كيف أثرت حرب غزة على الداخل الإسرائيلي ؟

علي أبو عليو-باحث مساعد بوحدة دراسات الأمن الإقليمي

لم يكن الداخل الإسرائيلي قبل عملية “طوفان الأقصى” في أفضل حال، حيث كانت تواجه الحكومة العديد من التحديات والمشكلات، لتأتي العملية وتكشف عن خلل كبير في السياسة الإسرائيلية، لذلك عملت دولة الاحتلال على تجميع الداخل الإسرائيلي المفرق بإعلان الحرب على قطاع غزة بهجمات وحشية وغير إنسانية، لكن هذا الجمع لم يدم خاصة مع دخول الحرب على غزة شهرها الثاني دون إحراز أي هدف ميداني حقيقي.

ولمعرفة تأثيرات الحرب على الداخل الإسرائيلي فإنه ينبغي إلقاء الضوء على طبيعة تكوين هذا الداخل قبل الحرب و ما هي تحدياته، ثم التطرق إلى تأثير الحرب في المرحلة الأولى منها وبعدها تأثيرها بعد مرور شهر كامل بدون إنجاز أهداف وما قد ينتج عنها على المدى البعيد.

أولًا: قبل الحرب:

لم تسر الساحة السياسة الإسرائيلية بوتيرة متناغمة منذ تشكيل حكومة اليمين المتطرف نهاية العام الماضي، بل على العكس كان أقرب أن يكون مفككًا يواجه أزمات على مستويات عدة سياسيًا و عسكريًا وخارجيًا.

(*) الاضطرابات السياسية: بالنظر إلى الخارطة السياسية داخليًا نجد أن الحكومة الحالية هي أكثر الحكومات يمينية في تاريخ إسرائيل، حيث شكلت من أحزاب تعرف باليمينية أو اليمينية المتطرفة.

وعلى الرغم من أن تشكيل الحكومة بتلك الهيئة سبب في ذاته أزمة في الداخل، فإن الحكومة لم تسعى في بداية عملها إلى كسب ثقة الشارع ودخلت معه في صدام كبير متعلق بما يعرف بـ “مشروع التعديلات القضائية”، وفي المقابل حذرت الأحزاب اليمينية رئيس الوزراء من التراجع ولو خطوة واحدة بشأن التعديلات وعلى رأسهم حزب عوتسماه يهوديت “القوة اليهودية” ورئيسه إتمار بن جفير.

أما أحزاب المعارضة التي كان لها مقاعد محدودة بالكنيست و بدون مقاعد بالحكومة رفضت رفضًا تامًا قانون التعديلات وقدمت عليه حوالي 32 طعنًا أمام القضاء.

وكان لمشروع التعديلات القضائية أثرًا كبيرًا على الشارع الإسرائيلي كذلك، حيث شهدت تل أبيب العديد من الاحتجاجات التي استمرت لأسابيع رافضة أن تصبح قرارات الكنيست بلا رقابة خاصة وأن إسرائيل لم تعرف الدستور حتى الآن. ورفضت الشرطة الإسرائيلية لأول مرة أن تعطي المتظاهرين تصريح بالتظاهر والاحتجاج ودخلت معهم في مواجهات.

ولم تكن أزمة التعديلات القضائية وحدها ما أثارت الشارع بل أيضًا سياسة التمييز التي تنتهجها الحكومة اليمينية، وأبدى المتظاهرون إجماعًا على أن أزمات إسرائيل الحالية جاءت بتوقيع شخص واحد هو رئيس الوزراء الحالي نتنياهو.

(*) عسكريًا: مر جيش الاحتلال قبل الحرب بتحديات عدة تركز أغلبها حول القوى البشرية، ومن أبرز تلك المشاكل ما يلي:

أعطت الحكومة الإسرائيلية وعودًا لحوالي 18 ضابطًا برتبة رائد باستمرارهم بالخدمة بالجيش والتمديد لهم أكثر من مرة، وهو ما لم يحدث حيث تم تسريح هؤلاء الضباط، ما أعطى شعورًا بالقلق لشباب الضباط حول مستقبلهم مع الجيش.

كما شهد عام 2022 حملة استقالات جماعية لضباط وجنود الجيش، فقد استقال حوالي 800 من قوات جيش الاحتلال بين ضباط وجنود كانت النسبة الأكبر منهم من الضباط خاصة الرتب الكبيرة.

كما يبرز في ذات السياق، رفض العديد من الطوائف المتدينة اليهودية في إسرائيل لتجنيد أبنائهم باعتبار أن أي انتصار تحرزه إسرائيل إنما بفضل دعاء وصلوات المتدينين.

(*) العلاقة مع الولايات المتحدة: لم تكن علاقة الحكومة الحالية ورئيس وزرائها مع الولايات المتحدة وإدارة الرئيس بايدن  على أفضل حال، بل شهدت توترًا ملحوظًا حيث وصف الرئيس بايدن الحكومة الإسرائيلية بأنها قد تكون الأسوء وانتقد كذلك القانون المقدم من جانب الحكومة للتعديلات القضائية والحد من سلطات المحكمة العليا الإسرائيلية مؤكدًا أن إسرائيل لا يمكنها المضي بهذا الطريق الذي يعبث بالديمقراطية.

ويعد جو بايدن هو الرئيس الأمريكي الوحيد الذي لم يستقبل رئيس الوزراء الإسرائيلي بالبيت الأبيض منذ تشكيل الحكومة الأخيرة، وإن كان التقى به لمرات على هامش بعض الفعاليات، وعلى الرغم من أن السفير الأمريكي في إسرائيل أعطى وعدًا بحدوث لقاء في البيت الأبيض بين بايدن و نتنياهو لكن هذا لم يحدث، الأمر الذي يعكس الرفض الأمريكي للسياسات التي انتهجها نتنياهو داخليًا وتدميره للبنية الديمقراطية الأساسية التي تقوم عليها إسرائيل وفق تعبير البعض.

ثانيًا: بعد الحرب:

عملت الحرب في بدايتها على توحيد الداخل الإسرائيلي، لم تقتصر تلك الوحدة على الأحزاب السياسية فقط بل امتدت للشارع الإسرائيلي وتخطت المستوى السياسي ووصلت إلى الجانب العسكري أيضًا، ولم يستمر هذا التجمع كثيرًا فمع طول أمد العمليات على قطاع غزة بلا هدف ودون جدوى ووجدت الحكومة نفسها في مرمى نقد الشارع الإسرائيلي وحملت المسئولين فيها فشل مواجهة عملية طوفان الأقصى.

سياسيًا؛ توحد الداخل الإسرائيلي سريعًا في أعقاب بداية الحرب، وأدرك وقتها نتنياهو أنه لا يستطيع أن يستمر بحكومته اليمينية، ودعا إلى تشكيل سريع لحكومة طواريء ضمت بعض الأحزاب المعارضة معه.

وتوحدت كتل الأحزاب السياسية في إسرائيل ووضعت الخلاف جانبًا بصورة مؤقتة وهو ما بدا في تصريح زعيم المعارضة يائير لابيد ” أن الوقت الآن لا يسع معارضة وأن على الجميع تحمل مسئوليته”.

وجاء تشكيل تلك الحكومة في هذا الوقت وبتلك الهيئة ليدلل على عدم القدرة في الاستمرار مع الحكومة المتطرفة ذات الطيف الواحد، فقد تشكلت الحكومة الطارئة بصورة أساسية من ثلاثة وزراء أحدهم من حزب ليكود الحاكم وزعيم المعارضة من حزب يش عتيد يائير لابيد ووزير الدفاع السابق بيني جانتس ممثلًا لحزب الوحدة الوطنية، واثنين بصفة مراقب. وطالب حزب الوحدة الوطنية بعدم مشاركة أي من أعضاء الحكومة المتطرفة لأنها لا تستطيع أن تقود حرب لها نتائج استراتيجية ستأثر على إسرائيل لسنوات، إلا أن لابيد رفض الانضمام للحكومة.

ارتدادات الشارع

حظت الحكومة ورئيسها في بداية الحرب بالتأييد الكامل من الشارع الإسرائيلي، لكن تغريدة رئيس الوزراء نتنياهو التي حمل فيها الجيش وأجهزة الاستخبارات والمؤسسات الأمنية في إسرائيل مسؤولية الحادث. أثارت التغريدة التي تم حذفها سريعًا غضب الداخل الإسرائيلي واعتبرتها محاولة من رئيس الوزراء للتنصل من الفشل الذي حدث في 7 أكتوبر الماضي. كذلك فإن عدم تقديم مقصرين بشكل واضح للرأي العام عما جرى شكل فضاءًا مناسبًا لتبادل الاتهامات و لتدخل حسابات السياسة في وقائع ونتائج العمل العسكري .

(#) عدم تحقيق هدف: دخلت الحكومة الإسرائيلية الحرب معلنة عن أهداف واضحة، لكنها لم تستطع حتى الآن تحقيق أي منها بل عجزت عن تحقيق أي انتصار ميداني يجعلها تذهب إلى طاولة المفاوضات في ثوب المنتصر، أيضًا التخبط الواضح في قرارات القيادة في إسرائيل أوضح أنها لا تسير وفق خطة ولو حتى قصيرة الأمد.

(#) الأسرى: كانت مظاهرات أهالي الأسرى الإسرائيليين هي أهم حدث داخلي منذ بداية الحرب، إذ تعتبر هي الاحتجاجات الأولى التي تتم أثناء حرب في إسرائيل وهو ما يشير إلى الاضطراب الداخلي المستمر قبل الحرب.

كذلك و كما سبقت الإشارة، فإنه ومع دخول الحرب شهرها الثاني و عجز القوات الإسرائيلية عن تحقيق هدف استرتيجي أو تقدم ميداني واضح، فهي لم تسع إلى إنجاز ولو تقدم دبلوماسي أو التوصل لمشروع اتفاق لتبادل الأسرى بل قامت بعرقلة كل مسعى في هذا الإتجاه ، ووصل بها الأمر إلى رفض لستلام بعض الأسرى.

(#) عسكريًا: استدعى جيش الاحتلال حوالي 360 ألفًا من قوات الاحتياط وهو ما يعد بمثابة أكبر استدعاء في تاريخها ويعكس مدى التخوف من تبعات الحرب لدى الجانب الإسرائيلي، لكن هذا الاستدعاء الضخم للجنود الاحتياط والتمديد ورفض استقالات الضباط، له كلفة أيضًا لا تستطيع إسرائيل أن تتحملها طويلًا، ما قد يفرض عليها التقليل من عدد القوات الاحتياطية أو يكون التمسك بالقوات على حساب الاقتصاد الإسرائيلي.

ميدانيًا؛ بدأت القوات الإسرائيلية مسلسل عملياتها بالهجوم الوحشي عن طريق القصف الجوي واعدة بعملية عسكرية برية واسعة تستطيع بها التخلص من القوة العسكرية لحماس، ثم تراجع الوعد بعملية برية واسعة واستبدلتها بعدد من العمليات النوعية والمحدودة فشلت حتى اللحظة في تحقيقها، فلا تجد أمامها من خيار سوى الاستمرار في القصف الوحشي للقطاع.

وأخيرًا؛ يمكن القول إن التنبؤ بمآل الداخل الإسرائيلي يرتبط بشدة بكيفية انتهاء الحرب على غزة وما قد تنجزه قوات الاحتلال من أهداف، لكن يبقى من المؤكد أن عملية “طوفان الأقصى” كانت بمثابة النهاية بالنسبة لعدد من الساسة والعسكريين، وعلى رأسهم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى