“إعمال العقل” في فكر على الشرفاء الحمادي
القراءة الدقيقة لمؤلفات وإصدارات المفكر العربي على محمد الشرفاء الحمادي، سواء “كتاب المسلمون بين الخطاب الديني والخطاب الإلهي” أو “كتاب الطلاق يهدد أمن المجتمع” أو “كتاب السنة النبوية الحقيقية” أو “كتاب سنة الرسول أفعال وليس أقوال” أو “كتاب شرعة الله ومنهاجه” أو “كتاب القرآن الكريم بين التنزيل والتضليل” أو “كتاب وثيقة الدخول في الإسلام”، وغيرهم من كتبه،- تعطي دلالة واضحة، هي أن الكاتب يدعو قراءه في كل كتاباته إلى ضرورة “إعمال العقل” في كل ما يتطلب التفكير، بهدف مكافحة الجمود والأصولية الدينية، التي طالما نخرت في بنيان العقلية العربية المسلمة على مدى قرن من الزمان.
فقد دلل “الشرفاء” على أن “إعمال العقل” فريضة دينية أوجبها المولى عز وجل على عبادة؟، حتى لا ينساق المسلمين إلى الادعاءات الباطلة والأفكار الشيطانية التي أصلت للعنف والتطرف، وأسقطت الأمة في غابة الجهل والتخلف على مدار عقود بإعلاء النصوص الفقهية والتفسيرات المبتورة على النص الإلهي والرؤية العقلانية لهذا النص.
بداية نجد “الشرفاء” دائما في مقدمة المقاتلين من أجل قضية تصويب الخطاب الإسلامي، ويعني الشرفاء من عبارة “تصويب الخطاب الإسلامي” العودة لصحيح الدين، بالاعتماد على النص الإلهي بدلاً من الإسرائيليات والمرويات والأساطير، التي توغلت إلى العقل المسلم على مدى عقود، وسيطرت عليه حتى باتت ثقافة إسلامية سائدة، يصعب طرح رؤية مغايرة لها.
دلالات قرآنية:
يدلل الشرفاء على رؤيته من النص القرآني، ويدعوا إلى التمسك به للنجاة في الدنيا والآخرة، قال تعالى: “وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصآكم به لعلكم تتقون”- (الأنعام ١٥٣)، هكذا وجد “الحمادي” أن تفرق المسلمين إلى فرق وشيع هو أصل الشرور، ودعا المسلمين إلى التمسك بقول المولى في اتباع هديه وصولاً للتقوى، ويستشهد “الشرفاء” لدعم رؤيته في التمسك بتعاليم الذكر الحكيم بقوله تعالى: “تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق فبأي حديث بعد الله وآياته تؤمنون”- (الجاثية: ٦)، فالآية تذكر وتستنكر ممن يتخذون من دون الله وآياته مرجعية دينية لتأصيل أفكارهم الضالة المنحرفة.
لقد تترتب على التمسك بتعاليم النص الإلهي عدة نتائج وفقًا لرؤية “الشرفاء” أهمها؛ إعلاء قيمة “إعمال العقل”، حيث أن الرجوع إلى النص القرآني من شأنه ديمومة استنباط الأحكام المتجددة الصالحة لكل عصر، بخلاف التوقف عند حدود التفسيرات والآراء الفقهية، التي تتوقف بنا في الاستنباط عند أجواء البداوة والتخلف، قال تعالى: “أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها”- (محمد: ٢٤)، قال تعالى: “أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافًا كثيرًا”- (النساء: ٨٢). وقد أكد “الشرفاء الحمادي” على وجوب “إعمال العقل” والتفكر بما يجعله فريضة دينية في مقالاته الفكرية، حين قال: “رسالة الإسلام تتصف بالديمومة، ولا تتوقف آياته وتشريعاته عند عصر معين، ولكن آياته حيه مستمرة بالتفاعل مع العقل البشري لينهل منها، ما يحقق للمجتمعات الإنسانية أمنها واستقرارها وتطورها، ولا يتوقف الاستنباط في سياق آيات القرآن في زمن معين، وذلك لأن لكل عصر ظروفه وطبائعه ووسائله التي تساعده في التفكير واستنباط القوانين”.
لم يتوقف النص الإلهي عند النص على “إعمال العقل”، بل أكد على الجزاء للمخالف، جاءت التعاليم القرآنية محذرة ومنذرة المتسبب في توقف “إعمال العقل”، حيث دعا الخالق العظيم لسبق علمه بما سيؤول إليه حال عباده من جمود فكري، فقد نبه وأكد الشرفاء إلى ذلك، حيث قال: “جعل الخالق التفكر فريضة إلهية وسوف يعاقب المتسبب في توقف هذه الفريضة يوم القيامة عقابا عسيرا، ..تعطيل التفكر في آيات الله ومقاصدها لخير الإنسان أدى إلى تخلف العرب والمسلمين عن ركب الحضارة الإنسانية.. قال تعالى: “وكذلك ما أرسلنا من قبلك في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدرون”- (الزخرف :٢٣). في ذات السياق؛ بين “الشرفاء” نتائج مخالفة أوامر المولى عز وجل، وتوقف المسلمين عن “إعمال العقل” على مدى عقود، تخلف العرب عن ركب الحضارة والتقدم حيث قال: “هكذا أرادوا لنا تعطيل فريضة التفكير وتعطيل نعمة العقل عن القيام بواجبه لقيادة العلم والفكر الذي بدونه تتخلف الأمم ويسهل استعمارها وسرقة ثرواتها واسترقاق أبنائها، وإذا أراد العرب أن تكون لهم مكانة مرموقة بين الأمم لابد من تحرير الفكر وفك ارتهانه بمفاهيم التطرف، يريدون أن يظل مستعبدا للتراث الذي عطل تفكيره وحرمه من التقدم والتطور، فإذا الخالق سبحانه وتعالى يقول لرسوله: “ولو شاء ما أشركوا وما جعلناك عليهم حفيظًا وما أنت عليهم بوكيل”- (الأنعام:١٠٧).
استكمالا لما سبق، وتوضيحا لوصية “إعمال العقل” في فكر ” الشرفاء الحمادي”، وجب التأكيد على أن المفكر أشار في كتاباته، إلى كيف جعل عبدة التراث وأوصياء الدين من المرويات والآراء الفقهية، دين موازي يمجد التطرف ويصنع مجتمعات تبرر وتشرعن للجرائم الإنسانية بكل صورها، وصنع حياة معزولة عن مفردات العصر، من نتاجه هجر فريضة “أعمال العقل”؛ التأصيل لاحتقار المرأة، من خلال فتاوى زواج المتعة والمسيار والبارت تايم وغيره، والعودة بنا إلى زمن استحلال السبايا والجواري كما يفعل قادة الإرهاب في العالم، وإخراج من بطون الكتب الفقهية كل شاذ ومستنكر لأصحاب الفطرة السليمة، كاستحلال زواج الأب من بنته من سفاح، ورضاع الكبير، وجواز أكل لحم الأسير، ويؤصل لكل مفاهيم العنف كهدم الكنائس والتترس بالمدنيين وحرق الأسير وإخراج الديانات الأخرى من بلاد المسلمين، وغيرها من الفتاوى والآراء الشيطانية، فتح الباب لها يدمر البشرية.
لقد ظلت وصية “إعمال العقل” مستمرة في فكر الشرفاء الحمادي، فأكد عليها في الفتاوي المتداولة والمكتوبة، حيث قال: “هكذا أراد لنا شيوخ الدين تعطيل فريضة التفكير وتعطيل نعمة العقل عن القيام بواجبه لقيادة العلم…وإذا أراد العرب أن تكون لهم مكانة مرموقة بين الأمم لابد من تحرير الفكر، وفك ارتهانه بشيوخ الدين المتسلطين على عقله، الذين يريدونه أن يعيش كالخفافيش في الظلام، مانعين عنه نور الله وكلماته”، و هذا الأسر نجده واضح جلي في بعض الفتوى التي يعاد تدويرها على مدى عشرات السنوات من قبل بعض أوصياء الدين عبر الفضائيات التي تعمدت تسطيح العقول والحجر عليها لمنعها عن أداء واجبها في التفكر والتدبر، واختيار الطريق السوي الذي تطوق إليه فطرة الله التي فطر الناس عليها.
واقع مأزوم:
بناء على الرؤية السابقة التي أكد عليها “الشرفاء الحمادي” حول فريضة “إعمال العقل”، وتخلف المسلمين عن إنزال هذه الفريضة وتنفيذها في واقعهم المعاصر ترتب على ذلك مناخ عربي متردي على كافة الأصعدة على سبيل المثال لا الحصر؛ نذكر منها ما يلي:
(1)- أدي التمسك بالنصوص الفقهية حول الجهاد، إلى رسوخ مفاهيم الفكر المتطرف في المجتمعات المسلمة؛ حيث يؤمن الكثير بوجوب الجهاد على كل مسلم لفتح بلاد غير المسلمين، وهو ما ناقشه “الشرفاء” في كتابه “وثيقة الدخول في الإسلام” حيث قال: ” لابد من تصحيح مفهوم الجهاد ليتفق مع كتاب الله وآياته وشريعته، الذي يؤكد للناس سبحانه بكل وضوح تحريم العدوان، في قوله: “وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان”- (المائدة: ٢)، فكلمة الجهاد تم توظيفها علي غير مراد الله في آياته، حيث أكد “الشرفاء الحمادي) أن الجهاد هو التمسك بالقرآن واتباع شرع الله والالتزام بأحكامه ومنهاجه، ليحصنهم الله ويعينهم على ما تواجه النفس الإنسانية بين الحق والباطل”.
(2)- تخلف المسلمين عن ركب الحضارة؛ أدى إلى التوقف عن (إعمال العقل) والتمسك بالآراء الفقهية إلى تخلف المسلمين عقود عن أداء دورهم في مجالات عدة كالعلم والحضارة، حيث اكتفى العرب والمسلمين، بتدوير الآراء والفتاوى العتيقة، وتجاهلوا خدمة البشرية في الاختراعات العلمية والجهود البحثية، معتبرين أن السعي في المجالات العلمية والعمل أقل قدراً وثواباً عند الله من العبادات، وهنا نذكر بأن المفكر الشرفاء، أشار إلى هذه الفكرة في عدة مقالات حيث قال: “أن كتاب الله هو قاعدة العلوم كافة، ومنبع الأخلاق والدين الإسلامي دين حضارة وعلم ونهضة وتقدم، وتعاليمه تؤكد ذلك، وتقدمنا الحضاري قائم على أساس من الدين.