ماذا تعكس خطابات قيادات حماس وإسرائيل منذ بدء الحرب؟

مع بدء محاولات جيش الاحتلال الإسرائيلي التوغل بريا في قطاع غزة منذ السابع والعشرين من أكتوبر الماضي، بدأت تتعاقب البيانات من قبل ممثلي حماس ومسئولين في الجيش والحكومة الإسرائيليتين، كانت جميعها محط أنظار جماهير الطرفين لمعرفة حقيقة ما يجري على الأرض، إلا أن تلك الخطابات عكست تفاوتا واضحا في نبرة الجانبين ونظرة مختلفة للأحداث.
الأمر الذي استدعى قراءة لأهم ملامح هذا الاختلاف في خطابات مسئولي حماس والحكومة الإسرائيلية، مع توضيح لأهم دلالاته.
اختلاف واضح:
عكست تصريحات قادة حماس وإسرائيل تفاوتا واضحا في عدة جوانب، لعل أبرزها:
(*) ردود الفعل: في اليوم التالي لقطع الاحتلال كافة الاتصالات عن قطاع غزة في خضم الاستعداد للاشتباكات البرية الراهنة، ألقى أبو عبيدة ونتنياهو خطابين في ذات التوقيت تقريبا بهدف إطلاع الشارع على التطورات على الأرض ورغم أهمية الخطابين بالنظر إلى التوقيت الذي وردا فيه إلا أنهما تفاوتا من حيث مستوى الحشد والأثر.
فمثلا، خطاب أبو عبيدة لاقى استحسانا وانتظارا من قبل الشعوب العربية والإسلامية، في حين لم يهتم الشارع الإسرائيلي كثيرا بسماع خطاب نتنياهو، بل على العكس استمرت المطالبات باستقالته حتى بعد اجتماعه بعائلات الأسرى.
(*) لهجة الخطاب: بدا التحدي والثقة في نبرة أبو عبيدة في خطابه، حيث قال إن قوات المقاومة في انتظار المعركة البرية ” لتعلمهم البطولة ” كما توعد بهزيمة الاحتلال، بالإضافة إلى نفي مزاعم نتنياهو بأنه كبد المقاومة ” خسائرًا كبيرة “، وأكد أن إسرائيل لم تفلح إلا في قتل الأبرياء من النساء والأطفال.
في مقابل لهجة ضعيفة من قبل نتنياهو الذي أكد أكثر من مرة أن الوضع على الأرض صعب لأن جنوده أمام ” عدو وحشي”، واعتبر المعارك مع حماس بمثابة الدفاع عن وجود إسرائيل، ناهيك عن الارتباك الذي بدا عليه حينما سأله أحد الصحفيين عن أسباب الإخفاق في توقع أحداث السابع من أكتوبر. كما أكد في خطابه في الأول من نوفمبر الجاري على تعرض الجيش الإسرائيلي ” لخسائر مؤلمة ” في المعارك الدائرة مع حركة حماس، وقال أيضا ” إننا في حرب صعبة وطويلة “. وهو ما تكرر على لسان يوآف جالانت وزير الدفاع ” باقون في غزة ولو استغرق ذلك عاما، وأمامنا أيام صعبه “.
حتى في الجزئية التي وجها خلالها رسائل الخارج، شكر نتنياهو الدول الغربية على دعمها لإسرائيل، في حين عاب أبوعبيدة على الدول العربية تأخر المساعدات وأكد قدرة المقاومة على تولي أمرها بنفسها في الميدان.
(*) التعامل مع ملف الأسرى: سبق وأكد يحيى السنوار وعدد من قيادات حماس على استعدادهم لإعادة الأسرى الموجودين لديهم مقابل ” تبيض ” السجون الإسرائيلية من الأسرى الفلسطينيين، كما طالبوا الجهات المعنية بعمل قائمة بأسماء الأسرى الفلسطينيين جميعهم أيا كانوا، وبذلك يكون وضع نتنياهو وحكومته في وضع صعب أمام شعبه الذي طالبه خلال الاحتجاجات بالموافقة على عرض حماس. وضاعف من هذا الحرج تصريحه غير المحسوب الذي أجج الشارع أكثر، حينما أكد أن استعادة الأسرى هو الهدف الثاني، بينما يقع عليه في المقام الأول القضاء على حماس، وهو هدف عائم وغير واقعي.
(*) لغة الجسد: فخلال حديث نتنياهو عن استعدادات قواته كان يتلفت يمينا ويسارا، ويضع يده بجانب خصره ويشبك أصابعه في بعضها، كان أيضا يحك رأسه ويلمس ظهره وغيرها من الحركات الجسدية التي تعكس ما يعيشه من توتر واضطراب وفقا لخبراء في لغة الجسد، الذين أشاروا بدورهم إلى أن نتنياهو لا يشعر بما يتحدث به. إلى جانب ظهور نتنياهو بلباس أسود يدل على الحداد، فضلا عن ملامح القلق والأرق التي تكسو وجهه، حتى في خضم حديثه عن نقاط قوة الجيش لم تكن ملامح وجهه معبرة عما يتحدثه. وقد ينعكس ذلك كله في تغريدته التي قامت بحذفها لاحقا، بعدما لام فيها أجهزة المخابرات، وهو تصرف غير مسئول من قائد دولة في وقت الحرب.
وعلى الجانب الآخر، كان أبو عبيدة يرتدي بزته العسكرية، باعتبارها ذات دلالة رمزية تشير إلى الثقة وقوة موقف قواته وقدرة المقاومة الفلسطينية على إدارة وتصدر المشهد العسكري والإعلامي، بجانب ظهوره مشمرا عن ساعده في إشارة إلى الاستعداد والتحدي والتهوين من الخصم، الأمر الذي يزيد من حالة البلبلة في الشارع الإسرائيلي والتخبط المؤسساتي.
(*) نتائج الحرب: حتى فيما يتعلق بالإعلان عن عدد الضحايا، تركز المقاومة والجانب الفلسطيني عموما على إعلان الضحايا المدنيين وانهيار المباني والمستشفيات والبنى التحتية من أجل إلقاء الضوء على جرائم الاحتلال الإسرائيلي، وليس ضحايا مقاتلي حماس، بهدف تشويه الاحتلال أولا ورفع معنويات الشارع والمقاتلين ثانيا.
في حين يعلن جيش الاحتلال بشكل شبه يومي عن عدد ضحاياه الذي وصل منذ طوفان الأقصى نحو ٣٦١ جنديا، الأمر الذي قد يشعر المواطنين بالخطر. وفي السياق ذاته أكدت كتائب القسام والمكتب السياسي لحركة حماس في وقت سابق أن الوثائق التي سوف تنشرها كتائب القسام عن خسائر الجيش الإسرائيلي ستصدم الشعب الإسرائيلي، لأن عدد الضحايا ” أكبر مما يعلنوه “.
دلالات هامة:
قد يعكس هذا المشهد التخبط المؤسساتي في إسرائيل بشان عدم وجود هدف محدد للحرب، ولا خطة معلنة وواضحة للعمل بعد انتهائها، مع الأخذ في الاعتبار تداعياتها الداخلية على أصعدة مختلفة، فمنذ بداية الحرب على سبيل المثال، تم تسريح ٤٦ ألف عاملا إسرائيليا، وفقا لبيانات وزارة العمل الإسرائيلية الصادرة في 3 نوفمبر.
ناهيك عن الخلافات الموجودة حتى الآن حول مدى إمكانية القيام بعملية برية موسعة، وحتى بالنسبة لوجود نتنياهو نفسه على رأس الحكومة، فمنذ أيام تم إلغاء خطاب لنتنياهو أمام الجنود بعد رفضهم لقائه، كذلك الاستقالات المتكررة في صفوف الجيش والحكومة، مثل تامير عيدان رئيس المجلس الإقليمي سدوت نيغف.
ولكن، قد يكون لإسرائيل مآرب أخرى في هذا الشأن، كأن تجذب التعاطف الغربي على المستوى الرسمي والشعبي، وهو أمر واضح في التأييد الغربي اللامحدود لإسرائيل، كذلك الحفاظ على الدعم العسكري والاقتصادي، الأمريكي تحديدا، ففي فترة ما بعد الحرب اعتادت إسرائيل أن تنهال عليها المساعدات لإعادة إعمار ما دمرته الحرب.
على جانب آخر، قد يكون نوعا من الخداع الاستراتيجي لإلهاء حماس، وإنهاكها كذلك، فيما يشبه الاستنزاف، وهذا تحديدا قد يفيده كلما طالت المدة حال عزم جيش الاحتلال فعلا على الاجتياح البري الموسع، أو عندما يحين وقت التفاوض، قد تضطر حماس للتفاوض وفق اشتراطات أقل.
في المقابل، لجأت حماس لسرديات قد يكون الهدف منها في المقام الأول إلحاق الهزيمة المعنوية بالجمهور والمقاتلين الإسرائيليين، عندما تحدث عن هروب الإسرائيليين من أحد مقاومي حماس، والاشتباكات التي دارت بين ثلاثة مقاومين وفرقة عسكرية إسرائيلية كاملة، وأن مقاتلي القسام ” يلتحمون مع العدو من المسافة صفر “، كما تضمنت تصريحاته أيضا سخرية من مزاعم إسرائيل حول قوة جيشها. ومن ناحية أخرى، حاول رفع معنويات الرأي العام العربي والإسلامي عموما، وأكد أن المقاومة تصنع سلاحها بنفسها وقادرة على تحقيق أهدافها.
وفي وقت سابق، أعلن أبو عبيدة عن تدمير كتيبة من قوات الجيش الإسرائيلي و 162 آلية عسكرية، وأن مقاتليه يواصلون التصدي لآليات الجيش في غزة على عدة محاور. وقد يكون الهدف من ذلك رفع الروح المعنوية لمقاتليه وللرأي العام العربي والإسلامي أجمع، وتصدير الضغوط للخصم وزلزلة الهيبة الإسرائيلية.
وقد يأتي موقف حماس فيما يتعلق بملف الأسرى تحديدا بعد مطالبتهم بإطلاق سراح جميع الأسرى الفلسطينيين، والبالغ عددهم نحو ٦ آلاف أسير، انطلاقا من إدراك قياداتها لقوة موقفها على الأرض.
على ما يبدو أن تحركات قادة حماس مدروسة بشكل جيد، سواء على المستوى الإعلامي أو حتى فيما يتعلق بوجود خارطة واضحة لفترة ما بعد الحرب، حيث وضع إسماعيل هنية تصورا للمسار السياسي بعد الحرب بداية من وقف العدوان وحتى قيام دولة فلسطينية موحدة، وهذا قد يؤشر إلى رغبة حماس في أن تكون هي الطرف المفاوض في فترة ما بعد الحرب، وليس السلطة الفلسطينية كما ترى أطراف عربية وغربية.
فحماس تعلم تمام العلم أن نتيجة الحرب قد تؤثر في مستقبلها السياسي والعسكري في القطاع في المرحلة القادمة، في ظل تصدر حركة الجهاد للمشهد خلال العامين الماضيين، والمحاولات الدولية والإقليمية لتقوية دور السلطة الفلسطينية في الضفة. فحال نجحت حماس في تحقيق أهدافها من القتال، قد تصبح هي المتحكم والمفاوض الرئيس في الملف الفلسطيني واقعيا، وقد تنال دعما إقليميا إضافيا.لذا، قد يكون ملف الأسرى هو الورقة الأقوى في يد حماس لاستعادة هيبتها.
وختاما، كان هناك نوع من التكامل في تصريحات قادة حماس رغم الحرب غير المتكافئة، الأمر الذي أسهم في خلق حالة من التوازن والثقة مقابل الخطاب الإسرائيلي الباهت، والمتعجرف في بعض الأحيان.