هل تؤثر حرب غزة على مستقبل القادة الغربيين؟

دخلت الحرب في غزة شهرها الثالث مع اتساع دائرة العدوان الإسرائيلي نحو الجنوب، وعلى جانبٍ آخر، تقترب الانتخابات في بعض العواصم الغربية العام القادم، في ظل تصاعد الاحتجاجات الشعبية المنددة بالاحتلال الإسرائيلي، التي دفعت بدورها بعض القادة الغربيين إلى تغيير مواقفهم تجاه الحرب، بعد تأييد مطلق للعدوان الإسرائيلي خلال الأسابيع الثلاثة الأولى. الأمر الذي يطرح تساؤلات حول مدى تأثير الحرب الراهنة في غزة على الانتخابات القادمة في عدة دول غربية.

انتخابات هامة:

في أوج حرب غزة، تستعد عدة دول غربية لإجراء الانتخابات العامة لديها، لعل أبرزها:

(*) الانتخابات البريطانية:من المقرر عقد الانتخابات العامة في بريطانيا في أكتوبر أو نوفمبر 2024، واستطلاعات الرأي حتى الآن تشير إلى تقدم حزب العمال المعارض، نتيجة للصدمات التي تعرض لها حزب المحافظين مؤخرا، منذ قضايا داونينج ستريت التي أطاحت ببوريس جونسون وأزمة اختيار رئيس للحكومة بعده، وصولا إلى ريشي سوناك الذي تراجعت شعبيته شيئا فشئيا خلال الأشهر الماضية، الأمر الذي قد يجد مرده في عدة أسباب، أهمها:

(-) الضغوطات الاقتصادية،من ارتفاع مستوى التضخم الذي يعتبر الأضخم منذ 40 عام، ونقص بعض السلع، والإضرابات العمالية المتكررة ومطالبتهم للحكومة بزيادة الأجور، فبريطانيا شهدت أكبر إضراب في القطاع الصحي منذ تأسيسه قبل 75 عاما، إلى جانب إضراب عمال السكك الحديدية والمدارس والبريد وغيرها، لدرجة أن رئيس الحكومة سوناك أعلن في وقت سابق عن استعداده الاستعانة بالجيش ليحل محل العمال المضربين في القطاعات الحيوية.

(-) تصاعد الأحزاب ذات الأهداف الانفصالية، فحزب ” شين فين ” المؤيد لاستقلال أيرلندا الشمالية عن التاج البريطاني حقق أول انتصار في تاريخه في عهد المحافظين.وفي وقت سابق، حصل الحزب الوطني الإسكتلندي وحزب الحضر المؤيدين لاستقلال اسكتلندا كذلك على أغلبية مقاعد البرلمان المحلي في ٢٠٢١. الأمر الذي قد يهدد الوحدة البريطانية نفسها في عهد المحافظين، والأمر نفسه بالنسبة لإسكتلندا، وهي صدمات لم تتعرض لها المملكة ما قبل. هذا إلى جانب الخسائر التي منى بها حزب المحافظين في الانتخابات المحلية.

وكانت النتيجة، فوز حزب العمال البريطاني بانتخابات فرعية في إسكتلندا، وهو نجاح جاء في الوقت المناسب قبل بدء الحملة الرسمية للانتخابات العامة في العام المقبل، بعدما حصل مرشح الحزب مايكل شانكس على أكثر من ضعف الأصوات مقارنة بمنافسه من الحزب الوطني الاسكتلندي الذي يدعو للاستقلال كيتي لودن.

ففي بريطانيا، فإن موقف الحكومة والمعارضة البريطانية المساند لإسرائيل حتى الآن في حربها على غزة، من الممكن أن يؤثر في توجهات الناخبين المسلمين في المملكة، إلا أنه من غير المرجح أن يؤثر في حظوظ أي من الحزبين في الانتخابات العامة بشكل كبير، إلا حال طرأت مستجدات داخلية، وتحديدا حزب العمال بعد تقدمه في استطلاعات الرأي. خاصة وأن إضرابات العمال قد تشير إلى احتمالية أن يقع اختيارهم على حزب العمال المعارض لتأمين معاشات التقاعد والضرائب.

(*) الانتخابات البلجيكية: من المقرر عقد الانتخابات التشريعية في يونيو 2024، والبلدية في أكتوبر 2024، وكانت بلجيكا إحدى الدول الأوروبية التي شهدت احتجاجات متكررة تنديدا بالعدوان الإسرائيلي على غزة، وكانموقف رئيس الحكومة ألكسندر دي كرو أحد قلائل المواقف الأوروبية التي عارضت إسرائيل، كما أعلن عزمه الاعتراف بدولة فلسطينية موحدة، وطالب بوقف إطلاق النار.

وبالتالي، في ظل صعود الأحزاب اليمينية في بلجيكا، يمكن أن يمثل ذلك ضغطا عليها لعدم إعادة انتخاب ألكسندر دي كرو لولاية جديدة عقب موقفه المناهض لإسرائيل، إلى جانب الضغوط الاقتصادية في بروكسل جراء الحرب الأوكرانية، بعد الدعم البلجيكي لكييف حيث بلغ أكثر من ٣٠٠ مليون يورو حتى سبتمبر الماضي، والذي لاقي اعتراضات شعبية واسعة في ظل غلاء المعيشة. خاصة وأن هولندا شهدت انتصارا مفاجئا لليمين المتطرف في ظل ظروف مشابهة.

وتأتي الانتخابات البلجيكية بالتزامن مع انتخابات البرلمان الأوروبي في يونيو 2024، والتي من المرجح أن تسفر عن تغير في قيادات المؤسسات الأوروبية الكبرى وأبرز مسئوليها ممن أثارت مواقفهم الجدل في خضم حرب غزة، وعلى رأسها المجلس الأوروبي والمفوضية الأوروبية التي ترأسها أورسولا فون دير لاين، التي دعمت إسرائيل بشكل مطلق مما أثاره الانقسامات داخل المفوضية، حتى تطورت الاستقالات في الهيئات الأوروبية، هذا إن عزمت على الترشح لولاية جديدة، كذلك جوزيف بوريل.

(*) الانتخابات الأمريكية: أما عن الانتخابات الرئاسية الأمريكية، فعلى ما يبدو أن الحرب في غزة قد تؤثر في حظوظ بايدن في انتخابات نوفمبر ٢٠٢٤، حيث تعهد بعض الزعماء المسلمين من ٦ ولايات أمريكية متأرجحة عدم دعمهم لبايدن خلال الانتخابات المقبلة، والاتجاه نحو عقد مشاورات مع بقية المرشحين، خاصة وأن هذه الولايات أمنت لبايدن الفوز بفارق ضئيل خلال الانتخابات السابقة. يأتي هذا في حين أظهر استطلاع حديث للرأي أن شعبية بايدن بين الأميركيين العرب انخفضت من أغلبية مريحة في عام 2020 إلى 17%.وقد يكون ذلك حاسما في ولاية ميشيغان، حيث فاز بايدن بنسبة ٢,٨ ٪، ويمثل العرب الأمريكيون نحو ٥٪ من الأصوات، وفقا للمعهد العربي الأمريكي.

ومع ذلك، فإن العامل الأكثر تأثيرا في تراجع شعبية بايدن هو الاضطرابات التي عانى منها الاقتصاد الأمريكي خلال ولاية بايدن، والتي ازدادت مع دعمه غير المسبوق لأوكرانيا رغم الاعتراضات الداخلية، فجزء من احتمالية عدم انتخاب غالبية الأمريكان لبايدن هو دعمه للحروب الخارجية على حساب الداخل، وليس لحرب غزة في حد ذاتها، لأن المواطن الأمريكي خصوصا غير معني كثيرا بالسياسة الخارجية لبلاده.

(*) الانتخابات الروسية: الانتخابات الروسية تحديدا قد تكون أولوية التأثير بها وفقا لمجريات الحرب الأوكرانية وتداعياتها على الداخل الروسي، والذي على ما يبدو أن بوتين أحكم السيطرة عليه منذ مقتل بريغوجين، وكلها مؤشرات قد تصب في صالح بوتين في الأخير، خاصة بعد ظهور مؤشرات لذلك، على رأسها فوز حزب روسيا الموحدة الموالي للكرملين في الانتخابات المحلية الأخيرة في المناطق الأربع التي ضمتها روسيا حديثا من أوكرانيا، رغم اعتراضات كييف.

(*) انتخابات البلدية التركية:حيث تخوض تركيا انتخابات البلدية في مارس ٢٠٢٤،وقد تؤثر حرب غزة في نتيجتها لصالح أردوغان بعدما عاد لإدانة إسرائيل ونتنياهو شخصيا، فالرأي العام التركي، ذو الخلفية القومية تحديدا، يهتم بالمواقف الخارجية لبلاده، لذا دوما ما يوظفها المرشحين في الانتخابات.

ولكن مع ذلك، فإن حرب غزة ليست المؤثر الوحيد في انتخابات البلدية التركية، في ظل التشرذم الذي أصاب تحالف المعارضة بعد خسارة الانتخابات البرلمانية والرئاسية، ورغبة قطاع من الجمهور في عدم إعطاء أردوغان الفرصة لإحكام قبضته على البلاد، وتحديدا ولايتي إسطنبول وأنقرة، في ظل الاضطرابات الاقتصادية المستمرة.

حدود التأثير:

الحرب الراهنة في غزة وموقف الدول الغربية منها، قد لا تكون ذات تأثير كبير في توجهات الناخبين في الدول الغربية في انتخابات العام المقبل، باعتبارها وفقا للتطورات الحالية لم تمس مصالح المواطن الغربي بصورة مباشرة، إلا فيما يتعلق بـ:

(&) ملف عودة الأسرى، وفي هذا الخصوص، إن نجحت الحكومات القائمة في تحرير أسراها لدى حماس فقد يصب ذلك في صالحها في السباق الانتخابي مع التركيز عليه في الحملات الانتخابية، بما قد يسهم في جذب واستعادة ثقة الناخبين.

(&) طالما لم تتخذ الدول العربية قرارات مؤثرة تمس بإمدادات الطاقة، وبالتالي لن تؤثر على مصلحة أو متطلبات حيوية بالنسبة للمواطن الغربي بصورة مباشرة. على خلاف الحرب الأوكرانية، باعتبار أن المهدِد ( روسيا ) والمهدَد ( أوكرانيا ) قريبان على المستوى الجغرافي بشكل قد يشعر المواطن الغربي بانعدام الأمن. حتى أن الحرب الأوكرانية أسفرت عن تداعيات اقتصادية جمة على الدول الأوروبية تحديدا، وتحديدا فيما يتعلق بملفي أمن الطاقة والأمن الغذائي، اللذان أثرا بدورهما على قطاعات حيوية أخرى أثرت على مستوى المعيشة.

أضف إلى ذلك، فإن الانتخابات في بعض العواصم الأوروبية من المقرر عقدها في منتصف وأواخر العام القادم، وبالتالي فهي فترة طويلة قد لا تكون كافية للحكم على مدى تأثيرها في توجهات الناخبين الغربيين، مع أولوية الملفات الداخلية بالنسبة للناخب. حتى أن الحرب في غزة من غير المرجح أن تظل مستمرة حتى منتصف العام القادم في ظل الوساطات والتفاهمات الحالية، التي بدأت بتبادل عدد من الأسري والالتزام بهدنة مؤقتة أبدى الجانبان _ حماس وإسرائيل _ استعدادهما لتمديدها.

ومع ذلك، حال استمرت الحرب فمن الممكن أن يكون لها تأثير طفيف في الانتخابات، قد يبنى على موقف القائد الحالي ومعارضيه من الوضع الإنساني، حال ازداد الوضع مأساوي في ظل احتجاج الشعوب الأوروبية على المذابح الإسرائيلية في غزة. وقد يتمثل في تراجع شعبية أحد المرشحين، وتحديدا لدى الجاليات المسلمة، إلا أنه لا يتوقع أن يكون له التأثير الأكبر في النتيجة النهائية.

وفي الختام، يمكن القول إن تأثير حرب غزة على مستقبل القادة الغربيين يظل محدودا طالما لم تترك تداعيات مباشرة على مواطني هذا الدول، لأن تعاطي الحكومات القائمة مع الملف الداخلي يظل ذا أولوية خاصة بالنسبة للناخب في أى دولة مقارنة بملفات السياسة الخارجية، وتحديدا بالنسبة للمواطن الغربي، خاصة وأن حروب غزة السابقة لم يترتب عليها أي تأثير كبير في نتائج الانتخابات الغربية.

وردة عبد الرازق

باحثة في الشئون الأوروبية و الأمريكية، حاصلة على بكالوريوس علوم سياسية، جامعة بنى سويف، الباحثة مهتمة بدارسة الشأن التركي ومتابعة لتفاعلاته الداخلية والخارجية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى