ما تداعيات الانسحاب من عضوية “إيكواس”؟

أعلنت الأنظمة الحاكمة في كل من بوركينا فاسو ومالي والنيجر في بيان مشترك يوم الأحد 28 يناير 2023 انسحابهم الفوري من المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا “إيكواس” استجابة لتوقعات وتطلعات شعوبهم ووفقًا لإرادتهم السياسية وسيادتهم الكاملة كما ورد فى البيان، ما يمثل ضربة قاسمة للمنظمة بعد مرور 49 عامًا على إنشائها خاصة وأن الدول الثلاث ذات ثقل في المجموعة منذ إنشائها.

يأتي هذا التصدع في التعاون الإقليمي نتيجة للتشكيك في حيادية ومصداقية كل منهما في تسوية أوضاع الدول الأعضاء ورغبة بعض القوى الإقليمية والدولية في السيطرة على المنظمة وتمرير القرارات بها وفقًا لما تقتضيه مصالحها السياسية.

وتأسيسًا على ما سبق يعرض هذا التحليل أبرز أسباب انسحاب الدول الثلاث من عضوية المنظمة الإقليمية وما العوامل التي ساعدت على اتخاذ تلك القرارات؟ وما تداعيات هذا القرار على المنظمة والدول الثلاث؟  

أسباب الانسحاب من “إيكواس:

تواجه كل من مالي وبوركينا فاسو والنيجر حالة من انعدام الأمن وعنفًا ترتكبه الجماعات الإرهابية وأوضاعًا اجتماعية واقتصادية متردية، ويأتي توتر علاقتهم مع الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا “إيكواس” منذ استولى الجيش على السلطة عقب الانقلابات العسكرية التي حدثت في مالي عام 2020، وبوركينا فاسو 2022، والنيجر 2023 وعدم قيام أي من الأنظمة الحاكمة في البلدان الثلاث بتحديد موعد زمني لانتقال السلطة للمدنيين وإجراء انتخابات لعودة الشرعية الدستورية.[i]

وعقب تحديد المجلس العسكري الحاكم في باماكو فترة انتقالية لمدة 5 سنوات والتي رأتها “إيكواس” فترة طويلة جدًا قامت على إثرها بتوقيع عقوبات شديدة على مالي منها إغلاق الحدود وتجميد أصول باماكو المالية في البنوك التابعة لها واستدعاء سفراء الدول الأعضاء من دولة مالي، وكذلك تجميد أموال كافة أعضاء المجلس الوطني الانتقالي (يعد بمثابة برلمان مؤقت) وعددهم 121 شخصًا بالإضافة إلى 27 وزيرًا في الحكومة الانتقالية من بينهم رئيس الوزراء بتجميد أصولهم ومنعهم من السفر إلى دول المجموعة الاقتصادية لغرب إفريقيا.[ii]

وقد حدد المجلس العسكري في مالي الانتخابات بعد تلك العقوبات بتنظيم الاستحقاق الرئاسي في فبراير 2024، إلا أنه عاد وأجل موعدها إلى تاريخ غير محدد، وهو ذات ما حدث مع بوركينا فاسو حيث أكد إبراهيم تراوري بعد تولية السلطة في 30 سبتمبر 2022 أنه سيفي بالالتزمات التي قطعها سلفه الكولونيل بول هنرى داميبا بإجراء انتخابات في صيف 2024، لكن منذ ذلك الوقت والنظام الحاكم يروج أن القتال ضد “الجماعات الجهادية” أولوية.[iii]

أما عن الأزمة في النيجر فقد وقعت “إيكواس” ذات العقوبات على قادة الانقلاب في النيجر منها تجميد أصول نيامي في البنوك المركزية للدول الأعضاء بالمنظمة، وإيقاف جميع المعاملات التجارية والمالية بين النيجر وجميع الدول الأعضاء فيها، كما أنها قامت بحظر السفر وتجميد أصول المسئولين العسكريين الضالعين في الانقلاب، إلا أن “إيكواس” في حالة النيجر تحديدًا هددت باستخدام القوة لإعادة محمد بازوم إلى السلطة مرة أخرى.[iv]

وبدا قادة “إيكواس” أكثر تشددًا مع الانقلاب حيث نظر هؤلاء القادة إلى عدم التحرك لمواجهته يضر بمبدأ العمل الجماعي الإفريقي ويؤثر على قدرة “إيكواس” وهيبتها في استعادة الاستقرار في الساحل وغرب إفريقيا، لذا فقد هدد قادة “إيكواس” باللجوء إلى تنفيذ بروتوكول الأمن الجماعي والذي أطلق عليه “آلية منع الصراع وإدارته وحله وحفظ السلم والأمن” والذي بموجبه تم تشكيل قوة عسكرية في عام 2004 قوامها 6500 جندي من بينها وحدة للتدخل السريع في حالة نشوب أي صراع.[v]

ونتيجة للضغوط التي يواجهها الأنظمة الحاكمة في الدول الثلاث من الناحية الاقتصادية والأمنية، وكذلك مخاوف التدخل العسكرى من “إيكواس” لاستعادة الحكم الدستورى فى أيًا منهم وقع قادة الدول الثلاث اتفاقًا أمنيًا تعهدت فيه بمساعدة بعضها البعض في حالة وقوع أي تمرد أو عدوان خارجي وذلك في محاولة منهم لإنجاح الجهود الرامية إلى احتواء عناصر تنظيمي “القاعدة” و”داعش” الإرهابيين.[vi]

وبناءًا على ما سبق، أعلنت الدول الثلاث في البيان المشترك أن “إيكواس” تقع تحت تأثير قوى أجنبية، متهمة أياها بأنها تخون مبادئها التأسيسية وبذلك فقد باتت تشكل تهديدًا لدولها الأعضاء وشعوبها، وذلك عقب محاولة “إيكواس” وقف موجة الانقلابات والضغط من أجل عودة المدنيين للسلطة.

وقامت الدول الثلاث بتوجيه الاتهامات لـ”إيكواس” بأنها لم تساعدها في مواجهة الجماعات الإرهابية وتركتها تعاني أوضاعًا أمنية واقتصادية متردية، وإنما تحركها إملاءات فرنسا حتى في توجيه العقوبات دون استخدام معيار واحد لذات الفعل، فمن عدم فرض عقوبات باستثناء تجميد العضوية في “إيكواس” كما في حالة بوركينا فاسو، إلى عقوبات تجميد الأصول والأموال كما فى مالي، وأخيرًا استخدام عقوبات أكثر تشددًا في وجه النيجر والتي هددت بالتدخل العسكرى لإعادة نظام محمد بازوم مع فرض جميع العقوبات السابقة، والذي يرى قادة الدول الثلاث أن تلك العقوبات تنال من شعوبهم بعدما أيدوا الانقلاب في الدول الثلاث. [vii]

خلفيات الانسحاب من “إيكواس:

يبدو أن قرار إنشاء هذا التحالف برز بوصفه امتدادًا لالتزام مالي وبوركينا فاسو بالوقوف عسكريًا مع النيجر في حال تعرضت لضربة عسكرية خارجية ويمكن إجمال هذه الخلفيات في التالي:

(*) عودة العنف المسلح بشدة في منطقة الساحل: ففي ضوء تجدد المواجهة مع الجماعات المسلحة في شمال مالي وكذلك إعلان حالة الطوارئ في سبعة من أقاليم البلاد شمالًا وغربًا وشرقًا على خلفية تصاعد الحوادث الأمنية، وفي النيجر التي لا تزال تعاني من تحديات أمنية في الغرب والجنوب رغم التعبئة الضخمة للقوات الأمنية.[viii]

(*) توقف الدعم الأوروبي والغربي بعد الانقلابات:  وبخاصة الدعم الفرنسي الذي كان يتجسد في القواعد العسكرية الثابتة في البلدان الثلاث وانحساب الجيش الفرنسى من مالي والنيجر وتوقف التعاون العسكري مع بوركينا فاسو عقب طرد الملحق العسكري الفرنسي في سبتمبر 2023.[ix]

(*) تراجع الدور الأمني لـ”فاجنر”: وذلك عقب انغماسها في الحرب الروسية الأوكرانية من ناحية ونقل أغلب مقاتليهم للقتال إلى جانب الجيش الروسي، وكذلك عقب غموض مصيرها بعد محاولة التمرد التي قام بها قائد “فاجنر” على الجيش الروسي وعدم معرفة مصير هؤلاء المقاتلين في الفترة المقبلة، مما أدى إلى تزايد الحاجة الملحة لتعويض ذلك الغياب الأمنى على كافة المستويات.

(*) فشل “إيكواس” في احتواء والسيطرة على الانفلات الأمنى في دول غرب إفريقيا وتزايد نشاط الجماعات التابعة لتنظيمي “القاعدة” و”داعش” الإرهابية، وكذلك عدم قدرتها على اتخاذ موقف ثابت حيال الانقلابات الثلاثة، وباتت أمام خيارين كلاهما مر؛ إما الجمود وعدم الفعالية حال الإحجام عن التدخل العسكري أو التفكك واتساع دائرة الصراعات حال تدخلها عسكريًا.

تداعيات الانسحاب:

تتعدد تداعيات الانسحاب الثلاثي من “إيكواس” سواء على المستوى الداخلي للدول الثلاث أو على مستوى تجمع “إيكواس”؛ فعلى المستوى الداخلي تتزايد شعبية الأنظمة الحاكمة باعتبار أنهم يسعون لتحقيق الاستقلال التام عن الأنظمة التابعة لفرنسا والغرب من ناحية أو الخضوع لنفوذ بعض دول التجمع المسيطرة (نيجيريا) وهو ما يغذي الروح الوطنية لدى الرأى العام في دول غرب إفريقيا وخاصة بين أوساط الشباب وهو ما يعزز نفوذها في السلطة بعد نجاحها في الالتفاف على الأزمات الداخلية المتفاقمة.

إلا أن هذا القرار قد يؤدي إلى أزمة كبيرة على مستوى أسعار السلع والبضائع بعد تشديد الحصار عليهم من قبل باقى دول “إيكواس” وإغلاق الحدود مما قد يترتب عليه ضجر شعبي متنام إذا لم ينجح قادة الدول الثلاث في البحث عن بديل قد توفره الصين وروسيا لتوفير السلع للدول الثلاث وبالتالي انحسار ضغط “إيكواس” عليهم وضمان استمرارهم في الحكم.

أما على الصعيد الأمني، وبالرغم من أن التحالف الأمني والعسكري الثلاثي، لكن لا تزال المخاطر الأمنية مرتفعة وتنشط الجماعات الإرهابية والمسلحة بشكل متزايد في الدول الثلاث.

أما عن التداعيات على الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا فقد أضحت سلسلة الانقلابات العسكرية ملهمة بالنسبة لبعض الضباط والعسكريين في الجيوش الإفريقية بما يرجح اندلاع موجه جديدة من الانقلابات في المنطقة والإفلات من العقوبات المنتظرة بالتلويح بالانسحاب من المنظمة الإقليمية وبالتالي إضعافها رغم كونها أحد أنجح التجمعات الإقليمية داخل قارة إفريقيا.

وختامًا تواجه منظومة الاتحاد الإفريقي والمنظومات الإقليمية الفرعية مأزقًا حقيقيًا عقب انسحاب كل من مالي وبوركينا فاسو والنيجر من الجماعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا “إيكواس” بالتزامن مع إعلان السودان تجميد عضويته في الهيئة الحكومية للتنمية “إيجاد” وذلك بعد اتهام تلك الدول الأعضاء بعدم الشفافية والحيادية في التعامل مع أزماتها الداخلية وعدم حيادية بعض قادتها خاصة في توجيه العقوبات بشكل متفاوت على ذات المواقف وبأن تلك المنظمات باتت لعبة في يد القوى الغربية وبعض القوى الإقليمية الكبرى المؤثرة داخل القارة وهو ما يعزز زيادة حدة الصراعات داخل القارة المحكوم عليها بعد الاستقرار الأبدي.

‐————————————–

المراجع

[i] بوركينا فاسو ومالى والنيجر تقرر الانسحاب من ” إيكواس” بمفعول فورى، 28 يناير 2024 على الرابط:

https://2u.pw/2mqSQqY

[ii] دول غرب إفريقيا تفرض عقوبات على مسئولين فى مالى بينهم رئيس الووراء فى 18 نوفمبر 2021 على الرابط:

https://2u.pw/GHi00v9

[iii] بوركينا فاسو ومالى والنيجر تقرر الانسحاب من إيكواس بمفعول فورى فى 28 يناير 2024 على الرابط:

https://2u.pw/2mqSQqY

[iv] عقوبات ايكواس للنيجر وقف تعاملات تجارية وحظر سفر وتجميد الأصول .. واسبوع لتحرير بازوم فى 31 يوليو 2031 على الرابط:

https://2u.pw/XdzkLQ8

[v] د. أميرة عبد الحليم، تدخل إيكواس فى النيجر والطريق الى الفوضى فى 14/8/ 2023 على الرابط:

https://acpss.ahram.org.eg/News/20975.aspx

[vi] إعلان تحالف عسكرى ثلاثى بين النيجير وبوكينا فاسو ومالى فى 17 سبتمبر 2023 على الرابط:

https://2u.pw/gwytEbY  

[vii] ايكواس فى مهب الريح … أكبر 3 دول تنسحب ولا أفق لوساطة  يوم 29 /1 /2024 على الرابط:

https://2u.pw/P2fuahF

[viii] تزايد الهجمات والتحديات الأمنيه فى غرب أفريقيا والساحل يهدر مسار التقدم …على الرابط:

https://news.un.org/ar/story/2019/01/1025072

[ix] ميثاق ليبتاكو – جورما: دوافع تشكا تحالف مالى وبوركينا فاسو والنيجر وآفاقة المحتملة ،22 سبتمبر 2023 على الرابط:

https://epc.ae/ar/details/scenario/mithaq-libtaku-ghurma-dawafie-tshkkul-tahaluf-mali-waburkina-fasw-walnayjar-wafaquh-almuhtamala

د. محمد فؤاد رشوان

خبير مشارك في شئون الدراسات الأفريقية، الباحث حاصل على دكتوراه الفلسفة فى الدراسات الأفريقية من جامعة القاهرة، وكان يعمل مساعداً رئيس تحرير مجلة الشئون الأفريقية خلال الفترة من 2013 – 2018، وعضو مؤسس فى رابطة التواصل الأفريقي، ومحاضراً لدى مكتب الاتحاد الأفريقي بالقاهرة خلال الفترة من 2015 وحتى تاريخه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى