معالجات فاعلة: كيف تجابه مصر مهددات الأمن القومى القادمة من أفريقيا؟

تمثل القارة الأفريقية أهم دوائر الأمن القومي المصري من خلال ذلك الموقع العبقري، الذي يجعل من مصر بوابة أفريقيا، وذلك الرباط الذي يمدها بالحياة منذ الأزل، مما أوجد علاقات ومصالح مشتركة على درجة كبيرة من الأهمية، وليس بمقدرة أي طرف التنازل عنها.
ولأهمية القارة الأفريقية للأمن القومي المصري، سنحاول من خلال هذا المقالة مناقشة انعكاسات عوامل التهديد الأفريقية على الأمن القومي المصري.
علاقة حتمية:
تشير دراسة العلاقات المصرية الأفريقية في توجهها العام إلى توفر عوامل التقارب بين مصر ودول القارة الأفريقية، استناداً إلى: هويـة مصر الأفريقية، والموقع الجغرافي لمصر -شمال وشرق أفريقيا- التاريخ والإرث الحضاري المشترك، العضوية في منظمات وتكتلات إقليمية ودولية: الاتحاد الأفريقي، الأمم المتحدة، منظمة التعاون الإسلامي، تجمع الساحل والصحراء، الكوميسا.
وتحتل القارة الأفريقية مرتبة متقدمة على أجندة صانع القرار المصري، يتضح ذلك من خلال العديدمن المشاركات الرسمية فى العديد من المؤتمرات الأفريقية، والزيارات الرسمية لرموز السياسة والدبلوماسية المصرية للعديد من الدول الأفريقية، علاوة على حرص مصر على المشاركة الفاعلة في مختلف التكتلات الاقتصادية والسياسية بالقارة .
محددات أمنية:
يمكن تعريف الأمن القومى بأنه “قدرة الدولة على توفير أكبر قدر من الحماية والاستقرار لمصالحها الوطنية والقومية في كافة المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأيدلوجية والعسكرية والبيئية، ضد كافة أنواع التهديدات الداخلية والخارجية، سواء إقليمية أو عالمية”.
ومن هذا التعريف يمكن تحديد أهم العوامل الأفريقية التي يمكنها تشكيل مخاطر فعلية على الأمن القومي المصري.
الأمن المائي: يعتبر موضوع مياه النيل محدد رئيسي في العلاقات المصرية مع دول حوض النيل، وأي محاولة لتهديد حصة مصر المائية، يمثل تهديد مباشر للأمن القومي المصري، لما لمياه النيل من ضرورة حيوية، وأهمية وجودية لمصر والشعب المصري.
الحروب الأهلية: إن اندلاع أية صراعات في أي من الدول الأفريقية، خاصة القريبة من الحدود المصرية، سيؤدي إلى تصاعد عمليات النزوح إلى دول الجوار، ومنها مصر، وهو ما ينتج عنه آثار سلبية على الأوضاع الأمنية والاقتصادية والاجتماعية، مما يعرض الأمن المصري للخطر.
ملف الإرهاب: يساعد التوتر وعدم الاستقرار في بعض الدول الأفريقية، وانتشار الجماعات المسلحة، والتنظيمات الإرهابية، خاصة في المناطق الحدودية، إلى تهديد الأمن القومي المصري، باتجاه تلم الحدود، إضاف إلى استهداق مصر من تلك الجماعات، نظرا للدور المصري الهام، ضمن استراتيجية مواجهة الإرهاب الأفريقية والدولية.
العلاقات مع إسرائيل: تحتفظ عدد من الدول الأفريقية، بعلاقات جيدة مع إسرائيل، حيث تريد الأخيرة تطويق الأمن القومي المصري، والاحتفاظ بأوراق تساوم بها مصر في الملفات الخلافية، خاصة تلك التي ترتبط بمياه النيل، أو التي تتعلق بالقضبة الفلسطينية، أو القضايا العربية عامة.
انعكاسات خطيرة:
تشكل العوامل السابق ذكرها تهديدات مباشرة على الأمن القومى المصرى، وذلك على النحو التالي:
_خلق حالة من التوتر الدائم على الحدود المصرية، والتلاعب بالأمن المائى لمصر.
_فرض قيود على المنتجات المصرية لدخول الأسواق الأفريقية.
_استخدام وسائل الإعلام في تشويه صورة وسمعة مصر الأفريقية والدولية.
_استخدام الإرهاب لضرب الجبهة الداخلية المصرية، ووحدة الشعب المصري، والتفافه حول قيادته الوطنية.
أدوار متفاعلة:
تفاديا للانعكاسات السلبية التي يمكن أن تشكلها عوامل التهديد الأفريقية، تسعى السياسة المصرية لاستعادة دورها وتأثيرها فى أفريقيا كأحد أهم دوائر الأمن القومى المصرى من خلال عدة محاور على النحو التالى:
_الاستمرار في متابعة المشروعات المائية التي تقام في دول حوض النيل على مجرى النهر، بهدف ضمان عدم المساس بحصة مصر المائية أو الإضرار بحقوقها في هذا الشأن.
_دعم جهود وأدوار الاتحاد الأفريقى فى حل القضايا والمشكلات الأفريقية، ومنها جهوده التي يقوم بها في حل الخلاف القائم حول مشروع سد النهضة واعتماد آلية المفاوضات الجادة تحت رعاية الزعماء الأفارقة.
_دعم جهود الأمم المتحدة والمنظمات الإقليمية لتأمين تحقيق السلام في عدد من مناطق النزاعات الممتدة في قارة أفريقيا؛ حيث تعد مصر من أكبر الدول المساهمة بقوات في بعثات الأمم المتحدة لحفظ السلا، حيث تساهم حالياً بنحو (2585) فرداً في البعثات الأممية، فى الدول الأفريقية، منها: (الكونغو، مالى، أفريقيا الوسطى، إقليم دارفور بالسودان).
_الحرص المصري على استئناف أنشطتها بالاتحاد الأفريقي بفاعلية، والذي أولته القيادة السياسية المصرية، اهتماماً واضحاً، والحرص على فتح مجالات جديدة في العلاقات مع الدول الأفريقية.
_مواصلة مصر العمل على المديين القصير والمتوسط على عدة محاور لتدعيم تلك العلاقات، من خلال إطلاق المبادرات، والمشروعات المشتركة، لدفع عجلة التنمية في دول القارة.
_التركيز على مشروعات التنمية بصفة أساسية باعتبارها قاطرة النمو الاقتصادي من جهة، والمساهمة في تقديم الخدمات الاجتماعية من جهة أخرى، والتنوير والوعي الثقافي من جهة ثالثة، ومن ثم معالجة جذور المشكلات الأمنية.
_استمرار التنسيق والتشاور على المستوى الأمني، بالتوازي والتزامن مع تكثيف الدورات التدريبية التي ينظمها كل من مركز القاهرة الإقليمي للتدريب على تسوية النزاعات والوكالة المصرية للشراكة من أجل التنمية، وتدريب الكوادر الأمنية الأفريقية بمركز بحوث الشرطة بأكاديمية الشرطة على أحدث أساليب مواجهة الجريمة و مواكبة التقدم العلمى والتكنولوجى فى هذا المجال.
_تشجيع تبادل الزيارات الرسمية وغير الرسمية على مختلف المستويات، والمساهمة في معالجة المشكلات الأفريقية، خاصةً تلك التي تمس وتحظى بالاهتمام الشعبي، مثل المشكلات الصحية، والتى حققت فيها مصر نجاحا كبيران بنقل خبراتها فى علاج بعض الأمراض المتوطنة والخطيرة للدول الأفريقية والمساهمة فى علاج مواطنيها- سواء المقيمين بمصر، أو فى الدول الأفريقية ذاتها.
_الاهتمام بتطوير دور الأزهر الشريف، كمنارة لتصويب الفكر المنحرف، ونشره لصحيح الدين، ونشر الوسطية وثقافة السلام التي من شأنها مواجهة هذا الافك، وزيادة عدد القوافل التوعوية للدول الأفريقية لزيادة وعى مواطنيها.
وقد نشر الموقع الرسمى لوزارة الدفاع، فعاليات التدريب المشترك فى مجال مكافحة الإرهاب بين عناصر دول تجمع الساحل والصحراء (مصر والسودان ونيجيريا وبوركينا فاسو)، للتدريب على أسلوب التعامل مع التهديدات الإرهابية المختلفة، كالجماعات المسلحة وتحرير الرهائن، والذى تم تنفيذه لأول مرة بجمهورية مصر العربية واستمر حتى الرابع عشر من ديسمبر 2018 بقاعدة محمد نجيب العسكرية، وتكررت هذه الفاعليات بصورة منتظمة مع بعض الدول الأفريقية
نخلص مما سبق إلى أن علاقات مصر بالقارة الأفريقية، علاقات حتمية، يمليها الواقع ويفرضها التاريخ والوجود، ورغم مما شاب تلك العلاقات من فتور، خاصة عقب محاولة اغتيال الرئيس الأسبق حسنى مبارك عام 1995، إلا أن الموقف قد تغير بشكل جذري عقب ثورة 30 يونيو 2013، والتي أعادت العلاقات المصرية الأفريقية إلى مسارها الصحيح الذى يحقق التنمية والازدهار لشعوب القارة.