هل تنجح مبادرة سفراء “المجموعة الخماسية” في حل أزمة رئيس لبنان؟
تجددت أزمة شغور منصب رئيس الجمهورية في لبنان مع نهاية ولاية الرئيس السابق ” ميشال عون” في31 أكتوبر 2022، وفشل مجلس النواب اللبناني مرات عديدة خلال جلساته في انتخاب رئيس جديد للبلاد في ظل انعدام التوافق على مرشح تجمع عليه الكتل النيابية والتيارات المتنافسة.
وفي ظل تعثر أزمة اختيار الرئيس في لبنان، وتأثيراتها السلبية على الداخل اللبناني وتفاعلاته الدولية، أعلن سفراء دول ” المجموعة الخماسية ” لدى لبنان، عن مبادرة لحل الأزمة والقيام بجولة جديدة من اللقاءات مع القيادات السياسية اللبنانية والدعوة إلي جلسات انتخابية متتالية، وذلك بالتوازي مع المبادرة الداخلية لتكتل ” الاعتدال الوطني ” لحل الأزمة وانتخاب رئيس للبلاد، مما لقي اهتمام الأوساط السياسية والدبلوماسية التي تًراقب هذا التحرك بكل دقة ومدي إمكانية مساهمة تلك اللقاءات في إيجاد حل للأزمة وانتخاب رئيس للجمهورية علي المدى القريب. تأسيساً علي ما سبق، يحاول هذا “التقدير” الإجابة عن السؤال التالي، هو: هل تنجح محاولة سفراء المجموعة الخماسية بحل مشكلة الشغور الرئاسي في لبنان؟
جولات وفرص:
عاود سفراء دول المجموعة الخماسية ( الولايات المتحدة، فرنسا، المملكة العربية السعودية، مصر، قطر) القيام بجولات وزيارات جديدة بدءاً بلقاء البطريرك الماروني “بشارة الراعي” ورئيس المجلس النيابي “نبيه بري”، وأيضاً الرئيس السابق “ميشال عون “ورئيس حزب القوات اللبنانية “سمير جعجع، مؤكدين في إطار ذلك دعمهم لكل مبادرة تؤدي إلي إنهاء الشغور الرئاسي خاصة مبادرة ” الاعتدال الوطني ” والتي لاقت ترحيب “المجموعة الخماسية ” انطلاقا من ترحيبها بأي تحرك داخلي يلتقي مع تحرك المجموعة لتذليل العقبات التي تعرقل حواراً لبنانياً ينهي أزمة الشغور الرئاسي، ويخلق فرصاً جديدة وتوافقاً بين كافة القوي والكتل السياسية اللبنانية من خلال الذهاب إلي خيار ثالث بدلا من “جهاد أزعور” مرشح المعارضة اللبنانية و” سليمان فرنجية ” مرشح تيار الممانعة.
ويبدو من مسار هذه المبادرة ومساعي سفراء دول المجموعة، أن الملف الرئاسي اللبناني مازال في عهدتها حصراً فعاد ليحتل اهتماما دولياً وإقليمياً من جديد بعد التركيز على الحرب في غزة وتأثيرها علي الداخل اللبناني المًنهك اقتصاديا واجتماعيا وسياسياً، واعتبار ملف الرئاسة ضرورة لتحصين الوضع اللبناني في ضوء مخاطر تلك الحرب، خاصة في ظل التصعيد الميداني علي الجبهة الجنوبية وبالتالي وجود حاجة ماسة إلى فصل المسارين، الأول: مسار تجنب الحرب، والثاني مسار إعادة الانتظام إلى الحياة السياسية وإنهاء حالة الفراغ الرئاسي التي عانت منه البلاد منذ أكتوبر2022 والذي أدي إلي تراجع الاقتصاد وتأخير الإصلاحات لأكثر من عام كامل فقد أخّر العديد من القوانين، التي يعد أبرزها: قانون “هيكلة المصارف” لإعادة إحياء القطاع المصرفي وعودة التسليفات للأفراد والمؤسسات، وقانون تحرير سعر الصرف الذي سيساهم مع بقية الإصلاحات في خفض قيمة الدولار أمام الليرة إلى أقلّ من سعره الحالي، كذلك تأخير الاتفاق مع صندوق النقد الدولي، الذي سيكون بمثابة الرافعة لكل ما سبق ذكره والذي سيساهم بشكل كبير في تحقيق العديد من الخطط التنموية للدولة.
وعلى ما سبق، نجد أن ثمة تقارباً لافتاً خلال هذه المبادرة في المقاربات بين ثوابت (المجموعة الخماسية) ومقاربات رئيس البرلمان “نبيه بري” من جهة، وهو وجوب الفصل بين المسار الإقليمي والحرب والمسار الرئاسي وتحقيق الاستقرار السياسي بالبلاد، حيث تجدد دعم ” بري” لمبادرة ” الاعتدال الوطني” الذي قطع وعداً لنوابه بالسير بمبادرتهم لإنهاء الشغور الرئاسي من خلال رسم خريطة طريق وآلية لإتمام الانتخاب، مما يخلق فرصاً جديدة لإيجاد حل للأزمة .
تحديات متشابكة:
علي الرغم من المحاولات العديدة لحل أزمة الشغور الرئاسي في لبنان وردود الأفعال الإيجابية تجاه هذه المبادرة الأخيرة لسفراء “المجموعة الخماسية ” إلا أن استمرار الأزمة يستند إلى مجموعة من الإشكاليات السياسية والعوامل المتشابكة داخلياً وخارجياً والتي تؤدي جميعها إلي صعوبة التوافق، مما يعرقل انتقال السلطة بشكل سلس من رئيس إلى آخر، ويمكن التعرف علي هذه العوامل والتحديات من خلال الأتي:
(1)- تحديات داخلية، ثمة تحديات داخلية قد تعيق مبادرة سفراء المجموعة الخماسية، أهمها
أ- تباين تفسير مواد الدستور: تكمن الإشكالية في تبايُن وجهات نظر القوي اللبنانية حول تفسير مواد الدستور التي تُجيز لكل فريق استخدامها وفقاً لأجنداته السياسية، فللدستور تفسيرات مختلفة ومتناقضة بين مختلف القوي والكتل اللبنانية. فيري بعض المحللين أن اتفاق الطائف تحوّل إلى دستور لبناني ولكن لا يوجد تفسير موحّد لمواده، مما ترك مجالاً للاجتهادات والتناقضات التي يلجأ إليها كل فريق من أجل تبرير مواقفه السياسية ومن ثم عدم وجود مرجعية واحدة تحقق إنجاح لعملية انتخاب رئيس جديد بعد انتهاء عهد الرئيس ميشال عون. فعلي سبيل المثال نجد أن المادة 49 من الدستور اللبناني تنص على جلسة انتخاب واحدة وبدورات متتالية، إلا أنه تم تجاوز هذه القاعدة وتم إقفال محضر كل جلسة انتخاب نتيجة عدم توافق الكتل السياسية داخل البرلمان على مرشح واحد لرئاسة الجمهورية.
ب – التركيبة السياسية ومحاولات عرقلة التصويت بالبرلمان: ينص الدستور علي أن رئيس الجمهورية يُنتخب بالاقتراع السري بالثُلثين من مجلس النواب في الدورة الأولى، ويُكتَفَى بالغالبية المطلقة في دورات الاقتراع التي تليها، إلا أنّ تركيبة المجلس النيابي الحالي ساعدت في عدم امتلاك أي كتلة سياسية في إيصال المُرشح الذي تدعمه إلى الرئاسة دون التوافق مع باقي القوى والكتل السياسية داخل المجلس النيابي، كنتيجة للفشل في تأمين الأصوات الكافية لصالح أي مرشح وفي الوقت نفسه لفشل الأطراف السياسية في الاتفاق على مرشح واحد.
كذلك فإن فشل مجلس النواب في اختيار مرشح لرئاسة الجمهورية، يرجع إلى فكرة “الثُلث” المُعطِّل من خلال مقاطعة الجلسات والانسحاب منها، مما يؤدي لعرقلة عملية الانتخاب لعدم توفير النصاب القانوني لانتخاب الرئيس .هذا بالإضافة إلي آلية التصويت بـ”ورقة بيضاء” والتي تم استخدامها طوال جلسات انتخاب الرئيس من جانب الثنائي الشيعي( تيار الممانعة ) “حزب الله” و”حركة أمل” إلى جانب نواب آخرين لإخفاء العدد الحقيقي الذي سيُصوت للمرشح الذي يدعمونه وهو “سليمان فرنجية” .
وقد تأتي محاولات عرقلة التصويت من رفض تيار الممانعة لصيغة البحث عما يُسمي في لبنان ” الخيار الرئاسي الثالث ” ففريق الممانعة بقيادة حزب الله يتعامل مع الانتخابات الرئاسية علي أنها مكسب سياسي وليس استحقاقا دستورياً لابد من إنجازه وتحقيق الاستقرار السياسي بالبلاد، إلي جانب عدم تأييد المعارضة لمرشح الممانعة ” سليمان فرنجية ” .
(2)- تحديات خارجية، ثمة تحديات خارجية قد تعيق مبادرة سفراء المجموعة الخماسية، هي:
أ- استمرار حرب غزة: أصبح ملف الرئاسة، مرتبطاً بشكل أو بأخر بتطورات الوضع جنوب البلاد والتطورات في غزة، فقد تراجعت جهود مساعدة لبنان لإنجاز الاستحقاق الرئاسي عبر المجموعة الخماسية من جهة والتواصل الداخلي بين القوي المختلفة من جهة أخري، وذلك بسبب اشتباكات الحدود بجنوب لبنان والمواجهة المباشرة مع إسرائيل، كنتيجة للحرب علي غزة منذ السابع من أكتوبر 2023 والتي ساهمت في تعقد الأمور وتعثر انتخاب رئيس الجمهورية، حيث ربط بعض المراقبين حل أزمة انتخاب الرئيس بما هو متوقع من تسوية لاحقة بعد انتهاء الحرب مهما كانت نتائجها.
ب –تعارض مصالح دول الخماسية: علي الرغم من تأكيد دول المجموعة الخماسية في إطار هذه المبادرة من عدم وجود أي اختلافات بين أعضائها ووقوفهم صفاً واحداً لحل الأزمة وأنهم يتحدثون بلغة واحدة، وهي تحقيق الصالح اللبناني، ففي حالة رفض القوي السياسية اللبنانية صيغة “الخيار الثالث” فقد يظهر لكل دولة محاذيرها تجاه المرشحين للرئاسة بلبنان خاصة في ظل الظروف الدولية الراهنة وتباين المواقف والمصالح لكلاً منهم حيال بعض القضايا، خاصة الحرب في غزة. وقد يسعي كل تيار سياسي إلي الوقوف خلف الدولة التي ستُلبي طموحه في الملف الرئاسي، مما يزيد من تعقيدات المرحلة التي باتت تحتاج إلى طاولة حوار لـ”الخماسية” للتوافق على رؤية موحدة تجاه لبنان، وعلى من سيكمل الوساطة الرئاسية ومن ثم معالجة الانقسامات بين الكتل اللبنانية والوصول لحل للأزمة.
سيناريوهات محتملة:
(-) مسار أول:، يري بعض الدبلوماسيون أن ما يحدث في غزة، يجب أن يكون دافعاً أكبر للبنان من أجل الانتهاء من عملية انتخاب رئيس علي المدى القريب، لأنه أمر في غاية الأهمية والضرورة لما ستشهده المنطقة من تحديات والتزامات واستمرار تداعيات وانعكاسات الحرب علي البلاد، كل هذا يُوجب أن يكون في لبنان، رئيس يتحدث باسمها، وذلك من خلال العمل علي تهيئة الأجواء والخروج من خلال تلك المبادرة بالتزام واضح من القوى السياسية التي لديها رغبة حقيقية للاتجاه في إنهاء أزمة الشغور الرئاسي في أسرع وقت ممكن.
(-) مسار ثاني:، بناءاً علي تقدير بعض المراقبين، الذين يروا أن حزب الله لن يتجاوب بالمرونة الكافية مع أي طرح فرنسي أو أمريكي أو غربي بشكل عام خلال الفترة الحالية، بسبب انحياز تلك الدول لإسرائيل في الحرب على غزة .وأن الحزب لن يرضى بوصول رئيس للجمهورية بعيداً عن مرشحه (سليمان فرنجية) وبالتالي سيتشدد أكثر من أي وقت مضى بالتمسك بمرشحه مع ربطه أيضا حل أزمة الرئاسة بمسار الحرب في غزة.
وبناءاً عليه وعلي الرغم من الجهود والمبادرات الداخلية والدولية وعلي رأسها المبادرة الأخيرة لـ” المجموعة الخماسية ” لحل مسألة الشغور الرئاسي في لبنان، نجد أن “اختيار الرئيس” يظل قضية خلافية، وأن عملية الوصول لحل من أجل إنهاء هذه الأزمة أمراً يشوبه ضبابية في المشهد، وقد يبدو صعباً نتيجة وجود العديد من الاختلافات المستمرة، وتعارض المصالح بين القوي والكتل السياسية داخل البرلمان اللبناني، بشأن انتخاب رئيس للجمهورية، مما يعطل عمل كل المؤسسات الدستورية، ويؤدي إلي مزيد من الفوضى والانهيارات على كل المستويات في لبنان، فالحل يكمن في مساعي تلك القوي السياسية في إيجاد حلول توافقية “كاختيار ثالث” والعمل علي تذليل كافة العقبات لحل تلك الأزمة، خاصة في ظل تدهور الأوضاع الداخلية والخارجية التي تعاني منها البلاد، وإلا ومن دون ذلك التوافق سيبقي الشغور قائماً وقد يستمر لفترات طويلة دون حل لإنهائه.