عودة مشروطة: هل تتحسن العلاقات الاقتصادية المصرية الليبية بعد انتخاب “الدبيبة”؟

عشر سنوات مرت على الثورة الليبية، التي أطاحت بمعمر القذافي وتحولت لحرب أهلية استمر مداها لعقد من الزمن حتى انتخاب رجل الأعمال عبد الحميد الدبيبة رئيسا للحكومة الانتقالية الجديد، الذي يبدو منذ توليه أن هناك ملامح جديدة تتشكل على المستويين الداخلي والخارجي. فاختيار مصر لتكون أولى الوجهات الخارجية لرئيس الحكومة الليبية، يترجم رغبة السلطة التنفيذية في التنسيق مع القاهرة.
كما أن تأكيد “الدبيبة” على تقديره واعتزاز بلاده للجهود المصرية الصادقة والفعالة في مختلف مسارات حل الأزمة الليبية خلال الفترة الماضية، والتي نتج عنها تقريب وجهات النظر بين الليبيين وإنهاء حالة الانقسام، فضلاً عن دعم مصر للمؤسسات الليبية في مكافحة الإرهاب والجماعات المتطرفة- حسب ما قاله المتحدث باسم الرئاسة المصرية بسام راضي-، يشير إلى أن العلاقات المصرية الليبية ستكون أكثر قوة على كافة المستويات، خاصة في ظل إشارة وتأكيد الرئيس عبد الفتاح السيسي خلال لقاءة بـرئيس الحكومة الليبي الجديد على حرص مصر للاستمرار في دعم الشعب الليبي، وتأكيده أن المرحلة الحالية تتطلب حشد ليبيا لكافة جهود أبناءها المخلصين لترتيب الأولويات.
تأسيساً على ما تقدم، وفي ظل طبيعة العلاقات التاريخية بين مصر وليبيا، حيث تعد ليبيا امتدادا وعمقا لمصر، كما أن مصر امتداد أيضا وعمق لليبيا- تكون إجابة السؤال: ما هي طبيعة وحدود العلاقات الاقتصادية بين مصر وليبيا؟، هو ضرورة قد تأسس عليها المؤشرات المحتملة للعلاقات الاستثمارية، والتجارية بين البلدين.
واقع العلاقات الاستثمارية والتجارية:
على الرغم من قوة العلاقات بين البلدين كما سبق ذكره، إلا أن الاستثمارات الليبية في مصر تراجعت بنسبة 25% لتصبح 511 شركة برأسمال مصدر 4 مليارات دولار. كما أن الاستثمارات المصرية في ليبيا تبلغ 520 مليون دولار فقط، وهذا لا يتناسب مع العلاقة التي تربط البلدين، وإن كان ذلك يرجع بشكل كبير إلى توتر الوضع السياسي في ليبيا، هو ما تسبب في هروب حجم ضخم من الاستثمارات طوال السنوات الماضية.
أما على جانب العلاقات التجارية، فإن حجم التبادل التجاري بين البلدين تراجع من 1.377 مليار دولار في 2013 إلى 455 مليون فقط فى 2017، ثم بلغ نحو 6.977 مليون دولار عام 2019، وذلك يرجع إلى صعوبة فتح اعتمادات وتأخر سداد المديونيات إلى جانب معوقات عبور الحاويات والأزمة، بالإضافة إلى ارتباك الوضع الداخلي الليبي. ما يلاحظ على الصادرات المصرية إلى ليبيا، فإنها ارتفعت إلى 825.3 مليون دولار خلال 2019، مقابل 635.9 مليون خلال عام 2018. أما الواردات المصرية من ليبيا فقد ارتفعت إلى 152.3 مليون دولار خلال 2019 مقابل 66 مليون دولار خلال 2018.
وهنا تجدر الإشارة إلى أن ليبيا تستقبل حاليا مختلف أنواع الصادرات المصرية من السيراميك والدهانات ومختلف مواد البناء والأثاث والسلع الغذائية والزراعية، وتستحوذ منها المنطقة الشرقية نحو 70. بل أنه من المحتمل أن تتزايد بسرعة نسبة التدفق والتبادل التجاري بين البلدين، خاصة مع تزايد احتمالات حالة الاستقرار في الداخل الليبي، وتأكيد “الدبيبة” للرئيس السيسي عن رغبة في إنهاء الانقسام.
البناء وإعادة الإعمار:
الواقع يشير إلى أن هناك فرصا واعدة لشركات المقاولات المصرية للمشاركة فى مشروعات إعادة الإعمار، مع وجود إصلاحات اقتصادية عديدة أقدمت عليها الحكومة الليبية من أجل تحسين بيئة الأعمال وجذب الاستثمارات الخارجية، منها تدخل البنك المركزي الليبى لتحرير سعر صرف الجنيه الليبى أسوة بما فعلته مصر في هذا المجال، خاصة وأنه سيكون لهذه الإصلاحات دور بالغ الأهمية فى رفع كفاءة الاقتصاد الليبي، وتنشيط حركة التبادل التجارى والاستثمارى مع مختلف دول العالم، وأهمها مصر بالمنطقة العربية.
على جانب أخر يعد تفعيل غرفة التجارة المصرية الليبية، خطوة هامة لتعزيز التعاون التجاري والتكامل الاقتصادي بين البلدين، وتوفير حرية في انتقال الأفراد ورؤوس الأموال والسلع والخدمات وإزالة العراقيل، وتساعد الشركات في تسهيل حركة البضائع. كما أنه في 17 مارس 2019، عقدت الحكومتان المصرية والليبية اتفاقية لتنظيم دخول العمالة المصرية إلى ليبيا، فى إطار الخطّة المعلن عنها لإعادة إعمار ليبيا ، وتم الاتّفاق بين الجانبين على أن يكون هناك مكتبان للتنسيق، أحدهما في مدينة السلوم المصرية على الحدود والآخر فى مدينة مساعد الليبية.
كما تسعى البلدين نحو تنفيذ مشاريع مشتركة لإعادة إعمار لبيبا، وخاصة في مجال النقل واللوجستيات والطرق والموانئ والبنية التحتية والكهرباء استنادا لخبرة مصر في الخطة العاجلة للكهرباء، والمشروعات الكبرى. هذا بالإضافة إلى هناك سعى في المشاركة بالمشروعات الصناعية، التي لمصر خبرة وتكنولوجيا رائدة فيها مثل صناعة مواد البناء والبتروكيماويات والصناعات الغذائية. وبالتالي، وبناءاً على ما سبق، يمكن القول السوق الليبية ستصبح جاذبة للعمالة المصرية مع إعادة الإعمار المقبلة. وهنا وجبت الإشارة إلى أن نسبة العالمة المصرية تراجعت بنسبة تتراوح من 35 إلى 40% عقب 2011 بالمقارنة بما قبلها.
التعاون فى مجال الطاقة:
أكدت المؤسسة الوطنية الليبية للنفط تطلع ليبيا إلى مشاركة شركات البترول المصرية في عدة تخصصات، منها تأهيل البنية التحتية للقطاع النفطي الليبى، ورغبتها في الاستفادة من الخبرات المصرية المتميزة في تصميم المشروعات، وتنفيذ الأعمال المدنية والإنشاءات وصيانة المنشآت النفطية .هذا فضلا عن مساندة مصر ودعمها الجهود الليبية لاستعادة قدرات صناعة البترول في إطار التعاون الدائم والمستمر وعلاقات الجوار والتآخي التي تجمع البلدين الشقيقين. كما أن المؤشرات تشير إلى أن هناك استعداد واضح من قبل قطاع البترول المصري من خلال شركاته المتخصصة بالمساهمة الفاعلة في إعادة إعمار، وتأهيل البنية التحتية للبترول والغاز في ليبيا. هذا بالإضافة إلى أنه من المتوقع أن تشهد الفترة المقبلة استكمال شركات مصرية في قطاع البترول، وهي “بتروجت” و”إنبي”، مشروعات كانت متعاقدة عليها في حقول النفط الليبية، وتوقفت بسبب الحالة الأمنية قبل نحو عامين.
الأرقام وتحليلها تشير إلى أن مصر تصدر إلى ليبيا الطاقة الكهربائية بقدرات تقارب الـ 40 ميغاوات، وذلك منذ عام 2006. وقد جرت مفاوضات خلال الفترة الماضية من أجل زيادة تلك القدرات، وهو قد يتطلب تطوير شبكات النقل الكهربائية بين البلدين. فضلا عن العمل في المشروعات المشتركة بين لتخزين وتداول وتوزيع المنتجات البترولية والتي تخدم السوق المحلى المصري من خلال مشروع الشركة العربية لخطوط أنابيب النفط التيوب في مدينة بدر بالقاهرة، وكذلك بحث أنشطة شركة ليبيا أويل التي تمارس نشاطها حاليا في مصر بنجاح خاصة بعد التوسع العمراني المستمر ومشروعات الطرق الجديدة التي يتم تنفيذها في كل إنحاء الجمهورية
تأسيسا على ما سبق، ومن خلال مسح شامل للعلاقات الاقتصادية بين مصر وليبيا، يمكن القول إن بين البلدين مازالت محدودة بفعل التوترات السياسية فى ليبيا، وأنها من المحتمل أن تشهد انفراجة كبرى فى حالة استقرار الوضع السياسي فى ليبيا، وهو ما نأمل إليه خلال الفترة المقبلة. وهو ما يحتاج أيضا إلى التالي :-
(*) إعطاء دفعة قوية لزيادة حركة التبادل التجاري بين البلدين تصديرا واستيرادا ، وأهمية تعريف المستثمرين من الجانبين بما يتمتع به كل بلد من إمكانيات وفرص استثمارية كامنة.
(*) تفعيل اتفاقيات الحريات الأربع وزيادة الاستثمارات الليبية في مصر خاصة في القطاع السياحي والفندقي والبترول ، حيث تم بحث تنفيذ وإنشاء مصفاة لتكرير البترول في أسيوط ومشروع لإنشاء شركة مشتركة للمصايد بين مصر وليبيا.
(*) بحث مشروعات شركات الكهرباء المصرية في مجال الربط الكهربائي بين مصر وليبيا.
(*) بحث مشاركة شركات المقاولات المصرية في النهضة العمرانية في ليبيا مع إنشاء منفذ مشترك بين مصر وليبيا لتسهيل عملية الانتقال للأفراد والشاحنات والبضائع والسلع والخدمات بين البلدين ثم من مصر إلي تونس عبر ليبيا.
(*) بحث إنشاء منطقة صناعية وتجارية واستثمارية وخدمية حرة بين البلدين.
(*) تسهيل أعمال المستثمرين في البلدين لتنفيذ العديد من المشروعات الصناعية في مجالات الطاقة، الصحة، التشييد والبناء، المواد الغذائية، الملابس الجاهزة.