إلى أين تنهى أزمة أتالاى فى تركيا؟

إسراء قاسم- باحثة بوحدة دراسات الأمن الإقليمي.

توتر غير مسبوق تعيشه تركيا حاليا بسبب أزمة بين محكمتي النقض والدستورية العليا بعد أن أصدرت المحكمة الدستورية، قرارا بالإفراج عن المحامى (جان أتالاى) الذى أصبح نائبا برلمانيا عن ولاية هاتاى مايو 2023 الماضى عن حزب العمال التركى TIP . وفي ظل تصاعد الأزمة وانعكاستها خارج المحكمتين، يبقى السؤال، وهو: إلى أين تنهى أزمة أتالاى فى تركيا؟

بداية الأزمة:

اشتعل الصراع عندما أعلنت محكمة النقض تقديم شكوى جنائية ضد المحكمة الدستورية بسبب الحكم بالإفراج عن المسجون ( جان أتالاى), متهمة الأخيرة بأنها تنتهك الدستور التركى, مما زاد الأمر تعقيدا خاصة بعد أن طالبت محمكة النقض بإجراء تحقيق جنائي على وجه السرعة ضد أعضاء المحكمة الدستورية المختصين بقرار الإفراج عن المتهم, ولكن قانونيا لا يجوز محاكمتهم  إلا أمام المحكمة الجنائية العليا، وهي نفسها المحكمة الدستورية, ما يجعل الأمر يعود إلى نفس النقطة ويزيد من تصاعد الأزمة .

جدير بالذكر أن (جان أتالاى) المعروف بأنه إشتراكى  كان يعمل فى المحاماة منذ 20 عاما وكان عضو مجلس إدارة جمعية الحقوق الاجتماعية وتخصص فى الدفاع عن العمال والصحفيين لأعوام, ومنذ 25 أبريل 2022 يقضى عقوبته  بالسجن لمدة 18 عاما إثر قضية أحداث غيزي بارك الاحتجاجية ضد حكومة العدالة والتنمية , متهما بمحاولة قلب نظام الحكم بموجب المادة 312 من قانون العقوبات.

ويجب الإشارة إلى أن  محكمة الاستئناف كانت قد أيدت الحكم لكن محكمة النقض لم تفصل فيه بعد، وبالتالي لم يكن هناك حكم نهائي يمنعه من الترشح للانتخابات البرلمانية التى تم إجراؤها مايو الماضي.

الجدير بالذكر هنا أنه من الناحية القانونية لم يكن يوجد ما يمنع  ( أتالاى ) من الترشح للانتخابات البرلمانية منذ البداية, فوفقاً القانون التركي لا يمكن ترشيح النواب فى حالة أنه غير حاصل على الشهادة الابتدائية, أو محكوم عليه بالسرقة والاحتيال, أو متهرب من الخدمة العسكرية أو مصنف إرهابي, وكل هذه الأسباب لم تمنع حزب العمال التركة TIP أن يقدم (أتالاى) للترشح, ولكن رغم نجاحه فى الانتخابات هو النائب الوحيد الذي لم يدلى بالقسم حتى الآن بسبب الأزمة التى لم تحسم بعد.

تأثير محتمل:  

ما زاد الوضع تقيدا عندما تدخل الرئيس التركى ( رجب طيب  إردوغان ) متهما المحكمة الدستورية بالمخطئة, مؤكدا على ضرورة الأخذ بقرارات محكمة النقض واصفا إياها بمحكمة عليا وقراراتها ملزمة أيضا، وهو أمر محسوم بالنسبة لحزب العدالة والتنمية أيضا الذى رفض دعوة حزب الشعب الجمهوري لعقد اجتماع طارئ لحل الأزمة, مما يثير التوتر بين صفوف المعارضة التى بدأت تعلو أصواتهم بالرفض لعدم الأخذ بقرارات المحكمة الدستورية .

فى السياق ذاته كان الرئيس التركى قد أعلن عن ضرورة وضع دستور جديد يحسم الخلافات بين الرموز القضائية, وهو مما سوف يثير حالة من الغضب على الصعيد الداخلي خاصة بين صفوف المعارضة بجميع أحزابها داخل الدولة التركية وأيضا لأن المحكمة الدسورية هى أعلى هيئة قانونية لمراقبة الدستور , خاصة وأن معركة القضاء التى تمر بها تركيا ليست الأولى من نوعها .

جدير بالذكر، أن تركيا احتلت  المرتبة 117 (من أصل 139 دولة) على القائمة التي أعدها مشروع العدالة العالمي الأميركي بشأن مؤشر سيادة القانون لعام 2021, والمرتبة  116 من بين 140 دولة لعام 2022, وهو ما يؤثر على شعبية حزب ( العدالة والتنمية ) الذى يترأسه ( إردوغان ) على الصعيد الداخلى بطبيعة الحال  , أما دوليا فتركيا التى تسعى للالتحاق بصفوف دول أوروبا تواجه صعوبة حاليا بسبب التقرير السنوي للمفوضية الأوروبية الذى أكد على التراجع الديمقراطي الملحوظ داخل المجتمع التركى خاصة فيما يتعلق بالمعايير الديمقراطية وسيادة القانون وحقوق الإنسان واستقلال القضاء.

انعكاسات متنوعة:

على ما يبدو أن الوضع القانونى فى تركيا غير مستقر بسبب التضارب الواضح بين مؤسسات القضاء والتى تعتبر هى عمود الدولة الذى يشرع وينفذ الأحكام ويضبط المجتمع, ولكن من الواضح أن الفترة القادمة سيشهد المجتمع التركى تغيرات كبيرة بسبب تصريحات الرئيس التركى الأخيرة بشأن تغير الدستور وفى هذه الحالة إذ تم التنفيذ سيكون مصير النائب ( جان أتالاى ) الذى لم يدلى بالقسم بعد هو الرفض والاستمرار فى تنفيذ حكم الـ 18 عاما, وعلى صعيد أخر فى حالة عدم تغير الدستور من الطبيعي أن يتم الخضوع لقرارات المحكمة الدستورية العليا بالإفراج عن المتهم لمتابعة أعماله فى البرلمان , خاصة وأنه يتمتع بحصانة ,ألا أن حزب العدالة والتنمية لن يترك الأمور تسير على هذا النهج لأنه يعتبر انتصارا واضحا ليس فقط لحزب العمال ولكن لكل أحزاب المعارضة التركية, التى سوف ترى فى ذلك بداية حقيقية لتحقيق أهداف قيد التفاوض فقط حتى الآن.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى