عسكرة الرئاسة: هل تكشف الانتخابات الإيرانية المقبلة عن فشل الإصلاحيين؟
بينما تعاني من تحديات داخلية وخارجية، يحل الموعد الانتخابي الرئاسي لرئاسة الجمهورية الإسلامية الإيرانية، فهي على مشارف انتخابات الدورة الثالثة عشرة بعد أشهر قليلة، والتي ستجري يوم 18 يونيو المقبل، ويتم انتخاب الرئيس الثامن في تاريخ إيران منذ 1979مع تصاعد وتيرة الاحتجاجات الداخلية فضلاً عن التنافس التقليدي بين التيارين الإصلاحي والمتشدد، في ظل وجود إدارة أميركية جديدة، وبالرغم من أنه يُنظر إلى إيران على أنها دولة دينية، حيث تعد السلطة الأساسية فيها في يد المرشد الأعلى للبلاد “آية الله علي خامنئي” لكنها تضم مزيجاً من أنظمة سياسية مختلفة، من بينها عناصر من الديمقراطية البرلمانية، وتوجد كتلتان سياسيتان رئيسيتان في البرلمان، لكن السلطة الحقيقية تقع في أيدي محافظين غير منتخبين، يحاولون بصورة غير مقنعة أن يظهروا محايدين، غير أن مؤسسات السلطة في إيران إما تُنتخب بشكل مباشر أو تعين (من قبل المرشد الأعلى)، وجميع المؤسسات المعينة يديرها المحافظون، وقد تبادل المحافظون والإصلاحيون على مدى السنوات الماضية السيطرة على المؤسسات المنتخبة، التي تشمل الحكومة والبرلمان والمجالس المحلية.
استخدام الدين:
ترتكز الدولة الإيرانية كدولة ثيوقراطية على الدين خاصة بعد “الثورة” والتي سماها الخميني بـ “الثورة الإسلامية” بحيث اعتمدت في تأسيها على الإسلام السياسي، فالدين هو أساس النظام السياسي، ويستلزم قبول مرشحيها من قبل “مجلس صيانة الدستور” فها، والذي يعد أحد أهم المؤسسات الحكومية الأكثر أهمية وضمان لشرعية وإسلامية النظام الإسلامي، هذه المؤسسة هي مشابهة جداً لبعض المؤسسات الضامنة للدستور في عدد من البلدان. ففي دساتير بعض البلدان توجد مؤسسات تسمى “المحكمة الدستورية” أو “المجلس الدستوري” أو ما شابه ذلك وعلى الرغم من بعض الاختلافات، من حيث الهيكل والمسؤولية لديهم الكثير من أوجه التشابه مع بعضها البعض، يتكون هذا المجلس من اثني عشر عضواً بحيث أن ستة أعضاء من هؤلاء الاثني عشر عضواً هم من الفقهاء في المذهب الجعفري الخبراء في القانون الإسلامي والواعون للاحتياجات الحالية وقضايا العصر ويتم تعيينهم مباشرة من قبل مرشد الجمهورية.
أما الستة أعضاء الآخرين فهم من المحامين ذوي الخبرة ويتم ترشيحهم من قبل رئيس السلطة القضائية ويتم التصويت عليهم من قبل أعضاء مجلس الشورى الإسلامي، ويتم أساس قبول المرشحين للانتخابات الرئاسية من قبل مجلس صيانة الدستور الذي يسيطر عليه المحافظون، وهو ما يفسر أن المجلس لم يسبق له وأن وافق على ترشح أي امرأة للرئاسة حتى الآن.
المرأة في الانتخابات:
بالرغم من لا يحظر القانون بشكل صريح ترشح النساء في الانتخابات، فإنه لا يُسمح لهن بالترشح في الانتخابات الرئاسية الإيرانية، لكن ينشطن سياسياً حيث يوجد في إيران نائبات للرئيس، ووزيرات، ونائبات في البرلمان، وعضوات في المجالس المحلية، لكن لا يوجد رئيسة للبلاد، لتشدد مجلس صيانة الدستور الذي لم يسمح لهن أبدا بالترشح في الانتخابات الرئاسية، ولا يزال هناك طريق طويل أمام المرأة لنيل حقوقها في إيران، خاصة فيما يتعلق بمنظومة القوانين وقوانين العقوبات، لكن الوضع ليس سيئاً كما يعتقد الغرب، وقد أثر الحجاب الإلزامي للمرأة على النظرة الخارجية إلى حقوق المرأة، إلا أن ذلك خدم الغرض المزدوج للسماح بقبول تقلد المرأة لمناصب السلطة في مجتمع ذكوري.
أبرز المرشحين:
بعد أن أعلنت وزارة الداخلية الإيرانية أن موعد تسجيل أسماء المرشحين في الانتخابات الرئاسية القادمة سيبدأ يوم 11 مايو المقبل ولمدة خمسة أيام، من المرجح أن يكون الرئيس المقبل من المحافظين وليس معتدل كحسن روحاني وليس إصلاحي مثل محمد جواد ظريف، فهناك عدد من المرشحين الرسميين من قبل الحرس الثوري، أبرزهم القيادي حسين دهقان وزير الدفاع الإيراني السابق، والقيادي في التنظيم ذاته، وسعيد محمد قائد مقر خاتم الأنبياء التابع للحرس الثوري، حيث بدؤوا حملتهم الانتخابية رسمياً”، فضلاً عن ترشيح رئيس مجلس الشورى الإيراني محمد باقر قاليباف، وهو جنرال سابق في الحرس الثوري.
عسكرة الرئاسة:
الجنرال حسين دهقان ويعد أحد أهم المواضيع الساخنة في تلك الانتخابات هو ترشح العسكر في هذه الانتخابات 2021، إثر تكهنات مرجحة بمشاركة عدد من قادة الحرس الثوري في السباق، وأهم المرشحين في الانتخابات الرئاسية القادمة وزير الدفاع السابق، “دهقان”، البالغ من العمر 64 سنة، عمل مع ثلاثة رؤساء إيرانيين، إصلاحيين ومحافظين و”معتدلين”، وكان نائباً لوزير الدفاع في عهد الرئيس الإصلاحي محمد خاتمي، ورئيس مؤسسة “الشهيد والفدائيين” في حكومة الرئيس المحافظ محمود أحمدي نجاد، ووزيراً للدفاع في الولاية الأولى للرئيس “الاعتدالي” حسن روحاني، وفضلاً عن أنه كان أيضاً أحد أبرز قادة الحرس الثوري الإيراني، فقد تولى لفترة قيادة السلاح الجوي في الحرس، وشغل أيضاً منصب نائب رئيس الأركان العامة لهذه المؤسسة العسكرية، علاوة على توليه مناصب أخرى، كما كان له دور مهم أيضاً في تطوير الصناعات العسكرية الإيرانية، قبل أن يصبح مستشار خامنئي للصناعات الدفاعية منذ عام 2017.
تحديات الرئيس القادم:
ثمة عدة تحديات من المحتمل أن تواجه الرئيس الإيراني المقبل، يمكن حصر أهمها على النحو التالي:
الاقتصاد والأمن من بين أبرز القضايا التي تهم الناخبين الإيرانيين في هذه الانتخابات، ويحتل الوضع الاقتصادي أهمية تعادل، على أقل تقدير، أهمية الحريات السياسية وحقوق الإنسان، التي تحظى باهتمام الطبقة الوسطى التقدمية، أو نفس أهمية القيم الإيمانية والأسرية التي تهُم بشدة الناخبين المحافظين في المناطق الريفية.
وتأتي محاربة الفساد كثاني أهم قضية للناخبين، لا سيما أن الكثيرين يؤكدون أن هذا الفساد يرتبط ارتباطاً وثيقاً بسوء الإدارة الاقتصادية.
«كورونا» وأبعاد الأزمة الداخلية في إيران، حيث فاقم فيروس «كورونا» من الأزمات الداخلية بكافة جوانبها بعدما تحولت إيران إلى بؤرةٍ للوباء في الشرق الأوسط، وأصبحت تحتل مركزًا متقدمًّا من حيث معدلات الانتشار والوفاة، فقد أظهر انتشار الفيروس هشاشة الوضع في قطاع الخدمات الصحية بصفة خاصة، حيث كان هناك نقص حاد في المعدات الأساسية اللازمة للتعامل الفني من الأزمة، وإن كان ذلك منطقيّا في جميع الدول التي تواجه الأزمة، لكن في إيران حذرت منظمة الصحة العالميَة من عدم قدرة طهران على تحمل تبعات انتشار الفيروس وهو الملف الذي الساخن على مائدة الرئيس القادم.
كذلك يستحوذ الاتفاق النووي على قدر كبير من اهتمام الإيرانيين، فقط طالما يشعرون بأنه ضروري لتحسين حياتهم، ومع ذلك، يستمر الجدل بشأن ما إذا كانت الفوائد الاقتصادية لتخفيف العقوبات، والتي تشكل محور الاتفاق النووي، قد وجدت طريقها بالفعل إلى حياة الناس العاديين، هذا إذا ما عادة بالفعل إيران مرة أخرى إلى الاتفاق النووي، وهذا ما سيشهده الإيرانيين مع رئيسهم القادم وإن غداً لناظره قريب.
العودة للاتفاق النووي:
وإذا تحدثنا بشأن إمكانية العودة للاتفاق النووي، وبما أنه تعد هذه هي أول انتخابات رئاسية في إيران منذ إبرام الاتفاق النووي بين طهران والدول الكبرى عام2015، إلا أن العودة السريعة للاتفاق لن تكون بالأمر السهل خلال تلك الفترة، حيث جرت الكثير من المتغيرات والتحديات على أصعدة عدة جعلت فرص العودة للاتفاق ضئيلة للغاية، نتيجة لفرض ترامب الرئيس السابق للعقوبات الاقتصادية القاسية غير المسبوقة على طهران، والتي شملت “تصفير صادرات النفط الإيرانية” والتي كبدتها خسائر بمليارات الدولارات، وإدراج الحرس الثوري الإيراني وحزب الله على لائحة العقوبات الأمريكية إلى جانب عقوبات تتعلق بانتهاكات حقوق الإنسان، وتطوير الصواريخ الباليستية ودعم الإرهاب.
“بايدن” والانتخابات الإيرانية:
وحول تصرف الإدارة الأمريكية بقيادة الرئيس الأمريكي “جو بايدن” ومدى سرعتها ومرونتها في العودة إلى الاتفاق النووي مع إيران غي ظل الانتخابات الرئاسية القادمة وفي هذا الإطار، يمكن الحديث عن ثلاثة خيارات:
– الخيار الأول: أن يعمد الرئيس الأمريكي “جو بايدن” إلى التسريع بالعودة إلى الاتفاق مع إيران، لاستغلال زخم رفع العقوبات والعودة إلى الاتفاق للتأثير في نتائج الانتخابات الإيرانية الداخلية.
– الخيار الثاني: أن يعتمد سياسة “خطوة خطوة”، فيتدرج في رفع العقوبات في مرحلة أولى قبل الانتخابات، وصولاً إلى المفاوضات في فترة ما بعد الانتخابات الإيرانية.
– الخيار الثالث: أن ينتظر “بايدن” نتائج الانتخابات الإيرانية كما انتظر الإيرانيون نتائج الانتخابات الأميركية، فيقرر على ضوئها، فليس من المنطقي منح مكاسب لسلطة إيرانية قد لا تبقى في الحكم.
عملياً، إن الظروف المحيطة بالعودة إلى الاتفاق النووي للعام 2015 قد تكون معقّدة ومتشعّبة ومرتبطة بظروف دولية وإقليمية، لعل أبرزها:
1- ظروف الانتخابات الإيرانية القادمة، إذ سيكون أي أمر داخلي أو خارجي مثاراً للاستثمار انتخابياً من قبل المرشحين المتنافسين.
وبالمثل، إن مجيء بايدن إلى البيت الأبيض في الولايات المتحدة وقيامه برفع العقوبات التي وضعها ترامب على إيران سوف يقوي موقف الإصلاحيين في الانتخابات القادمة، بينما وضع شروط تعجيزية، مثل التفاوض على الصواريخ الباليستية الإيرانية وبقاء العقوبات، وبالتالي بقاء الأزمة الاقتصادية والاجتماعية على أشدها، سوف يدفع المحافظين إلى استغلال الوضع لمصلحتهم في الانتخابات القادمة.
2- الموقف الإسرائيلي الذي سيضغط على إدارة بايدن لعدم التنازل في الموضوع الإيراني، ولاستثمار الضغوط القصوى التي فرضها ترامب من أجل إجبار إيران على تقديم التنازلات في ملف الصواريخ الباليستية، ولتقليص نفوذها الإقليمي ودعم قوى مثل حزب الله وحماس وغيرها.
هذا الموقف الإسرائيلي وجد صداه باكراً في تصريح وزير الخارجية الألماني هايكو ماس، الذي اعتبر أن الاتفاق النووي السابق مع إيران لم يعد كافياً، ودعا إلى توسيعه ليشمل البرامج الباليستية الإيرانية والدور الإيراني في المنطقة، مؤكداً أنه تفاهم بشأن هذه النقاط مع نظيريه الفرنسي والبريطاني.
3- الموقف الخليجي المدعم إسرائيلياً بالمصلحة المشتركة وباتفاقيات التطبيع التي عززت وضع الخليجيين مع أي إدارة أميركية مقبلة، إذ سيتذرع الخليجيون بالقلق الأمني الذي تشكله إيران عبر شبكة صواريخها وأسلحتها ووكلائها في المنطقة، وخصوصاً الحوثيين وحزب الله والحشد الشعبي في العراق.
وعلى هذا الأساس، ستجد إدارة بايدن نفسها مضطرة إلى الموازنة بين هذه الضغوطات، إذ ليس من مصلحة الغرب والأميركيين هزيمة الإصلاحيين في إيران وعودة التشدد إلى السياسات الإيرانية، وخصوصاً في ظل وضع صعب انتخابياً عاشه الإصلاحيون بعد مجيء دونالد ترامب وتراجعه عن الاتفاق النووي والعودة إلى العقوبات، كانت مؤشراته واضحة في الانتخابات البرلمانية الإيرانية في العام 2020، التي فاز فيها المحافظون بأغلبية ساحقة، وتدنَّت نسبة المشاركة فيها إلى حوالى 40%، بينما لم تقل هذه النسبة عن 50% طيلة 40 عاماً.
ويحتاج التيار الإصلاحي إلى رافعة انتخابية حقيقية، مثل رفع العقوبات، وخصوصاً في ظل التردي الاقتصادي والاجتماعي الذي تعيشه البلاد، وقوة التيار المحافظ داخلياً، والمعارضة الإيرانية للثورة في الداخل والخارج، التي كانت “تأمل” أن تؤدي عقوبات ترامب على المجتمع الإيراني إلى تقويض الحكم الديني برمته وإسقاط النظام الإيراني.
وعليه، وفي دراسة للخيارات المتاحة أمام بايدن، نتوقع أن تعتمد الإدارة الأميركية مبدأ “التمهل في الخطوات”، بحيث:
– الخيار الأول: تؤجل التفاوض على العودة إلى الاتفاق إلى ما بعد الانتخابات الإيرانية في يونيو المقبل، وتقوم برفع العقوبات الجديدة التي فرضها ترامب بصورة تدريجية، حيث يتم رفع بعض العقوبات لتحفيز جهود مكافحة كورونا ولدواعٍ إنسانية وسواها، ما يريح المجتمع الإيراني ويخدم التيار الإصلاحي، مقابل تعهد إيراني بوقف زيادة التخصيب النووي والعودة إلى بعض شروط اتفاق 2015 التي كانت إيران قد خرقتها نتيجة لعقوبات ترامب.
– الخيار الثاني: تبقي بعض العقوبات التي فرضها ترامب للمساومة في مرحلة لاحقة، إذ يتم استثمارها بعد الانتخابات للعودة إلى المفاوضات على الاتفاق النووي، وستكون نتائجها مرتبطة بقوة المفاوض الإيراني والأوراق التي يملكها، في مقابل الضغوط الخليجية والإسرائيلية وتوزيع الأدوار بين الأميركي والأوروبي.