انفراجة قريبة: كيف يتغير مسار العلاقات الأمريكية- اللبنانية مع “بايدن”؟
دائما ما تترسخ القناعة بأن الإستعانة بالخارج لم تكن يوماً مصدراً للتوفيق بين اللبنانين، أو ساهمت في إنفراج الأزمة داخل لبنان، بل كثيرا ما أعاقت مسار بناء الدولة، منذ تشكل الكيان اللبناني عام 1920، وإلى الآن، وليس تعثر تشكيل الحكومة الجديدة بآخر حلقاتها !
خلف الرئيس الأمريكي السابق “دونالد ترامب” علاقات متوترة مع لبنان، تنتظر إنفراجة قريبة مع تولي الرئيس الجديد “جو بايدن”، وإن كانت تحديات الداخل الأمريكي ستفرض نفسها على أجندة سياسته الخارجية، وإن كان تحسين العلاقات اللبنانية الأمريكية، وإعادة استئناف المفاوضات بشأن البرنامج النووي الايراني، هو ما يهمنا في هذه المرحلة الراهنة.
ملفات متشابكة:
عدة اعتبارات لا تزال قيد الانتظار متعلقة بالشأن اللبناني، منها التفويض الأمريكي لفرنسا، عبر منحها مساحة للدخول على خط الأزمة اللبنانية بعد انكسارها في الملف الليبي والتوسع التركي في القارة الأفريقية، والتحديات التي تفرضها أنقرة اليوم في شرق المتوسط، والتي تشكل مصدر تهديد للدول الأوروبية.
وما جرى في منطقة طرابلس على خلفية الاحتجاجات الممهدة لتأسيس إمارة داعشية هناك، فضلا عن عودة مسلسل الاغتيالات السياسية في لبنان عبر “لقمان سليم”، ذلك المعارض الشيعي، الذي جاء إغتياله هادفا لتقليب الطائفة الشيعية على حزب الله، تمهيداً لمشروع الفوضى ومواصلة عمليات التخريب والتدمير الممنهج في لبنان، على غرار ما يحدث في سوريا وليبيا، وإستمرارا في إغراق لبنان بمزيد من الأزمات والفساد والتعطيل والافقار عبر الضغوطات الاقتصادية والعقوبات، التي كان ضحيتها فقط الشعب اللبناني الذي يواجه وحده المصير المجهول.
انعكاسات إقليمية:
قبل الحديث عن العراقيل التي تحول دون تشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة حتى الساعة، وفشل المبادرة الفرنسية الثالثة الخاصة بلبنان – والتي جاءت بتفويض من أمريكا- يجدر بنا أولاً معرفة انعكاسات الوضع الإقليمي على الساحة اللبنانية، على الرغم من إصرار البعض على تجاهل تأثيراته.
يأتي الهدف من تفويض فرنسا بشأن لبنان، هو تعزيز دور باريس إقليمياً، بعد التدعيات السلبية التي خلفتها الأزمة المستمرة مع تركيا، حيث يحاول الرئيس الفرنسي “إيمانويل ماكرون”، إيجاد توازن بين إبقاء الخطوط مفتوحة مع إيران في أكثر من ملف إقليمي، وتفعيل العلاقات الفرنسية مع دول الخليج التي تحتاج باريس الى استثماراتها.
فقد سعي “ماكرون” خلال زيارته الأخيرة إلى لبنان، والتي غلب عليها الطابع -الاقتصادي الصناعي- بشكل أساسي، إلى أن يحقق إنجازاً خارجياً من خلال إحداث خرق لبناني، بمساعدة محور عربي له خصوصيته في التعامل مع حزب الله وسعد الحريري معاً، لكن من المستبعد تحقيق خرق بهذا الحجم من دون الأخذ في الحسبان تأثير المحور الإقليمي الآخر، الذي لا يزال متريثاً عند نقطة جلاء مصير الاتفاق النووي، وتبيان حقيقة موقف واشنطن في اليمن، وطبيعة العلاقات الأمريكية السعودية بعد الخطوات الأخيرة تجاه الحوثيين.
وبالتالي، ستظل العلاقات اللبنانية الأمريكية، رهينة التفاوض حول الملف النووي الايرني، الذي سيحدد مصير لبنان في المدى المنظور، والذي يفرض شروط ملزمة بين الطرفين الذي يحتكم إليها أي إتفاق فيما لو تم، لكن من الواضح أن الهدف الامريكي لن يستكين، قبل أن يجعل شيعة لبنان في حالة انقسام تمهيداً لمشروع التطبيع أو السلام مع إسرائيل، على غرار المسار الذي اتبعته دول الخليج- خاصة الإمارات والبحرين- بحجة إنعدام أي منفذ، سوى الأخذ بهذا الخيار لإرضاء أمريكا، كي تقدم مساعداتها إلى لبنان، سواء كانت مساعدات إنسانية واقتصادية، أو الحد من فساد النخبة اللبنانية بعيداً عن السلطة، وتقليل قدرة رغبة حزب الله على استخدام القوة المسلحة.
فرص إعادة الضبط:
المتوقع أن يتجه الرئيس الأمريكي “جو بايدن”، إلى اعتماد القوة الناعمة بشكل لا يثير ردود الفعل من جهة، والمعاداة والاكراهات من جهة أخرى، وذلك عبر الانضمام مجدداً إلى الاتفاق النووي الايراني وتنشيطه، وإصلاح ما أحدثته إدارة الرئيس الأمريكي السابق “دونالد ترامب”، وإطلاق حوار إقليمي يركز على المفاوضات السعودية – الايرانية المباشرة، لتهدئة الصراعات المتعددة في المنطقة، والتي تعكس سياسات عدائية متبادلة.
السعي إلى تجميد الصراع بين حزبب الله وإسرائيل، في كلا من لبنان وسوريا، لمدة 12 شهراً، في ضوء وجود نقاط احتكاك مشتركة، يحتمل أن تؤدي إلى إشعال حرب واسعة النطاق بين الطرفين، مما يدفع حزب الله إلى استمرار عملياته العسكرية عبر الحدود، ونقل الصواريخ إلى لبنان، ومواصلة تطوير برنامجه للصواريخ الدقيقة، مقابل وقف مؤقت للضربات العسكرية الإسرائيلية ضد حزب الله .
يستلزم ذلك تشجيع الولايات المتحدة لإسرائيل، لنقل شمال الغجر المحتلة ومزارع شبعا المتنازع عليها وتلال كفر شوبا، إلى وصاية الأمم المتحدة، وإعادتها الى لبنان، من أجل إنهاء بؤر التوتر في الأراضي المحتلة، والتي تستمر بتهديد السلم والأمن الإقليميين .
أيضا على الولايات المتحدة، المطالبة بترسيم الحدود البحرية بين إسرائيل ولبنان حسب الإدعاء القانوني الحالي للبنان، والذي يعني الانسحاب الفعال من خط هوف في عهد أوباما، والذي اقترح منح ما يقرب من 55% من المنطقة المتنازع عليها إلى لبنان، مقابل 45% لإسرائيل، مما يتيح للأخيرة وحدها حق تطوير حقل كاريش الغني بالطاقة، مع الاتجاه لتعزيز الاستقرار بشكل كبير.
مسارات الحل:
إن على الولايات المتحدة السعي الجدي نحو مساعدة جهود الإصلاح الحقيقية في لبنان، من أجل إحداث نوع من الإستقرار، وتحقيق تنمية مستدامة، يمكنها إنعاش الاقتصاد اللبناني في الأمد القصير، عبر تركيز الطاقة الدبلوماسية الأمريكية والتحالفات الاقليمية بهدف التحول الاجتماعي والسياسي عبر السياقات التالية:
– إعادة إعمار بيروت من الأضرار التي خلفها إنفجار مرفأ بيروت، حيث تقدر تكاليف إعادة ما تم تدميره، بين (1.8 مليار $ و2.2 مليار دولاراً).
_إدارة مساعدات الطوارئ من المصدر، حيث تفتقد معظم الهياكل الحكومية في لبنان، إلى الشفافية والثقة والكفاءة، حيث ينبغي توجيه هذه المساعدات إلى المنظمات غير الحكومية، التي يمكن الوثوق بها جيداً، مع الحذر من تركيز الأموال الممنوحة خارج الحكومة في لبنان، ودعم الهياكل المتخصصة ذات البنى الدستورية، المرتبطة بالشرعية المؤسسية في الاشراف على عمليات الإغاثة الطارئة بدلا من الاستعانة باشراف خارجي لهذه المهمة .
_ضغط الولايات المتحدة لإجراء تحقيق من قضاء مستقل حول انفجار مرفأ بيروت، من أجل أن أجل الوصول إلى نتائج شفافة وتعزيز فرض العدالة والمساءلة القانونية.
_المساعدة في تحقيق الاستقرار المالي والاجتماعي والاقتصادي في لبنان، حتى يمكن تقليص حدة العنف ومخاطر الجريمة والإنفلات الأمني والحدّ من شبح الفقر والجوع الذي بات يهدد مصير البنانيين.
_تعجيل خطة إنقاذ مالية، عبر صندوق النقد الدولي، وإعادة تنظيم القطاع المصرفي اللبناني، من خلال التركيز على الاصلاح ورفع الدعم وبناء المؤسسات، فمع استمرار الانكماش الكبير في القطاع المصرفي، سيضغط ذلك على الحلفاء والشركاء الاقتصاديين اللبنانين المتورطين في الفساد اللبناني، والذي دمر القطاع المالي في لبنان وأدى إلى تصاعد الاحتجاجات المطلبية، من طرابلس إلى بيروت، مما سمح بطرح خيارات بديلة مثل التحول شرقاً والاتجاه نحو الخصخصة.
_إعادة توجيه العقوبات المالية الامريكية ومكافحة الفساد للضغط على حزب الله، والحد من الفساد الإداري، لتشجيع قبول شروط إصلاحات صندوق النقد الدولي وسيدر، ومساعدة لبنان على وقف التدفقات المالية الفاسدة .
تعقيدات محتملة:
لقد أشار العميد “ناجي ملاعب” أن هناك صعوبة في تشكيل الحكومة اللبنانية في ظل هذه الشروط التعجزية وبظرف قصير لا يمكن فيه تطبيق أي شيئ منها ، مؤكدا على أن الادارة الامريكية تستعد لإستراتيجية ذات خطوات تنبئ بتفاهمات، شرط بدأ المفاوضات الايرانية- الأمريكية، من خلال رفع العقوبات الاقتصادية وشطب الحوثيين، كتنظيم إرهابي، في إطار توجه جديد لإدارة الرئيس “جو بايدن”، إضافة إلى إعادة تنشيط الدور العربي، عبر البوابة المصرية، وقد شهدنا عودة السفير السعودي إلى لبنان، مما يعكس تسهيلاً للمبادرة الفرنسية للمساعدة في حلحلة ملف تشكيل الحكومة .
ويعتقد العميد “ملاعب”، أن تشكيل الحكومة قبل رفع الدعم سيؤدي إلى احتجاجات شعبية، حيث يأتي تمديد الاقفال إلى ستين يوماً، بهدف ترشيد الدعم والحد من النزف في مصرف لبنان، غير أن المهلة الزمنية للإقفال قد لا تكفي لتلبية شروط صندوق النقد الدولي المفروضة على لبنان، للحصول على القرض والمساعدات التي طلبها لبنان.
في الوقت ذاته سيؤدي عدم قدرة تنفيذ هذه الاصلاحات خلال مدة شهر، إلى مزيد من الاحتجاجات، سواء تشكلت الحكومة أم لم تشكل، فإذا شكلّت الحكومة وتم بعدها ترشيد الدعم، من الممكن أن تحدث نقمة شعبية تطيح بالحكومة، مما يجعل الأمر معقد جدا، ولا حل في المدى المنظور.
ويختم العميد “ملاعب” القول، بأن تطورات الحل في سوريا، ستلقي أيضا ً بظلالها على انفراج أي تسوية في لبنان، وبخاصة أننا قد شهدنا في الفترة الأخيرة اجتماعات حميميم، التي توحي ببوادر الحل ، مع مساعي إجراء انتخابات السورية، بناءاً على تلك الإجتماعات عبر تنسيق روسي- أمريكي من أجل التوافق حول مستقبل الدولة السورية، وهو ما ينعكس على المشهد اللبناني، تمهيداً لمرحلة انتقالية جديدة، تشهد ترسيما للحدود، ولامجال فيه لسلاح خارج سلطة الجيش، مما سيكسر محور المقاومة، ويؤدي إلى تسهيل انفراجات محلية وإقليمية تدريجية، يؤمل منها أن تحول الأوضاع في لبنان إلى حالة أكثر إيجابية.