأمين المصالح الحيوية لكافة الاطراف.
كذلك لجوء إثيوبيا إلى تركيا مؤخرا، للتوسط مع السودان في النزاع الحدودي، يمثل عنصر ضغط علي السعودية والإمارات، ويدفعهما للتدخل والحرص على النجاح، خشية أن يؤدي التدخل التركي إلى تهديد الأمن القومي العربي وتقويض السلام في المنطقة، في ضوء ما تملكه تركيا من استثمارات ضخمه في إثيوبيا، يمكن أن تشكل عامل تأثير علي القرار الاثيوبي فيما يخص تلك الوساطة.
أيضا ساهم خلع نظام الإنقاذ الاخواني في السودان، في إيجاد بيئة مواتية وخصبة لعودة الاستثمارات الخليجية في منطقة شرق أفريقيا، وجعلها بوابة اتصال هامة بين العالم العربي وأفريقيا، مما يمثل عنصر ضغط آخر علي إثيوبيا، التي تخشى إعادة توزيع الاستثمارات العربية، وخاصة الخليجية في دول أخرى غيرها، مما يقلل من حظوظها في الحصول على النسبة الأكبر منها، فضلا عن مساعي إثيوبيا الحثيثة للانضمام إلى مجلس الدول المطلة علي البحر الأحمر ولو بصفة مراقب ذلك المجلس الذي تستطيع السعودية فيه تمرير الطلب الاثيوبي.
كما تأتي المساعي السعودية في التدخل في أزمة سد النهضة، في ضوء مساعي التأكيد علي قوة دورها الإقليمي في حل القضايا التي يمكنها التأثير على أمن واستقرار المنطقة، بما تحويه من مصالح للقوى الدولية -خاصة الغربية- وذلك فيما تتوقعه المملكة من موقف أمريكي، قد لا يكون متوافقا معها، حيث يمثل نجاح المملكة في حل قضية فشلت فيها أمريكا، تعزيزا للدور السعودي لدى الإدراة الأمريكية، مما يساهم في إعادة الدفء إلى العلاقات السعودية الأمريكية.
عوامل الفشل:
غير أنه مثلما هناك فرص للنجاح، هناك أيضا عوامل يمكنها إفشال تلك الوساطة، في ظل ما يتعرض له النظام الاثيوبي من ضغط شعبي كبير، خاصة فيما يتعلق بملف سد النهضة، فقد وضع النظام نفسه تحت طائلة الضغط الشعبي، باتخاذه سد النهضة هدف ومطية للملمة وطن تباعدت أرجائه نفسيا، وانفضت جحافل الشيعه والأنصار من حوله، فغازلهم النظام السياسي الإثيوبي بوطنية النهر، واعتبار السد ثورة ضد الاستبداد المصري، فقطع علي نفسه خط الرجعه، وعليه تتمثل أهم عوامل فشل الوساطة السعودية الإماراتية فيما يلي.
_الضغط الشعبي داخل إثيوبيا، والذي يخشى النظام الإثيوبي الدخول في مواجهة معه- في ظل الأوضاع المشتعلة بالداخل بالأساس- مالم يكن لديه ما يقدمه لهذا الداخل، ليس كبديل أو مقابل، بل كمغريات مفيدة في سياق اتفاق يحفظ مصالح إثيوبيا الحيوية.
_خشية إثيوبيا من أن يؤدي الموقف السعودي الإماراتي، الذي سبق الإعلان عنه في إطار موقف الجامعة العربية وتبنيها للموقف المصري السوداني من أن يؤدي إلى انعدام حيادية الوسيط سلفا.
_الموقف التركي القطري من القضايا المصرية، وخصوصا بعد استدعاء الإثيوبي للوساطة التركية في مسألة الحدود السودانية، فقد تؤثر الوساطة التركية علي القرار الاثيوبي فيما يتعلق بالوساطة السعودية الإماراتية.
ختاما، رغم تأخر الوساطة السعودية الإماراتية في أزمة سد النهضة، والذي كان مثار تسائل واستهجان من جانب الشعب العربي، إلا أن الإعلان عنها لقى قبولا واسعا، مصحوبا بآمال في النجاح للتوصل إلى حل لهذه القضية، والذي يأتي في إطار مساعي حماية الأمن القومي العربي.
أولاً : تحياتي دكتور عبد الناصر
المقال جد ممتاز وهادف وفي النفس بالنسبة لي خبر مهم لانه بالامس القريب نشرت مقال على صفحتي بالفيس متحدثاً فيه عن الوساطة التركية امكانية نجاحها او فشلها .وابعادها السياسية في ملف سد النهضة . على اية حال الوساطة الاماراتية السعودية ربما تلعب دور فعال ان قبلت بها اثيوبيا لكن يبقى التحدي اثيوبيا لا تريد اي وساطة في ملف سد النهضة ودليل ذلك ذكرت اثيوبيا في مذكرة لها قدمتها وزارة خارجيتها الى الامم المتحدة بخصوص المفاوضات عن سد النهضة تقول فيها ان كل ما جرى من الاطراف التى تسهل في تقريب وجهات النظر بينها ودول المصب لم يرقى الى درجة الوساطة بما في ذلك مجهودات الاتحاد الافريقي ويدعم هذا القول موقف السودان اخير بطلبه اعطاء دور اكبر لخبراء الاتحاد الافريقي .
مقال جيد وثري ويحمل أفكارا رائعة ويتضمن تحليلا واعيا للأزمة لكنه يحتاج إلى تصحيح لغوي من متخصص لأنه مفعم بالأخطاء اللغوية التي قللت من قيمته وأوهت من بنائه