الركود الكبير: كيف يتعامل “بايدن” مع تحديات الاقتصاد الأمريكي؟
يعاني الاقتصاد الأمريكي أزمات ومشكلات منذ تفشي فيروس كورونا المستجد. هذا بالإضافة إلى تراجع أسعار النفط في الاسواق العالمية، والسياسة المتشددة التي انتهجها الرئيس الامريكي السابق دونالد ترامب، حيث دخل أكبر اقتصاد عالمي في ركود اقتصادي عميق، هو الأسوأ منذ الركود المسجّل في ثلاثينات القرن الماضي، بسبب توقف الأنشطة لاحتواء الوباء الذي تسبب في بطالة واسعة النطاق. واستأنف الوباء تفشيه في منذ مطلع عام 2021، ليضع المزيد من التحديات على عاتق الاقتصاد الأميركي. تأسيسيا على ما سبق، يمكن طرح عدة أسئلة أهمها: ما هي أهم التحديات التي تواجهه الاقتصاد الأمريكي؟، وهل يتمكن الرئيس “بايدن” من مواجهة هذه التحديات؟.
تحركات عاجلة:
ورغم أن مكافحة وباء كورونا لها الأولوية لدى الرئيس الامريكى الجديد ( بايدن) كما جاء في خطابه بعد فوزه في الانتخابات، فإنه يسعى إلى تحقيق خطة اقتصادية لإنقاذ الاقتصاد الأميركي، حيث تحاول إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، والديمقراطيون في الكونجرس اعتماد حزمة دعم اقتصاد جديدة بقيمة 1.9 تريليون دولار تشمل العديد من الاصلاحات الاقتصادية منها ما يلي:-
(*) توسيع حملة “اشتروا ما هو أمريكي” لدعم الإنتاج المحلي ومن ثم إيجاد ملايين فرص العمل الجديدة، بينها مليون فرصة في قطاع صناعة السيارات. ورفع قيمة مدفوعات إعانة البطالة بقيمة 400 دولار أسبوعيًا حتى نهاية شهر سبتمبر2021.
(*) حذر “بايدن” من مخاطر عجز مفرط في الميزانية، وهو يخطط الآن لزيادة العجز في الموازنة الاتحادية التي تصل حاليا إلى نحو 3,3 تريليون دولار. ويخطط لحزمة نفقات بقيمة 5,4 تريليون دولار في السنوات العشر المقبلة. كما خطط لزيادات كبيرة في الضرائب على أصحاب الرواتب العالية، لسد النقص في التسهيلات الضريبية للسنوات الأربع الماضية بحجم 1,5 تريليون دولار، وتمويل ثلثي النفقات المبرمجة. وإعادة التوازن في الثلث المتبقي يمكن أن تتولاها السياسة النقدية الحالية للبنك المركزي. وفي سبيل توفير بعض السيولة اللازمة لخطة التعافي، يخطط الرئيس المنتخب لرفع الضرائب على من يكسبون أكثر من 400 ألف دولار سنويًّا، بالإضافة إلى زيادة ضرائب الشركات من 21٪ إلى 28٪، ورفع معدل ضريبة الدخل الأعلى من 37% إلى 39.6%..
(*) اقترح “بايدن” خطة بقيمة 700 مليار دولار لتعزيز التصنيع والقوة التكنولوجية في الولايات المتحدة. يتضمن ذلك إنفاقًا حكوميًّا بقيمة 400 مليار دولار على السلع والخدمات الأمريكية واستثمار 300 مليار دولار في البحث والتطوير في تقنيات معينة كالسيارات الكهربائية، والمواد خفيفة الوزن، وشبكات الجيل الخامس والذكاء الاصطناعي.
(*) سبق أن صرح جو بايدن بأن الدولة الأمريكية بحاجة إلى استثمارات ضخمة في البنية التحتية بما يشمل الطرق والجسور والمطارات، وأنه بحاجة إلى نحو 1.3 تريليون دولار للإنفاق على البنية التحتية على مدى عقد من الزمان .يشمل ذلك إنفاق نحو 50 مليار دولار، في العام الأول من توليه الرئاسة، لإصلاح الطرق السريعة والجسور، و20 مليار دولار على البنية التحتية في المناطق الريفية، وإنفاق نحو 400 مليار دولار على مدى 10 سنوات في وكالة فيدرالية جديدة لإجراء أبحاث للابتكار في مجال الطاقة النظيفة .فضلًا عن إنفاق 5 مليارات دولار على مدى خمس سنوات بعد ذلك، على تكنولوجيا بطاريات السيارات الكهربائية و10 مليارات دولار أخرى على مدى 10 سنوات على مشاريع النقل التي تخدم مناطق الفقر المرتفع.
(*) يدعم “بايدن” فكرة الصفقة الخضراء الجديدة، وهو تشريع مقترح في الولايات المتحدة الأمريكية يهدف إلى معالجة التغير المناخي. وأنه ينوي في إطار ذلك إعادة الانضمام إلى اتفاقية باريس التي تم الاتفاق عليها في عام 2015 للحد من ظاهرة الاحتباس الحراري، والتي سبق أن انسحب ترامب منها بعد ستة أشهر من توليه منصبه.
(*) وضح “بايدن” أنّه عرض خطته الاقتصادية التي تشمل رفع الحدّ الأدنى للأجور إلى 15 دولاراً لساعة العمل، واستثمار مبالغ كبيرة في التكنولوجيات الحديثة والحرص على تسديد الشركات حصّة منصفة من الضرائب. وقال “لضمان موقعنا كأحد الرواد العالميين في البحث والتطوير، سنستثمر 300 مليار دولار في أحدث الصناعات التنافسية في مجال التكنولوجيا وسنخلق ثلاثة ملايين وظيفة برواتب مناسبة .
(*) اشتملت الحزمة التحفيزية على مساعدات للحكومات المحلية والولايات بقيمة 350 مليار دولار، و170 مليار دولار للمؤسسات التعليمية، و50 مليار دولار لاختبارات الفيروس.
(*) خصصت الخطة مبلغ 170 مليار دولار كمساعدات لإعادة فتح المدارس وتأهيلها بتدابير تضمن الحماية الصحية.
تحديات (بايدن ) الاقتصادية:
منذ تولي الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن الحكم، بقيت أمامه معركة شاقة لن ينتصر فيها إلا بتغلبه على المشاكل الاقتصادية التي نتجت عن سياسات الإغلاق المرتبطة بتفشي فيروس كورونا ، ومنها :-
(*) وباء كورونا : عهد بايدن بأنه سيسعى كرئيس للولايات المتحدة إلى توحيد البلاد و”حشد القوى” لمواجهة وباء كوفيد-19، وإعادة بناء الازدهار الاقتصادي وتأمين الرعاية الصحية للأسر الأمريكية. وأعلن بايدن أنه سيشكل خلية أزمة خاصة بفيروس كورونا المستجد، تضم علماء وخبراء، لمواجهة التحدي الأبرز الذي ستجد إدارته نفسها أمامه منذ اليوم الأول لولايته .كما وقع الرئيس الأمريكي، جو بايدن، مجموعة من الأوامر التنفيذية لتعزيز مواجهة فيروس كورونا الذي أحدث أضرارا بالغة في الولايات المتحدة. إلا أن تطورات الوضع الوبائى فى العالم مازال غير متوقع ومن الصعب السيطرة عليه بشكل كلى .
(*) البطالة: يعد الركود الاقتصادي الذي لم تشهده البلاد منذ سنوات طويلة من أكبر التحديات التي تواجه بايدن، فهناك عشرات الملايين فقدوا وظائفهم بعد اتخاذ قرار وقف العجلة الاقتصادية للحد من تفشي فيروس كورونا، والذي استشرى في البلاد وحصد أرواح الكثير. وتعهد بايدن أمام جموع الأمريكيين أنه سيتمكن من احتواء كورونا وعودة الحياة إلى طبيعتها في الـ 100 يوم الأولى من رئاسته .وهو ما سيتطلب منها وضع خطة إنقاذ إضافية يتلقى حوالي 21.5 مليون أميركي نوعا من إعانات البطالة. وعلى الرغم من انخفاض معدل البطالة إلى 6.9٪، فإن وتيرة مطالبات البطالة الأسبوعية الأولية لا تزال مرتفعة، ولا يزال هناك أميركيان عاطلان عن العمل لكل وظيفة شاغرة .
(*) عجز الموازنة العامة: بلغ العجز الحالي للموازنة ضعف العجز القياسي منذ نحو عشر سنوات. وهو ما سجلته الموازنة الفيدرالية بحوالي 3.1 تريليون دولار في نهاية العام المنقضي مقابل 1.4 تريليون دولار، بحسب البيانات الصادرة عن وزارة الخزانة.
(*) الإسكان: منذ نهاية الربع الثالث، تخلف 11٪ من المستأجرين الأميركيين عن دفعة واحدة من ايجارتهم السكنية على مدى ربعين، و 4٪ تخلفت عن سداد دفعتين، و 2.8٪ تخلفت عن ثلاث دفعات، و3.8٪ فوّت أربع دفعات أو أكثر، وذلك وفقًا لجمعية المصرفيين العقاريين، وفي سبتمبر2020 ، تخلف 6 ملايين مستأجر عن دفعة واحدة على الأقل. وهناك ما بين 30 مليون إلى 40 مليون مستأجر في 17 مليون أسرة معرضون لخطر كبير بفقدان منازلهم هذا الشتاء ، وهذا له عواقب وخيمة وسلبية، على الأفراد والأسر والمجتمعات والصحة العامة والاقتصاد في الولايات المتحدة الامريكية .
(*) التحدي والتنافس الصينى: تشكل الصين التحدي الدولي الأكثر إرباكًا للولايات المتحدة. فعلى عكس الاتحاد السوفيتي السابق، والذي كان معزولًا اقتصاديًا ومقيّدًا من الناحية التكنولوجية؛ فإن الوضع التنافسي الحالي مع بكين، وما تمتلكه من الموارد اللازمة لتنمو بشكل أكبر وأسرع وأقوى من واشنطن؛ قد يفرض على الرئيس القادم وضع استراتيجية متكاملة في مواجهة ذلك الصعود الصيني الذي سيغير شكل النظام العالمي. كما تبدأ التساؤلات هل سينهي بايدن الحرب التجارية التي خاضتها أمريكا مع الصين أم أنه سيعارض علانية التوسع مع التشدد تجاه الصين؟ .
.