مؤشرات مطمئنة: هل يتأثر التعاون الاقتصادي بين مصر وبريطانيا بعد البريكسيت؟
بعد الخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبى في الثانى من يناير 2021، أصبح التعاون الاقتصادي بين جمهورية مصر العربية والمملكة المتحدة أمام مرحلة جديدة، باعتبار الثانية شريك تجارى لا يتمتع بمزايا دول الاتحاد الأوروبي في السوق المصري.
فقد أصبح يجمع بين البلدين اتفاقية تأسيس شراكة تُعرف بـ “اتفاقية المشاركة المصرية البريطانية”، وقعت في الخامس من ديسمبر الماضي، ودخلت حيز التنفيذ بداية من العام الحالي 2021. وعليها تم وضع أطار عام للعلاقات بين الدولتين في مختلف المجالات والارتقاء بها لآفاق أوسع بما يعظم من مصالحهما المتبادلة. وتأسيسا على ما سبق، نستعرض فرص وتحديات التعاون الاقتصادي بين مصر والمملكة المتحدة بعد الخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي، وتوقيع الاتفاقية المذكورة سابقاً وتعيلها بداية العام الجاري.
فرص التعاون الاقتصادي:
على الرغم من الخروج البريطانى من الاتحاد الأوروبى رسميا في 3 يناير 2021، وانتهاء المزايا التي كانت تتمتع بها مصر وبريطانيا في سوق كل منهما بموجب اتفاقية الشراكة المصرية الأوروبية، إلا أن التعاون الاقتصادي بين البلدين مازال يحمل العديد من الفرص ليفتح أفاقًا جديدة من الممكن أن تجعله أقوى مما كان عليه خلال فترة عضوية بريطانيا بالاتحاد الأوروبى. ويأتى على رأس هذه الفرص توقيع اتفاقية تأسيس الشراكة المصرية البريطانية التي أصبحت بديلا عن اتفاقية الشراكة المصرية الأوروبية، فضًلا عن مجموعة أخرى من الفرص التي تضمن استمرار وتقوية العلاقات الاقتصادية بين الدولتين، وسيتم توضيح ذلك فيما يلى:
(*) وجود علاقات تجارية قوية بين البلدين:
تعتبر بريطانيا هي الشريك التجارى السادس لمصر من حيث الصادرات المصرية إلى العالم، والشريك السادس عشر من حيث الواردات، وقد تراوح حجم التبادل التجارى للبلدين بين 2.3 و 3.20 مليار دولار خلال الفترة (2015-2019)، مرتفعا بنحو5% في عام 2019 مقارنة بعام 2018، وبعجز تجارى بلغ في المتوسط 312.17 مليون دولار خلال هذه الفترة في غير صالح مصر.
المصدر: إعداد الباحثة، بالاعتماد على احصائيات مركز التجارة العالمى ITC.
(*) بريطانيا أكبر الدول في حجم الاستثمار الأجنبى المباشر الوارد إلى مصر:
تعد المملكة المتحدة، أكبر الدول المستثمرة في مصر، نحو 48 مليار دولار في جميع القطاعات بما في ذلك النفط والغاز والاتصالات والأدوية والسلع الاستهلاكية والخدمات المالية والسياحة والمنتجات الدوائية، حيث تحتل المملكة المركز الأول بين الدول المصدرة للاستثمار الأجنبى المباشر إلى مصر، والذى شهد انخفاض بنهاية العام المالى السابق 2019/2020 ليصل إلى 2.9 مليار دولار وذلك بانخفاض قدره 54% عن العام المالى 2018/2019، تأثرا بالتداعيات السلبية لجائحة كورونا على الاقتصاد العالمى.
المصدر: إعداد الباحثة، بالاعتماد على احصائيات البنك المركزى المصرى.
(*) وجود أطر تعاون مشترك بين البلدين بعيدا عن الاتحاد الأوروبى:
يلعب كلا من غرفة التجارة المصرية – البريطانية ومجلس رجال الأعمال المصريين – البريطانيين دورا هاما في دعم وتنمية التجارة والتعاون الاقتصادي بين رجال الأعمال من البلدين.
(*) دخول اتفاقية تأسيس الشراكة المصرية البريطانية حيز التنفيذ بداية العام الحالى 2021:
تعتبر اتفاقية تأسيس المشاركة المصرية البريطانية، والتى وقع عليها كل من سفير المملكة المتحدة في مصر ” جيفري آدامز” ومساعد وزير الخارجية المصرية لشؤون أوروبا “بدر عبد العاطي” في 5 ديسمبر 2020، هي أول اتفاقية توقعها مصر مع بريطانيا تعمل على وضع الإطار العام للعلاقات بين الدولتين في مختلف المجالات، بعد الخروج البريطانى من الاتحاد الأوروبى، حيث تهدف هذه الاتفاقية إلى خلق أطر تعاون جديدة بين البلدين، لتكون بديلة عن اتفاقية الشراكة المصرية الأوروبية بينهما، والتى يتم العمل بها منذ عام 2004، ويتم بموجبها إقامة منطقة تجارة حرة خلال فترة انتقالية مدتها 12 عاماً من تاريخ دخولها حيز النفاذ(تحرير تدريجى)، من خلال إزالة التعريفات الجمركية على المنتجات الصناعية وتسهيل تجارة المنتجات الزراعية، وتتمثل أهم أهدافها في:
_توفير إطار ملائم لحوار سياسي يتيح تنمية علاقات سياسية وثيقة بين الطرفين.
_تهيئة الظروف لتحرير مطرد للتجارة في السلع والخدمات ورؤوس الأموال.
_تدعيم تنمية علاقات اقتصادية واجتماعية متوازنة بين الطرفين من خلال الحوار والتعاون.
_تشجيع التعاون الإقليمي من أجل ترسيخ التعايش السلمي والاستقرار الاقتصادي والسياسي.
_تنمية التعاون فى المجالات الأخرى ذات الاهتمام المشترك.
وبموجب هذه الاتفاقية الجديدة بين مصر وبريطانيا، والتي من المقرر أن تدخل حيز التنفيذ في بداية العام الحالى 2021، أصبح هناك إطارا يضمن استمرار المعاملة التجارية التفضيلية لمنتجات البلدين، وتتضمن ذات المزايا التجارية التي توفرها اتفاقية المشاركة المصرية الأوروبية للسلع الصناعية والزراعية والسلع الزراعية المصنعة، والتي أدى خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي إلى انتهاء أثرها بالنسبة لبريطانيا، بما يضمن تحريراً كاملاً للتجارة بين الدولتين في المنتجات الصناعية ومعظم السلع الزراعية والمنتجات الغذائية والأسماك ومنتجاتها، مع استثناء بعض السلع الزراعية التي ستكون خاضعة لحصص كمية تحددها الاتفاقية وتعتبر كافية لاستيعاب نسبة كبيرة من صادرات الدولتين.
(*) التوافق السياسي بين مصر والمملكة المتحدة:
والذى من شأنه أن يشكل طريقا ممهدا لدعم التعاون الاقتصادى وفتح آفاقا جديدة للتبادل التجارى والاستثمارى بين الدولتين، حيث يوجد توافق سياسى في الآراء بين الدولتين في العديد من الملفات الدولية والإقليمية وفى مقدمتها الدعم البريطاني للموقف المصرى تجاه الأزمة الليبية الحالية.
تحديات ما بعد البريكست:
يواجه التعاون الاقتصادي لمصر مع بريطانيا عددا من التحديات التي يمكن أن تحول دون تحقيق كافة الأهداف المرجوة لاتفاقية الشراكة بين البلدين في الأجل القصير، وعدم زيادة درجة التعاون الاقتصادي بينهما للمستوى المأمول، وزيادة المكاسب المصرية من هذه المرحلة الجديدة في العلاقات الاقتصادية بين الدولتين عما كانت عليه قبل الخروج البريطانى من الاتحاد، وتتمثل هذه التحديات فيما يلى:
(*) اشتداد الموجة الثانية من فيروس كورونا في أوروبا وظهور سلالة جديدة من الفيروس ببريطانيا:
تواجه الدول الأوروبية منذ نهاية العام السابق موجة ثانية من فيروس كورونا Covid-19، بالإضافة إلى ظهور سلالة جديدة للفيروس أسرع انتشارا في بريطانيا، مما أدى إلى لجوء بعض الدول إلى حالات الإغلاق الجزئي مرة أخرى، وهو ما يقلل من الطلب الشخصى لدى مواطني هذه الدول وبالتالي تراجع الواردات واللجوء إلى الذهب كملاذ أمن للاستثمار والضغط على الميزانيات الموجه للمساعدات إلى الدول النامية، وفى بريطانيا قد بلغت الموجة الثانية ذروتها حتى أصبح عدد حالات الإصابة اليومية يتجاوز 10 آلاف إصابة منذ 4 أكتوبر 2020 وحتى 15 فبراير 2021، كانت ذروتها خلال الفترة 31 ديسمبر 2020 إلى 16 يناير 2021، بتجاوز هذا العدد الـ 50 ألف إصابة يومية.
(*) مرور الاقتصاد العالمى ومنه البريطانى بحالة من الركود:
يمر الاقتصاد البريطانى حاليا بحالة من الركود بالإضافة الى الخسائر الاقتصادية المتوقع أن تواجهها مع الموجة الثانية من فيروس كورونا والانتشار السريع للسلالة الجديدة من الفيروس بها، مما سيبطئ من الأهداف المرجو تحقيقها من اتفاق الشراكة المصرية البريطانية، حيث حقق الاقتصاد البريطانى انكماشًا في الناتج المحلى الإجمالي خلال النصف الأول من العام 2020، بلغ -19.8% في الربع الثانى، وذلك قبل ارتفاع الناتج مرة أخرى بمعدل نمو موجب بلغ 16.1% في الربع الثالث، وتراجعه مرة ثانية ليسجل 1% في الربع الرابع من نفس العام، تأثرا بظهور الموجة الثانية من جائحة كورونا في الدول الأوروبية والعديد من دول العالم، وهو ما يؤثر سلبا على الإنفاق الاستهلاكي وأداء الشركات البريطانية.
المصدر: إعداد الباحثة، بالاعتماد على احصائيات المكتب الاحصائى الوطنى البريطانى.
(*) تفوق المصدر البريطانى في مجالات التكنولوجيا والأجهزة والمعدات:
وهذا يجعل شكل الميزان التجارى بين مصر بريطانيا فى غير صالح مصر. وبالتالي استمرار تفوق المكاسب البريطانية من التجارة الثنائية مع مصر على نظيرتها المصرية، مما يجعل بريطانيا هى المستفيد الأكبر من منطقة التجارة الحرة التى تهدف إليها اتفاقية الشراكة المصرية البريطانية، حيث تغلب على الصادرات المصرية إلى بريطانيا السلع الأولية ونصف المصنعة، في المقابل تستورد مصر منها السلع الأكثر تصنيعًا.
المصدر: إعداد الباحثة، بالاعتماد على احصائيات مركز التجارة العالمى ITC.
(*) الأثر السلبى للتخفيض الجمركى على الإيرادات العامة المصرية:
مع التخفيض الجمركى للسلع المصنعة التى تستوردها مصر من بريطانيا وتشكل النسبة الأكبر من واردات مصر منه، لتصل إلى الصفر في بعض السلع، فإن كان لذلك أثره الإيجابي فى خفض أسعار تلك السلع بمصر إلا أنه سيؤثر بالسلب على الإيرادات العامة للدولة نتيجة خفض حصيلة الضرائب على التجارة الدولية.
في النهاية، يمكن القول إن هناك فرص بدأت تتوالى أمام الاقتصاد المصرى، لإعادة ترتيب علاقاته الاقتصادية مع دول العالم، بما يصب في مصلحة هذا الاقتصاد، فلم تتوقف الفرص عند تحسن الاقتصاد بعد تطبيق برنامج الإصلاح الاقتصادى، والذى ظهر في مؤشراته، وقدرته على مواجهة تداعيات جائحة كورونا في الموجة الأولى، وفى ظل الموجة الحالية، دون غيره من دول الشرق الأوسط والإفريقية. بل باتت مصر أولى الدول الإفريقية في جذب الاستثمار الأجنبي المباشر، وأصبح لديه فرصة جديدة يمكن انتهازها بعد توقيع اتفاقية الشراكة المصرية البريطانية. وتعتبر الاتفاقية المذكورة بمثابة خطوة جديدة في تاريخ العلاقات الاقتصادية بين مصر وبريطانيا، قد تمهد لفتح أفاق تعاون جديدة مع سادس أكبر اقتصاد عالمى، والشريك التجارى السادس من حيث الصادرات، يمكن انتهازها لوضع هيكل جديد للعلاقات الاقتصادية مع بريطانيا، تضمن زيادة المكاسب المصرية من هذه العلاقات وتعظيم الاستفادة من اتفاقية الشراكة المصرية البريطانية، والعمل على رفع القدرة التنافسية للسلع المصرية في السوق البريطانى وتشجيع زيادة تدفق الاستثمارات البريطانية إلى مصر، بالإضافة إلى زيادة الزيارات المتبادلة على مستوى رؤساء الدول والوزراء والبرلمانيين، فالتوافق السياسى والدبلوماسى من شأنه أن يشكل طريقا ممهدا لدعم التعاون الاقتصادى وفتح آفاقا جديدة للتبادل التجارى والاستثمارى.